كتـابة رســالة بالدمـوع !!
29-01-2019, 06:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم









كتـابة رســالة بالدمـوع !!
تلك الأنامل الغضة خطت ورسمت .. فتدفق سيل من الحروف المشاكسة .. تلك الحروف التي تجرأت وقالت ما تريد .. كانت لا تبالي بثمار المخاطرة والمجازفة .. أمرت الأنامل بالكتابة فأذعنت الأنامل بالطاعة .. فهي الأنامل المأمورة من قلب جريح .. وقد دارت دائرة الحروف لترسم كل خفقات المشاعر والأحاسيس .. حيث رسمت منحيات جريئة مفتوحة غير مكتملة الاستدارة .. مبتورة تفقد العناق عند النهايات .. وتلك إشارات تعني عدم الديمومة في العلاقة .. كما أنها تمثل مقدار الشرخ الذي أصاب قدسية الوفاء والإخلاص .. والسجال بالاستعجال كان يزعج الحروف .. حيث إما الوصال وإما الانفصال .. لقد تدفقت الكلمات فوق الصفحة البيضاء عارمة وصارمة .. غير عابئة بردود الأفعال .. في البداية كانت الطاعة العمياء من اليراع الذي يواكب بالانصياع .. ثم تمرد اليراع فجأة وأبى أن يلبي النداء .. فهو لا يريد أن يجاري لحظات الآهات والأنات وقد أمسك فجأة عن العطاء .. محنة جماد كأنه يحس كالأحياء .. فاجتهدت صاحبة القلب الجريح حين بللت أطراف اليراع بريقها العطر المثير .. ومع ذلك فإن اليراع لم ينصاع رغم تلك القبلة المبذولة في معمعة الرثاء والبكاء .. وعندها غمست سنة اليراع في نقطة دمعة سقطت من خدها فوق الصفحة البيضاء .. ذلك الخد النضير الذي يفوق الندى في روعة الصفاء .. فتألم القلم وتأثر كثيراً ثم بكى من فرط الآلام والرجاء .. وبدأ يرسم سيلاً من الآهات والأنات دون تردد أو توقف في الأثناء .. وعندها انهمرت وتدفقت سيول من المشاعر الهوجاء .. كانت تلاحق الحروف تلو الحروف وكأنها تخشى أن يتمرد القلم من جديد .. صبراً يا هــذه الهيفاء !! .. تمهلي وتريثي قليلاً .. فإن العبارات قد تراكمت وتلاحقت وقد طمست معالمها بسبب الدموع الساقطة !. وتلك الحروف بدأت تفقد هياكلها وينقصها التنقيط .. وقد خرجت عن مساراتها حين اضطربت الأنامل بالركض والعجالة .. والكلمات المبذولة أصبحت لا تحمل المعاني المفيدة .. يا هذه البهية تمهلي قليلاً فنحن نعلم أن قلبك يريد أن يقول الكثير .. يريد أن يفرغ مخزوناً هائلاً يتوفر في جوفك منذ الزمان .. مخزون كان ينتظر السانحة لينفجر كالبركان .. ولكن لابد أن تجتازي بحار الهموم بالوقار والاتزان .. وتلك الرسالة قد أزعجتها كثرة الدموع والأشجان .. والصفحات قد أصبحت عليلة هالكة بالدموع الماطرة الساقطة .. كما أن اليراع قد اشتكى من جديد وقال إني قد مللت الإبحار في بحار الأوجاع .. وهو ذلك اليراع كطفل الروضة لا يجيد المتابعة إلا بالصبر والتلقين الممهل .

.............. ثم كانت الطامة الكبرى حين بدأت كتابة رسالة جديدة بعد أن مزقت تلك الصفحات .. حيث رمت تلك الوريقات الممزقة في سلة النفايات .. وقد اشتكت سلة النفايات من كثرى القذائف المبذولة بالركلات .. وقد امتلأت حتى بدأت تنوء بالمهملات .. وحينها ضاعت ثمار الجهد والبذل في لحظات يأس مقرونة بالأنات والآهات .. فيا لها من معركة خاسرة لا تعرف النهايات .. ويا لها من جولات تنذر بالمزيد والمزيد من الويلات !! .. لقد اشتكى الكل من كثرة الكتابة والعودة في الجولات .. اليراع والمداد والأنامل وتلك الصفحات .. ومع ذلك لم تتوقف ولم تستمع لنصيحة الناصحين أهل العرف بالثبات .. بل واصلت مشوارها بإصرار يتحدي ويماثل الجبال الراسيات .. تلوم وتعتب .. ثم تغضب وتدمع .. ثم تكتب وترسم .. ثم تلعن وتشتم .. ثم تمزق وتقذف .. وكذا دامت لساعات وساعات .. حتى أجبرت عيونها سطوة النعاس والسبات .

ــــــــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيســى محمد أحمـد