“عدد القتلى سيكون في حدود 60 ألف شخص” خالد نزار قبيل الإنقلاب
13-01-2018, 10:30 PM
هذا المقال للصحفي معمر فرّاح الصادر بجريدة لوسوار دالجيري

جانفي 1992 : توقعات بسقوط 60000 قتيل
دعونا نكون واضحين: هناك معسكرين لا ثالث لهما؛ معسكر الذين أرادوا رؤية قيام دولة إسلاموية، و معسكر الذين يشعرون بأن الجيش أحسن صنعاً بالتدخل لحماية النظام الجمهوري، رغم ماشاب ذلك التدخل من نقائص. وليس هناك خيار ثالث.
الإقتداء ببعض المثقفين الذين بدافع من التحفظ و المحاكاة لصنّاع الرأي المعاكس، يفضلون البقاء فوق سحابة باسم الموضوعية…كل ذلك لا يبدو لي مفيداً أو بناءاً. في أفضل الأحوال هي لا تعدو كونها مجرد إيماءات فكرية يقطف ثمرتها عادة أعداء الديموقراطية.
شخصياً، كانت لي صولات و جولات كثيرة على الرغم من أني لم أكن موضوعيا و لا أؤمن بالموضوعية في مهنتنا. يكفي فقط رؤية الخيارات و الطرق التي يتم بها معالجة القضايا الأكثر خطورة فوق كوكبنا حتى ندرك بأن “الموضوعية” وهم.
لذلك فإن أولئك الذين يدعمون تدخل الجيش كخيار من شأنه أن ينقذ البلاد من رحلة بلاعودة. لم يكن ذلك التدخل عملا من أعمال التطريز. أتذكر ذلك اليوم الذي تلقى فيه فيه مديرنا للنشر دعوة إلى وزارة الإعلام التي كان على رأسها المرحوم أبو بكر بلقايد.
حضر المدير ذلك الإجتماع الذي عُقد لمعرفة آراء مديري الجرائد حول التوقيف الوشيك الوقوع للمسار الإنتخابي، ولدى رجوعه اتصل بنا – بصفتنا المساهمين في جريدة لوسوار دالجيري – على وجه الإستعجال ليضعنا في الصورة. أتذكر أنه قال بأن أرقام التوقعات تشير إلى سقوط 60000 قتيل. معنى ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه مهندسو ذلك التقويم الجمهوري يتأهبون للتصرّف، كانوا يعلمون بأن عددا كبيرا من الجزائريين سوف يموتون، لكنهم كانوا بعيدين عن الرقم… فالحديث اليوم هو عن 200000 قتيل…وليس من الغرابة القول بأنّ تلك المرحلة لم تكن خالية من الأخطاء و الإنهتاكات، و لا الإعدامات العشوائية أو عمليات التعذيب و غيرها.

تقدّر في ذلك الوقت أن يكون قائد الجيش إسمه خالد نزار. أيجب عليه أن يدفع اليوم لقاء تصرفه فقط من أجل مصلحة الجمهورية؟ عندما نقف ضد القرار الصادر عن المحكمة السويسرية، فإننا لسنا بصدد الدفاع عن الرجل. إننا ندافع عن الفكرة و الإنجاز و المؤسسة التي تبقى تحظى بالإحترام دائما رغم سلوك البعض من قادتها. ليس لدينا أية علاقة بخالد نزار لا من قريب و لامن بعيد.

الجيش و 1999

إن أرادت أية عدالة في العالم أن تحاكم نزّار عن جرائم أخرى باستثناء اعتراضع للمشروع الأصولي فلن نهتم بذلك، ونحن لا نعرف إذا كان لنزّار أموال في سويسرا أم لا، فذلك لا يخصنا. أما بالنسبة للخامس من أكتوبر، فقد كان للجيش الشجاعة للإعتراف بأنه وبسبب الإستعداد لحماية البلد من الخطر الخارجي، لم يخطر بباله أنّه سيأتي يوم يُطلب فيه منه استعادة النظام في شوارع مدننا.
الجيش لم يقتل عمداً، وقد تحمل في ذلك الوقت المسؤولية و عبر عن أسفه لاضطراره إلى إطلاق النار على الشباب من أجل استعادة النظام و تجنب الفوضى؛ وحقا فإن الوضع كان أفضل بالنسبة لجميع الأطراف لو شكلت لجان تحقيق مستقلة لتسليط الضوء على تلك الأحداث الأليمة. إلى جانب ذلك فقد سلّم الجيش السلطة للمدنيين في 1999، وحتى لو قبلنا بانتقاد الآلية اللاديموقراطية التي جرت فيها عملية تسليم السلطة – برعاية مرشح وحيد من سبعة، اضطر الستة الآخرون إلى الإنسحاب -، فإن ذلك ليس حجة لتحميل الجيش كل المسؤولية عن الوضعية الكارثية التي تغرق البلاد في المجهول بسبب نظام انخرط بلا هوادة منذ 1999 في تدمير كل قطاعات الحياة الإقتصادية والإجتماعية، وفي التحالف مع قوى الرجعية و الظلامية. و على كل حال، فإننا نميل إلى نسيان الإشارة إلى الشجاعة و التصميم التي تحلى بها محمد بوضياف، أحد آباء النظال الوطني، الذي أخذ على عاتقه مسؤولية حل الفيس يوم الرابع من مارس 1992 وإعطاء الجيش كامل الصلاحيات لاستعادة النظام و الأمن في بلد مهتز و على شفير من الفوضى.
إن منفذي اغتيال بوضياف يمكن البحث عنهم في دوائر أخرى كانت تشرف على التسيير المباشر للتنقلات الرئاسية. من كان مسؤولا هن الجهاز الذي سمح لبومعرافي بالتسلل بين العناصر التي كان في طليعة الأمن الرئاسي؟ لا أؤمن بنظرية الفعل المنعزل، فقد كانت هناك مؤامرة وهذا مؤكد! ويكفي إلقاء نظرة على المنصة الرئاسية قبل دقائق من المأساة حتى ندرك الحقيقة.
أعرف من خلال مرافقتي للرئيس بومدين عشرات المرات في رحلاته داخل البلاد، و من خلال متابعاتي التلفزيونية لتنقلات رؤساء الدولة الآخرين، أن رئيس الجمهورية يرافقه دائما وزير الداخلية و أعضاء آخرون من الحكومة…أما في منصة الرئيس بوضياف فقد كان والي عنابة، بعض المسؤولين المحليين و شبّان، وقد كان ذلك كافيا لاستنتاج حدوث مؤامرة. هذه قناعتي…لكن لا وجهة نظري ولا وجهة نظر القراء تجعل الأمر مفروغا منه، وهنا أيضا يجب لجنة تحقيق – رغم مرور الوقت – لمحاولة كشف الحقيقة…لجنة مستقلة بطبيعة الحال.

الحقيقة و العدالة
ما لم نعرف من يقف وراء اغتيال بوضياف و لماذا قُتل. و مالم يعرف أولياء ضحايا أكتوبر 1988 لم يعرفوا الظروف الدقيقة و المسؤولين الحقيقين عن موت أبنائهم…ومالم نسلط كل الضوء على المفقودين و المعذبين بعد جانفي 1992…. وما دام مرتكبوا جرائم قتل 127 شابا من منطقة القبائل لم بدون أي عقاب…..يبقى هذا الحجاب الكثيف الذي يواصل إلقاء ظلال الريبة والشك حول الجهات التي تقف وراء تلك الأحداث، ويروج لأكثر الشائعات إثارة. نحن بحاجة إلى الحقيقة، لكن هنا في بلادنا، لأنها مسألة متعلقة بالسيادة الوطنية.
[IMG][/IMG]