تأثير عصبية الأهل على الأبناء
23-07-2018, 12:12 PM

يلجأ الكثير من الآباء والأمهات إلى تناول الأدوية المهدئة، للتخلص من غضبهم وقلقهم ومنع تأثير ذلك على أطفالهم.

لكن الأمر ليس بحاجة عقاقير دوائية، فالحل لا يتطلب سوى فهم وعلاج ذاتي، ووعي أكثر لحقيقة المشاكل التي تحيط بنا.

تنتاب العديد من الناس اليوم مشاعر القلق والغضب في حياتهم اليومية، وتسيطر على تفكيرهم وسلوكهم، فمنهم من يتسلح بالصبر ليربح التحدي.

ومنهم من يفقد ذاك الصبر، أو على الأرجح فقده منذ زمن، أو منذ ميلاد الطفل الأول بمعنى أوضح، هذا الأمر لا يعني أن الأطفال هم السبب الوحيد لغضب الأهل.

لكن مع تكرار المشاكل اليومية التي فاقت المستطاع، وكثرة الانشغالات في عصر السرعة الذي نعيشه، أصبح من البديهي أن نرى يومياً شخصاً على الأقل تكاد دموعه تنفجر لغضبه من الحياة والأطفال في وقت واحد.

فما أن تطأ قدمه البيت؛ حتى تبدأ معركة جديدة مع براعم المستقبل، فالأطفال جنة الدنيا كما يقال، إنما للصبر حدود، فما الحل؟!

1
تجارب شخصية لأمهات عانين من الغضب
شاركت هارموني هوبز تجربتها في هذا الموضوع، فهي تقول "أنها عصبية الطبع تثور بسرعة، تنتقل من أهدأ حالاتها إلى ثورة من الغضب، فهي دائماً في حالة إرهاق، تجد المشاكل في أصغر الأشياء.

ولا ترغب بأن تصاب بالجنون لرؤية طفلها يسكب الماء على الأرض، أو عندما يضع معجون الأسنان على المرآة بعد أن منعته من ذلك مراراً.



إلا أن هذه التصرفات التي يبديها أطفالها تجعلها تخرج عن هدوئها، وتجعل أطفالها يصابون بالتوتر والغضب، فهي بحاجة إلى الوقت للتعود على سلوك مختلف.

ومن معاناتها أيضاً، عندما تقوم بتصفح الإنترنت مثلاً بعد انتهائها من عملها، تجد فجأة طفلها يغسل يديه بالموز أو طفلتها تلهو بأغراضها بعد أن نبهتها لعدم فعل ذلك مراراً، وهذا بالطبع سيجعلها تثور غضباً".

كما ذكر الكاتب ديفيد اندريج (David Anderegg) من خلال كتابه (Worried All The Time) تجربة لإحدى السيدات.

حيث تقول "اعتادت أن تكون شخصاً هادئاً إلى أن أصبحت أماً، بعدها انقلبت الموازين، فعندما كانت تحاول قراءة إحدى المجلات مع فنجان من القهوة لتمارس كعادة قديمة.

وتشغل التلفاز لتجعل أطفالها يشاهدون البرامج الكرتونية، كان يبدأ الأطفال بعد عدة دقائق بالصراخ وإحداث الضجة، فتبدأ بالصراخ هي الأخرى لتهدئة الوضع.



لكن وإن استطاعت السيطرة على الأمر؛ تبقى متوترة ولا يمكنها الاسترخاء، حتى أنها تصاب بفوبيا من الرد على المكالمات الهاتفية.

ويزداد عنفها وغضبها بعد رفض طفلها لتنفيذ ما تريد، مما يجعلها تشعر بأنها أسوأ أم، فكل هذا التقلب في المزاج والضجر الذي يصيبها يجعلها تشعر بعدم الارتياح، كما يملك أطفالها ذات الشعور".


2
البيئة المحيطة ودورها في غضب الأهل من الأطفال
إن قلق وعصبية الأهل ليست وراثية، بل نتاج الظروف الخارجية التي تسبب هذه المشاعر كالتعب الجسدي، ظروف العمل السيئة، الخلافات داخل الأسرة، قلة الصبر وغيرها.

وتنتقل إلى الأطفال حيث تؤثر عليهم بشكل كبير، لذلك نجد أن للأهل دوراً كبيراً في الحد من قلق أطفالهم وتخفيض مستوى العصبية لديهم.



وفي هذا النطاق أجرى العديد من الباحثين في جامعة الملك في لندن عام 2015 دراسة نُشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي.

حاولت معرفة إمكانية انتقال القلق بين الأسر إلى الأطفال بعيداً عن التوائم التي تؤثر عليها العوامل الوراثية، ووجدت أن الصفات الجينية بإمكانها أن تؤثر على مزاج الطفل.

لكن الأمر الأكثر أهمية أن مشاعر القلق والعصبية عند الأبوين تؤثر على الأبناء عن طريق الانتقال البيئي، فللأبوين تأثير كبير ومباشر على أطفالهم في ذلك.

فعندما يراقب الطفل مشاعر الخوف والقلق في تصرفات وأقوال والديه؛ يحاول أن يعتمد هذه المشاعر لنفسه.

لكن عند معرفة الأهل لسلوكياتهم السلبية، يصبح بإمكانهم الحد من مشاعر القلق التي تصيب الطفل، التي تسبب غضبه وتنتقل به إلى مشاكل أخرى قد تصل إلى الفوبيا مثل:



الخوف من المرتفعات أو من الذهاب إلى طبيب الأسنان، كما وجدت هذه الدراسة أن معالجة القلق والعصبية يكون بمعالجة الأصل، أي بحل هذه القضية أولاً بالنسبة للأبوين المسبب الرئيسي لذلك.

وخلصت إلى أن تأثير الجينات على الطفل ذات مستوى منخفض أمام التأثير البيئي المباشر الأكثر قدرة على خلق مشاعر مشابهة من خلال تقليد الطفل لأبويه.

3
غضب الطفل ينتج عن سلوك الأهل وتصرفاتهم
في دراسة أجراها كل من مارسي بورستين (Marcy Burstein) وجولدا جنسبورغ (Golda S. Ginsburg) عام 2010؛ كان الهدف منها معرفة تأثير سلوكيات القلق والعصبية عند الأبوين على الأطفال وإدراكهم لها.

وجدت أن سلوك القلق والاضطراب عند الأبوين تنعكس من خلال السلوكيات التي يبديها الطفل، فتسيطر عليه مشاعر القلق ويصاب بالخلل في الإدراك.

ووجدت أخيراً أن تأثير قلق وغضب الأب أكبر من تأثير غضب الأم.. على عكس الشائع في مجتمعانا العربية!

كما بينت الدكتورة اليس بينتون (Alice G. Walton) الأخصائية في مجال الطب وعلم النفس، أن ضغط وتوتر الأهل يؤذي الأطفال من الداخل والخارج، ويسبب إجهاداً وتعباً نفسياً ينعكس من خلال تصرفاتهم.

فالأطفال مثل الاسفنج؛ يمتصون ما حولهم من مشاعر وظروف، فهذا الإجهاد النفسي يعرض الكثير من الأطفال لخطر اضطرابات المزاج والقلق والتوتر وحتى بعض الأمراض الأخرى كالتوحد.

كذلك وجدت أن تأثير الإجهاد قد ينتقل بشكل جيني أثناء الحمل، فالإجهاد في فترة الحمل أو ما يسمى إجهاد ما قبل الولادة يؤثر على دماغ الطفل ومنها إلى الجينات.



وتسبب اضطرابات النمو العصبية عند الطفل، في هذه الحالة تلعب العوامل الوراثية دوراً بسيطاً، إلا أن العوامل البيئية (بيئة الرحم) تلعب الدور الرئيسي.

فإفراز جسم المرأة لهرمون التوتر (الكورتيزول) يؤثر على دماغ الجنين، وتنتقل هذه الهرمونات عبر المشيمة ومنها إلى دماغ الجنين.

فيحاول التكيف مع التهديدات الخارجية، بذلك قد يولد الطفل حاملاً معه بعض طباع القلق والعصبية من والدته.

4
مشاعر القلق والغضب تنتقل بالعدوى
وفقاً لدراسة جديدة في جمعية علم النفس الأمريكية (APA) عام 2010، فإن نسبة 90% من الأطفال الذين عايشوا الغضب والشكوى من طرف الأبوين تأثروا بذلك وشعروا بالحزن والقلق والإحباط من الواقع.

ونسبة 30% منهم عانوا من الصداع واضطرابات المعدة التي يسببها التوتر والقلق، كما أن نسبة 70% من الآباء اعترفوا أن قلقهم وغضبهم يؤثر على أطفالهم.

كما وجدت الدراسة أن القلق معدٍ، فالمشاعر السلبية تنتقل إلى الشخص المقابل لا إرادياً، فعلى الآباء أن يراقبوا تصرفاتهم، لأن الأنماط السلوكية التي ينقلها الأبوين إلى الطفل تضرّ بصحته.

وتجعله أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكري والاكتئاب مستقبلاً، من جهة أخرى أكدت الدراسة أن معالجة الأمر تكون بتشجيع الشخص لنفسه ولأبنائه على الاستماع للموسيقى وعزفها إن أمكن، ممارسة الرياضة.

كذلك ممارسة تمارين التنفس التي تعتبر تقنية مهمة لتفريغ شحنات القلق والغضب. كما أن اللعب مع الأطفال هام جداً في معالجة الأمر.



حيث أكد ذلك الطبيب النفسي "ستيوارت براون" مؤسس المعهد الوطني للعب في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية حين قال:

"للعب مع الأطفال أهمية خاصة، فيجب أن يكتشف الآباء الأنشطة التي يحبها الأطفال ويمارسوها معاً، فذلك يرضي الجهاز العصبي لدى الشخص وأطفاله في آن واحد".

5
القلق والغضب عند الطفل طبيعي في المراحل العمرية الأولى
عندما يكون سبب القلق معروف، حيث يتحول الى نوبات من الغضب والسلوكيات السلبية عند الأطفال؛ يصبح من السهولة معالجته ووضع الحد له لمنع تطوره.

فقد بينت المستشارة النفسية كاثي اوجستر (Kathy Eugster) أن نسبة 15% من الأطفال يولدون بمزاج قلق، كما أن القلق يزداد في مرحلة الطفولة، فيخاف الطفل من الغرباء ومن الظلام ومن الحيوانات.

كما تنشأ مصادر أخرى للقلق من الحياة والأسرة والبيئة المحيطة والتغيرات والتحولات التي تحدث في الأسرة، مثل ولادة أخ جديد، بداية المدرسة، وفاة أحد كبار السن (الجد - الجدة).

إضافة إلى الأحداث الصعبة التي تحدث داخل الأسرة قد تكون صادمة للطفل وتسبب له القلق والاضطراب مثل: صراع الوالدين أو انفصالهما.

أو مرض يصيب أحد أفراد العائلة، كذلك موت أحد أفراد العائلة، العنف المجتمعي، أو التجارب التي يمارسها الطفل في المدرسة أو الحي أيضاً.

يمكن معرفة مدى معاناة الأطفال من القلق من خلال عدة أمور، فالأطفال الذين يعانون من القلق المفرط تظهر لديهم مشاعر التشاؤم، التفكير السلبي، التخيل السيء، الإفراط في المبالغة في السلبيات، الجمود، عدم المرونة.

النقد الذاتي، الشعور بالذنب، الغضب، العدوان، الأرق، التهيج، نوبات الغضب، المعارضة، التحدي، قلق دائم عن الأشياء التي يمكن أن تحدث.

كذلك نوبات مفاجئة من البكاء، أو الشكاوى الجسدية مثل: آلام المعدة، الصداع، التعب، صعوبة في النوم، ضعف الذاكرة، ضعف التركيز، الانسحاب من الأنشطة والتفاعلات الأسرية.

إلا أن القلق يعتبر طبيعياً في المراحل العمرية الأولى، فلا يجب أن تخشى من الأمر؛ لكن في حال نشأ الطفل على هذه المخاوف فإنها ستمنعه حتماً من التمتع بتجارب الحياة اليومية وتؤثر على سلوكه في الأسرة والمدرسة وبين الأصدقاء.

6
مشاعر الغضب والتوتر عند الأهل علاجها ذاتي
إن الوعي الذاتي هو جزء لا يتجزأ من عملية الأبوة أو الأمومة عندما يصبح مستوى الصبر لديهم متدني، فيجب أن يسأل الشخص نفسه، ما سبب غضبي؟ هل أنا جائع؟ هل أنا متعب؟ ماذا أحتاج؟

فعند معرفة هذه الأشياء والوعي لأسباب غضبك، ستستطيع حل هذه المشكلات مع أطفالك الذين أصبحوا جزءاً منها.



كما أن الأمر الآخر لفهم تصرفات الطفل، هي أن نضع أنفسنا مكانه عندما كنا في سنه، حاول ذلك..

بدلاً من الصراخ على الطفل لأنه عبث بأغراض الدرج الخاص بك، تستطيع أن تتذكر نفسك عندما كنت في ذاك السن، وكيف دفعك فضولك وحبك للاستكشاف تفعل ذات الأمر.

اسأل والديك عن مثل هذه المواقف إن لم تتذكرها، ستضحك حتماً بدلاً من تفريغ غضبك على طفلك.

7
كيف تقلل من غضب الأطفال؟
كتبت ريبيكا اينس (Rebecca Eanes) في مجلة (Creative Child) بأن الغضب حالة طبيعية، ومعالجته وتعلم فن إدارته يعتبر مفتاح الصحة النفسية والرفاه أيضاً.

فإذا كان طفلك يعاني من موجات الغضب، فعليك معرفة أسباب المشكلة من جذورها ووضع استراتيجيات وحلول ممكنة لذلك، فالصحة النفسية للأطفال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالخصائص النفسية والاجتماعية للبيئة التي يعيشون فيها.

لأن مرحلة الطفولة المبكرة هي الوقت الأمثل لتطوير الذكاء العاطفي ودعم العواطف الإيجابية عند الطفلمنذ نعومة أظفاره؛ بعيداً عن الغضب والقلق والتوتر.

فالكثير من الآباء يواجهون غضب أطفالهم بالصراخ أو الضرب للحد من سوء تصرفاتهم وغضبهم، البعض الأخر يسمح للطفل بالتعبير عن غضبه ومشاعره السلبية من خلال بعض التصرفات مثل:

ضرب الأشياء المادية (كيس الرمل أو الملاكمة)، لكن في حال كنت أنت المسبب لغضب طفلك أو أن هناك أموراً أخرى جعلته يغضب، يمكنك اتباع عدة طرق تستطيع من خلالها تهدئة الطفل الغاضب والحد من هذا الأمر:

خلق روتين يومي مع الطفل وممارسة أفعالٍ تعمل على الحد من القلق والسيطرة عليه، فيمكن توفير أنشطة يومية تساعد الطفل على الاسترخاء والهدوء مثل القراءة، المطالعة، الألعاب، ممارسة الرياضة، فهذه الممارسات تحد من التوتر وتساعد الجسم على الاسترخاء، كذلك علم طفلك تقنيات التنفس، فهذه الطريقة المثلى في التفريغ عن الغضب.
ساعد طفلك على أن يعرف ويسمي غضبه، فذلك يساعده على معرفة أسباب الغضب ومعالجتها، كما أن للحديث مع الطفل عن مشاعره أهمية كبيرة، حيث يجب عليك القيام بذلك وبأسلوب مباشر أو من خلال بعض السلوكيات لفهم ما يدور بداخل رأسه الصغير من أفكار، كما عليك تقبل طريقة تفكيره وكلامه ومشاعره، فكل ذلك سينعكس على رغبته في البوح لك عن مشاعره دون الخوف من النقد اللاذع أو العقاب في حال انتقدك.
وفر له الظروف البيئية الجيدة، فهنالك بعض الأمور التي تفيد في معالجة قلق الأطفال، كالاحتضان، قراءة القصص، أو الغناء.. تعتبر من الاستراتيجيات المهدئة للطفل وتساعده على التخلص من القلق وتخفيف التوتر.
قابل غضب طفلك بالتعاطف معه، فمن خلال ذلك يستطيع أن يخفض مستوى الغضب لديه والتخلص منه، فعليك أن تحترم مخاوف طفلك، فلن ينفع الأمر عندما تقنعه بأن يتوقف عن خوفه، فالأفضل بعد أن يعترف بمخاوفه أن تحاول إقناعه أن بإمكانه مواجهة مشاكله والتغلب عليها.
عندما يغضب طفلك، اصطحبه إلى مكان هادئ واجعله يرسم بالألوان ويقوم بالخربشات أو يقرأ إحدى القصص، فهذه الوسائل تعطيه مهارة مهمة في الحياة على أن يكون حراً وطلقاً في التفكير، قم بإعطائه الوقت الكافي ليمارس ما يريد من الرسم أو اللعب.
قوي ذهن طفلك من خلال دفعه على التفكير بحلول لمشكلة ما، أو أن يعطيك رأيه بشيء يخصك (قطعة ثياب - طبق من الطعام)، فهذا يساعد الأطفال على تحسين قدراتهم، وتهدئة شعورهم بالاضطراب واتخاذ قرارات أفضل.
اسمح له بممارسة بعض الأنشطة الحسية مثل اللعب بقطعة عجين، فالأنشطة التي يمارسها الطفل من خلال اللمس تساعد على تهدئة الجسم وتفريغه من الغضب والقلق.
أخيراً.. يمكن القول بأن جميع الآباء والأمهات معرضون لحالات من التوتر والقلق والغضب من المشاكل اليومية، كما أن الكثير منهم يفرغ مشاعره السلبية من خلال التعامل مع أطفالهم.

لكن يجب الانتباه إلى أن الأطفال يمتصون كل ما يرونه حولهم وبالتأكيد سيبنون أفكارهم اقتداءً بوالديهم، فالأفضل معالجة الغضب والقلق عند كل شخص.

والانتباه إلى أي تصرف أمام الأطفال، لأن للأمر أثر كبير على الأطفال، إلا أن الحلول بسيطة.

م.م.بتصرف