خطاب الرشوة: دراسة لغوية اجتماعية
15-02-2009, 08:55 PM
خطاب الرشوة: دراسة لغوية اجتماعية

المؤلف: الأكاديمي واللساني اللبناني (نادر سراج)
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر ـ بيروت 2008
حجم الكتاب: 337 صفحة من القطع الكبير
قام بعرضه: رياض زكي قاسم: أستاذ اللغويات في الجامعة اللبنانية*1

سنختصر العرض نفسه ليكون ملائما للتصفح بيسر

أولا: في إشكالية الكتاب

يطرح الكتاب إشكالية اجتماعية من منظور لغوي، هي الفساد، وبما يتمثل من لغة مرنة، تتكيف وواقع حال الرشوة، في انعطافاتها، وتذبذباتها، في خفرها، وفي فجورها.

وجمهور هذه الإشكالية، أو الظاهرة المستشرية الى حد الترسخ (بالقوة العرفية) يتمثل في شرائح اجتماعية متنوعة، أو جماعات مهنية عديدة، أو أصحاب (معاملات) يودون (الخلاص) في إنجازها من الدوائر المختصة.

من هنا نشأت هذه الظاهرة التي نسميها في الدرس اللساني الحديث (لغة سرية) أو (خاصة) أو اصطلاحية. هذه اللغة لا تُفهم بشكل مباشر من حيث دلالاتها المتحققة، ومن حيث ظاهرها من قِبل السلطات والمراجع الكلاسيكية المحافظة في المجتمع. لكن إشاراتها لا تخفى، بالطبع، عن القاصد واللبيب.

ثانيا: الكتاب بين البحث اللهجي والحقل المفهومي

يتضمن هذا الكتاب في فصوله الخمسة، مثلث التنوع: الراشي والمرتشي والرائش. وقد اقتفى المؤلف ما يزيد عن 500 مقتطف استلها من الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية، منشورة في صحف لبنانية وعربية وفرنسية وإنجليزية.

وقد أدرج المؤلف 892 تعبير اصطلاحي تدلل على الرشوة، ولعل مسوغات البحث جعلته يندرج تلقائيا، في علم اللغة الاجتماعي، فهذا الخطاب الشعبي المتنامي، في المجالات الخدماتية يعكس في الأساس، معالم ثقافة غير مشروعة، ذرائعية، مستشرية في سلوك الناس. وهي من ثم آخذة في التزيد في سياق امتهان وترويج طرائق (الشطارة) أو الحذلقة أو حسن التخلص. لكنها في جوهرها تبقى صارخة الدلالة على ألوان الحيلة والفساد القيمي، الذي بات معروفا للعيان بين الفرد والمؤسسة.

ثالثا: في مدونة الكتاب والمصطلح

يعالج المؤلِف لغويا، مسألة اجتماعية ذات طابع (فضائحي)، تتمثل بكنايات واستعارات ومجازات ودلالات اصطلاحية مهنية أو حِرفية، لها جذورها الضاربة في التاريخ، من كتاب (الملاحن) لابن دريد، الى لغة (العيارين) وقطاع الطرق، مرورا بمقامتي (الرصافية) و (الدينارية) لبديع الزمان الهمذاني.

ويحلو للمؤلف أن يدرج (خطاب الرشوة) في الدرس اللساني، وتحديدا في باب (الرطانة) أو (الأُرغَة: تعريب المصطلح الفرنسي Argot). وإن كان يعتبر المصطلح الفرنسي ممعنا في البذاءة.

رابعا: الكتاب بين التحليل والنقد

تشكل كنايات الرشوة الواردة في الفصل الأول (صفحات 41ـ 102) والتي تجاوزت 200 تعبير، جوهر الكتاب باعتبارها المدخل الصالح الى تتبع الذهنية الشعبية في استيلادها التوصيفات العديدة لمفردة الرشوة.

فمثلا، يضع مصطلح (بطة ذهبية) و (بلوعة) و (تحت الطربيزة) و (تشحيم) و (شي أزرق). كما يذكر تعبيرات باتت مكشوفة وفقدت بريقها، مثل (أتعاب وأجرة وإكرامية وعمولة).

وفي الفصل الثاني (صفحات 103ـ 164) يستل المؤلف 90 مصطلحا، فيها من الحذر والتورية، مثل (حفظ الحقوق والأتعاب) و (رايح أجيبها من فوق) و (أنا بشوف خاطرك) و (أنا جاهز لكل شي) و (تعبك محفوظ).

ويذكر المؤلف مصطلحات بها مسحة رجاء أو بها مسحة دينية مثل، (قول يا رب) و (شو بيطلع من خاطرك) و (الله يخليلك إياهم) و (اِطَلَع فينا يا ريس).

وأحيانا تظهر الوقاحة في التعبير من قبل المرتشي، (إكسر لنا عيننا) و (ورينا عملتك) و (بعدك مطنش).

وأحيانا تميل اللغة الى الألغاز، مثل، (بدها دفشة) أو (بدها بنزين) أو(بَودرها)

أما الوسيط (الرائش) فلغته أكثر كياسة، مثل، (بتنحل الأمور، بس بدها أخذ وعطا) و (بارك الله فيمن نفع واستنفع) أو بشكل صريح (رتبه) أو (عبيله جيبه) أو (طيبله خاطره)

كما أورد الكاتب مصطلحات باتت معروفة (ثمن فنجان قهوة) و (براني) و (معلومية) و (حلوان).
كما أورد تعبيرات نادرة مثل (دموع الأرض) و (رضيخة) و(سمحة نفس) و (راشن) الخ

انتهى عرض العرض

*1ـ مجلة إضافات (المجلة العربية لعلم الاجتماع) العدد2/2008