«بيروت عاصمة عالمية للكتاب»: 160 مشروعا والباب مشرع للأفكار المبتكرة
25-04-2009, 08:44 PM
«بيروت عاصمة عالمية للكتاب» بدءا من مساء 23 أفريل
160 مشروعا والباب مشرع للأفكار المبتكرة

بيروت: سوسن الأبطح

ابتداء من مساء يوم 23 أفريل وعلى مدار سنة كاملة ستكون «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». وهي مناسبة رُصد لها مبلغ 8 ملايين دولار، وأسهمت فيها إلى جانب الدولة اللبنانية ودور النشر وهيئات المجتمع المدني 20 دولة أجنبية، لتنفيذ أكثر من 160 مشروعا، تهدف إلى تعزيز دور الكتاب وتشجيع القراءة. والتحدي الكبير الذي تواجهه هذه الاحتفالية هو الوضع الأمني والسياسي من ناحية، ومدى قدرة المشاريع المطروحة على إحداث تأثيرات طويلة المدى على المواطنين من جهة ثانية. فما الذي أُعدّ لهذه السنة؟ ما خلفياته؟ وما طموحاته؟
مساء اليوم الخميس، سيتم إطلاق «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، خلال احتفال يقام في مبنى منظمة اليونسكو في باريس، بحضور المدير العام للمنظمة كويتشيرو ماتسورا وعمدة باريس برتران دولانوويه، ووزير الثقافة اللبناني تمام سلام ورئيس بلدية بيروت عبد المنعم العريس وعدد من الشخصيات، حيث تتسلم بيروت الشعلة من أمستردام التي كانت عاصمة الكتاب العام الماضي. ويوم السبت المقبل أي في 25 من الجاري احتفالية ثانية، لبنانية هذه المرة، تقام في بيروت برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبوجود وزير الثقافة، ومن المفترض أن يحضرها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، لإطلاق الحدث من وسط بيروت، في احتفال ميداني يستمر ليومين. ووفقا للبرنامج فإن مجموعة من 12 «فليب بوك» ستطلق بالمناسبة. وهي كتب بمثابة رسينما للجيب»، تتناول 12 موضوعا متعلقا ببيروت، من تنظيم وإعداد «دار قنبز». وستبقى بيروت عاصمة للكتاب من 23 أبريل (نيسان) الحالي ولغاية 23 أبريل (نيسان) عام 2010، مما يضع لبنان أمام تحدٍّ عربي ودولي، وتحدٍّ ذاتي قبل كل شيء. فمنذ أكثر من سنة، قام وزير الثقافة السابق طارق متري بجهود إعلامية، لاستنفار الجهود في سبيل تمويل هذه التظاهرة ماليا من جهات مختلفة. لكن الوزير متري كان عالقا في براثن السياسية، ولم تكن الثقافة من أولوياته، بينما كانت السرايا الحكومية مزنرة بالمعارضين. وهكذا مضى الوقت دون أن يكون إعداد لمناسبة من المفترض أنها تعني للبنان الكثير ما دام عشرون في المائة من الدخل القومي الوطني مصدره الثقافة، كما يقول وزير الثقافة الحالي. وهو قطاع خاص في معظمه، وبالكاد تعرف وزارة الثقافة بما يدور فيه، أو تستطيع المشاركة في دعمه، إذ إن موازنة هذه الوزارة لا تتجاوز أحيانا 0,5% من نسبة الموازنة العامة. في 12 يوليو (تموز) من العام الماضي أعلن عن تشكيل الحكومة الجديدة، لكن وزير الثقافة الجديد تمام سلام لم يلتفت إلى التظاهرة إلا متأخرا، والحجة دائما أن التمويلات غير مرصودة، علما بأن المشاريع تأتي بالتمويل. لكن الوزير قرر العكس، وانتظر أن رُصدت ميزانية من الدولة اللبنانية قيمتها 4 ملايين دولار أعلن عنها في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبدأ التفكير في المشاريع. لكن هذه الملايين الأربعة من حينها تضاعفت بفضل إسهامات المؤسسات الدولية والقطاع الخاص. وتوجد لجان عدة تحضر للمناسبة، تتولى التنسيق بينها ليلى بركات، التي تترأس فريقا يعمل كخلية نحل، لتعويض الزمن الذي أُهدرَ. وقد تمكن المنظمون من ترتيب برنامج أولى وطبع كتيب بالمشروعات التي ستشهدها العاصمة والمناطق اللبنانية كافة، وإن كانت الكثير من المواعيد ما تزال ضبابية ورهن تحديدها في الفترة المقبلة. وما هو محمود رغم الارتباك الكبير الذي ساد التحضيرات هو فتح الباب أمام الجميع للإدلاء بمشاريعهم وأفكارهم، للمشاركة في الاحتفالية، وهكذا ترى على البرنامج مشاريع لجامعات ومدارس ودور نشر، ومؤسسات وهيئات من المجتمع المدني. وعلى الموقع المخصص للتظاهرة تبقى صفحة مفتوحة لتلقي المشاريع والأفكار الجديدة لدراستها وتمويلها. والهدف دائما هو إنعاش القراءة، وتقوية دور الكتاب، ودعم المكتبات، وهو أمر سيتم بالتعاون مع المراكز الثقافية الغربية الموجودة في بيروت والعديد من السفارات، إذ يصل عدد الدول الغربية المسهمة إلى العشرين من بينها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والمكسيك. وما هو واضح حتى الآن أن الإسهام العربي غير ملحوظ، بينما تتصدر الدول الغربية المشهد بشكل كبير، لا سيما فرنسا بمشاريعها الفرانكوفونية.
ومن الأنشطة التي تُعتبر أساسية خلال هذه السنة: «بيروت 39» على غرار «بوغوتا 39» وينظمه مهرجان «هاي» الشهير، بحيث يتم اختيار وتكريم أفضل 39 كاتبا (روائيين، شعراء) عربيا أعمارهم دون الأربعين. والمعنيون هم الكتّاب العرب الذين يكتبون بالعربية أو بأي لغة أخرى.
إذ يتم اختيار الكتّاب من قِبل لجنة تتألف من أربعة كتّاب عرب، يجري تعيينهم على أساس تأثيرهم وموقعهم الأدبي. ويتم إطلاق «بيروت 39» ابتداء من مايو المقبل. والتظاهرة من تنظيم مهرجان «هاي»، بالتعاون مع وزارة الثقافة، والمجلس الثقافي البريطاني.
ووصل عدد الأنشطة التي ستنفذ طوال السنة إلى 160 مشروعا لغاية الآن، من بينها مشروع تَعهّده المعهد الألماني للأبحاث الشرقية مشكورا، بحيث سيعيد طباعة «بيبليوتيكا إسلاميكا» التي تعرضت للتلف في مستودعات الضاحية الجنوبية خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006. وهي واحدة من أشهر السلسلات عن الأدب والتاريخ العربيين، وعن الفكر والفلسفة الإسلاميين. تقدم هذه السلسلة طبعات خاصة لأندر المخطوطات، وقد صدرت في إسطنبول قبل سبعين عاما. والمعهد الألماني الذي يدير السلسلة منذ خمسة عقود، أصدر 130 كتابا تعرضت جميعها للتلف في مستودعاتها في بيروت، وكهدية ثمينة ليس للقارئ اللبناني فقط وإنما للقارئ العربي بوجه عام، ستعود هذه السلسلة لتبصر النور. المشاريع كثيرة ومتنوعة، منها الكثير مما هو طريف ومبتكر، فمع انطلاقة العام الدراسي المقبل أوائل سبتمبر (أيلول) ستعمل المخرجة الفرنسية فيرونيك أبوي ـ التي تصور منذ 1993 جلسات قراءة لكتاب «البحث عن الزمن المفقود» ـ على دعوة اللبنانيين، لقراءة مارسيل بروست، هذا الكاتب الشهير والمحبوب، وتضرب بذلك عصفورين بحجر، فمن ناحية تروّج لكاتب فرنسي، ومن ناحية أخرى تصور جلسات القراءة هذه، لتضيفها إلى 77 ساعة كانت قد صورتها. أما الهدف من هذا التمرين الذي تحرص المخرجة على رصده بعدستها، فهو دفع القارئ من خلال إيقاع القراءة، والوقفات التي يسجلها، إلى أن يكتشف زمنه الخاص. وثمة مشروع هدفه تعريف الجمهور بواحدة من أكثر المناطق اللبنانية حرمانا وجمالا في الوقت عينه، وهي منطقة عكار. وسيقع الاختيار على مصور فوتوغرافي أو أكثر، يذهب للإقامة في المنطقة فترات كافية، ينسج خلالها علاقات مع الأهالي ويتمكن من التقاط صور معبرة عن البيئة والبشر والعادات، بحيث تستخدم 70 صورة من تلك التي تم التقاطها، كنواة لمعارض في المناطق، غايتها التعريف بعكار. وفي شهر مايو (أيار) المقبل ستطلق «دار قنبز» المتخصصة في مؤلفات الأطفال، «الكتاب الصامت»، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، بعنوان «الوقت الهارب»، عبارة عن مجموعة من الصور الموحية، دون أي نص، غايتها تشجيع الأطفال على ممارسة التصوير الفوتوغرافي. وضمن البرنامج مسابقات ومعارض ومسرحيات ومؤتمرات ولقاءات وطباعة كتب وإنجاز ترجمات. لكن ما يخشاه الكثيرون، هو أن تذهب هذه الأنشطة ـ على أهميتها ـ هباء الريح، وينتهي مفعولها بانتهاء السنة. فقد سبق للبنان أن خصصت له ميزانية كبيرة من قِبل فرنسا، للاحتفال بسنة فرانكوفونية كاملة، لم يبقَ من أثرها شيء، وكانت بيروت منذ عشرة أعوام أيضا عاصمة للثقافة العربية، ولم يبقَ من تلك الاحتفالية سوى المقالات الصحافية التي كُتبت فيها. وما يخطَّط له لِسَنة الكِتاب على جماليته لا يبدو أنه مشغول برؤية تتعدى السنة. فلبنان وطن دون مكتبة وطنية، ورغم أن أموالا قطرية رُصدت لترميم هذا الصرح الذي أجهزت عليه الحرب، فإنه لا يبدو من أولويات التظاهرة، كما أن مسألة تنظيم صناعة الكتاب، والعمل على تطوير هذه المهنة بشكل جاد، ليس في بال أحد. ومعلوم أن في لبنان نحو 700 دار نشر مرخص لها، المنتجة من بينها تبلغ 200 دار فقط، وهي في غالبيتها دور صغيرة، تقوم على بنية عائلية. وهو نظام أعطى نتائج مثمرة على مدى العقود السابقة، لكن السؤال الصعب هو حول إمكانية بقاء وتطوُّر هذه الدور في ظل تشكلات عالمية لدور نشر عملاقة، خصوصا وأن موضوع الكتاب بالغ الحساسية في لبنان لما له من أهمية إنتاجية وتجارية. إذ بحسب اتحاد نقابة الناشرين اللبنانيين فإن لبنان يُنتج نحو 30% من مجموع العناوين الصادرة في الدول العربية كلها. وثمة كتاب صدر عام 2002 تحت عنوان «الصناعات الثقافية في لبنان» اعتبر أن النتاجات الثقافية في لبنان، توازي مدخول القطاع المصرفي. ويقول الكتاب إنه دخل يصل إلى ما يقارب 675 مليون دولار سنويا بحيث تحتل الكتابة والنشر المرتبة الأولى بمبلغ قدره مليونا دولار، ثم تأتي الصناعة السمعية البصرية بفروعها مجتمعة بمدخول 80 مليون دولار، والموسيقى والغناء بمدخول 50 مليون دولار.