سبب فساد اللغة العربية مخالطة الأعاجم
27-04-2016, 11:15 PM


من البديهي أن يكون وجود اللغة -أية لغة- سابقا لأي علم من العلوم المتصلة بها ، كالأصوات و الصرف و النحو و غيرها و لقد تكلم العرب اللغة العربية منذ عصورهم الأولى على سجيتهم ، دونما تفكير بقواعدها أو خصائصها ، ثم أخذت تتطور تطورا طبيعيا ، مستجيبة بذلك لحاجات الإنسان العربي المتجددة و المتغيرة ، و لما كان العرب موزعين في قبائل شتى ، فقد احتفظت كل قبيلة بسمات لهجية خاصة بها ، لكنها لم تكن لتفرق بين لهجة و أخرى ، فتجعل منها لغات مستقلة عن اللغة الأم ، فالاختلاف في اللهجات العربية هو اختلاف في الفروع دون الأصول ، كما قرر ابن جني عندما قال "هذا القدر من الخلاف لقلته و نزارته محتقر غير محتفل به و لا معيج عليه و إنما هو في شيء من الفروع يسير ، فأما الاصول و ما عليه العامة و الجمهور فلا خلاف فيه و لا مذهب للطاعن به".

و استمرت اللغة العربية ماضية في ركب التطور ، حتى نضجت و بلغت من الرقي مبلغا جعلها أهلا أن تكون لغة القرآن الكريم ، الذي وحدها و حصنها من الانحلال إلى لهجات متفرقة.

لكن هذه العربية بقيت نقية صافية طالما كانت في بيئتها ، يتلقاها أهلها سماعا ، صغيرهم عن كبيرهم ، و خلفهم عن سلفهم ، حتى صارت ملكة لديهم -كما عبر ذلك ابن خلدون- أما و قد خرجت من بيئتها ، فاختلط أهلها بغيرهم من الأمم الأخرى ، و سعى أبناء هذه الأمم جاهدين إلى تعلم العربية ، فقد فقدت كثيرا من خصائصها على ألسنة أبنائها ، مما أدى إلى تفشي اللحن و فساد الذوق اللغوي ، يقول ابن خلدون متحدثا عن لغة مضر -و هي اللغة الفصحى- :"ثم فسدت هذه الملكة لمضر بمخالطتهم الأعاجم ، و سبب فسادها أن الناشيء من الجيل ، صار يسمع في العبارة عن المقاصد كيفيات أخرى غير الكيفيات التي كانت للعرب ، فيعبر بها عن مقصوده ؛ لكثرة المخالطين للعرب من غيرهم ، و يسمع كيفيات العرب أيضا فاختلط عليه الامر ، و أخذ من هذه و هذه ، فاستحدثت ملكة و كانت ناقصة عن الأولى ، و هذا معنى فساد اللسان المضري".






التعديل الأخير تم بواسطة منير7 ; 27-04-2016 الساعة 11:18 PM