منزلة اليقين
14-01-2008, 11:12 AM

منزلة اليقيـن1
شرح كتاب مدراج السالكين .. للدكتور محمد راتب النابلسي

لأنَّ بعضهم أيقن فتحرك واستقام وأعطى ومنع وبذل
وبعضهم كانَ شاكاً ومُتردداً فأحجم ..
فإذا أردتَ أن تُفسّر الإحجام والإقدام ..
الاستقامة وعدمها التضحية والحِرص ..
لا يُفسّر هذا إلا باليقين
وإذا ذهبتَ في حياتكَ اليومية وراقبتَ نفسك ..
الأشياء التي توقِنُ بها تنطلقُ إليك ..
والأشياء التي أنتَ شاكٌ فيها تُحجمُ عنها ...

العامل الأساسي الذي يدفعُكَ إلى الحركة هو اليقين
ورد في الأثر : تباركَ الذي قسمَ العقلَ بين عبادِهِ أشتاتاً ..
إنَّ الرجلين ليستوي عملهُما وبِرهُما وصومُهُما وصلاتُهما
ويختلفانِ في العقلِ كالذرّةِ جنبَ أُحد
وما قسَمَ الله لِعبادهِ نصيباً أوفرَ من العقلِ واليقين .

الموقن يدفعُ زكاةَ مالهِ... الموقن يفني شبابهُ في طاعة الله ..

الموقن يُقضّي عُمُرهُ في معرفة الله..
أما غير الموقن تراهُ مُحجماُ متردداً متريثاً مترقّبا..ً
يعني في حيرةٍ في ضياع ..

منزلة اليقيــن2

أحد أصحاب رسول الله عليهم رضوان الله لما بلغَ مرتبة اليقين أصابتهُ نكسة..
وعِندهُ طفلٌ صغير ربيبهُ(ابن زوجته)وقد أغدقَ عليه من النِعم ومن الرعاية والرحمة
ما لا سبيلَ إلى وصفه
دعا النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه لتهيئةِ أنفسهم لمعركة مؤته
رآهُ مُحجِماً قاعداً متريثاً منتظراً لا يتحرك ..
بينما أصحاب النبي عليهم رضوان الله تحركوا وبذلوا وجهّزوا واستعدوا هو جالس..
فكانَ هذا الطفل الصغير لشدة توّقد الإيمان في قلبهِ يُبلّغُ عمهُ زوجَ أمهِ أن يا عماه فُلان فعلَ كذا ..
فُلان فعلَ كذا .. فلما ضاقَ به ذرعاً
قال له : يا جُلاس (اسمهُ الجُلاس) : لو كانَ محمدٌ صادقاً لكُنا شراً من الحُمر ...

هذه كلمة الكُفر .. متردد ..ليسَ واثقاً.. ليسَ متيقناً ...

والحقيقة إذا الإنسان تردد وقع في مشكلة كبيرة ..
فهذا الطفلُ الصغير قالَ واللهِ يا عماه ما على وجهِ الأرضِ بعدَ رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجلٌ أحبَّ إليَّ منك
ولكنكَ نطقتَ بكلمة الكُفر ولأُبلّغنَّ رسولَ الله صلى اله عليه وسلم ...
ما أراد أن يُبلّغ النبي من وراء ظهرهِ .. واضح ..
هذه كلمة الكُفر ويجب أن يعلم النبي عليه الصلاة والسلام ماذا تقول ...
أنت معدود من أصحابه ..
كيفَ تقول لو أنَّ محمداً صادقٌ فيما يقول لكُنا شراً من الحُمر
يعني لو أنه صادق في دعواه أنه نبي ولن نستجب له لكُنا شراً من الحُمر..
فذهبَ هذا الطفلُ الصغير إلى النبي عليه الصلاة والسلام
وقالَ يا رسول الله تكلّمَ عمي : كيتَ وكيت ..
استدعاهُ النبي عليه الصلاة والسلام وسألهُ عن قولتهُ هذه فأنكرها قالَ هذا كذّاب يا رسول الله..
هذا أنا أحسنتُ إليه وأنعمتُ عليه وأغدقتُ عليه ..وهو يفعلُ هذا بحقّي ..
وأصحابُ النبي عليهم رضوانُ الله يعني مالوا إلى تصديق عمّهِ وتكذيب الغُلام ...
نظرَ إليه النبي عليه الصلاة والسلام فإذا بوجهه قد اصطبغَ وجهه بالحُمرة خجلاً
من هذا الموقف العصيب
ولم يلبثُ أن تنزّلَّ الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أكّدَ الوحيُّ قولة الصغير ..
قالَ تعالى :
(يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وَما نقموا إِلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإِن يتولوا يعذبهم الله عذابا أَلِيما فِي الدنيَا والآخرة وما لهم في الأَرض من ولي وَلا نصير )(سورة التوبة)

عندئذٍ كبّرَ النبي عليه الصلاة والسلام وأمسكَ الغلامَ من أُذنهِ
وقالَ يا غلام صَدّقكَ ربُك...
عندئذٍ اعترف عمهُ بما قال .. وقال يا رسول الله اغفر لي هذه الزلّة
وتابَ توبةً نصوحاً
وكانَ من أشدِ الناسِ إكراماً لهذا الغُلام لأنَّ توبتهُ كانت على يده ولو أنَّ هذا الغلام
سكت لبقيَّ منافقاً... كانت توبة العم على يدِ هذا الغُلام .

الذي جعلهُ يُحجم ويتردد وينجل .. عدم اليقين
وإذا أردتَ أن تُفسّرَ التقصير والإحجام والميل إلى الدنيا
وعدم وجود الهِمة العالية فينبغي أن تُفسّرَ كلَّ ذلك بضعفِ اليقين .


(كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم)(سورة التكاثر)
" لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ " لو بلغَ اعتقاد الإنسان مرتبة اليقين لباعَ نفسهُ للهِ عزّ وجل .
أيُّ إحجامٍ أيُّ تقصيرٍ أيُّ تقليلٍ من شأنِ الإيمان يعود
بالدرجة الأولى إلى ضعف اليقين .
ربُنا عزّ وجل ما أرادَ منك أن تؤمنَ متردداً ...

(إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم
في سبيل الله، أولئك هم الصادقون) (سورة الحجرات)


الله عزّ وجل ما رضيَّ لكَ أن تؤمنَ شاكاً ..
" كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ "
الله عزّ وجل ما أمركَ أن تؤمن وأعطاكَ الأدلة الضعيفة قالَ :
(وفي الأرض آيات للموقنين)(سورة الذاريات)

يتبع ان شاء الله

إذا المرء لا يرعـاك إلا تكلفــا--فدعه ولا تكثر عليه التأسفــــا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة -- وفي القلب صبر للحبيب ولو جفـا
فما كل من تهـواه يهواك قلبـه -- ولا كل من صافيته لك قد صفــا
إذا لم يكـن صـفو الوداد طبيعـة -- فلا خيـر في ود يجيء تكلفـــا
ولا خير في خِل ٍ يخـون خليـله -- ويلقـاه من بعـد المودة بالجـفـا
وينـكر عيشا ً قد تقـادم عهـده -- ويظهـر سرا ً كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكـن بها -- صديق ٌصدوق ٌصادق الوعد منصفا