الكثير اعتقد أن الشاذلي سهل.. لكنه قضى عليهم جميعا
18-01-2016, 12:58 AM

حاوره محمد مسلم ـ هشام موفق



في هذه الحلقة يتحدث وزير الدفاع الأسبق، الجنرال المتقاعد خالد نزار، عن بداية حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، ويتعرض إلى تغير موازين القوى التي طبتعها بداية تراجع نفوذ مسؤول المخابرات السابق، الراحل قاصدي مرباح، بتعيينه مفتشا في وزارة الدفاع، ثم إبعاد نور الدين يزيد زرهوني من إدارة المؤسسة الأمنية، وتكليف مجدوب لكحل عياط خليفة له، وأمور أخرى ستكتشفونها.

وما حقيقة الاجتماع الذي قيل إنه كان بالمدرسة الوطنية للتقنيات العسكرية ببرج الكيفان "لونيتا" سابقا؟
لا تقلق، دعني أكمل فكرتي وبعد ذلك سنأتي إلى سؤالك.
عندما سمعت من عبد الحميد لطرش تعيين الشاذلي منسقا للجيش، فهمت أنه سيكون رئيسا. لأن الجيش هو من يتحمل المسؤولية، وأن نظام بومدين سيستمر. كما أن غالبية أعضاء المكتب السياسي كانوا مع تولي الشاذلي منصب الرئيس، فهمنا الأمر.
والواضح أن الكثيرين كانوا يعتقدون أن الشاذلي سهل المراس ويمكن قيادته من الخلف، لكنه في الأخير قضى عليهم جميعا. إذن بالنسبة إلي، لما قال لي الثلاثة حاول إقناع الشاذلي رفضت، لأنني مقتنع بالفكرة من بدايتها. ولكن الأمور سارت بسرعة. لقد عين رئيسا لحزب جبهة التحرير الوطني ومنسقا للجيش في آن واحد.

من كان من غيرك من العسكريين متحفظا على تعيين الشاذلي رئيسا؟
كل الجماعة التي تعمل في تندوف وبشار وجماعة كل النواحي.
كانوا جميعا رافضين تولي الشاذلي مسؤولية الرئاسة.

إذا الشاذلي فرض رئيسا؟
نعم، لقد فرض. وهنا أقص عليكم حادثة، لقد دونتها. الجيش لم يكن يعتقد أن الشاذلي سيعين رئيسا للدولة. هو كان يحترم سي الشاذلي، لكن..

نظرا لمحدودية قدرات الشاذلي؟
هذا هو.. الشاذلي "كان خاطيه".

ما الذي دفع الأربعة (قاصدي مرباح، عباس غزيل، مصطفى بلوصيف، رشيد بن يلس) ليضغطوا من أجل فرض الشاذلي؟
بن يلس كان قريبا من الشاذلي بحكم عمله في المرسى الكبير وكانت بينهما علاقة عائلية. بلوصيف ابن الجهة (يقصد مسقط رأس الشاذلي)، وعباس غزيل لم أفهم خلفية وجوده ضمن هذه المجموعة. ومرباح له أهداف أيضا.

وما هي تلك الأهداف؟
هدفه تقاسم المسؤولية، لقد قالها لي.
نعود إلى ما دار في اللجنة المركزية للحزب، وقبل ذلك ما دار في زرالدة.

وماذا وقع في زرالدة؟
جمعوا الجيش.. في ذلك الوقت كان الرئيس الراحل هواري بومدين قد توفي. وخلفه مؤقتا رابح بيطاط، الذي جاءنا إلى زرالدة حيث جمع الجيش، وخطب فينا.. بلهوشات ومحمد الروج (عطايلية) وقادات النواحي، وأنا.. اجتمعنا في المدرسة الوطنية للتقنيات العسكرية برج الكيفان "لونيتا" سابقا، ولم يحدث أن تم الاتفاق على الشاذلي، كما قلت أنت سابقا.
حقيقة انتشر الحديث عن هذه النقطة، ولكن لم يكن شيئا رسميا. ونفس الكلام وجه للجيش، الظرف صعب ولا بد من الانسجام، وما إلى ذلك. هذه هي التعليمات العامة التي أعطيت للجيش. كان هذا الاجتماع قبل اجتماع اللجنة المركزية للحزب.
في اجتماع اللجنة المركزية، الجيش كان ملاحظا، وهنا أعطيكم الصورة بأن الجيش كان ملاحظا، وتجلى ذلك من خلال المربع الأخضر الذي ترك للجيش، أما الآخرون فكانوا في أماكنهم. وهنا أذكر أن شخصية من الأمن برتبة مقدم، واسمه معاوية، رحمه الله، ربما تعرفونه.. وقد سميته في أحد كتبي، قائد الأركسترا، لأنني كنت أراقبه.
لقد كان في المربع الأخضر، وقد أعطي تعليمات، لما يدخل سي الشاذلي يحرك يديه مشيرا للحضور بالوقوف، ولما يدخل غيره من المرشحين المحتملين لمنصب الرئيس، مثل محمد الصالح يحياوي، يحرك يديه مشيرا للحضور بالجلوس.. وبالفعل سارت الأمور كما أريد لها.

وهل حضر الرئيس بوتفليقة يومها، وماذا كان موقف قائد الأركسترا منه، لأنه كان من المرشحين أيضا لخلافة الراحل هواري بومدين؟
في ذلك الوقت المنافسة انحصرت بين الشاذلي ويحياوي.

تقصد الأمور كانت قد حسمت؟
حسمت فيما بعد.. لأن أحمد طالب الإبراهيمي، بلعيد عبد السلام كانا مرشحين أيضا مثل بوتفليقة.

لماذا استبعد بوتفليقة في تلك المرحلة؟ هل لأنه لم يكن محسوبا على المؤسسة العسكرية؟
لا لا. لأنه حتى الشاذلي لم يكن أحد يتوقع أن يولى رئيسا. لقد كانت الأمور محسومة مسبقا. وقلت إن قائد الأركسترا، كان قد هيأ القاعة لما هو مبرمج مسبقا. وهكذا وافقت اللجنة المركزية على تعيين الشاذلي، والجيش لم يعترض، وإن كنت أدرك ما كان يحس به أفراد الجيش، على الأقل في الناحية التي كنت اشتغل فيها.
وأذكر أنه لما كنت أعود من العاصمة إلى تندوف، لم يكن يستقبلني قادة الوحدات الكبار في المطار، إلا بعد عودتي من فعاليات تعيين الشاذلي رئيسا للدولة. لقد جاؤوني وقالوا لي ماذا فعلتم، وأذكر منهم عبد المجيد الشريف، وقادات الوحدات الأخرى. أردتم معرفة موقف الجيش. كان هذا موقفه. والجيش الذي كان في تندوف، كان بمثابة النواة الصلبة للجيش، بحكم طبيعة تكوين القادة الذين كانوا هناك، وكذا من حيث التسليح.

إذن، أنتم قادة الجيش، كنتم رافضين لتعيين الشاذلي؟
نعم، كنا رافضين، لكن من دون موقف. لأن الأمور كانت مرتبة مسبقا.

وهل حاولتم القيام بضغط من جهتكم؟
لا، أبدا، لأن الانضباط كان لا بد منه، إضافة إلى وضع البلاد بسبب موت بومدين.

هل كان لديكم شخص آخر كان يمكنكم اقتراحه؟
لم يكن لدينا مرشح، مثلما لم يكن لدينا نفوذ نضغط به. نحن كنا ننتظر واحدا من الثمانية الأعضاء في المكتب السياسي للحزب. كنا واقعيين. كنا ننتظر بوتفليقة، ممكن أحمد طالب الإبراهيمي، ممكن يحياوي، الذي كان معه بالفعل قسم من الجيش.. لكن ظهر العكس. كان عضوا في المكتب السياسي (الشاذلي) لكنه لم يكن منتظرا تعيينه.
أما فكرة الأقدم في الرتبة الأعلى في الجيش، فلم تكن موجودة. لو كانت هذه القاعدة التي تم بواسطتها اختيار الشاذلي، لسبقه عبد الله بلهوشات، لأن هناك من هم أقدم من الشاذلي في الرتبة التي كان يتقلدها.

إذن، على أي أساس تم اختيار الشاذلي؟
الأمر يتعلق بمجموعة رتبوا الأمر في الخفاء لأغراض شخصية.

قلت إن مرباح كان هدفه تقاسم السلطة، فما غرض رشيد بن يلس مثلا؟
لست أدري، ولكن هذا هو الواقع.. وأنا أقول لأغراض شخصية.

الأربعة (مرباح، بلوصيف، بن يلس، غزيل) الذين رتبوا أمر فرض الشاذلي رئيسا، هل كانوا يشكلون القوة الضاربة في الجيش، التي يمكنها صناعة القرار؟
القوة الضاربة في الجيش يومها، كان الأمن العسكري.

تقصد قاصدي مرباح، الذي كان مسؤولا عن الأمن العسكري؟
نعم. بحكم منصبه.
وهكذا أصبح الشاذلي رئيسا، لأنه كان مرشح الحزب الواحد. وبعد ذلك، عين سليم سعدي، قائد الناحية العسكرية الثالثة وزيرا في الحكومة، وخلفته أنا، وهو من نصبني في بشار.

في تلك الفترة، هل التقيت الشاذلي بعد أن أصبح رئيسا؟
لا، لم ألتق به.

كيف تم تعيينك قائدا للناحية العسكرية الثالثة، ومن اقترحك؟
الرئيس هو من اقترحني.

هل سمع الشاذلي بتحفظك على تعيينه رئيسا، ومع ذلك عينك؟
نعم، لقد سمع. وقال يومها، خالد عندما يريد قول كلمة يقولها. هذا ما سمعت عنه.

بعدها عين قاصدي مرباح أمينا عاما لوزارة الدفاع؟
عم. لكنه كان ينتظر أكثر من ذلك. كان ينتظر تعيينه وزيرا. وأنا أذكر هنا أن الشاذلي لما عينني قائدا للناحية العسكرية الثالثة، اختلى بي وقال: يا خالد، سأعتمد عليك في تشكيل الأركان، وذلك مباشرة بعد تكليفي. لقد كنا نعرف بعضنا البعض. كانت علاقة أخوية.

ألا تجد ذلك غريبا.. شخص عين رئيسا وأنت عارضت تعيينه، ثم يقول لك سأعتمد عليك؟
كان يثق بي. وأنا التزمت معه إلى الأخير. يبقى أننا دخلنا في دوامة "الفيس" فيما بعد. ذلك أمر آخر. قلتم سي الشاذلي يقول في مذكراته إن خطأه الكبير تمثل في تعيينه خالد نزار وزيرا للدفاع. أنا أقول لكم، لما تقاعدت وبدأت في كتابة مذكراته، تكلمت عن سي الشاذلي، لم أتكلم عن الرجل وإنما عن الشخص المسؤول، ذلك هو سبب غضبه مني.
سنأتي إلى ذلك لاحقا..
دعني أكمل هذه النقطة.. تحدث في خطابه الشهير بالطارف، كل ذلك كان يقصدني به.
قاصدي مرباح عين أمينا عاما..
سي الشاذلي لما عينني كلفني بتكوين الأركان، قلت له إن الأمر ليس بالسهولة التي تتوقعها، طالما أنه يتطلب العمل 18 على 24 ساعة، لا بد من انسجام.. وأنا كنت في بشار، ولا بد من مجموعة تسهر على إنجاز هذا المشروع، في وقت كانت للجزائر هموم أخرى، تتعلق بمراقبة المغرب والوضع في الصحراء الغربية.
وفي إحدى المرات عدت إلى العاصمة لملاقاة الرئيس، فالتقيت الشاذلي فكلمني مرة أخرى عن الأركان، فقلت له كما في السابق، ولكنه اقترح أمرا، وهو تكوين مجموعة من الضباط للتكفل بالأمور العملياتية، حتى نعرف مع من ننسق. وكما قلت سابقا، الشاذلي لما تقدم له مقترحا مفيدا، لا يتأخر في تبنيه.. لقد بادر الرئيس بالاتصال بقاصدي مرباح. ولما خرجت من مكتب الرئيس وجدت قاصدي مرباح ينتظر في الخارج، فقال لي: انتظرني أقابل سي الشاذلي ثم نذهب معا إلى وزارة الدفاع.
بعدما فرغ من حديثه للشاذلي، جاءني وذهبنا معا. ورمقت سي مرباح ينزع حذاءه. ولما وصلنا مكتبه نزع الحذاء مجددا، فقلت له أنت نزعت الحذاء مرتين في ظرف قصير؟ فقال لي عندي مشكل في رجليّ.. ثم سألني: ما هي فكرة تكليف ضباط للتكفل بالأمور العملياتية، فقلت له لا أدري. لم أرد مصارحته بمصدر المقترح الذي كان من عندي.. فالرئيس أخذ قرارا..
بدا عليه شيء من الغضب، وقال لي هذه الفكرة تم العمل بها في وقت العقيد شابو.. ثم قال لي: لقد اتفقت مع الشاذلي على تعييني وزيرا للدفاع.

وزارة الدفاع حينها احتفظ بها الشاذلي؟
نعم.
وحينها كان الجميع يقول: من غير الممكن أن يعين مسؤول المخابرات وزيرا للدفاع. ثم لم يلبث أن أبعد قاصدي من منصب الأمين العام، وعين مفتشا عاما، فيما حل مصطفى بلوصيف في مكانه. كان يبحث عن حقيبة وزارية فإذا به أصبح مفتشا. وأذكر أني زرته في مكتبه وقلت له: هل تعتقد أن يتركك هؤلاء الذئاب لتصل إلى منصب وزير؟

ومن هؤلاء الذئاب؟
لا أريد تسمية الأشخاص.

يهمنا أن نعرف على الأقل بعضهم؟
لا يهمكم.

قاصدي مرباح كان أمينا عاما، ووعد بأن يكون وزير دفاع.. لقد كان مرباح رجلا قويا يومها.. فمن هؤلاء الذئاب الذين أبعدوه عن تحقيق حلمه؟
لقد تحدثت من قبل عن الثلاثة؟

تقصد رشيد بن يلس، عباس غزيل ومصطفى بلوصيف؟
نعم، هؤلاء وآخرون في النواحي العسكرية. الأمور تغيرت كثيرا بعد وصول الشاذلي. فكما يقول المثل، الناس مع الواقف. وأنا شخصيا ماذا فعلت؟ لم أقم بشيء. هل تنتظر مني أن أدخل البلاد في دوامة؟

ألم يكن هؤلاء تخوفوا من نفوذ قاصدي مرباح بحكم منصبه السابق؟
ممكن. وهنا تجدر الإشارة إلى الناس المحيطين بالشاذلي، والحلقة الضعيفة التي سبقت الإشارة إليها.

وبعدها، التحق قاصدي مرباح بالحكومة؟
نعم، عين في البداية وزيرا للصناعة..

كيف تم تعيين لكحل عياط على رأس الأمن العسكري؟
قبل أن يعين لكحل عياط على رأس الأمن العسكري، كان نور الدين يزيد زرهوني قد خلف قاصدي مرباح لفترة وجيزة، وكان قد طلب منه الشاذلي، إعادة هيكلة المديريات الأمنية، وهي المديرية المكلفة بالملحقين العسكريين، والمديرية الخاصة بأمن الجيش وثكناته ومعداته، وهي ما يعرف بالأمن العسكري، وهناك مديريتان اثنتان، تابعتان للرئاسة، وهما الأمن الداخلي والأمن الخارجي.
إذن طلب منه إعادة هيكلتها، ويومها جاءني زرهوني وسألني عن خلفيات إبعاده. ثم عاد إلى اجتماع للجنة المركزية للحزب أبعد أثناءه بعض الوجوه البارزة مثل يحياوي وبوتفليقة وطالب الإبراهيمي، وبلعيد عبد السلام.. وكان يومها صوت ضد إبعادهم، فأعتقد أن إبعاده له علاقة بذلك، لكن في الحقيقة إبعاده مرتبط بعدم نجاحه في إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، وهو أمر سمعته شخصيا من الرئيس الشاذلي، ولذلك عين مجذوب لكحل عياط خليفة لزرهوني على رأس المديرية الأمنية.

تسمية المؤسسة الأمنية تغيرت بعد ذهاب قاصدي مرباح أم غيرت؟
قيت كما هي. أنا من غيرها في عام 1987، والمرسوم صدر في عام 1989.

تذكر حادثة حماقير؟
لا، أذكر قضية وقعت في القطاع الأوسط.

أنا أتحدث عن حادثة وقعت مع الجيش المغربي وأنت كنت مسؤولا في المنطقة؟
حدثت مناوشات بيننا وبين الجيش المغربي.. وحدثت خسائر طفيفة بين الجانبين، جندي من كل جهة.
.. يتبع