5000 مسؤول جزائري يحملون الجنسية الفرنسية..!
13-03-2016, 07:24 PM


حاوره: عبد الحميد عثماني

رئيس تحرير التحقيقات والحوارات الكبرى بجريدة الشروق


فجّر رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي "قنبلة" من العيار الثقيل في حواره المتواصل مع "الشروق"، حيث كشف أن الجزائر قد سجلّت 5000 مسؤول جزائري سام بجنسية فرنسية إلى غاية 1992، وهو الرقم الذي صارحه به وزير الداخلية الفرنسي الأسبق بول كيلاس مباشرة، ومع ذلك، فإن المتحدث يقلّل من أهمية دسترة منع مزدوجي الجنسية من تقلّد المسؤوليات السياسية الحساسة في الدولة، معتبرا إياها مجرّد مناورة في الوقت بدل الضائع!.
ويكشف سفير الجزائر في باريس سابقا، أن مدير المخابرات المحال على التقاعد، الجنرال "توفيق" قد تحفّظ على تعيين وزير الطاقة المشتبه به في قضايا الفساد، معتبرا أن مشاكل شركة سوناطراك ما هي سوى تداعيات لأزمة النظام السياسي.

ويخالف وزير الخارجية الأسبق، في الجزء الثالث من حواره مع "الشروق" كلّ الروايات التمجيدية لحرب أكتوبر 1973، إذ يجزم أنها مفبركة من طرف الأمريكيين لدوافع حيوية، تتعلق بإستراتيجية رفع الأسعار في سوق النفط العالمية، وعلى الصعيد السياسي، يؤكد المتحدث، أنها كانت بغرض تلميع شخصية الرئيس أنور السادات، وتقديمه للعالم العربي في صورة البطل القومي، حتى يتهيأ له لاحقا الاضطلاع بمهمة التطبيع مع الكيان الصهيوني.



ما زلنا في سياق قراءة الفضائح التي هزّت شركة سوناطراك في السنوات الأخيرة، هل تعرف وزير القطاع المعني، على الصعيد المهني والأخلاقي...؟

عرفته كمهندس وعمل في سوناطراك لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات، وهو مختصّ في فنون هندسة معالجة الاحتياطيات في الحقول، إذ عمل كمهندس حرفيّ، هذا ما يكفيني أن أعرفه، أما حديثي عنه فهو لا ينبع سوى من خلال أقواله، وتصريحاته المعلنة.



لا تعرف إطلاقا سيرته المهنية؟

ما أعلمه أنه تم تعيينه في البنك الدولي وهو حامل للجنسية الأمريكية، طبعا هذا ليس عيبا في ذاته، بل المشكلة تكمن في ائتمانه على وزارة سيادية حساسة، وهو معروف لدى الجميع بارتباطاته مع لوبيات المركب الصناعي العسكري الأمريكي، ولا يخفى على أحد أن نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني، الشريك الأساسي في شركة هاليبيرتون قد استفاد الكثير من حرب العراق، إذن الوزير الجزائري انتمى موضوعيّا إلى هذه المجمّعات المشهورة في أمريكا، والشيء الذي يعرفه الجميع في بلادنا، أننا أسسنا شركة مختلطة مع مجمّع هاليبيرتون التي نالت صفقات بملايير الدولارات، مع كل هذه التفريعات، نحن لسنا أمام مشكلة شخص، لأنّ الجهاز الأمني لم يكن من الممكن أن يجهل ماضي وحاضر المعني.



قد يكون الجهاز الأمني تحفّظ على تكليف هذا الشخص بوزارة الطاقة، لكن صاحب القرار السياسي لم يأخذ برأيه، مثلما يُتوقّع ضغط الأمريكيين لفرضه في المنصب؟

هذه احتمالات موضوعية على كل حال، وقد يكون هناك جزء من الأجهزة الأمنية وراء السكوت على سيرته، وما أعرفه شخصيا أن الجنرال "توفيق" المدير السابق للمخابرات تحفّظ جدا على تسمية هذا الشخص على رأس الطاقة، لكنه التزم الصمت، وجاء ردّ فعله متأخرا، وهذا ما جعل البعض يقولون إن تحريك الملف كان يستهدف الرئيس بوتفليقة، لكن الواقع غير ذلك.

موضوعيّا، هذه القضية في نهاية المطاف تبيّن أن الجهاز الأمني، والدولة ككلّ، كانت عاجزة أن تقوم بأداء دورها على أكمل وجه في حماية الشركة الوطنية، حيث مكّنت أطرافا خارجية من خلق فضائح داخل سوناطراك، وأنتم تذكرون أن المسؤول الأول على القطاع، قال إنه لا يعلم شيئا عمّا جرى، وهي رسالة مفادها "دّزو معاهم"، فهو يتحدّى، ولا أعتقد أن شخصا بمفرده يمكن أن يفعل ذلك، إنما هو يتكلم واقعيا باسم النظام المتورط بكل أجهزته، ما يجعل المتهم واثقا من حماية ظهره!.



هل هذه الفضيحة كانت فعلا وراء دسترة منع مزدوجي الجنسية من تقلّد مسؤوليات سياسية سامية في الدولة، مثلما يقرأ البعض؟

هذا الشيء ليس جديدا، أنا لست مطلعا على كل الأسرار، ولكن من البديهي أنّ في الجزائر آلاف الإطارات مزدوجي الجنسية، وسأكشف لك أمرا مهما للغاية بهذا الصدد، وزير الداخلية الفرنسي نفسه بول كيلاس، صارحني أن بلاده تحصي 5 آلاف إطار سام حامل للجنسية الفرنسية في الجزائر، هذا الرقم في 1992، أي قبل 24 سنة من اليوم، لا أدري إن كان قد تضاعف الآن أكثر أم لا.

معلوم أيضا أن شخصين بارزين في حكومات بوتفليقة قد قالاها علنًا للقيادة المركزية النقابية للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وقبل تعيينهما في الوزارة "عندما ندخل الحكومة سوف نغير قوانين البنوك والطاقة".



أنت تتحاشى ذكر الأسماء، لكن الواقعة شهيرة ويتعلق الأمر بحميد طمار وشكيب خليل..؟

لا تهمّني الأسماء، لكن أحد الاثنين قالها بكل وضوح لسيدي السعيد "الجزائر هي التي تحتاجني ولا أحتاجها، ويمكنني العمل هنا أو في الخارج"، إذن من النفاق إثارة الموضوع الآن، لأنه ما كان من المقبول أن يسمح لأيّ كان، بتقليد شخص مزدوج الجنسية لمسؤولية سامية في الدولة.



أليس من المهم الاستدراك ولو في الوقت بدل الضائع، من خلال دسترة المنع؟

هذه مناورة جديدة، ولكن بعدما دفعنا ثمنا باهظا، لقد عيّن الرئيس منْ عيّن، عن وعي وإرادة شخصية، ودسترة المنع الآن حيلة لا تنطلي خدعتها على أحد.



قد يكون التعيين أمثال هؤلاء عن إرادة، وقد يكون عن ضغوطات خارجية لتأمين مصالح أجنبية؟

ممكن ذلك، ليس لديّ المعلومات التي تسمح لي بتأكيد الأمر، لكن من باب تحليل الأشياء، المؤكد أن هناك عقد بين جميع الأطراف، وهم يتحملون مسؤولية قرارهم.



لكن لا يخفى عليك أنّ هذا الموضوع قد يكون محلّ استغلال سياسوي، وأنت شخصيّا تعرضت لذات الموقف، عندما روّج عنك أنصار مولود حمروش مطلع التسعينيات من القرن الفائت، أنك تحمل الجنسية الفرنسية؟

أنت تطلق عليهم أنصار حمروش، لكن أنا لا أنعتهم بهذه التسمية، أمّا الإشاعة فقد نشرتها فعلا الصحافة الجزائرية، زاعمة أني أتمتع بجنسية فرنسية، كنت متواجدا وقتها في باريس، حيث اتصل بي أصدقائي، طالبين منّي الردّ على الإشاعة، فرفضت الفكرة، حينها اقترحوا عليّ أن يتكفلوا هم بالتكذيب، فوافقت شريطة أن أُملي عليهم صيغة الردّ، إذ جاء على النحو التالي "سُئل سيد أحمد غزالي إن كان حقيقة يملك الجنسية الفرنسية، ففنّد المعلومة، بل صرّح متهكّما بأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية".!

وأنا بهذا الصدد، لا أتحدث من منطلق الحقد، وإنما لأوضح للقارئ أن جهاز المخابرات عندنا هشّ، حيث تمّ تعديل الدستور في 1996 بناء على كلامي، مشترطين على المترشح لرئاسة الجمهورية أن لا يملك سوى الجنسية الجزائرية الأصلية، ولاحقا عندما تبين لهم أني لا أملك الجنسية الفرنسية، تم إقصائي في 1999 بحجة عدم جمع التوقيعات اللازمة، والحقيقة أنهم أتلفوا آلاف التوقيعات عمدا، حتى ينزل العدد دون 75 ألف توقيع المطلوبة.



دون الخوض في التفاصيل التقنية، هل خلاصة كلامك، هو أن مشاكل سوناطراك ما هي إلاّ تداعيات طبيعية لأزمة النظام السياسي وعجزه عن حماية المصالح الوطنية العليا؟

تماما، وهذه هي الفكرة الرئيسية التي أردت إيصالها من خلال الإفاضة السابقة، حينما كنت مديرا عاما للشركة، شعرت دوما في تعاملاتي مع الشركاء الأجانب أن ظهري محمي سياسيا من طرف "سي بومدين"، وكنت واثقا في قراراتي معهم، لأن المسؤولين السياسيين كانوا في خدمة الدفاع عن مصالح الشركة، لكن هذه العلاقة مفقودة اليوم بين الموظف وقادته الحكوميين، وإنما تحوّلت إلى علاقة هلامية بين سلطة سياسوية وعملاء، تسمح لهؤلاء بأن يأخذوا نصيبهم من الكعكعة، مقابل تقديم الخدمة وترك سلطة القرار النهائية لمنْ هم في الأعلى.



قبل أن نتحوّل من ملف الطاقة في الجزائر، لا يفوتني أن أعرف توقعاتك بشأن سيناريوهات سوق النفط اليوم، في ظل المؤشرات الطاقوية والجيوسياسية؟

لماذا تسألني مثل هذا السؤال في الوقت الراهن... !



ببساطة لأن النفط هو مورد عيش ورزق الجزائريين منذ الاستقلال..؟

آه، تلك هي المشكلة الكبرى، اليوم نحن نستيقظ على الحقيقة ونكتشف الكذبة المضللة، الحكومة تريد أن توقعكم في فخّ الأسعار، لكن أزمتنا ليست مع سعر النفط.



أنا لا أتحدث عن الحالة الجزائرية، لكن أقصد مستقبل السوق النفطية في العالم..؟

فهمتك من البداية، لكن نحن معنيين لأننا متضررون كثيرا، النظام السياسي لم يكن يسمع التحذيرات، ويخدّر المواطنين بشعارات البحبوحة المالية، وبالتالي هم يوجهون النقاش إلى زاوية الأسعار حتى يبرّروا لأنفسهم سوء الأداء والفشل التنموي، بما يجعل الجزائريين يتقبلون خيارات التقشف، ما يهدد الاستقرار في بلادنا ليس سعر النفط ولا سوق المحروقات، وهذا الأخير ليس سوى القطرة التي أفاضت الكأس ورفعت الستار عن سوْءة النظام، وعليه لا ينفع رفع الأسعار في شيء طالما أن صادرات الجزائر خارج المحروقات لا تتجاوز 2 في المائة، والميزانية العامة مبنية على موارد المحروقات، المباشرة وغير المباشرة، بنسبة 75 في المائة، فنحن نعيش على ثروة لم نخلقها، لا جهد ولا فضل لنا فيها، في وقت تُعدّ بلادنا من أكبر مستوردي القمح دوليا.

من المفروض أن لا يكون الرهان على الأسعار، تاريخيّا الجزائر لم تدخل منظمة "الأوبيك" إلا بعد 7 سنوات في عام 1969، لماذا؟، لأن دور المنظمة كان بخلفية الدفاع على الأسعار فقط، آنذاك دول "الأوبيك" حصرت مهامها في تحصيل الضرائب عن طريق الثروة الطبيعية، بينما العمل في الميدان بقي تحت سيطرة الشركات الأجنبية، التي تتحكم في قيمة الأسعار، لكن الجزائر قالت لا، لأنّ الأهم هو الوصول إلى التحكم في الاستغلال، لهذا ركّزنا على معركة التأميمات، ولمّا قطعنا شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، أعلنت الجزائر انضمامها للأوبيك، واستطاعت رغم الدخول المتأخر أن تلعب دورا أساسيا في تعديل توجهات الهيئة وأولوياتها، وقد ساهمت العلاقة المتميزة بين الرئيس بومدين والملك فهد بن عبد العزيز في إنجاح تلك المساعي، وقتها كانت هناك حساسيات بالغة بين الرياض وطهران، وأكثر من مرة ذهبت شخصيا أو الأخ بلعيد عبد السلام إلى الملك فهد، حيث نبلغه رسالة صريحة "إن أخاك بومدين يعلمك أن مستوى الأسعار يضرّ بمصالح الجزائر".



هل كان الملك فهد يتخذ على الفور قرارا بخفض الإنتاج، حفاظا على استقرار السوق؟

نعم، ولكن في حدود التعاون الممكن، لأنّ المملكة منذ الأربعينيات لا تتخذ أي قرار يتعارض مع الرؤية أو المصالح الأمريكية في المنطقة والعالم، لأنهما حليفان لبعضهما.



هل سيناريو التحالف يتكرر اليوم في أزمة النفط بهدف الإضرار بالاقتصاد الروسي والإيراني؟

طبيعي جدا، لأن هناك صراع جيوسياسي، وأنا من الذين يعتبرون أن تأثير قاعدة العرض والطلب في السوق تبقى ثانوية، لأن هذه القاعدة ذاتها خاضعة للتحكم، وبالتالي الأسعار تضبطها القرارات السياسية الدولية التي تصدر عن الإمبريالية الأمريكية، حتى حرب أكتوبر 1973، التحليل الظاهري يؤكد أنها وراء الصدمة البترولية في رفع الأسعار، لكن هذه القراءة غير دقيقة.



والحقيقة ما هي ...؟

قد تكون العكس تماما.



كيف ذلك؟

أي أن حرب أكتوبر 1973 قد تكون مبرمجة ومفبركة لرفع الأسعار، ولأسباب سياسية أيضا.



لكن الولايات المتحدة دولة مستوردة رغم أنها من أكبر منتجي النفط في العالم؟

صحيح هي دولة منتجة ومستوردة، لكن القرار يهدف، في ظل التنافس العالمي، إلى إنهاك الاقتصاديات الأوروبية المستهلكة للطاقة، ما سمح للأمريكيين بتقوية أوراقهم التفاوضية مع نظرائهم في القارة العجوز.



هل تتكلم من منطلق المعلومات أم التحليل الشخصي؟

قبل حرب أكتوبر 1973، كنّا على اتصال مع الأمريكيين، ومستشاري الرئيس ريتشارد نيكسون، وعلى رأسهم أتكينس، تحدّثوا لنا علنًا وبصفة صريحة منذ 1970 عن التخطيط لرفع الأسعار، وبالتالي لا أستبعد أبدا أن يكون المُتداول من التحليلات هو خلاف الواقع.



قياسًا على كلامك، ما هي الدوافع السياسية الإستراتيجية لحرب أكتوبر؟

الحرب كانت تهدف إلى تلميع صورة الرئيس المصري أنور السادات كبطل قومي، قبل توريطه في التفاوض مع الكيان الصهيوني وإجباره على النزول إلى الكنيست الإسرائيلي، فهذه المهمة تطلّبت التمهيد بأدوار بطولية، تجعل الرأي العام يتقبّل سياسات الرجل في المنطقة.



تشكك في أن الرئيس السادات قد قرّر الحرب في 1973 بمحض إرادته؟

طبعا لا أقبل هذه الفرضية، لأن مصر لم تكن لتتخذ قرارا بهذا الحجم والخطورة لو لم تحصل على الإيعاز، أو تتلقّى على الأقلّ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية بشأن القرار، لأن الأمريكيين مثلما أسلفت لك، قد خططوا لهذه الحرب منذ 1970، ضمن إستراتيجية تهدف إلى رفع أسعار النفط.



لكن التخطيط لرفع أسعار النفط لا يستلزم سيناريو واحد هو الحرب؟

لكن هذا هو السيناريو الذي فضّله الأمريكيون أو رأوه فعّالاً، لأنه مُقنّع، غير أنّ مؤشراته كانت واضحة، حيث لمسناها من خلال الاحتكاك والاتصال بالمسؤولين الأمريكيين في تلك الفترة.



وهل تقبل إسرائيل بمناورة من هذا النوع على حساب مصالحها وأمنها القومي؟

إسرائيل لا تملي على صانع القرار الأمريكي ما يفعل، والكثير يفهمون العلاقة بين الطرفين بطريقة خاطئة، بل يصوّرون أن دولة الكيان الصهيوني هي التي توجه السياسة الأمريكية كما يحلو لها، وهذا غير منطقي تماما، في الواقع أن إسرائيل وُجدت لتخدم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولهذا فهي تدعمها وتقدم لها كل المساعدات للاضطلاع بهذه الدور المطلوب، مقابل ترك إسرائيل تعبث في المساحة المحددة لها كما تشاء، وهو ما نشاهده من همجية صهيونية ضد الفلسطينيين، وبعبارة أخرى السؤال الحقيقي في علاقة الجانبين هو من يخدم من؟..



يعني أن مصالح أمريكا العليا فوق كل الاعتبارات بما فيها إسرائيل؟

طبعا، عندما تتعلق الخيارات بتحقيق المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، أو ما يسمى في سياستهم الخارجية بالمصالح الحيوية، فإن إدارة البيت الأبيض لا تستشير أحدا كائنا من كان، مع أنها تراعي مصالح حلفائها الأساسيين، دون أن تتراجع عن قراراتها المصيرية، وفي هذا السياق يمكن أن نفهم تخطيط الأمريكيين لحرب أكتوبر 1973، بالرغم من الأضرار التي تلحقها بالحليف الإسرائيلي.