"الهروب إلى أوروبا": وثائقي لبي بي سي يتتبع رحلة سوريين يافعين فرقتهما الحرب عن وطنهما
18-04-2016, 06:06 PM

استغنى الوثائقي عن وساطة الراوي وأفسح المجال للشابين لسرد حكايتهما وبتصويرها في مقاطع كثيرة من الفيلم.

غيث وعبدول لا يختلفان عن عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين. غير أنهما تفردا ببث الروح في تلك الأجساد الهائمة التي تستعرضها النشرات الإخبارية وتشير لها التقارير بلغة الأرقام الجامدة.
كلا الشابين في الخامسة عشر من العمر، وهما من بين 86 ألف طفل لجأوا بمفردهم إلى أوروبا خلال عام 2015 وحده، بحثا عن مأوى!
نجح وثائقي جديد لبي بي سي في وصف مأساة التشرد التي يعيشها هؤلاء الأطفال بشكل مختلف لأنه استغنى عن وساطة الراوي وأفسح المجال للشابين لسرد حكايتهما وبتصويرها في مقاطع كثيرة من الفيلم.
يبدأ الفيلم في مدينة إزمير في غربي تركيا، حيث يريد أن ينطلق منها غيث تجاه ألمانيا التي بات يحلم بها كوجهة نهائية له ولوالدته التي تعيش في قرية تركية على الحدود مع سوريا. يستعين غيث بالمهربين لبلوغ جزيرة ليسبوس اليونانية على متن قارب حجمه "أقل من سبعة أمتار" وعلى متنه أكثر من أربعين شخصا. ويتحدث غيث عن هول الرحلة وسط الأمواج العاتية من خلال صور التقطها بهاتف نقال.
عند بلوغه العاصمة اليونانية أثينا يلتقي بشاب سوري آخر يدعى عبدول (هذا هو الاسم الذي أراد أن ينادى به) ظل عالقا في المدينة أكثر من عام كامل في انتظار تحويلات تساعده على دفع نفقات السفر.
يجد كل واحد في الآخر الدعم والسند ويتشبث كل واحد بالآخر ويحلمان بالسفر سويا إلى ألمانيا. علاقة الصداقة بين غيث وعبدول أضفت بعدا إنسانيا شديد الرقة يتناقض مع قسوة الواقع المحيط بهما، وهو ما يجعل المشاهد يتفاعل مع الفيلم وكأنه أمام عمل روائي يحمل كل عناصر الإبداع الدرامي.


يسجل فيلم "الهروب إلى أوروبا":" مرحلة تحول الصبيّين من عالم الطفولة إلى عالم موحش.

ويسجل فيلم "الهروب إلى أوروبا":" مرحلة تحول الصبيّين من عالم الطفولة إلى عالم موحش لا مكان فيه للبراءة ويفرض عليهما الحذر في كل خطوة.
فغيث لا ينسى التحذيرات المتكررة من المهربين الذين يستولون على أموال اللاجئين ثم يَهربون، وهذا يذكّره بمقولة والده المتوفى بأن تركيا "مثل الغابة" التي يجب أن يكون فيها الشخص "أسدا حتى لا تلتهمه الأسود الأخرى".
وسط كل ذلك يظل هاتفه النقال همزة الوصل التي تحيله إلى حياته السابقة في كنف أمه. فهي تسأله دوما ما إذا كان قد تناول طعاما، فيتلعثم قليلا قبل أن يدعي أنه تناول "سندوتش... سمك".
مع تدفق اللاجئين على حدود أوروبا بحلول أيلول / سبتمبر 2015، تشدد السلطات المجرية إجراءات الدخول إلى البلاد مما يجعل الوصول إلى ألمانيا صعب المنال. حينها يقرر كل من الشابين تغيير وجهته وسلك طريق مختلف.
هنا يتخذ الفيلم شكلا مختلفا؛ فنبدأ بتتبع رحلة غيث من خلال عدسة هاتفه النقال. فيسير على الأقدام ثمانية كيلومترات داخل حقل في صربيا وهو يتحدث عن قَدرية الحياة أو الموت تحت القصف العشوائي في سوريا. ولكن هذه الرؤية العدمية تتناقض مع إصراره على بلوغ هدفه.
ذكريات الحرب - التي وقعت عندما كان في الثانية عشرة - لا تغادر ذاكرته. فهو يصف لحظة سقوط البراميل المتفجرة وكأنها "صدمة موت مفاجئ" يستعيد بعدها الحياة تدريجيا.
عند وصوله إلى الأراضي المجرية يترك غيث كاميرا هاتفه النقال لتسجل ظروف الإقامة القاسية داخل أحد مراكز استقبال اللاجئين، وذلك بحذر شديد حتى لا يصادر منه الهاتف. يصور الهاتف عشرات اللاجئين من الرجال والنساء والأطفال وهم يتدافعون لالتقاط الطعام الذي يُلقي به اتجاههم أفرادُ شرطة يرتدون قفازات وكمامات طبية. أما دورات المياه فتحولت - كما هو شائع في بلاد عربية كثيرة - إلى مساحة حرة للتعبير عن السخط على السلطات المجرية.


كلا الشابين في الخامسة عشر من العمر، وهما من بين 86 ألف طفل لجأوا بمفردهم إلى أوروبا خلال عام 2015.

في هذه الأثناء ينجح عبدول في الوصول إلى ألمانيا ولكنه يريد أن يذهب إلى السويد حيث يسكن عمه الذي يتمنى أن يعوضه عن الأب الغائب. ينجح عبدول، بمساعدة شبكة من المتطوعين الدانماركيين، في الوصول إلى مدينة مالمو السويدية التي تبعد عشرين دقيقة عن البلدة التي يقيم فيها عمه. بالرغم من آمال عبدول لم يأت العم لاستقباله.
في رحلة القطار- وفي حديثه مع راكب آخر- يُطلع عبدول جليسه باستكانة شديدة عن وفاة ذويه في الحرب، وفي لحظة يتخلى وجهه عن تعابير الطفولة التي لم تغادره منذ أن رأيناه أول مرة.
عبدول لم يجد مبتغاه بعد مقابلة العم التي طال انتظارها. فهو لم يحتضنه كما كان يتوقع، وأودع مركزا للأحداث إلى حين تقدم طلب اللجوء.
أما غيث فوصل أخيرا إلى ألمانيا بعد خمسة أسابيع من مغادرته تركيا. "أشعر أنني الآن رجل حقيقي" كانت العبارة التي استقبَل بها غيث وصوله إلى وجهته المنشودة.
استغرق العمل في صنع الفيلم حوالي عام ونصف العام وهو ثمرة تعاون المخرج السوري فراس فياض الذي قام بتصوير أجزاء كبيرة من الفيلم مع المخرج والمصور راسموس شميدت والمنتج والمخرج الدانماركي هينريك غرونيت.
ويعتبر غرونيت أن قوة الفيلم الحقيقية تكمن في أنه ليس عن حدث أو شخصيات استثنائية بل هو يعبر عن معاناة عشرات الآلاف من اللاجئين الذين تمر وجوههم يوميا عبر شاشاتنا دون أن نعرف من وراءها.

يبث الوثائقي اليوم الساعة 19:05 (توقيت غرينيتش)
مواعيد الإعادة (توقيت غرينيتش)
الثلاثاء: 00:05 و04:05 و10:05 و14:05 و17:05 و22:05.
الأربعاء: 12:05
الخميس: :03:05 و10:05 و14:05 و21:05
الجمعة: 01:05