تحسين العلاقة مع الجزائر أولوية... وهذه أسباب فوز "العدالة والتنمية"
08-10-2016, 09:39 PM



حاوره: عبد الحميد عثماني


ما هو تقييمكم لنتائج العملية الانتخابية في المغرب بشكل عام؟


في الحقيقة أن النتائج جاءت عادية ومتوقعة، بالنظر لجملة من التحولات الأساسية التي عرفها المغرب منذ 2011، وبالنظر كذلك للعمل الإيجابي لحزب العدالة والتنمية في تدبير شؤون الحكومة، إضافة إلى تجسيد مؤسسات الدولة لالتزاماتها في الحفاظ على نزاهة الانتخابات، وأخص بالذكر المؤسسة الملكية، وبالتالي فإن الانتخابات البرلمانية عرفت سيرا مقبولا برغم بعض التجاوزات المسجلة من طرف المشاركين والمراقبين.

وماذا عن المقاطعة المعتبرة للانتخابات، هل لها تفسير سياسي؟

الجهات الرسمية أعلنت عن مشاركة بنسبة 43 في المئة، ما يعني أن 57 في المائة لم تشارك في العملية الانتخابية، لكن ذلك لا يعني أنها جميعها مقاطعة للانتخابات، كما أنها لا تعبر بالضرورة عن موقف سياسي من الانتخاب، أو على الأقل لدى جزء كبير من هؤلاء، لأنّ كثيرا من الشرائح الاجتماعية لم تسجل على اللائحة الانتخابية أصلا، وهذا يجعلني أنادي بحتمية مراجعة تلك اللائحة وتجديدها.

ولكن ما هو تفسيركم لفوز "العدالة والتنمية"، خصوصا في السياق العربي القائم، وخوضه لتجربة إدارة الحكومة في ظروف اقتصادية حرجة ومطالب فئوية متزايدة؟

يمكن أن نميز بهذا الصدد بين معطيات ذاتية وأخرى موضوعية، أما بشأن الأولى فهي تتعلق بمحافظة حزب العدالة والتنمية على حيويته التنظيمية، من خلال الهياكل المركزية والروافد الجماهيرية للحزب، مثل الشباب والنساء والمحامين، فهي لم تتأثر بتدبير الحكومة، وظلّ الحزب محافظا على وظيفته الدستورية في التأطير السياسي والاجتماعي دون أن يستغرق في تسيير الشأن العام.

هذا إضافة إلى كاريزما الأمين العام للحزب بن كيران، فهو قائد يملك حضورا متميزا مع الرأي العام و في علاقته بمؤسسات حزبه، كما أن الأخير راكم تجربة مقدّرة في تدبير اللحظات الانتخابية، لاسيما ما تعلق بالجانب اللوجستي والتقني، حيث رفع تحديّا بإشراف مراقبيه على كل مكاتب الانتخاب، وقد نجح إلى حدّ كبير في ذلك.

وماذا عن الأسباب الموضوعية الكامنة وراء فوز العدالة والتنمية؟

أعتبر شخصيا أن المشهد الحزبي المغربي يفتقد إلى منافس حقيقي لحزب العدالة والتنمية، نحن أمام أحزاب وطنية عريقة، شاخت قياداتها وخطابها، وطيلة سنوات تدبير "العدالة" للحكومة، كان خطاب المعارضة ضعيفا، لم يركز على حصيلة أدائها، فعارضت تلك الأحزاب الحكومة دون الحكم، في مقابل ذلك برز بن كيران بخطاب قوي، عبر إثارته لقوى التحكّم في المغرب والجهات النافذة التي لا تتركه يعمل، زد على ذلك، أن هناك إنجازات في مجموعة من البرامج، مسّت على وجه التحديد الفئات الاجتماعية الهشة.

أنت تتحدث عن أحزاب عريقة شاخت، لكن المنافس الأبرز "الأصالة والمعاصرة" يعدّ تشكيلة وافدة على المشهد الحزبي؟

صحيح أن هذا الحزب جديد قياسا لأحزاب المعارضة، لكنه ليس حزبا سياسيا بجذور شعبية، فهو يعتمد أساسا على الأعيان لبناء شبكات من العلاقات مع المواطنين، والمراهنة على شراء الأصوات، والتي تبقى ظاهرة حاضرة في المغرب في ظل ممارسات هؤلاء الأعيان، أي أن هذا الحزب بدون قواعد، ولا يمكن أن يؤثر في الشارع بخطابه السياسي أو يقنع المواطنين.

ما هي توقعاتكم بشأن التحالفات الحكومية، بعد ما صار شبه مستحيل تآلف العدالة والتنمية مع الأصالة والمعاصرة؟

النظام الانتخابي في المغرب لا يسمح بهيمنة الأحزاب، ما يفرض بناء التحالفات، لكن عندما نتابع خطابات الرائد والوصيف في الانتخابات الأخيرة، سنجد أن كليهما قد رسم خطا أحمر ضد أي تقارب مع الطرف الآخر، كما أن المشهد المغربي أصلا لا يحتمل مثل هذا التحالف، لأنه إن حصل ذلك، سيكون مشهدا سرياليا وليس واقعيا، لأنّ هناك تناقضات عميقة بين الحزبين.

ما هي البدائل المتاحة إذن أمام "بن كيران" لإعادة تشكيل الحكومة؟

في نظري أن السيناريو المفترض هو أن يقع تحالف العدالة والتنمية مع حزب الاستقلال والإتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، وهذا تناغما مع الحلم في تجسيد الكتلة التاريخية التي دعا لها عابد الجابري بين التيار الاشتراكي المحافظ والإسلامي، لكن قيادة الإتحاد الاشتراكي الحالية تماهت مع حزب الأصالة والمعاصرة في الموقف من العدالة، وبالتالي سيكون الأخير أمام سيناريو واقعي بالتحالف مع "الاستقلال" الذي عبر صراحة عن ذلك، وأيضا الحركة الشعبية، فهما يتقاسمان التأسيس قبل أن يفترقا، ثم التقدم والاشتراكية.

أعتقد أن هذه الأحزاب الأربعة بالنظر لمواقفها قبل الانتخابات يمكن أن تشكل تحالفا حكوميا جديدا.

وفي كلا السيناريوهين، لا وجود لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده وزير الخارجية في حكومة بن كيران؟

نعم، لأن هذا الحزب ظهر معارضا للحكومة من الداخل، وعبّر عن تباين كبير مع العدالة والتنمية في مواقف أيديولوجية، وحتى اندماجه سابقا في الحكومة كان اضطراريا لاستمرار عملها ليس أكثر.

هل تعتقد أن استمرار الإسلاميين في قيادة الحكومة سيكون مفيدا لاستقرار المملكة؟

التجربة المغربية لها خصوصية، ذلك أن الإسلاميين مختلفون في الخطاب السياسي والمرجعية، العدالة والتنمية خطّ لنفسه خطابا مغايرا مقارنه مع نظرائه في المنطقة، لا ننسى أن الحزب قد اتخذ خلال تدبيره للحومة قرارات لم تكن أبدا في صالح الفئات الاجتماعية الضعيفة، لكنه راهن على مصالح الدولة، ما كرّس عنصر الثقة مع مؤسساتها ، إذ لم يكن سلوكه مناورا أو خادما لمصالحه الضيقة، بل خدم الدولة، وبالتالي قيادة العدالة والتنمية للحكومة المقبلة ستعطي الإشارة أنه من الممكن أن تقود الوطن حكومة ذات مرجعية إسلامية تؤمن بالمشاركة وليس المغالبة.

وتبقى أهم ملاحظة بهذا الخصوص، هو الحضور القوي للشعب في اختيار من يمثله، وحرصه على حماية إرادته في الإصلاح، كما وصل المغرب منذ 2011 إلى نتيجة في غاية الأهمية، وهي أن الأحزاب لم تعد تطعن في نزاهة الانتخابات، وهذه هي ضمانات الاستقرار في البلد.

ما هي برأيكم أولويات الحكومة المرتقب تشكيلها في تحسين العلاقة مع الجارة الشرقية؟

تعلمون أن السياسة الخارجية تحت إشراف رئيس الدولة، لكن في اعتقادي أن العلاقة مستقبلا يجب أن تكون بعيدة عن المشكل التاريخي المزمن، على الحكومة أن تفكر في تعاون اقتصادي حتى لا نقول فتح الحدود، لأن نتائج الانتخابات في تصوري تراهن على علاقة جيدة مع الجزائر، في ظل الرهانات الخطيرة في المنطقة، لا يمكن أن نبقى في حالة عداوة، علينا أن نبحث عن نقاط تقاطع مشتركة.