الحرب الإيرانية العثمانية (1821-1823م)
04-04-2021, 12:43 PM


قامت في إيران بعد سقوط دولتي الزند والإفشاريين دولةٌ أخرى شيعيَّة[1] هي الدولة القاچارية. والقاچار Qajar قبيلةٌ تركيَّةٌ[2] حكمت إيران من عام 1789م إلى عام 1925م[3]، ولم يكن لها احتكاكٌ بالعثمانيِّين سوى في هذه الحرب التي لا معنى لها بالنسبة إلى الطرفين! لقد قامت روسيا بدفع الدولة القاچارية إلى حرب الدولة العثمانية[4] لتصرف أنظارها عن اليونان، سعيًا لاستقلال الأخيرة. هكذا ابتُليت الأمَّة الإسلاميَّة بمثل هذه القيادات الغبيَّة التي لا تمانع في قتل نفسها وإخوانها في سبيل أعدائها! ممَّا يُرْثَى له أن روسيا كانت قد اقتطعت من إيران في عهد القاچاريين قبل ذلك مساحاتٍ شاسعةً في أذربيچان وچورچيا[5]، وكان من المفترض أن يفهم العقلاء -على الأقل من باب السياسة، إذا لم يكن من باب الدين الإسلامي، والعرق التركي- أن يتعاون القاچاريون مع العثمانيين ضدَّ العدوِّ المشترك روسيا، لكن هكذا جرت الأمور!

اقتحم القاچاريون الحدود العثمانية في صيف 1821م[6]. كان وليُّ عهد الشاه الأمير عباس ميرزا Abbas Mirza قد حدَّث -بالتعاون مع الإنجليز- الجيش الإيراني على النسق الأوروبي[7]، وأسماه «النظام الجديد»، تمامًا كما كان يريد السلطان سليم الثالث أن يفعل، وكما يريد أن يفعل الآن محمود الثاني ولكنَّه معاق -كما رأينا- بقوى الإنكشاريَّة المتخلِّفة. هذا التحديث أدَّى إلى تفوُّق الجيوش الإيرانيَّة على العثمانية في هذه الحرب. تمكَّن ثلاثون ألف جندي إيراني من إيقاع الهزيمة بخمسين ألف جندي عثماني في عمق أرضهم عند مدينة إرضروم Erzurum[8]. -أيضًا- اخترق القاچاريون العراق، وقصدوا بغداد لكنهم لم يصلوها بفعل الأوبئة وهجمات القبائل المحلِّيَّة[9]. يبدو لي من سياق الأحداث أن الدولة العثمانية كانت في غضون العقود الماضية قد تجاوزت حدودها المتَّفق عليها في المعاهدات السابقة، وذلك في منطقة جبال ذُهاب Zuhab الفاصلة بين الدولتين؛ لأن الطرفين -العثماني والقاچاري- توافقا على الجلوس -في معاهدة إرضروم عام 1823م- للتفاوض بعد الهزيمة العثمانيَّة ليتَّفقا على عودة الوضع إلى ما كان قد تصالح عليه الطرفان في معاهدة قصر شيرين عام 1639م[10]. فعاد الوضع إلى ما كان عليه كعادة الحروب العثمانيَّة الإيرانيَّة.

من حسنات هذه الحرب العابرة أنها لفتت نظر السلطان محمود وكبار رجال الدولة بشكلٍ عمليٍّ إلى أهميَّة تحديث الجيش العثماني، وإلى النتائج السلبيَّة الكبيرة لتصلُّب الإنكشاريَّة وإصرارهم على الإبقاء على تشكيلاتهم وتسليحهم بالطرق القديمة ذاتها. لقد صار الكثيرون الآن مقتنعين بوقوف الإنكشاريَّة عائقًا أمام تقدُّم الدولة، أو على الأقل ثباتها. -أيضًا- لفتت هذه الحرب النظر إلى الضعف الشديد الذي تعاني منه ولاية العراق في ظلِّ حكم المماليك المتدهور لها. إن انفصالها عن الدولة العثمانية بهذه الصورة سيجعلها عرضةً دومًا للاختراقات الإيرانيَّة، وإذا كان القاچاريون لم يفلحوا في هذه المرَّة في إسقاط بغداد فإن المستقبل قد يحمل غير ذلك، وهذا سيُحدث خللًا كبيرًا في توازن القوى بين العثمانيِّين وإيران[11].




[1] Hiro, Dilip: Iran under the Ayatollahs, Routledge, New York, USA, 2011., p. 15.
[2] 68. الدنبلي، عبد الرزاق بيك: المآثر السلطانية (تاريخ إيران وحروبها مع روسيا) في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي، مراجعة وتقديم: عبد الحفيظ يعقوب حجاب، ترجمة: محمد سيد أبو زيد، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005م.32، 33.
[3] Amanat, Abbas: The Pivot of the Universe: Nasir Al-Din Shah Qajar and the Iranian Monarchy, 1831–1896, I. B. Tauris, 2008, pp 2–3.
[4] لونگريك، ستيفن هيمسلي: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة: جعفر الخياط، مكتبة اليقظة العربية، الطبعة السادسة، 1985م.صفحة 293.
[5] إقبال، عباس: تاريخ إيران بعد الإسلام من بداية الدولة الطاهرية حتى نهاية الدولة القاجارية، راجعه: السباعي محمد السباعي، نقله عن الفارسية وقدم له وعلق عليه: محمد علاء الدين منصور، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1989م. الصفحات 770، 771.
[6] Tucker, Spencer C.: A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2010., vol. 3, p. 1140.
[7] الدنبلي، 2005 الصفحات 168–171.
[8] Tucker, 2010, vol. 3, p. 1140.
[9] لونگريك، 1985 الصفحات 294، 295.
[10] الدنبلي، 2005 الصفحات 409–415.
[11] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442ه= 2021م، 2/ 997- 999.