علو نجم الإمبراطورية البرتغالية في القرن الخامس عشر
01-07-2021, 09:05 AM


شاء الله عزوجل أن تشهد هذه المرحلة التاريخية؛ أعني السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر والبدايات الأولى من القرن السادس عشر، أي في عهد السلطان بايزيد الثاني، عدَّة تغييراتٍ جذريَّةٍ في خريطة العالم السياسية، فظهرت قوى عالمية جديدة، وتضاءلت قوى أخرى، وكان لكلِّ هذا تأثيرٌ مباشرٌ على مستقبل الدولة العثمانية، وكان من هذه التغييرات ظهور إمبراطوريَّات كبرى كان لها تأثيرٌ كبيرٌ على مجريات الأحداث العالمية؛ مثل إمبراطوريات إسبانيا، والبرتغال، وروسيا، والنمسا، والصفويين بإيران، كما تطوَّرت أوروبا الغربية علميًّا واقتصاديًّا بشكلٍ لافت ممَّا أدَّى إلى نموِّ إنجلترا وفرنسا لاحقًا بصورةٍ مؤثِّرة، وصاحَب هذا التضخُّم لهذه الإمبراطوريات أفول لنجوم إمبراطورياتٍ أخرى؛ كالمجر، والبندقية، وإمبراطورية البابا نفسه! لا شَكَّ أن هذه التطوُّرات كان لها أثرٌ كبيرٌ على الدولة العثمانية، التي شهدت بدورها في مطلع القرن السادس عشر نموًّا مذهلًا في قوَّتها، ممَّا جعلها في منافسةٍ بارزةٍ لهذه القوى الجديدة التي ظهرت، وفي هذا المقال سنأخذ فكرةً عن علو نجم الإمبراطورية البرتغالية.

علو نجم الإمبراطورية البرتغالية:

كانت البرتغال جزءًا من الأندلس المسلمة منذ فتحها عام 712م[1]م، ثم استقلَّت عنها في عام 1139م[2] لتُصبح أوَّل قوميَّةٍ فعليَّةٍ في أوروبا، وكانت لها طموحاتٌ استعماريَّةٌ في أوائل القرن الخامس عشر، فامتلكت للمرَّة الأولى أرضًا خارج حدود أوروبا، وهو ميناء سبتة المغربي، وذلك في عام 1415م[3].

حدث تطوُّر مهيب في مملكة البرتغال في أواخر القرن الخامس عشر، في أثناء عهد بايزيد الثاني، حيث اكتشف بحَّاروها بقيادة دياز Bartolomeu Dias رأس العواصف، ثم رأس الرجاء الصالح، جنوب إفريقيا عام 1488م[4]، وبعدها بعشر سنوات اكتشفوا بقيادة فاسكو دي جاما Vasco da Gama الطريق إلى الهند، ووصلوا إليها بالفعل في 1498م[5]، وكانت هذه نقلةً نوعيَّةً ضخمة حوَّلت المملكة المحدودة إلى إمبراطوريَّةٍ قادرةٍ قاهرة، وأتبعت ذلك باكتشاف البرازيل Brazil في عام 1500م[6]، فصارت البرتغال بذلك واحدةً من أشدِّ القوى العالمية تأثيرًا في الأحداث في هذه الحقبة.

ظهرت البرتغال بذلك على الساحة الإسلامية، وكان التفافها حول رأس الرجاء الصالح ومرورها في المحيط الهندي سببًا في اصطدامها بقوَّة المماليك البحرية في هذه المناطق، وهذا لمس الدولة العثمانية بشكلٍ غير مباشر، لكن الأهم من ذلك بالنسبة إلى العثمانيين هو تحوُّل طرق التجارة العالمية من البحر الأسود، والبحر الأبيض المتوسط، والطرق البرية في العراق، والشام، ومصر، إلى المحيط الأطلنطي عبر رأس الرجاء الصالح، وهذا جرَّ أموالًا طائلةً على أوروبا الغربية، ومعظمها معادٍ للدولة العثمانية، بينما أثَّر سلبًا على المسلمين بشكلٍ ملموس[7].



[1] Livermore, H. V.: A New History of Portugal, CUP Archive, 1969., pp. 32-33.
[2] ديورانت، ول: قصة الحضارة، ترجمة: زكي نجيب محمود، وآخرين، تقديم: محيي الدين صابر، دار الجيل-بيروت، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم-تونس، 1408هـ=1988م. الصفحات 15/250، 251.
[3] بيرنجيه، جان؛ ودوران، ايف؛ وكونتامين، فيليب؛ وراب، فرنسيس: موسوعة تاريخ أوروبا العام (أوروبا منذ بداية القرن الرابع عشر وحتى نهاية القرن الثامن عشر)، مراجعة: أنطوان أ . الهاشم، ترجمة: وجيه البعيني، منشورات عويدات، بيروت–باريس، الطبعة الأولى، 1995م. صفحة 2/200.
[4] هايد، ڨ.: تاريخ التجارة في الشرق الأدنى في العصور الوسطى، مراجعة وتقديم: عز الدين فودة، ترجمة: أحمد رضا محمد رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م.الصفحات 4/3، 4.
[5] بونداريفسكي: الغرب ضد العالم الإسلامي من الحملات الصليبية حتى أيامنا، ترجمة: إلياس شاهين، دار التقدم، موسكو، 1985م. صفحة 16.
[6] ديورانت، 1988 صفحة 23/56.
[7] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 1/ 353، 357.