أزمة الحضارة الحديثة
04-11-2024, 03:20 PM
بلغت الحضارة الإنسانية في العصر الحديث شأوا بعيدا من التقدم والازدهار، وأصبحت المنجزات التي كانت تعد يوما من ضروب السحر والخيال كالتحليق في جو السماء بأجسام أثقل من الهواء، أو الاتصال آنيا بالصوت والصورة مع أقصى بقاع الأرض واقعا راهنا بمتناول الجميع. لقد تحقق كل ذلك من خلال تسخير العلم والتقانة لنفع وفائدة الإنسان بدلا من الاستغراق في خطابات وجدل لا يسمن ولا يغني من جوع. ليس هذا وحسب، بل المستقبل يعد بأكثر من ذلك بكثير، فالبشرية تقف اليوم على أعتاب عصر الفضاء لتطرق أبواب السماء وتسخر ما فيها لصالح الإنسان.
لكن، وفي خضم هذا التطور والازدهار نسيت البشرية أهم ما يميزها عن بقية أحياء الأرض وهو انسانيتها، فاهتمت بالجانب المادي فقط من التقدم والازدهار ونسيت الجانب الروحي والأخلاقي فأصبحت حضارة عوراء عرجاء، تبحث عن الفضيلة فتقع في الرزيلة من خلال الحروب الظالمة المستمرة يوما بعد يوم والتي أصبحت تهدد الجنس البشري بكامله بالفناء، هذا على مستوى العلاقة الخارجية بين الشعوب، أما على صعيد الفرد والمجتمع، فقد انغمست كثير من المجتمعات والأمم في مستنقع الجريمة والمخدرات والتمايز والتفاضل بين الأجناس والعروق، وأصبح الإنسان الحديث ريشة في مهب رياح الأهواء والشهوات تعصف به كيف تشاء لفقدانه الهوية والهدف.
لقد ظهرت نُذُر هذا الانحطاط الأخلاقي في بدايات القرن العشرين؛ ففي نهاية عام 1918 ظهر كتاب ضخم في مكتبات ألمانيا يحمل العنوان المثير التالي ... "انحدار الغرب"، لمؤلفه أوزفالد شبنغلر[1] .... يبدأ الكتاب هكذا:
"يضم هذا الكتاب لأول مرة محاولة لتقرير ما سيحدث في المستقبل، محاولة لمتابعة مراحل لم تقع بعد من مصير الحضارة المعاصرة".
تبرز أهمية ما قام به (شبنغلر) في أنه بعث فكرة الهدف والمصير من جديد لأنه وبحلول القرن الثامن عشر بما رافقه من اتجاه مادي علماني اختفت فكرة هدف التاريخ، وصار لا يعني أكثر من سلسلة متتابعة من الأحداث في الماضي.
لقد أدت أفكار فرويد[2] في التحليل النفسي وارجاعه مصدر الأفعال الإنسانية إلى الجنس و كارل ماركس و فلسفته التي تعزو حركة المجتمعات إلى أسباب اقتصادية بحتة و داروين ونظريته ذات الصيت في تطور الأحياء، أدى كل ذلك إلى اعتبار البشر جميعهم متشابهون ويخضعون لقوانين ومؤثرات نفسية واقتصادية وبيولوجية واحدة، ولم يعد تاريخ البشر محور العالم، فطالما أن الإنسان نتيجة تطور طبيعي من سلسلة أحيائية، وهي وإن كانت أدنى منه تطورا فإن وجود هدف للتاريخ البشري يستدعي بطريقة أو بأخرى وجود تاريخ هادف أيضا للقرود والطيور والضفادع والأسماك، وبكلمات أخرى فقد حل الاتجاه المادي محل الاتجاه الروحي. لقد أدى هذا الاتجاه إلى تدمير الهدف الأخلاقي للحضارة الإنسانية والفشل في إدراك أن المشاكل التي ندعوها أخلاقية مستمرة في وجودها حتى لو نبذنا فكرة أن الخاطئين يذهبون إلى الجحيم، والمحسنين إلى الجنة لأن المشاكل الأخلاقية مشاكل ذات تعقيدات تتعلق بالحياة الإنسانية والمجتمع، وهكذا فالأخلاق هي قوة الإنسان النفسية لتحقيق أشكال أرقى من الحياة أما إذا انفلتت إرادة الإنسان من القيد الأخلاقي فإن النتيجة ستكون سقوط الحضارة كما ينبئنا التاريخ، هذا بالإضافة إلى أن هذه الحاجة أصبحت ملحة اليوم كي تبعث فكرة الهدف من الحياة أو معنى الحياة، فبالرغم من أن العقلانية والتقنيات الحديثة قد زادت من تقدم الإنسان و رفاهيته على حساب الطبيعة، إلا أن هذا التقدم بالذات قد جعل الرغبات والشهوات البهيمية متاحة جدا بحيث يسهل الانغماس فيها والانحدار في اتجاه أشكال الحياة الأدنى إذا لم يتوفر للحضارة الهدف أو الدافع الأخلاقي ليحفظها من التدهور والانهيار. لقد عادت هذه الحاجة الأخلاقية لتظهر أواخر القرن العشرين، بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها مخلفة الكوارث والدمار الهائل الذي نتج عن تطور تكنولوجي غير مسبوق في إنتاج الأسلحة ووسائل التدمير الشامل، إذ نجد مثل هذا التحليل في مؤلفات الكثيرين من المفكرين الغربيين البارزين مثل (كيركغارد ونتشه وشو).
يشبِّه (شبنغلر) ما ألم بالحضارة المعاصرة بمرض سرطاني فها هو الإنسان الحديث بالرغم من كل معارفه العلمية ما يزال في حماقة أجداده، وما يزال يستخدم كل الخدع السياسية والمكر من أجل الزعامة والسيطرة على موارد الثروة الطبيعية غير معني بما يسببه ذلك من فساد وافساد، إنه يريد أن يتملكه شيء، أي شيء، ولو كان الطاغوت نفسه، أن يؤثر عليه أي زعيم سياسي أو لاعب كرة أو نجمة سينمائية، أي شيء يخلصه من تفاهته و خوائه، إنها حضارة الشيطان بحق كما سبق وتنبأ قبل ذلك بكثير (يوهان غوته)[3] الشاعر والأديب الألماني وأحد أبرز أعلام الأدب العالمي في مسرحيته الخالدة "فاوست" التي اعتبرها النقاد من أشهر المسرحيات الألمانية وإرثاً عالمياً مثل “الإلياذة” والكوميديا الإلهية” وهاملت” وغيرها، لذلك كثرت من حولها الشروح والتعليقات والكتابات النقدية والفلسفية.
تتناول المسرحية شخصية افتراضية ولدت في أواخر القرن الخامس عشر هي شخصية “فاوست”. و” "فاوست” هذا ورث عن عمه أموالاً، وتعلم كل ما أمكنه من علوم زمانه، لكنه اعتقد بعد أن أدركه الكبر، أن كل ما أخذه من علم لا نفع له، ندم فاوست على سنوات شبابه التي أضاعها في تحصيل العلم والمعرفة، فظهر له معاون الشيطان “مفستوفيليس” يعرض عليه أن يقايض روحه وجسده مقابل أن يمده بأربع وعشرين سنة من سنوات شبابه، قبل فاوست بما عرض عليه معاون الشيطان، فمضى في سبيل الشر، قتل وفسق ووقع في كل رذيلة أمكنه فعلها.
ينتهي القسم الأول من المسرحية بمأساة الفتاة البريئة (مارغريت) التي أغواها الشيطان وجعلها تعشق فاوست ثم دبّر لها مقلبا لتقع في الرذيلة ولينتهي بها المطاف داخل السجن حيث تموت. أما فاوست الذي استعاد شبابه، وبدا لأول وهلة مقبلاً على الحياة بحماسة شديدة، سرعان ما نشأ صراع داخلي بينه وبين نفسه من جهة وبينه وبين الشيطان من جهة أخرى، ووقع فاوست بسبب هذا الشعور فريسة للندم الأخلاقي والشعور بالذنب، و راح يتذمّر من كل الملذات والمجد الكاذب ويحاول التمرد على الشيطان ناسيا عهده له وميثاقه بالدم، وأخيرا عندما يتحمس فاوست ليثوب إلى رشده ويتخلى عن مغريات الشيطان، في تلك اللحظة عندما يصرّح تصريحه الأخير بأنه قد وجد ما كان يبحث عنه من سعادة تتجسد في إنسان حر فوق أرض حرة، يصرعه الشيطان وتأتي جوقته لتنقله إلى القبر لكن جوقة الملائكة تنتشله وتغطيه بالورود والأزاهير وترفعه إلى السماء.
لقد جاء أسلوب معالجة قضية الصراع الأبدي بين الخير والشر في هذه المسرحية متناسبا مع اللحظة الزمنية التي كُتب فيها النص، عندما كان القصد من المعرفة هو السيطرة على الطبيعة، وهوما عبرت عنه شخصية فاوست، التي وبالرغم من تملكها لمفاتيح العلم التي أهلتها للسيادة على مظاهر الطبيعة، لم تستطع إدارة الصراع الأبدي بين الخير والشر. في ذلك العصر كان الوعي الأوروبي واثقاً من قدرة العقل على إنجاز هذه السيادة، لكن ومع انتهاء القرن الـسابع عشر أخذ هذا الوعي يشعر بمحدودية إمكانات العقل، فدخلت الحداثة الأوروبية في عصر الرومانسية الناقدة لنمط العقلانية، والباحثة عن أساليب وطرائق أخرى في الإدراك غير طريقة العقل وأسلوبه. هذا القلق والشك في القدرة العقلية يشخصهما غوته في مسرحيته الملحمية هذه، فمنذ اللحظة الأولى يقف فاوست أمام العقل والعلم وقفة نقدية يتحسر فيها على محدوديتهما وعجزهما، طامحا إلى إيجاد حل مغاير، والحل يكمن في الحاجة إلى التفوق على النفس ... إن الفكر المادي المدعوم بالتكنولوجيا المتطورة قد يمنح الإنسان القوة للسيطرة على عالمه الخارجي ولكنه لا يمنحه القوة للسيطرة على نفسه، إنه يجعله طاغية أو مليونيرا، لكنه لا يجعله يدرك الغاية من وجوده، إن الإنسان الذي تقتصر حياته العقلية على التفكير في المنطق والعلم هو إنسان وسط، وسيصبح شيئا فشيئا متحجرا عقليا ولن يكتشف نفسه.
لا يعني هذا أن العلم عديم الجدوى، بالعكس فالعلم يعتبر أعظم أداة توصل إليها الإنسان لفهم العالم المادي وتسخيره لخدمته، لكن المعرفة التي توفرها العلوم الطبيعية هي جزء من حقيقة العالم وحسب، فلنطلق العلم من عقاله المادي المتحجر ولندعه يغوص في فضاءات الوعي الفسيحة، ونكتشف آفاقا جديدة لا يمكن تفسيرها بالمادة وحسب، هذا لا يعني أن ننظر إلى العالم المادي باحتقار بل يجب أن لا نكون عبيدا له والا نسجن أنفسنا فيه، لكن وفي الوقت نفسه فلا فائدة من الرهبانية التي تنأى بنفسها عن المجتمع والتي تقتصر على تعذيب وحرمان الجسد من المتع التي لا تسيء إلى الروح.
حين يتحرر الإنسان من التافه والمباشر ومن التجارب العاطفية المتكررة التي لا تعلمنا الجديد كالحسد والعصبية والخوف والطمع ... فإنه ينتقل إلى عالم يتميز باكتشاف ذاتي جديد، إن المادية بكل صورها: الماركسية والمنطقية الإيجابية وإنسانية (برتراند رسل) العلمية المفتعلة كلها تجعل الإنسان حبيس الزمن والحاجة المادية العابرة، لذلك يجب التحرر من نماذج التفكير هذه التي أثبتت فشلها مرة بعد أخرى، ولنا من خواء الحضارة المعاصرة من كل معنى إنساني رفيع أكبر دليل على ذلك.
لقد أصيب معظم الفلاسفة الغربيين بعرج روحي، عندما رفع الغرب العقلانية والنهج العلمي فوق كل شيء وبهذا أتيح للعلماء أن يتناسوا الدافع الأخلاقي وراء أعمالهم فقد يكون للإنسان طاقة عقلانية عظيمة ويكون عديم الأخلاق في الآن نفسه، فالقابلية العقلانية القوية للبحث والتمحيص لا علاقة لها بحسن الخلق والتآلف مع الحياة العامة البتة، ولم يستطع المنطق أن يحقق إبداعا في يوم من الأيام، وانما يتحقق الاكتشاف والإبداع بالفطرة المدركة في حين أن العقل والمنطق يتعكز خلف هذه الفطرة ويحاول أن ينوع من الاكتشافات بطريقته البطيئة. إن المنطق هو خادم الخيال المبدع.
نجد أفكارا مشابهة عن تدهور الحضارة الغربية في كتاب (أرنولد توينبي)[4]: "بحث في التاريخ"، إنه سجل لأغرب رحلة روحية في عصرنا هذا، يعتقد توينبي بأن الحضارة تزدهر في الظروف التي تواجه فيها أكبر التحديات، و كلما ازداد التحدي أصبح البشر الذين يواجهونه أكثر عظمة؛ ويضرب (توينبي) أمثلة على ذلك "روما وبيزنطة واثينا واسبارطة وغيرها ..."، إن الناس الذين يعيشون في ظروف سهلة هم ضعاف، والذين يعيشون في ظروف صعبة هم الأقوياء، فإذا أرادت الحضارة أن تكون قوية روحيا و ثقافيا فإنها بحاجة إلى محيط قاس يتسم بالتحدي، فكلما اشتد التحدي زاد الدافع المحرض قوة.
إن الزهو والغرور والاستسلام للشهوات هو السبب في سقوط الحضارة، الأمر الذي يتطلب من كل حضارة أن تختبر ذاتها باستمرار.
لقد أدلى (توينبي) بحقيقة هامة ضد المادية، إذ لا يعتمد الفرد فقط على الطاقة الإبداعية المطوِّرة بل تعتمد الحضارات على تلك الطاقة أيضا، وهذا مضاد للمادية الجدلية تماما، التي تقول إن الحضارات تتطور وفقا للضغوط الاقتصادية، وليست هناك إرادة حرة، في حين أن (توينبي) يقول: إن الحضارات تتطور وتزدهر أو تتدهور وفقا للطاقة الأخلاقية التي تتميز بها نخبتها، ولهذا فإن عبارة "الطاقة الأخلاقية" تكون عديمة المعنى إذا لم توجد هناك إرادة حرة.
يبدأ تدهور الحضارة بفعل النجاح الذي سرعان ما يقود النخبة إلى الكسل والراحة أو إلى الخشونة والطغيان، وكل من هاتين النتيجتين تؤديان إلى التدهور والسقوط، هنا تصبح النخبة مجرد أقلية ضحلة تقبض على القوة كامتياز من امتيازاتها -وليس لأنها تستحقها باعتبارها تمثل الطليعة المبدعة- فينقسم المجتمع إلى ثلاث فئات: أغلبية غير قانعة بما آلت إليه الأمور وأقلية فاسدة أو مستبدة حاكمة ونخبة من المبدعين تجد نفسها وقد أصبحت غريبة عما آلت إليه الأمور فتنسحب من العطاء.
هذه الجماعات الثلاث تكره بعضها فيحاول الزعماء أن يتمسكوا بسلطاتهم بصورة أشد، وترد الغالبية على ذلك بالعصيان، في حين أن النخبة تشتد في انعزالها وتحتفظ بالمثل والقيم التي ستنتقل إلى حضارة جديدة، وتقوم الحضارة في مراحل احتضارها الأخيرة بإنتاج المخلصين الذي يحاولون الخروج بها من الزقاق المسدود فيبذلون مجهوداً هائلا من أجل الصحوة المؤقتة التي تسبق التدهور التام.
يميل (توينبي) في الأجزاء الأخيرة من تاريخه إلى إظهار أفكاره الدينية بوضوح فيقول: "إن مثل الحضارة الأعلى هو "التقرير الذاتي" أي أن تصبح الحضارة مسيطرة على نفسها ضمن الأطر الأخلاقية التي وضعتها"
لكن ماذا بعد؟ يشبه هذا قولنا إن هدف الإنسان المثالي أن يصبح مسيطرا على نفسه ولكن لماذا؟ قد يسعى الإنسان إلى السيطرة على نفسه ليصبح قائدا أو مفكرا أو قديسا، إلا أن السيطرة الذاتية لا تمثل هدفا نهائيا بحد ذاتها.
يوضح (توينبي) في الأجزاء الأخيرة من كتابه أن التاريخ كله ليس إلا سعيٌ نحو الله، إنه محاولة الروح المستمرة لقهر المادة، لقد لاحت فكرة الدين في الأجزاء الأولى من الكتاب ضبابية إذ اعتبر (توينبي) أن الدين ما هو إلا ردة فعل تجاه الظروف المادية التي تعيشها الحضارات وراحة في وجه الموت ونظاما من الخرافات التي تحاول تفسير مصير الإنسان المجهول. أما في الأجزاء الأخيرة فقد اتسعت آراؤه وازدادت عمقا ليرى الحقيقة الجوهرية التي تجمع الأديان كلها، وهي محاولة إظهار سمو الروح الخالدة وما يقابل ذلك من عدم الأهمية بالنسبة لمشاكل عالمنا في المكان والزمان. إن الرؤيا الخلاقة بالنسبة ل(توينبي) تتمثل أخيرا بالمحبة لكل ما هو موجود، ويلتقي في ذلك مع ابن عربي [5] الذي جاء قبله ببضعة قرون، والذي جمع الأديان جميعا في مزهرية الحب بقوله:
لقد صار قلبي قابل كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنَّى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني[6]
لقد رفض (توينبي) أن تكون حركة التاريخ آلية تخضع لقياسات مادية مطلقة فأدخل العامل الروحي والإنساني كمحرك أساسي للتاريخ. يقول (توينبي):
"...لقد أغرت منجزات الحضارة الحديثة ضحاياها وأغوتهم فباعوها أرواحهم مقابل المصابيح الكهربائية والسينما والراديو... وكانت نتيجة هذا الدمار الحضاري الذي سببته هذه الصفقة جدب روحي أدى إلى مجتمع الخنازير..."
يأمل (توينبي) أن يكون خلاص الغرب بالانتقال من الحضارة المادية المقفرة روحيا وأخلاقيا إلى الدين قائلا:
" إن الغربي يستطيع بواسطة الدين أن يتصرف تصرفا روحيا يضمن سلامته من القوة المادية التي ألقتها بين يديه ميكانيكية الصناعة الغربية".
نعم لقد حققت الحضارة الغربية تقدما ماديا هائلا بتسخير العلم لرفاهية الإنسان واقتصرت على الجوانب المادية من المعرفة فقط الأمر الذي أفقدها القوة الروحية وهي الطاقة الحيوية لحفظ الجنس البشري، بدون هذا المفهوم الحيوي فإن كلمة التقدم تكون مجرد سخرية، بل إنها تشبه سيارة لا وقود فيها.
في نهايات القرن العشرين اعتقد كثير من المثقفين أن فكرة الله والأديان قد اندثرت، وان الدين لم يعد سوى وسيلة لعزاء العجائز تُقرع له أجراس الكنائس الخربة، وان العلم والعقل المادي قد حل محله، لكن الحاجة إلى الدين عادت لتظهر بقوة ومن جديد في أدبيات ذلك العصر وما بعده، حتى أصبح من كان ينادي بالإلحاد والتوجه إلى الأساليب الميكانيكية المادية لفهم الطبيعة أصبح يدرك الآن أن الدين قد وجد ليبقى متعللاً لذلك بوجود علاقة عضوية لا تنفصل بين الدين وتركيبة الدماغ وجدت وتطورت بفعل الانتخاب الطبيعي الذي جاءت به نظرية داروين.
في كتابه "سقوط الحضارة"[7] يحاول الكاتب (كولن ولسن)[8] تأطير مشكلة الإنسان الغربي الذي أصبح ريشة تعصف بها رياح الهوى والرغبات المادية الجامحة، ليبين أن الإنسان لن يكون كاملا بلا دين، وان البشر أصبحوا لا يحيون حياتهم المتوازنة بشقيها المادي والروحي بل يعيشون عيشة بهيمية متمتعين بأيامهم ما أمكن حتى انتهاء العمر، ويلخّص الكاتب مشكلة الضياع التي يعيشها الغربي المعاصر بالتساؤل التالي: "ربّ لم خلقتني؟؟" ثلاث كلمات تختصر ضياع الهدف والمصير لقطعان طويلة عريضة من البشر الهائمين بين معاناة المعيشة ورغائب الاستمتاع، كظاهرة من ظواهر الحضارة الحديثة الموشكة على السقوط، مبينا أن العالم الغربي قد بلغ ذروة أزمته لأن الدين الذي هو العمود الفقري للحضارة قد تيبس في كنيسته، ولأن التقدم العلمي الذي ساعد من ناحية على توفير الرفاهية والصحة والنمو الاقتصادي للحضارة المعاصرة قد سلب منها الدافع الروحي وتركها عرجاء عوراء لا ترى سوى طرفاً واحداً فقط من حقيقة العالم.
يقول نيلسون في مقدمة كتابه "اللا منتمي":
"... كنت أنظر إلى حضارتنا نظرتي إلى شيء رخيص تافه باعتبار أنها تمثل انحطاط جميع المقاييس العقلية، وكان اللا منتمي كما تخيلته إما مجنونا يضع سكينا في حقيبته السوداء ويفخر بأنه عديم الضرر، أو قديسا أو حالما لا يهمه إلا أن يحصل على لحظة واحدة يستطيع فيها أن يفهم العالم ويكتشف أسرار الطبيعة والله، وكنت كلما تغلغلت في دراسة اللا منتمي شعرت بأنه ليس غير عرض من أعراض هذا العصر، فأما من حيث الجوهر فهو عاصٍ وأما سبب عصيانه فهو انعدام الجانب الروحي في حضارتنا الغنية ماديا. وأما السؤال الذي يكمن وراء اللا منتمي فهو في رأيي كما يلي: كيف يستطيع الإنسان أن يوسع مدى إدراكه؟ إنني اعتقد أن البشر يعيشون في مدى من الحالات الذهنية، هذا المدى ضيق لا يزيد على النوتات الثلاث الوسطى في البيانو في حين أن مدى الحالات الذهنية يمكن أن يتسع ليشمل جميع مفاتيح البيانو، إن معظم الأفراد الذين أعرفهم يعيشون هكذا بصورة طبيعية، هم يعملون ويسافرون ويأكلون ويشربون ويتحدثون، كما أن مدى الفعالية العادية في حضارة حديثة يبني جدارا حول حالة الإدراك العادية ويجعل النظر إلى ما وراء ذلك مستحيلا، وإن الظروف التي نعيشها تفعل ذلك بنا، وهذا ما يحدث في أية حضارة صاخبة كمحركات آلاتها لا تفسح مجالا للدعة والتأمل، فيبدأ الناس بفقدان الشعور الداخلي بوجودهم وبمعنى الهدف الذي يمكن أن يجعل منهم أكثر من مجرد خنازير كفؤه جداً".
إن مفتاح الخلاف بين المؤمن والملحد هو موقف كل منهما من الوعي، فالملحد يعتقد بعالم آلي (ميكانيكي) في جميع تفاصيله بل يعتقد أن الإنسان الذي يقف على قمة تطور الأحياء ما هو إلا آلي (روبوت) أحمق كما وصفه ريتشارد دوكنز[9]، باختصار يرى الملحد أننا نعيش في عالم مادي بحت لا وجود فيه لغير المادة، بمعنى آخر فإن الملحد ينفي وجود وعي متميز عن الطبيعة، وبالمقابل فالمؤمن يعتقد بوجود عقل يحكم العالم ويعتبر أن وعي الإنسان جزء بسيط من هذا الوعي المطلق. يتسلح الملحدون بالترهات والأساطير التي أُلحقت بالأديان زورا وبهتانا ليشنوا حملة شعواء على كل ما يمت إلى الدين بصلة، ويروجون لفكرة مؤداها أن العلم يناقض الدين، وأن الدين أفيون الشعوب ليعقدوا مع طلاب العلم صفقة مؤداها أن يتخلى الفرد عن كل ما وراء المادة والطبيعة وأن ينكر وجود الوعي كي يكون عالما حقا بزعمهم متجاهلين أن الأديان جميعها تدعوا إلى العلم ولكن ضمن آفاق أوسع بكثير من الأفق المادي المتحجر. لقد زيفوا للعلم تعريفا يحده ضمن حدود الحواس الخمس، ناسين أن هذه الحواس تشمل الأحياء جميعا، وإنما يمتاز الإنسان عن غيره بالوعي الذي ينكروه.
إن البديل الحقيقي عن أن الدين أفيون الشعوب ليس إلحادا وضعيّ النزعة؛ لأن الوضعية ليست هي العالم بدون الله وحسب، بل هي العالم بدون الإنسان. إن البديل الحقيقي هو إيمان مناضل وخلاق، لا يقتصر على ما هو كائن وحسب، بل يتضمن جميع ممكنات المستقبل.
إن وراء كل عمل ثوري فعل إيمان: اليقين بأن العالم قابل للتحول وبأن الإنسان يملك القدرة على الخلق والإبداع وبمسؤوليته الشخصية عن التغيير، والإيمان يعني الأمل، يعني أن نستشف ما وراء الواقع المباشر والزمان.
لقد انتهت المادية إلى معيشة فاقدة المعنى والهدف لا تعرف سوى الاستمتاع البهيمي، والحروب الطاحنة التي لا هدف لها سوى الاستيلاء على مقدرات كوكب الأرض وثرواته، وتصاحب كل ذلك بالاستهلاك الجائر للبيئة بحيث أصبحت الأرض مهددة بالتحول إلى جحيم لا تُحتمل الحياة عليه، وأصبح لزاما على الجنس البشري أن يثوب إلى رشده ويراجع الأوراق المادية الصرفة التي بنيت عليها الحضارة المعاصرة والتي تحجر العقل ضمن حدود الحواس الخمس وتتجاهل الفطرة الملهمة التي كانت وراء تطور الجنس البشري عبر العصور، ومن دوغمائية[10] متجذّرة ضد كل فهم يخرج عن حدود المادة، بالرغم من أن العلم يقف اليوم حيران أمام الكثير من الظواهر التي لم يعد يجد لها تفسيرا بوسائله المتاحة، خاصة ما يتعلق منها بعالم بنية الذرة الدقيق الذي يتناوله الميكانيك الكمي بالبحث.
إن حضارة كهذه هي حضارة مؤهلة للاحتضار، احتضار لفقدان الهدف، يدل على ذلك هروب المراهقين إلى المخدرات والانتحار، بشكل ملفت للنظر في الدول التي تنعم برغد العيش على الأخص، وتدمير للبيئة من خلال الاستخدام الجائر لموارد الطبيعة وانتشار التلوث، إن اليوم الذي تتحول فيه الأنهار إلى مجار، والبحيرات والبحور إلى مستنقعات آسنة، وتغرق فيه الأرض تحت تلال النفايات قد بات قريبا إذا لم نضع حدا للاتجاه الفاجع السائد اليوم.
وبالأسلوب نفسه الذي تتعامل به الحضارة الأوروبية مع الطبيعة، وهو أسلوب غير مسؤول، تتعامل مع دول العالم الثالث، مما أسفر عن أزمة خطيرة؛ إذ لم يحدث أن جاع هذا العدد الكبير من البشر، فثلث الإنسانية أي ملياران ونصف المليار من البشر يعانون من سوء التغذية بالرغم من أن الإنتاج الغذائي يزداد منذ عام 1965 بمعدل 3% سنويا بينما يزداد السكان بمعدل 1.5% فقط، أما سبب ذلك فيعود إلى الاستعمار الجديد الذي يفرض على بلدان العالم الثالث أسعارا بخسة للمواد الأولية التي يبتاعها منها وأسعارا بالغة الارتفاع للمنتجات التي يبيعها إليها.
هذه مؤشرات لمجتمع يدّعي الحضارة والتقدم بينما لا يرى في الطبيعة سوى استنزاف مواردها خلال أقصر فترة ممكنة، وتحويلها إلى سلة لنفاياته الصناعية والزراعية الناجمة عن هذا الاستهلاك المفرط، ناهيك عن استغلاله لموارد البلدان التي تسعى للنمو والتقدم، وذلك بدلا من أن تشمل التنمية ازدهار الفرد بجميع إمكاناته الجسدية والفكرية في الإبداع والنقد والإسهام في الابتكارات الإنسانية و في الآراء الانتقادية التي هي قوام الثقافة، وفي العلاقات الأخوية و علاقات المحبة مع الآخرين و في مشاركة الجميع لبناء مستقبل مفتوح على آفاق لا نهاية لها واسهام متواصل للإنسان في هذا العمل المبدع الدائب الذي يتكشف فيه الحضور الإلهي في الحضارة والمجتمع.
المطلوب إذاً هو إحداث تغيير جذري في النموذج الغربي للحضارة يعيد النظر في علاقتنا مع الطبيعة ومع الله مستفيدين من زخم الحضارات العريقة الأخرى التي سادت قرونا في الشرق، بهدف التغيير الجذري لطراز التنمية القائم ولتكون غاية التنمية النماء الروحي والاقتصادي معا، وايجاد نماذج جديدة لعلاقة الإنسان بالإنسان، و علاقة الفرد بالجماعة بحيث تكون غيرية جماعية تؤدي على الصعيد السياسي إلى الانتقال من ديمقراطية تمثيلية مزعومة إلى ديمقراطية مشاركة لصالح الجميع ينخرط الإنسان فيها بحيث يكون عمله الخارجي تعبيرا عن إيمانه الداخلي.
إن التفكير بالمستقبل على أنه إنجاز فيض من المشاريع التقنية فقط هو تفكير ساذج، بل المستقبل سعيٌ مستمر نحو الكمال المادي والروحي، إنه سعي مستمر نحو الله.
لا يوجد إنسان حر يرضى باستعباد الآخرين في مجتمعه بينما يفرضه على شعوب أخرى في أشكال مختلفة من التبعية، فلنتعلم إذا أن حريتنا لا تتحقق إلا إذا تحققت حرية الآخرين.
لقد استطاعت الحضارة المعاصرة تحرير كثير من الشعوب من الفقر والجهل والمرض بكل تأكيد، وبقي عليها تحرير العالم من الوفرة والتخمة للبعض على حساب الآخرين، تحريرهم من السعي لإرواء أهواء المعيشة وتلبيتها تلبية ستلهث دائما للحصول على المزيد منها دون أن ترتوي.
إن نموذج النمو الحالي نموذج أعمى لا غاية له، نمو معياره الوحيد زيادة كم الإنتاج والاستهلاك، وفي المجال السياسي فلا غاية للسياسة العالمية سوى تحقيق تبعية الدول الضعيفة لهيمنة الدول القوية تمهيدا لاستغلال مواردها وثرواتها دون غاية سامية أو هدف سوى تحويل العالم إلى أيدي قلة طاغية تتحكم في مقدراته كيفما تشاء، بدلا من تحديد القيم والغايات والمعنى لحركة المجتمعات والتاريخ، الأمر الذي لا يمكن لغير الدين أن يقوم به.
لكن الديانات القائمة تحتاج أيضا إلى التجديد والانفتاح على بعضها وعلى العالم من خلال حوار الحضارات.
إن وحدة السياسة والدين لم تتجلى في التاريخ إلا بإخضاع إحداهما للأخرى بطريقة ظاهرة عندما اعتُبرت السلطة حقا إلهيا، أو سلطة مبطنة بشراء عمائم وقلانيس رجال الدين، وبالتالي لم تكن الأديان سوى واحدة من وسائل القسر والإكراه العديدة التي استخدمتها السياسة في تاريخها الطويل. حتى الدعاوى المتكررة التي بدأت مع النقد الذي جاء به (مكيافيلي)[11] في عصر النهضة لفصل الدين عن السياسة ثم جاءت من قبل الحركات العلمانية في العصر الحديث، فقد استُخدمت لسيطرة الأنظمة الحاكمة على الدين والسياسة معا وانتهت إلى فصل تام بين السياسة وبين الأهداف السامية في إدارة الدولة والمجتمع واقتصرت الأهداف على إعداد الإنسان إعدادا دنيويا للآخرة يتلخص في إعداد المرء للصبر على بلوائه التي غالبا ما يكون سببها نظام الحكم نفسه، فكان هذا الصبر أساسا لتجميع الثروة لدى السلطة الحاكمة.
كل هذا أدى إلى انسلاخ البعد السياسي عن البعد الإنساني والاجتماعي وإرجاع الإيمان إلى مجرد ممارسة شخصية دون التزام الفرد بالمجتمع، لذلك أصبح من الضروري إقامة علاقة جديدة بين الإيمان والتاريخ، بين الإيمان والعمل، بين الإيمان والعالم، بل لابد من التحقق من أن كل إنسان قد تلقى اللقاح الإلهي ليتجاوز حواجز الطبقة والثقافة والعرق، وليكون مسؤولا مسؤولية كاملة عن مصيره، وليكون باعث عمله اليومي السعي من خلال إنسانيته نحو الله.
________________________________________
[1] . أوزفالد أرنولد غوتفريد شبينغلر (بالألمانية: Oswald Arnold Gottfried Spengler) ـ (29 مايو 1880 ـ 8 مايو 1936) مؤرخ وفيلسوف ألماني شملت اهتماماته أيضاً الرياضيات والعلم والفن. يعرف بكتابه "انحدار الغرب" (بالألمانية: Der Untergang des Abendlandes)، وترجم كتابه إلى اللغة العربية بعنوان تدهور الحضارة الغربية الذي يعرض فيه نظريته عن سقوط وازدهار الحضارات وأن ذلك يتم بشكل دوري، ويغطي كل تاريخ العالم وقدم نظرية جديدة جعل فيها عمر الحضارات محدوداً وأن مصيرها إلى الأفول، ولعله تأثر بما كتبه ابن خلدون في هذا المجال. من ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
[2] . سيغموند شلومو فرويد يعرف اختصارًا بِ ـ سيغموند فرويد (1856—1939) هو طبيب نمساوي ومفكر حر من أصل يهودي، اختص بدراسة الطب العصبي، يعتبر مؤسس علم التحليل النفسي.
[3] . بالألمانية: (Johann Wolfgang von Goethe) ولد في فرانكفورت عام 1749 وتوفي عام 1832. ويعتبر من رواد الكلاسيكية والرومانسية الألمانية. أنتج الكثير من المسرحيات والنصوص الروائية، كما عرف عنه اهتمامه بالآداب الشرقية وبشخصية النبي محمد (ص) الذي كتب عنه عملاً مهماً. إلا أن أعظم أثر أدبي تركه غوته للعالم هو مسرحية “فاوست”، التي تعتبر العمل الأبرز بتقدير معظم النقاد الأدبيين. وقد استوحاها غوته من قصة فاوست الساحر الألماني في القصة الشعبية. استمر غوته في كتابة عمله هذا ستين عاما، بدأه وهو ابن عشرين ورافقه حتى قبيل وفاته بعام واحد أي رافقه من الشباب إلى الشيخوخة.
[4] . أرنولد جوزف توينبي، بالإنجليزية: (Arnold J. Toynbee) مؤرخ بريطاني ولد في 14 أبريل 1889 في لندن وتوفي في 22 أكتوبر 1975. أهم أعماله موسوعة دراسة للتاريخ، وهومن أشهر المؤرخين في القرن العشرين.
[5] . هو (أبوبكر محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي الحاتمي الطائي الأندلسي)، ولد في مرسيه سنة 560 هـ، يعد ابن عربي من أشهر مشايخ الصوفية.
[6]. ترجمان الأشواق، بيروت طبعة 1961، (ص 43)، "سيد حسين نصر"، دار النهار للنشر، ص (153).
[7] . ولسون كولن: سقوط الحضارة، ترجمة أنيس زكي حسن، منشورات دار الآداب-بيروت.
[8] . ولسون كولن هنري ( 26 يونيو 1931 - 5 ديسمبر 2013( مؤلف وفيلسوف إنكليزي، كتب عددًا كبيرًا من المؤلفات في الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع، ولعل أشهر كتبه هو “اللا منتمي”.
[9] . كلينتون ريتشارد دوكنز بالإنجليزية: Clinton Richard Dawkins، (ولد في 26 مارس 1941) هو عالم بيولوجيا تطورية وإيثولوجيا بريطاني وفيلسوف في الأديان وكاتب أدبيات علمية. من أبرز أعماله التأكيد على الدور الرئيسي للجينات كقوة دافعة للتطور. معروف بآرائه في الإلحاد ونظرية التطور كما أنه من أبرز منتقدي نظرية الخلق ونظرية التصميم الذكي.
[10] . . الجزمية أوالدوغماتية (أو دوغمائية): هي حالة من الجمود الفكري، حيث يتعصب فيها الشخص لأفكارهِ الخاصة لدرجة رفضهِ الاطلاع على الأفكار المخالفة، وإن ظهرت لهُ الدلائل التي تثبت لهُ أن أفكارهِ خاطئة، سيحاربها بكل ما أوتي من قوة، ويصارع من أجل إثبات صحة أفكارهِ وآرائهِ، وتعتبر حالة شديدة من التعصب للأفكار والمبادئ والقناعات.
[11]. نيكولا مكيافيلي ((Niccolò Machiavelli، ولد في فلورنسا، 3 مايو، 1469 - تُوفي في فلورنسا، 21 يونيو، 1527، فيلسوف سياسي إيطالي إبان عصر النهضة. أصبح مكيافيلي الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، والذي أصبح فيما بعد عَصّبَ دراسات العلم السياسي. أشهر كتبه على الإطلاق، كتاب (الأمير)، والذي هدف مكيافيلي منه أن يكون كتيب تعليمات للحكم. نُشرَ الكتاب بعد موته، وقد أيد فيه فكرة أن (الغاية تبرر الوسيلة)، وهي صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية.
لكن، وفي خضم هذا التطور والازدهار نسيت البشرية أهم ما يميزها عن بقية أحياء الأرض وهو انسانيتها، فاهتمت بالجانب المادي فقط من التقدم والازدهار ونسيت الجانب الروحي والأخلاقي فأصبحت حضارة عوراء عرجاء، تبحث عن الفضيلة فتقع في الرزيلة من خلال الحروب الظالمة المستمرة يوما بعد يوم والتي أصبحت تهدد الجنس البشري بكامله بالفناء، هذا على مستوى العلاقة الخارجية بين الشعوب، أما على صعيد الفرد والمجتمع، فقد انغمست كثير من المجتمعات والأمم في مستنقع الجريمة والمخدرات والتمايز والتفاضل بين الأجناس والعروق، وأصبح الإنسان الحديث ريشة في مهب رياح الأهواء والشهوات تعصف به كيف تشاء لفقدانه الهوية والهدف.
لقد ظهرت نُذُر هذا الانحطاط الأخلاقي في بدايات القرن العشرين؛ ففي نهاية عام 1918 ظهر كتاب ضخم في مكتبات ألمانيا يحمل العنوان المثير التالي ... "انحدار الغرب"، لمؤلفه أوزفالد شبنغلر[1] .... يبدأ الكتاب هكذا:
"يضم هذا الكتاب لأول مرة محاولة لتقرير ما سيحدث في المستقبل، محاولة لمتابعة مراحل لم تقع بعد من مصير الحضارة المعاصرة".
تبرز أهمية ما قام به (شبنغلر) في أنه بعث فكرة الهدف والمصير من جديد لأنه وبحلول القرن الثامن عشر بما رافقه من اتجاه مادي علماني اختفت فكرة هدف التاريخ، وصار لا يعني أكثر من سلسلة متتابعة من الأحداث في الماضي.
لقد أدت أفكار فرويد[2] في التحليل النفسي وارجاعه مصدر الأفعال الإنسانية إلى الجنس و كارل ماركس و فلسفته التي تعزو حركة المجتمعات إلى أسباب اقتصادية بحتة و داروين ونظريته ذات الصيت في تطور الأحياء، أدى كل ذلك إلى اعتبار البشر جميعهم متشابهون ويخضعون لقوانين ومؤثرات نفسية واقتصادية وبيولوجية واحدة، ولم يعد تاريخ البشر محور العالم، فطالما أن الإنسان نتيجة تطور طبيعي من سلسلة أحيائية، وهي وإن كانت أدنى منه تطورا فإن وجود هدف للتاريخ البشري يستدعي بطريقة أو بأخرى وجود تاريخ هادف أيضا للقرود والطيور والضفادع والأسماك، وبكلمات أخرى فقد حل الاتجاه المادي محل الاتجاه الروحي. لقد أدى هذا الاتجاه إلى تدمير الهدف الأخلاقي للحضارة الإنسانية والفشل في إدراك أن المشاكل التي ندعوها أخلاقية مستمرة في وجودها حتى لو نبذنا فكرة أن الخاطئين يذهبون إلى الجحيم، والمحسنين إلى الجنة لأن المشاكل الأخلاقية مشاكل ذات تعقيدات تتعلق بالحياة الإنسانية والمجتمع، وهكذا فالأخلاق هي قوة الإنسان النفسية لتحقيق أشكال أرقى من الحياة أما إذا انفلتت إرادة الإنسان من القيد الأخلاقي فإن النتيجة ستكون سقوط الحضارة كما ينبئنا التاريخ، هذا بالإضافة إلى أن هذه الحاجة أصبحت ملحة اليوم كي تبعث فكرة الهدف من الحياة أو معنى الحياة، فبالرغم من أن العقلانية والتقنيات الحديثة قد زادت من تقدم الإنسان و رفاهيته على حساب الطبيعة، إلا أن هذا التقدم بالذات قد جعل الرغبات والشهوات البهيمية متاحة جدا بحيث يسهل الانغماس فيها والانحدار في اتجاه أشكال الحياة الأدنى إذا لم يتوفر للحضارة الهدف أو الدافع الأخلاقي ليحفظها من التدهور والانهيار. لقد عادت هذه الحاجة الأخلاقية لتظهر أواخر القرن العشرين، بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها مخلفة الكوارث والدمار الهائل الذي نتج عن تطور تكنولوجي غير مسبوق في إنتاج الأسلحة ووسائل التدمير الشامل، إذ نجد مثل هذا التحليل في مؤلفات الكثيرين من المفكرين الغربيين البارزين مثل (كيركغارد ونتشه وشو).
يشبِّه (شبنغلر) ما ألم بالحضارة المعاصرة بمرض سرطاني فها هو الإنسان الحديث بالرغم من كل معارفه العلمية ما يزال في حماقة أجداده، وما يزال يستخدم كل الخدع السياسية والمكر من أجل الزعامة والسيطرة على موارد الثروة الطبيعية غير معني بما يسببه ذلك من فساد وافساد، إنه يريد أن يتملكه شيء، أي شيء، ولو كان الطاغوت نفسه، أن يؤثر عليه أي زعيم سياسي أو لاعب كرة أو نجمة سينمائية، أي شيء يخلصه من تفاهته و خوائه، إنها حضارة الشيطان بحق كما سبق وتنبأ قبل ذلك بكثير (يوهان غوته)[3] الشاعر والأديب الألماني وأحد أبرز أعلام الأدب العالمي في مسرحيته الخالدة "فاوست" التي اعتبرها النقاد من أشهر المسرحيات الألمانية وإرثاً عالمياً مثل “الإلياذة” والكوميديا الإلهية” وهاملت” وغيرها، لذلك كثرت من حولها الشروح والتعليقات والكتابات النقدية والفلسفية.
تتناول المسرحية شخصية افتراضية ولدت في أواخر القرن الخامس عشر هي شخصية “فاوست”. و” "فاوست” هذا ورث عن عمه أموالاً، وتعلم كل ما أمكنه من علوم زمانه، لكنه اعتقد بعد أن أدركه الكبر، أن كل ما أخذه من علم لا نفع له، ندم فاوست على سنوات شبابه التي أضاعها في تحصيل العلم والمعرفة، فظهر له معاون الشيطان “مفستوفيليس” يعرض عليه أن يقايض روحه وجسده مقابل أن يمده بأربع وعشرين سنة من سنوات شبابه، قبل فاوست بما عرض عليه معاون الشيطان، فمضى في سبيل الشر، قتل وفسق ووقع في كل رذيلة أمكنه فعلها.
ينتهي القسم الأول من المسرحية بمأساة الفتاة البريئة (مارغريت) التي أغواها الشيطان وجعلها تعشق فاوست ثم دبّر لها مقلبا لتقع في الرذيلة ولينتهي بها المطاف داخل السجن حيث تموت. أما فاوست الذي استعاد شبابه، وبدا لأول وهلة مقبلاً على الحياة بحماسة شديدة، سرعان ما نشأ صراع داخلي بينه وبين نفسه من جهة وبينه وبين الشيطان من جهة أخرى، ووقع فاوست بسبب هذا الشعور فريسة للندم الأخلاقي والشعور بالذنب، و راح يتذمّر من كل الملذات والمجد الكاذب ويحاول التمرد على الشيطان ناسيا عهده له وميثاقه بالدم، وأخيرا عندما يتحمس فاوست ليثوب إلى رشده ويتخلى عن مغريات الشيطان، في تلك اللحظة عندما يصرّح تصريحه الأخير بأنه قد وجد ما كان يبحث عنه من سعادة تتجسد في إنسان حر فوق أرض حرة، يصرعه الشيطان وتأتي جوقته لتنقله إلى القبر لكن جوقة الملائكة تنتشله وتغطيه بالورود والأزاهير وترفعه إلى السماء.
لقد جاء أسلوب معالجة قضية الصراع الأبدي بين الخير والشر في هذه المسرحية متناسبا مع اللحظة الزمنية التي كُتب فيها النص، عندما كان القصد من المعرفة هو السيطرة على الطبيعة، وهوما عبرت عنه شخصية فاوست، التي وبالرغم من تملكها لمفاتيح العلم التي أهلتها للسيادة على مظاهر الطبيعة، لم تستطع إدارة الصراع الأبدي بين الخير والشر. في ذلك العصر كان الوعي الأوروبي واثقاً من قدرة العقل على إنجاز هذه السيادة، لكن ومع انتهاء القرن الـسابع عشر أخذ هذا الوعي يشعر بمحدودية إمكانات العقل، فدخلت الحداثة الأوروبية في عصر الرومانسية الناقدة لنمط العقلانية، والباحثة عن أساليب وطرائق أخرى في الإدراك غير طريقة العقل وأسلوبه. هذا القلق والشك في القدرة العقلية يشخصهما غوته في مسرحيته الملحمية هذه، فمنذ اللحظة الأولى يقف فاوست أمام العقل والعلم وقفة نقدية يتحسر فيها على محدوديتهما وعجزهما، طامحا إلى إيجاد حل مغاير، والحل يكمن في الحاجة إلى التفوق على النفس ... إن الفكر المادي المدعوم بالتكنولوجيا المتطورة قد يمنح الإنسان القوة للسيطرة على عالمه الخارجي ولكنه لا يمنحه القوة للسيطرة على نفسه، إنه يجعله طاغية أو مليونيرا، لكنه لا يجعله يدرك الغاية من وجوده، إن الإنسان الذي تقتصر حياته العقلية على التفكير في المنطق والعلم هو إنسان وسط، وسيصبح شيئا فشيئا متحجرا عقليا ولن يكتشف نفسه.
لا يعني هذا أن العلم عديم الجدوى، بالعكس فالعلم يعتبر أعظم أداة توصل إليها الإنسان لفهم العالم المادي وتسخيره لخدمته، لكن المعرفة التي توفرها العلوم الطبيعية هي جزء من حقيقة العالم وحسب، فلنطلق العلم من عقاله المادي المتحجر ولندعه يغوص في فضاءات الوعي الفسيحة، ونكتشف آفاقا جديدة لا يمكن تفسيرها بالمادة وحسب، هذا لا يعني أن ننظر إلى العالم المادي باحتقار بل يجب أن لا نكون عبيدا له والا نسجن أنفسنا فيه، لكن وفي الوقت نفسه فلا فائدة من الرهبانية التي تنأى بنفسها عن المجتمع والتي تقتصر على تعذيب وحرمان الجسد من المتع التي لا تسيء إلى الروح.
حين يتحرر الإنسان من التافه والمباشر ومن التجارب العاطفية المتكررة التي لا تعلمنا الجديد كالحسد والعصبية والخوف والطمع ... فإنه ينتقل إلى عالم يتميز باكتشاف ذاتي جديد، إن المادية بكل صورها: الماركسية والمنطقية الإيجابية وإنسانية (برتراند رسل) العلمية المفتعلة كلها تجعل الإنسان حبيس الزمن والحاجة المادية العابرة، لذلك يجب التحرر من نماذج التفكير هذه التي أثبتت فشلها مرة بعد أخرى، ولنا من خواء الحضارة المعاصرة من كل معنى إنساني رفيع أكبر دليل على ذلك.
لقد أصيب معظم الفلاسفة الغربيين بعرج روحي، عندما رفع الغرب العقلانية والنهج العلمي فوق كل شيء وبهذا أتيح للعلماء أن يتناسوا الدافع الأخلاقي وراء أعمالهم فقد يكون للإنسان طاقة عقلانية عظيمة ويكون عديم الأخلاق في الآن نفسه، فالقابلية العقلانية القوية للبحث والتمحيص لا علاقة لها بحسن الخلق والتآلف مع الحياة العامة البتة، ولم يستطع المنطق أن يحقق إبداعا في يوم من الأيام، وانما يتحقق الاكتشاف والإبداع بالفطرة المدركة في حين أن العقل والمنطق يتعكز خلف هذه الفطرة ويحاول أن ينوع من الاكتشافات بطريقته البطيئة. إن المنطق هو خادم الخيال المبدع.
نجد أفكارا مشابهة عن تدهور الحضارة الغربية في كتاب (أرنولد توينبي)[4]: "بحث في التاريخ"، إنه سجل لأغرب رحلة روحية في عصرنا هذا، يعتقد توينبي بأن الحضارة تزدهر في الظروف التي تواجه فيها أكبر التحديات، و كلما ازداد التحدي أصبح البشر الذين يواجهونه أكثر عظمة؛ ويضرب (توينبي) أمثلة على ذلك "روما وبيزنطة واثينا واسبارطة وغيرها ..."، إن الناس الذين يعيشون في ظروف سهلة هم ضعاف، والذين يعيشون في ظروف صعبة هم الأقوياء، فإذا أرادت الحضارة أن تكون قوية روحيا و ثقافيا فإنها بحاجة إلى محيط قاس يتسم بالتحدي، فكلما اشتد التحدي زاد الدافع المحرض قوة.
إن الزهو والغرور والاستسلام للشهوات هو السبب في سقوط الحضارة، الأمر الذي يتطلب من كل حضارة أن تختبر ذاتها باستمرار.
لقد أدلى (توينبي) بحقيقة هامة ضد المادية، إذ لا يعتمد الفرد فقط على الطاقة الإبداعية المطوِّرة بل تعتمد الحضارات على تلك الطاقة أيضا، وهذا مضاد للمادية الجدلية تماما، التي تقول إن الحضارات تتطور وفقا للضغوط الاقتصادية، وليست هناك إرادة حرة، في حين أن (توينبي) يقول: إن الحضارات تتطور وتزدهر أو تتدهور وفقا للطاقة الأخلاقية التي تتميز بها نخبتها، ولهذا فإن عبارة "الطاقة الأخلاقية" تكون عديمة المعنى إذا لم توجد هناك إرادة حرة.
يبدأ تدهور الحضارة بفعل النجاح الذي سرعان ما يقود النخبة إلى الكسل والراحة أو إلى الخشونة والطغيان، وكل من هاتين النتيجتين تؤديان إلى التدهور والسقوط، هنا تصبح النخبة مجرد أقلية ضحلة تقبض على القوة كامتياز من امتيازاتها -وليس لأنها تستحقها باعتبارها تمثل الطليعة المبدعة- فينقسم المجتمع إلى ثلاث فئات: أغلبية غير قانعة بما آلت إليه الأمور وأقلية فاسدة أو مستبدة حاكمة ونخبة من المبدعين تجد نفسها وقد أصبحت غريبة عما آلت إليه الأمور فتنسحب من العطاء.
هذه الجماعات الثلاث تكره بعضها فيحاول الزعماء أن يتمسكوا بسلطاتهم بصورة أشد، وترد الغالبية على ذلك بالعصيان، في حين أن النخبة تشتد في انعزالها وتحتفظ بالمثل والقيم التي ستنتقل إلى حضارة جديدة، وتقوم الحضارة في مراحل احتضارها الأخيرة بإنتاج المخلصين الذي يحاولون الخروج بها من الزقاق المسدود فيبذلون مجهوداً هائلا من أجل الصحوة المؤقتة التي تسبق التدهور التام.
يميل (توينبي) في الأجزاء الأخيرة من تاريخه إلى إظهار أفكاره الدينية بوضوح فيقول: "إن مثل الحضارة الأعلى هو "التقرير الذاتي" أي أن تصبح الحضارة مسيطرة على نفسها ضمن الأطر الأخلاقية التي وضعتها"
لكن ماذا بعد؟ يشبه هذا قولنا إن هدف الإنسان المثالي أن يصبح مسيطرا على نفسه ولكن لماذا؟ قد يسعى الإنسان إلى السيطرة على نفسه ليصبح قائدا أو مفكرا أو قديسا، إلا أن السيطرة الذاتية لا تمثل هدفا نهائيا بحد ذاتها.
يوضح (توينبي) في الأجزاء الأخيرة من كتابه أن التاريخ كله ليس إلا سعيٌ نحو الله، إنه محاولة الروح المستمرة لقهر المادة، لقد لاحت فكرة الدين في الأجزاء الأولى من الكتاب ضبابية إذ اعتبر (توينبي) أن الدين ما هو إلا ردة فعل تجاه الظروف المادية التي تعيشها الحضارات وراحة في وجه الموت ونظاما من الخرافات التي تحاول تفسير مصير الإنسان المجهول. أما في الأجزاء الأخيرة فقد اتسعت آراؤه وازدادت عمقا ليرى الحقيقة الجوهرية التي تجمع الأديان كلها، وهي محاولة إظهار سمو الروح الخالدة وما يقابل ذلك من عدم الأهمية بالنسبة لمشاكل عالمنا في المكان والزمان. إن الرؤيا الخلاقة بالنسبة ل(توينبي) تتمثل أخيرا بالمحبة لكل ما هو موجود، ويلتقي في ذلك مع ابن عربي [5] الذي جاء قبله ببضعة قرون، والذي جمع الأديان جميعا في مزهرية الحب بقوله:
لقد صار قلبي قابل كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنَّى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني[6]
لقد رفض (توينبي) أن تكون حركة التاريخ آلية تخضع لقياسات مادية مطلقة فأدخل العامل الروحي والإنساني كمحرك أساسي للتاريخ. يقول (توينبي):
"...لقد أغرت منجزات الحضارة الحديثة ضحاياها وأغوتهم فباعوها أرواحهم مقابل المصابيح الكهربائية والسينما والراديو... وكانت نتيجة هذا الدمار الحضاري الذي سببته هذه الصفقة جدب روحي أدى إلى مجتمع الخنازير..."
يأمل (توينبي) أن يكون خلاص الغرب بالانتقال من الحضارة المادية المقفرة روحيا وأخلاقيا إلى الدين قائلا:
" إن الغربي يستطيع بواسطة الدين أن يتصرف تصرفا روحيا يضمن سلامته من القوة المادية التي ألقتها بين يديه ميكانيكية الصناعة الغربية".
نعم لقد حققت الحضارة الغربية تقدما ماديا هائلا بتسخير العلم لرفاهية الإنسان واقتصرت على الجوانب المادية من المعرفة فقط الأمر الذي أفقدها القوة الروحية وهي الطاقة الحيوية لحفظ الجنس البشري، بدون هذا المفهوم الحيوي فإن كلمة التقدم تكون مجرد سخرية، بل إنها تشبه سيارة لا وقود فيها.
في نهايات القرن العشرين اعتقد كثير من المثقفين أن فكرة الله والأديان قد اندثرت، وان الدين لم يعد سوى وسيلة لعزاء العجائز تُقرع له أجراس الكنائس الخربة، وان العلم والعقل المادي قد حل محله، لكن الحاجة إلى الدين عادت لتظهر بقوة ومن جديد في أدبيات ذلك العصر وما بعده، حتى أصبح من كان ينادي بالإلحاد والتوجه إلى الأساليب الميكانيكية المادية لفهم الطبيعة أصبح يدرك الآن أن الدين قد وجد ليبقى متعللاً لذلك بوجود علاقة عضوية لا تنفصل بين الدين وتركيبة الدماغ وجدت وتطورت بفعل الانتخاب الطبيعي الذي جاءت به نظرية داروين.
في كتابه "سقوط الحضارة"[7] يحاول الكاتب (كولن ولسن)[8] تأطير مشكلة الإنسان الغربي الذي أصبح ريشة تعصف بها رياح الهوى والرغبات المادية الجامحة، ليبين أن الإنسان لن يكون كاملا بلا دين، وان البشر أصبحوا لا يحيون حياتهم المتوازنة بشقيها المادي والروحي بل يعيشون عيشة بهيمية متمتعين بأيامهم ما أمكن حتى انتهاء العمر، ويلخّص الكاتب مشكلة الضياع التي يعيشها الغربي المعاصر بالتساؤل التالي: "ربّ لم خلقتني؟؟" ثلاث كلمات تختصر ضياع الهدف والمصير لقطعان طويلة عريضة من البشر الهائمين بين معاناة المعيشة ورغائب الاستمتاع، كظاهرة من ظواهر الحضارة الحديثة الموشكة على السقوط، مبينا أن العالم الغربي قد بلغ ذروة أزمته لأن الدين الذي هو العمود الفقري للحضارة قد تيبس في كنيسته، ولأن التقدم العلمي الذي ساعد من ناحية على توفير الرفاهية والصحة والنمو الاقتصادي للحضارة المعاصرة قد سلب منها الدافع الروحي وتركها عرجاء عوراء لا ترى سوى طرفاً واحداً فقط من حقيقة العالم.
يقول نيلسون في مقدمة كتابه "اللا منتمي":
"... كنت أنظر إلى حضارتنا نظرتي إلى شيء رخيص تافه باعتبار أنها تمثل انحطاط جميع المقاييس العقلية، وكان اللا منتمي كما تخيلته إما مجنونا يضع سكينا في حقيبته السوداء ويفخر بأنه عديم الضرر، أو قديسا أو حالما لا يهمه إلا أن يحصل على لحظة واحدة يستطيع فيها أن يفهم العالم ويكتشف أسرار الطبيعة والله، وكنت كلما تغلغلت في دراسة اللا منتمي شعرت بأنه ليس غير عرض من أعراض هذا العصر، فأما من حيث الجوهر فهو عاصٍ وأما سبب عصيانه فهو انعدام الجانب الروحي في حضارتنا الغنية ماديا. وأما السؤال الذي يكمن وراء اللا منتمي فهو في رأيي كما يلي: كيف يستطيع الإنسان أن يوسع مدى إدراكه؟ إنني اعتقد أن البشر يعيشون في مدى من الحالات الذهنية، هذا المدى ضيق لا يزيد على النوتات الثلاث الوسطى في البيانو في حين أن مدى الحالات الذهنية يمكن أن يتسع ليشمل جميع مفاتيح البيانو، إن معظم الأفراد الذين أعرفهم يعيشون هكذا بصورة طبيعية، هم يعملون ويسافرون ويأكلون ويشربون ويتحدثون، كما أن مدى الفعالية العادية في حضارة حديثة يبني جدارا حول حالة الإدراك العادية ويجعل النظر إلى ما وراء ذلك مستحيلا، وإن الظروف التي نعيشها تفعل ذلك بنا، وهذا ما يحدث في أية حضارة صاخبة كمحركات آلاتها لا تفسح مجالا للدعة والتأمل، فيبدأ الناس بفقدان الشعور الداخلي بوجودهم وبمعنى الهدف الذي يمكن أن يجعل منهم أكثر من مجرد خنازير كفؤه جداً".
إن مفتاح الخلاف بين المؤمن والملحد هو موقف كل منهما من الوعي، فالملحد يعتقد بعالم آلي (ميكانيكي) في جميع تفاصيله بل يعتقد أن الإنسان الذي يقف على قمة تطور الأحياء ما هو إلا آلي (روبوت) أحمق كما وصفه ريتشارد دوكنز[9]، باختصار يرى الملحد أننا نعيش في عالم مادي بحت لا وجود فيه لغير المادة، بمعنى آخر فإن الملحد ينفي وجود وعي متميز عن الطبيعة، وبالمقابل فالمؤمن يعتقد بوجود عقل يحكم العالم ويعتبر أن وعي الإنسان جزء بسيط من هذا الوعي المطلق. يتسلح الملحدون بالترهات والأساطير التي أُلحقت بالأديان زورا وبهتانا ليشنوا حملة شعواء على كل ما يمت إلى الدين بصلة، ويروجون لفكرة مؤداها أن العلم يناقض الدين، وأن الدين أفيون الشعوب ليعقدوا مع طلاب العلم صفقة مؤداها أن يتخلى الفرد عن كل ما وراء المادة والطبيعة وأن ينكر وجود الوعي كي يكون عالما حقا بزعمهم متجاهلين أن الأديان جميعها تدعوا إلى العلم ولكن ضمن آفاق أوسع بكثير من الأفق المادي المتحجر. لقد زيفوا للعلم تعريفا يحده ضمن حدود الحواس الخمس، ناسين أن هذه الحواس تشمل الأحياء جميعا، وإنما يمتاز الإنسان عن غيره بالوعي الذي ينكروه.
إن البديل الحقيقي عن أن الدين أفيون الشعوب ليس إلحادا وضعيّ النزعة؛ لأن الوضعية ليست هي العالم بدون الله وحسب، بل هي العالم بدون الإنسان. إن البديل الحقيقي هو إيمان مناضل وخلاق، لا يقتصر على ما هو كائن وحسب، بل يتضمن جميع ممكنات المستقبل.
إن وراء كل عمل ثوري فعل إيمان: اليقين بأن العالم قابل للتحول وبأن الإنسان يملك القدرة على الخلق والإبداع وبمسؤوليته الشخصية عن التغيير، والإيمان يعني الأمل، يعني أن نستشف ما وراء الواقع المباشر والزمان.
لقد انتهت المادية إلى معيشة فاقدة المعنى والهدف لا تعرف سوى الاستمتاع البهيمي، والحروب الطاحنة التي لا هدف لها سوى الاستيلاء على مقدرات كوكب الأرض وثرواته، وتصاحب كل ذلك بالاستهلاك الجائر للبيئة بحيث أصبحت الأرض مهددة بالتحول إلى جحيم لا تُحتمل الحياة عليه، وأصبح لزاما على الجنس البشري أن يثوب إلى رشده ويراجع الأوراق المادية الصرفة التي بنيت عليها الحضارة المعاصرة والتي تحجر العقل ضمن حدود الحواس الخمس وتتجاهل الفطرة الملهمة التي كانت وراء تطور الجنس البشري عبر العصور، ومن دوغمائية[10] متجذّرة ضد كل فهم يخرج عن حدود المادة، بالرغم من أن العلم يقف اليوم حيران أمام الكثير من الظواهر التي لم يعد يجد لها تفسيرا بوسائله المتاحة، خاصة ما يتعلق منها بعالم بنية الذرة الدقيق الذي يتناوله الميكانيك الكمي بالبحث.
إن حضارة كهذه هي حضارة مؤهلة للاحتضار، احتضار لفقدان الهدف، يدل على ذلك هروب المراهقين إلى المخدرات والانتحار، بشكل ملفت للنظر في الدول التي تنعم برغد العيش على الأخص، وتدمير للبيئة من خلال الاستخدام الجائر لموارد الطبيعة وانتشار التلوث، إن اليوم الذي تتحول فيه الأنهار إلى مجار، والبحيرات والبحور إلى مستنقعات آسنة، وتغرق فيه الأرض تحت تلال النفايات قد بات قريبا إذا لم نضع حدا للاتجاه الفاجع السائد اليوم.
وبالأسلوب نفسه الذي تتعامل به الحضارة الأوروبية مع الطبيعة، وهو أسلوب غير مسؤول، تتعامل مع دول العالم الثالث، مما أسفر عن أزمة خطيرة؛ إذ لم يحدث أن جاع هذا العدد الكبير من البشر، فثلث الإنسانية أي ملياران ونصف المليار من البشر يعانون من سوء التغذية بالرغم من أن الإنتاج الغذائي يزداد منذ عام 1965 بمعدل 3% سنويا بينما يزداد السكان بمعدل 1.5% فقط، أما سبب ذلك فيعود إلى الاستعمار الجديد الذي يفرض على بلدان العالم الثالث أسعارا بخسة للمواد الأولية التي يبتاعها منها وأسعارا بالغة الارتفاع للمنتجات التي يبيعها إليها.
هذه مؤشرات لمجتمع يدّعي الحضارة والتقدم بينما لا يرى في الطبيعة سوى استنزاف مواردها خلال أقصر فترة ممكنة، وتحويلها إلى سلة لنفاياته الصناعية والزراعية الناجمة عن هذا الاستهلاك المفرط، ناهيك عن استغلاله لموارد البلدان التي تسعى للنمو والتقدم، وذلك بدلا من أن تشمل التنمية ازدهار الفرد بجميع إمكاناته الجسدية والفكرية في الإبداع والنقد والإسهام في الابتكارات الإنسانية و في الآراء الانتقادية التي هي قوام الثقافة، وفي العلاقات الأخوية و علاقات المحبة مع الآخرين و في مشاركة الجميع لبناء مستقبل مفتوح على آفاق لا نهاية لها واسهام متواصل للإنسان في هذا العمل المبدع الدائب الذي يتكشف فيه الحضور الإلهي في الحضارة والمجتمع.
المطلوب إذاً هو إحداث تغيير جذري في النموذج الغربي للحضارة يعيد النظر في علاقتنا مع الطبيعة ومع الله مستفيدين من زخم الحضارات العريقة الأخرى التي سادت قرونا في الشرق، بهدف التغيير الجذري لطراز التنمية القائم ولتكون غاية التنمية النماء الروحي والاقتصادي معا، وايجاد نماذج جديدة لعلاقة الإنسان بالإنسان، و علاقة الفرد بالجماعة بحيث تكون غيرية جماعية تؤدي على الصعيد السياسي إلى الانتقال من ديمقراطية تمثيلية مزعومة إلى ديمقراطية مشاركة لصالح الجميع ينخرط الإنسان فيها بحيث يكون عمله الخارجي تعبيرا عن إيمانه الداخلي.
إن التفكير بالمستقبل على أنه إنجاز فيض من المشاريع التقنية فقط هو تفكير ساذج، بل المستقبل سعيٌ مستمر نحو الكمال المادي والروحي، إنه سعي مستمر نحو الله.
لا يوجد إنسان حر يرضى باستعباد الآخرين في مجتمعه بينما يفرضه على شعوب أخرى في أشكال مختلفة من التبعية، فلنتعلم إذا أن حريتنا لا تتحقق إلا إذا تحققت حرية الآخرين.
لقد استطاعت الحضارة المعاصرة تحرير كثير من الشعوب من الفقر والجهل والمرض بكل تأكيد، وبقي عليها تحرير العالم من الوفرة والتخمة للبعض على حساب الآخرين، تحريرهم من السعي لإرواء أهواء المعيشة وتلبيتها تلبية ستلهث دائما للحصول على المزيد منها دون أن ترتوي.
إن نموذج النمو الحالي نموذج أعمى لا غاية له، نمو معياره الوحيد زيادة كم الإنتاج والاستهلاك، وفي المجال السياسي فلا غاية للسياسة العالمية سوى تحقيق تبعية الدول الضعيفة لهيمنة الدول القوية تمهيدا لاستغلال مواردها وثرواتها دون غاية سامية أو هدف سوى تحويل العالم إلى أيدي قلة طاغية تتحكم في مقدراته كيفما تشاء، بدلا من تحديد القيم والغايات والمعنى لحركة المجتمعات والتاريخ، الأمر الذي لا يمكن لغير الدين أن يقوم به.
لكن الديانات القائمة تحتاج أيضا إلى التجديد والانفتاح على بعضها وعلى العالم من خلال حوار الحضارات.
إن وحدة السياسة والدين لم تتجلى في التاريخ إلا بإخضاع إحداهما للأخرى بطريقة ظاهرة عندما اعتُبرت السلطة حقا إلهيا، أو سلطة مبطنة بشراء عمائم وقلانيس رجال الدين، وبالتالي لم تكن الأديان سوى واحدة من وسائل القسر والإكراه العديدة التي استخدمتها السياسة في تاريخها الطويل. حتى الدعاوى المتكررة التي بدأت مع النقد الذي جاء به (مكيافيلي)[11] في عصر النهضة لفصل الدين عن السياسة ثم جاءت من قبل الحركات العلمانية في العصر الحديث، فقد استُخدمت لسيطرة الأنظمة الحاكمة على الدين والسياسة معا وانتهت إلى فصل تام بين السياسة وبين الأهداف السامية في إدارة الدولة والمجتمع واقتصرت الأهداف على إعداد الإنسان إعدادا دنيويا للآخرة يتلخص في إعداد المرء للصبر على بلوائه التي غالبا ما يكون سببها نظام الحكم نفسه، فكان هذا الصبر أساسا لتجميع الثروة لدى السلطة الحاكمة.
كل هذا أدى إلى انسلاخ البعد السياسي عن البعد الإنساني والاجتماعي وإرجاع الإيمان إلى مجرد ممارسة شخصية دون التزام الفرد بالمجتمع، لذلك أصبح من الضروري إقامة علاقة جديدة بين الإيمان والتاريخ، بين الإيمان والعمل، بين الإيمان والعالم، بل لابد من التحقق من أن كل إنسان قد تلقى اللقاح الإلهي ليتجاوز حواجز الطبقة والثقافة والعرق، وليكون مسؤولا مسؤولية كاملة عن مصيره، وليكون باعث عمله اليومي السعي من خلال إنسانيته نحو الله.
________________________________________
[1] . أوزفالد أرنولد غوتفريد شبينغلر (بالألمانية: Oswald Arnold Gottfried Spengler) ـ (29 مايو 1880 ـ 8 مايو 1936) مؤرخ وفيلسوف ألماني شملت اهتماماته أيضاً الرياضيات والعلم والفن. يعرف بكتابه "انحدار الغرب" (بالألمانية: Der Untergang des Abendlandes)، وترجم كتابه إلى اللغة العربية بعنوان تدهور الحضارة الغربية الذي يعرض فيه نظريته عن سقوط وازدهار الحضارات وأن ذلك يتم بشكل دوري، ويغطي كل تاريخ العالم وقدم نظرية جديدة جعل فيها عمر الحضارات محدوداً وأن مصيرها إلى الأفول، ولعله تأثر بما كتبه ابن خلدون في هذا المجال. من ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
[2] . سيغموند شلومو فرويد يعرف اختصارًا بِ ـ سيغموند فرويد (1856—1939) هو طبيب نمساوي ومفكر حر من أصل يهودي، اختص بدراسة الطب العصبي، يعتبر مؤسس علم التحليل النفسي.
[3] . بالألمانية: (Johann Wolfgang von Goethe) ولد في فرانكفورت عام 1749 وتوفي عام 1832. ويعتبر من رواد الكلاسيكية والرومانسية الألمانية. أنتج الكثير من المسرحيات والنصوص الروائية، كما عرف عنه اهتمامه بالآداب الشرقية وبشخصية النبي محمد (ص) الذي كتب عنه عملاً مهماً. إلا أن أعظم أثر أدبي تركه غوته للعالم هو مسرحية “فاوست”، التي تعتبر العمل الأبرز بتقدير معظم النقاد الأدبيين. وقد استوحاها غوته من قصة فاوست الساحر الألماني في القصة الشعبية. استمر غوته في كتابة عمله هذا ستين عاما، بدأه وهو ابن عشرين ورافقه حتى قبيل وفاته بعام واحد أي رافقه من الشباب إلى الشيخوخة.
[4] . أرنولد جوزف توينبي، بالإنجليزية: (Arnold J. Toynbee) مؤرخ بريطاني ولد في 14 أبريل 1889 في لندن وتوفي في 22 أكتوبر 1975. أهم أعماله موسوعة دراسة للتاريخ، وهومن أشهر المؤرخين في القرن العشرين.
[5] . هو (أبوبكر محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي الحاتمي الطائي الأندلسي)، ولد في مرسيه سنة 560 هـ، يعد ابن عربي من أشهر مشايخ الصوفية.
[6]. ترجمان الأشواق، بيروت طبعة 1961، (ص 43)، "سيد حسين نصر"، دار النهار للنشر، ص (153).
[7] . ولسون كولن: سقوط الحضارة، ترجمة أنيس زكي حسن، منشورات دار الآداب-بيروت.
[8] . ولسون كولن هنري ( 26 يونيو 1931 - 5 ديسمبر 2013( مؤلف وفيلسوف إنكليزي، كتب عددًا كبيرًا من المؤلفات في الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع، ولعل أشهر كتبه هو “اللا منتمي”.
[9] . كلينتون ريتشارد دوكنز بالإنجليزية: Clinton Richard Dawkins، (ولد في 26 مارس 1941) هو عالم بيولوجيا تطورية وإيثولوجيا بريطاني وفيلسوف في الأديان وكاتب أدبيات علمية. من أبرز أعماله التأكيد على الدور الرئيسي للجينات كقوة دافعة للتطور. معروف بآرائه في الإلحاد ونظرية التطور كما أنه من أبرز منتقدي نظرية الخلق ونظرية التصميم الذكي.
[10] . . الجزمية أوالدوغماتية (أو دوغمائية): هي حالة من الجمود الفكري، حيث يتعصب فيها الشخص لأفكارهِ الخاصة لدرجة رفضهِ الاطلاع على الأفكار المخالفة، وإن ظهرت لهُ الدلائل التي تثبت لهُ أن أفكارهِ خاطئة، سيحاربها بكل ما أوتي من قوة، ويصارع من أجل إثبات صحة أفكارهِ وآرائهِ، وتعتبر حالة شديدة من التعصب للأفكار والمبادئ والقناعات.
[11]. نيكولا مكيافيلي ((Niccolò Machiavelli، ولد في فلورنسا، 3 مايو، 1469 - تُوفي في فلورنسا، 21 يونيو، 1527، فيلسوف سياسي إيطالي إبان عصر النهضة. أصبح مكيافيلي الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، والذي أصبح فيما بعد عَصّبَ دراسات العلم السياسي. أشهر كتبه على الإطلاق، كتاب (الأمير)، والذي هدف مكيافيلي منه أن يكون كتيب تعليمات للحكم. نُشرَ الكتاب بعد موته، وقد أيد فيه فكرة أن (الغاية تبرر الوسيلة)، وهي صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية.