بسم الله الرحمن الرحيم، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته..
السيدة الفاضلة أم عبد الله.. أشكرك على الاتصال بنا ثانية، وأقدر تمامًا موقفك بل وغضبك وحدتك على ابنتك في أمر المذاكرة، وكلنا -مع الأسف- يفعل ذلك أحيانًا حينما يغيب عنا الهدف الأساسي من عملية التعليم، بل والتربية أيضًا، كما أحييك على أنك تحاولين بصفة مستمرة أن يعتمد أبناؤك على أنفسهم في المذاكرة، ولكن هذه الطريقة تحتاج إلى قليل من التعديل حتى تأتي بثمارها.
وبداية الحل أتوجه إليك بسؤالين أو سمِّيهما -إن شئنا الدقة- رجاءين:
- هل لديك نفس طويل ومثابرة على الحل؟
- هل لديك الاستعداد التام لأن تغيري أنت من بعض عاداتك حتى تحققي هدفك؟
إذا أعددت نفسك بالسلاحين السابقين (الصبر، واستعدادك أنت الشخصي للتغيير)، فسوف تحصلين على نتائج مبهرة، وأساس كل هذا الاستعانة بالله تعالى، والآن فلنبدأ بالخطوات العملية للحل:
1. اشتري كراسة لتدوين كل ما ستقومين به مع نور، والهدف من التدوين هو عدم النسيان ومتابعة ما ستفعلينه معها، وتقويم أدائكما معًا وما أحرزتما من تقدم فعززيه، وما أخطأت فيه فلا تكرريه.
2. دوِّني في كراستك ماذا تبغين بالتحديد من نور، ولا تتعجبي من هذا الطلب؛ لأننا في الغالب لا نعرف ماذا نريد من أبنائنا، فهل تريدين مثلاً:
أن تنتهي نور من واجباتها وتلتزم بالمواعيد التي تحددينها، وهذا كل ما في الأمر؟
أم تريدين منها أن تلتزم بما تأمرينها به دون أن تتعبك ولا تماطل فيه؟
أم تريدين أن تكون متفوقة في دراستها، وتحصل على الدرجات النهائية أو قريبة من النهائية في كل المواد أو معظمها؟
أم تريدين أن تحصل على درجات مقبولة حتى لو لم تعبّر هذه الدرجات عن مستوى ذكائها، ولكن في المقابل تحتفظين بعلاقة إيجابية معها، قوامها المودة والمحبة بينك وبينها.
وقبل أن تعلقي قائلة: "وما الفرق بين كل هذه الأهداف؛ فهي كلها في وجهة نظري متماثلة أو متشابهة؟"، أقول لك: لا يا سيدتي، إن هذه الأهداف قد تبدو متقاربة، لكن كل هدف منها يختلف في أسلوب ووسائل تحقيقه، ومن ثَم فعليك إعادة قراءة هذه الأهداف لتختاري واحدة بتروٍّ شديد من بينها، أما إذا كان اختيارك أن تحققي كل هذه الأهداف فأقول: هذا شيء طيب جدًّا، ولكن عليك أن تبدئي بأحد هذه الأهداف أولاً، وبعد إحرازك تقدمًا ملحوظًا فيه يمكنك أن تبدئي في تحقيق الهدف الذي يليه، وهكذا...، وحتى لا أتركك في حيرة من أمرك سأعاونك في اختيار الهدف الأول، وهو في وجه نظري أهم الأهداف جميعًا وأكثرها إيجابية وفاعلية، وهذا الهدف هو أن تحصل نور على درجات مقبولة مع الاحتفاظ بعلاقة إيجابية تقوم على المودة والحب والرفق بينك وبينها بالطبع أنا أعلم أنك تحبينها، ولكن الدراسة -استطاعت مع الأسف- أن تفسد هذه العلاقة الرائعة.
وبعد أن تخطينا أصعب مرحلة وهي تحديد الهدف نبدأ في كيفية تحقيقه عن طريق:
3. تقسيم هذا الهدف إلى مهام صغيرة، وهذا من شأنه أن يشجعك ويشجع نور على الاستمرار في إحراز التقدم، ولتكن أول مهمة على سبيل المثال هي:
اكتساب نور عادة وضع جدول للمذاكرة معتمدة على نفسها، مع الالتزام بأداء واجب مادة واحدة تختارها في دقة وإتقان مع عدم ترك الواجبات الأخرى، ولكن يمكن أن تُؤدى دون عناية كبيرة بها، بل مجرد أداء يعفيها من العقاب في المدرسة، وكما قلت لك في بداية الأمر لا بد أن تدوِّني كل ما تفعلينه مع نور، ولا تظني أن الأمر يحتاج إلى كثير عناء فأنا أعلم أن لديك غيرها لتعتني به (حفظهم الله جميعًا)، ولكن الأمر لن يحتاج أكثر من عشر دقائق قبل نومك وبعد نوم أطفالك لتخططي ليوم جديد مع نور، وماذا ستفعلين معها، وإذا كنت حاولت هذه المحاولة من قبل فلا يعني عدم محاولتك لها مرة أخرى، ولكن بأسلوب مختلف وطريقة لا تجعل الأمر متوترًا بينكما، وحتى تحققي هذه المهمة فعليك:
• أن تتحدثي إلى نور على انفراد بعد أن تكوني حددت الهدف كما سبق ووضحي لها أنك ستبدئين معها فكرة جديدة في طريقة المذاكرة؛ لأنك لا تحبين أن تكون العلاقة بينكما متوترة هكذا، كأن تقولي لها على سبيل المثال: ما رأيك يا نور قد فكرت كثيرًا ووجدت أنني غير مسرورة مما يحدث بيننا بسبب المذاكرة، وأنا أكره أن تكون علاقتنا بهذا السوء، وأعلم تمامًا أنك تودّين أن تكوني مجتهدة ومجدة في دراستك، ولكن المشكلة هو أنك تشعرين أن الواجبات كثيرة ولن تستطيعي إنجازها في وقت قليل، وخاصة وأنا أعلم أنك ترغبين في اللعب، وهذا حقك؛ لذلك فكرت في طريقة سحرية ستجعل الأمر سهلاً جدًّا، وفي نفس الوقت نلعب أيضًا كما تشائين، فما رأيك هل تودين معرفة هذه الطريقة السحرية؟ "تذكري أن تقولي هذا الكلام وأنت مبتسمة ومتحمسة، واذكري لها هدفك الذي دونته، وعليك أن توضِّحي في كلامك أن هذا نوع من التدرج في عمل الواجب، والأهم من كل هذا أن توضحي لها الهدف الأساسي ليس هو أداء الواجبات والمذاكرة بل ما يهمك في المقام الأول هو العلاقة بينكما، وكسبها كإنسان ليس كآلة لتنفيذ الأوامر أو لأداء الواجبات المدرسية".
• إذا استطعت أن تقابلي مدرسي ابنتك وتشرحي لهم وجهة نظرك وخططك في تحسين أداء نور بالمدرسة فهذا سيوفر عليك جهدًا كبيرًا وسيسرع في الوصول للنتيجة المرجوة، كما أنه –بلا شك- سيخفف كثيرًا من الضغط العصبي الذي تتعرضين له بسبب المدة الزمنية التي ستستغرقها هذه المهام، أما إذا لم تستطيعي فيمكنك فقط أن تكون علاقتك بهؤلاء المدرسين طيبة كما عليك بالسؤال الدائم عنها بالمدرسة ولو هاتفيًّا، وبالطبع يفضل إشراك والد نور في هذه المهمة، المهم أن تكسبي هذه الجهة في صفك فإن لم تكن متعاونة فعلى الأقل محايدة، وأنا على يقين –مهما كان نظام المدرسة مرهقًا أو متعبًا أو غير متعاون– فيمكنك بلباقة وكياسة شديدة أن تجعليها –أي المدرسة– عنصرًا مهمًّا في تحقيق هدفك مع نور.
• بعد عودتك من العمل وتناول الغداء اجلسي مع نور وآيات لمدة نصف ساعة للبدء -بطريقة ودودة مرحة– في مساعدتهما في وضع جدول يتناسب مع قدرتهما في عمل الواجب، وتناقشن في كيفية عمله، وما هي المواد الأكثر أهمية أو التي تحتاج إلى تركيز فتُذاكَر أولاً، واحرصي أن يكون الأمر شورى بينكن لا إجبار ولا إكراه كل ما عليك إذا وجدت أن الأولى وضع مادة قبل الأخرى، ولم يكن هذا رأي نور أو آيات فعلقي بقولك: "أنا أقترح أن تبدئي بالرياضيات مثلاً فهي تحتاج إلى تركيز"، فإذا وافقتك كان بها وإذا كان لها رأي آخر فانزلي على رأيها حتى لو كان في وجهة نظرك خطأ مع تحديد المادة التي ستنجزها بإتقان ودقة، مع مراعاة أن يشمل هذا الجدول فترة راحة بين كل مادة وأخرى مدتها من خمس إلى سبع دقائق تفعل كلتاهما ما تشاء والأفضل أن تؤخذ هذه الراحة بعد عشرين دقيقة بحد أقصى؛ لأنها المدة التي تستطيع التركيز بها طفلة في سن نور حسب ما أكدته الأبحاث التربوية.
عليك أن تحدّدي وقتًا للعب غير أوقات الراحة القصيرة في زمن معين، وليكن في الساعة الخامسة والنصف مثلاً، ولا تجعلي هذا الوقت متوقفًا على الانتهاء من الواجبات فهو وقت له احترامه كوقت النوم وتناول الوجبات. ولا تتخيلي أن ذلك سيؤثر على تأخر كل شيء وعلى رأسها النوم فليس هناك مشكلة كبيرة في أن يتأخر موعد نومهما عشرين دقيقة وهي مدة وقت اللعب، والعبي مع أولادك في جزء من هذا الوقت وليكن عشر دقائق، ثم اتركيهما يلعبان عشر دقائق أخرى، وهناك العديد من الألعاب التي يمكن ممارستها في هذا الوقت وما أكثرها على مواقع الإنترنت، يمكنك الاستعانة
بدليل المواقع على هذه الموقع :
• ثم اذهبي بعد وضع الجدول لترتاحي ولا تنبهي على أحدهما بشيء آخر فلا تقولي مثلاً: "هيا أسرعن في عمل الواجب حتى نلعب ومن لم تنته من المطلوب منها حتى وقت اللعب لن تلعب" أرجو ألا تفعلي ذلك، وكل ما عليك أن تتركيهما بابتسامة رقيقة لطيفة وتخبريهما بأنك ذاهبة لترتاحي قليلاً.
• عندما تقومين من نومك ويأتي الموعد المحدد للعب اطلبي من ابنتيك ترك كل شيء؛ لأن الوقت وقت لعب، ولا تسألي هل انتهيا من واجباتهما؟ أم لا؟ أو حتى جزء منه، وإنما ابدءوا اللعب أنت وأطفالك كلهم وأنتم في غاية المرح، ثم دعيهما تكملان الواجب وتذكري جيدًا أن هدفك في هذه المرحلة هو أن تتعود نور على عمل جدول للمذاكرة وإتقان أداء واجب مادة واحدة فقط، وليس الهدف هو الانتهاء من عمل الواجب كله بإتقان.
• قبل نوم طفلتيك بحوالي نصف ساعة تابعي الموقف معهما، وراجعي معهما ما فعلتاه، وهل التزمت نور بما اتفقتما عليه أم لا، وأرجو ألا تسأليها سؤالاً مباشرًا ما إذا كانت نفذَّت المطلوب أم لا، ولكن قولي لها على سبيل المثال "هيا يا نور أنت وآيات لنرى ماذا صنعتما قولي هذه الجملة وأنت تفتحين حقيبة نور أو ترين ماذا أنجزت بالفعل، وحاولي أن تعززي كل شيء إيجابي وجدته بابتسامة حتى لو لم تقصده، كأن تقولي مثلاً: "أنت وضعت حقيبتك بطريقة منظمة أو رتبتي مكتبك قبل أن تذاكري أو وضعت أدواتك بشكل لطيف"، وإذا وجدتها لم تنته من واجباتها أو من المادة المطلوب إتقانها فيه فكل ما عليك أن تلتفتي لها وتطلبي منها بشكل حازم عطوف في نفس الوقت قائلة:
عليك أن تنتهي من هذا الواجب أثناء إعدادي للعشاء "دون أن تؤنبيها أو تلوميها على عدم الالتزام بالاتفاق، ثم اتبعي نفس الطريقة مع آيات فإذا كانت قد انتهت من أداء واجباتها كما ذكرت عنها فقولي لها: "حسنًا هيا بنا لنُعِدّ العشاء حتى تنتهي أختك مما طُلب منها، وفي أثناء إعدادكما للعشاء تبادلا الحديث المرح عن أي شيء تحبه آيات أو تطهيا شيئًا تحبه، وثقي أنك بهذه الطريقة قد عزّزت سلوك آيات وشجعتِها على الاستمرار في سلوكياتها المطلوبة، وفي نفس الوقت لم تشعر نور بالتفرقة في المعاملة وبهذا لن يُبخس أحد حقه.
• بعد أسبوع اتركي كل واحدة تضع جدولاً للمذاكرة بنفسها، ثم تريك إياه، ثم اتبعي النقاط السابقة:
• بعد أسبوع آخر قيِّمي ما حدث، وهل أصبحت نور وآيات يضعن الجدول بطريقة جيدة أم لا، وأن نور تلتزم بإنجاز المادة في موعدها المحدد أم لا، وأثيبي كل واحدة على ما تنجز بالطريقة السابقة أو بطرق أخرى شريطة ألا تحس أحدهما بالغبن أو الإهمال، وعندما يأتي والدهما من عمله أخبريه بأنك مسرورة منهما؛ لأنهما نظمتا هذا الجدول، وإذا لم تفعل نور أو أخفقت في مرتين متتاليتين فذكِّريها بالاتفاق الذي بينكما، فإذا لم تلتزم في المرة الثالثة -وثقي أنها لن تفعل إذا سرت على الخطوات السابقة- لكن على أية حال إذا حدث ولم تلتزم بالاتفاق، فعليك إذا حان وقت اللعب لا تحرميها منه، ولكن لا تلعبي معها، وثقي أن هذا العقاب عقاب شديد على نفسها حتى لو أظهرت عكس ذلك؛ وذلك لأنها تستمتع باللعب معك؛ ولذا فهي لن تغامر بخسارة هذا المكسب الكبير.
• ثم بعد ذلك ابدئي في المرحلة التالية بتحديد هدف جديد وليكن: الالتزام بعمل مادتين في الوقت المحدد لهما بالجدول، ثم اتبعي الخطوات السابقة، أسمعك تقولين كيف أقوم بهذا والسنة الدراسية لن تنتظرني حتى أهيئ ابنتي لكل هذا وكذلك الواجبات، وردًّا على ذلك أقول لك:
إنك إذا قمت بالاتصال الجيد بالمدرسة كما وضحت لك سابقًا، فثقي أنك ستحظين بتأييد منهم وتعاطف يجعلهم أكثر حرصًا على مستوى نور الدراسي، وأقول ذلك عن تجربة مع إحدى الأمهات اللائي كنت أدرس لابنها، وقد أثمر التعاون بين البيت والمدرسة إثمارًا لم نكن نحلم به، كما أننا اتفقنا من بداية هذه الرسالة أن الأمر يحتاج إلى صبر على الحل وصبر على المتابعة، إلى جانب أمر أهم من ذلك كله أنك إن فعلت الخطوات السابقة فلن يتحسن مستوى نور الدراسي فحسب، بل ستجنين علاقة طيبة ودودة مع أبنائك وعلى رأسهم نور، كما أذكرك بأنك جربت طريقة الهدف الكلي وعدم تجزئته فلم يفلح، فجربي هذه الطريقة فإن لم تكسبي فلن تخسري شيئًا، وتذكري أنك بهذه الطريقة ترسين قواعد للأعوام القادمة.
ملحوظة مهمة:
• عليك بإشراك والد نور في كل ما سبق بحسب ظروف عمله.
• ألا تنسي في خضم كل هذا المساواة بين أبنائك في التعامل وأنا أعلم أنك تفعلين ولكن الذكرى تنفع المؤمنين.
• أن تطلعي على عدة موضوعات على هذه الصفحة توضِّح الأنشطة المختلفة التي يمكن ممارستها مع أبنائك جميعًا، كذلك توضح لك هذه الموضوعات كيفية بناء جسور المودة بينك وبين أبنائك، وإيجاد علاقة ودودة لطيفة بينكم فليس من المعقول أو المقبول أن تتسع الهوة والفجوة بيني وبين أبنائي من أجل المذاكرة.
وأخيرًا سيدتي.. أرجو ألا أكون قد أطلت عليك، ولكن شعرت بأنك كنت في حاجة ماسة لكل هذه التفاصيل، كما أرجو أن تراسلينا وتتابعي معنا، مع خالص دعائي لك بالتوفيق، وأن يبارك لك في أولادك جميعًا.
من فضلك انقري هنا لمطالعة الموضوعات التي أشرنا إليها:
-
برنامج مميز للوقت المميز
-
الاستمتاع بالأمومة ليس مستحيلاً!!
-
بالخطوط والألوان طفل ذكي وفنان
-
مطبخ الصغيرات.. دروس في فن الطهي والثقة!
-
الفن جنون
ولمزيد من الإيضاح ولإلقاء الضوء على بعض الجوانب الأخرى الخاصة بهذا الموضوع يمكنك الرجوع إلى الاستشارات التالية :
-
التعلم.. لا التعليم.. فن الممكن
-
"سوف" والجيل الصاعد
-
اهزم الساعة.. اهزم الكسل