تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى القرآن الكريم

> من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نسيمسيم
نسيمسيم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 17-11-2008
  • المشاركات : 3,936
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • نسيمسيم will become famous soon enough
الصورة الرمزية نسيمسيم
نسيمسيم
شروقي
من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم
01-05-2009, 10:13 PM


من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم





أولا-
( من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم ) عنوان كتاب لمؤلفه: الدكتور يوسف بن عبد الله الأنصاري، الأستاذ المشارك بقسم: البلاغة والنقد- كلية اللغة العربية- جامعة أمالقرى. والكتاب يحتوي على مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة.

تحدثالمؤلف في المقدمةعن ( أهمية هذا الموضوع )، وذكر أنها تعود إلى أمرين:
أولهما:ارتباطه بفقه الدلالة.. وثانيهما:دقة مسلكه، وغموضه، وخفائه على بعض العلماء .
وتحدث في التمهيد عن ( مفهوم التعدية واللزوم عند النحاة )، فذكر أن الفعل اللازمهو الفعل، الذي يكتفي برفع الفاعل، ولا ينصب مفعولاً به أو أكثر؛ وإنما ينصبه بمعونةحرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى التعدية. وأن الفعل المتعدي هو الفعل، الذي ينصب بنفسه مفعولاًبه، أو اثنين، أو ثلاثة من غير أن يحتاج إلى مساعدة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلىتعدية الفعل اللازم.
وفي الفصل الأولتحدث المؤلف عن(جهود العلماء فيدراسة تعدية الفعل)، وذكر أن من أوائل الإشارات، التي تكشف عن أسرار تعدية الفعلبحروف الجر ما ذكره الإمام الخطابي في قوله:وأما( من ) و( عن ) فإنهما يفترقان فيمواضع؛ كقولك: أخذت منه مالاً، وأخذت عنه علمًا. فإذا قلت: سمعت منه كلامًا، أردتسماعه من فيه. وإذا فلت: سمعت عنه حديثًا، كان ذلك عن بلاغ .
ومن ذلك ما نقلهعن الراغب من قوله في الفرق بين تعدية الفعل( راغ ) بـ( إلى ) و( على )؛ كما فيقوله تعالى:
﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾(الذاريات: 26)
﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾(الصافات: 91)
﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ﴾(الصافات: 93)
واتكأ الدكتور يوسففي هذه الدراسة- كما قال- على الزمخشري؛ لأن كثيرًا من أئمة التفسير كانوا عالةعليه؛ ولأن كتابه ( الكشاف ) يضم بين دفتيه كثيرًا من الأسرار البلاغية لحروف الجر، التيتتعدى بها الأفعال..
ومن ذلك قوله في تعدية الفعل ( جرى ) بـ( إلى )، التي تدلعلى انتهاء الغاية، وباللام التي تدل على معنى الاختصاص؛ كقوله تعالى:
﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَوَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ (لقمان: 29)
﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيلأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾(الرعد: 2)
ومما نقله عنالرازي قوله في الفرق بين تعدية الفعل( تاب ) بـ( على ) وبـ( إلى )؛ كما في قولهتعالى:
﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾(البقرة: 37)
﴿ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾(الأعراف: 143)
ومما نقله عن أبيحيان قوله في الفرق بين تعدية الفعل( أنزل ) بـ( على ) وبـ( إلى )؛ كما في قولهتعالى:
﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ(العنكبوت: 51)
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ(النساء: 105)
ومما نقله عن الألوسي قوله في الفرق بين تعدية الفعل( سارع ) بـ(في )
وبـ( إلى )؛ كما في قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَالَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾(المائدة: 41)
﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾(آل عمران: 133(
وفي الفصل الثانيمن الكتاب تحدث الدكتور الأنصاري عن ( أسرار تعديةالفعل في القرآن الكريم )، وذكر من الأفعال:( دخل ) و( خرج ) و( جاء ) و( أتى ) و( وذهب). وفي الحقيقة أن هذا الفصل ما هو إلا تكرار للفصل الأول من حيث المضمون، ولا يكاد يختلف عنه إلا في التسمية. وفي تخلف ما جاء به من أقوال عن الأقوال، التي نقلها عن العلماء في الفصل الأول.
ثانيًا- وتعليقًا على بعض ما جاء في هذا الكتاب أقول، وبالله المستعان:
1- ماذكره فضيلته في التمهيد عن مفهوم التعدية، واللزوم عند النحاةهو المشهور في كتب النحو، وهو الذي يردده علماء النحو وطلابه إلى اليوم. وممَّاينبغي معرفته، والتنبيه إليه هنا، هو أن مصطلح:( الفعل اللازم )يطلق علىنوعين من الأفعال، خلافًا للقول السابق:
النوع الأول:أن يكون من الأفعال، التيلا تطلب مفعولاً به ألبتة. وذكر ابن هشام له علامات:
العلامة الأولى:أن يدل على حدوثذات؛ كقولك: حدث أمر، وعرض سفر.. قال ابن هشام:فإنقلت: فإنك تقول: حدث لي أمر، وعرض لي سفر. فعندي أن هذا الظرف- يعني: الجارُّ والمجرور- صفة المرفوع المتأخرتقدم عليه، فصار حالاً، فتعلقه أولاً وآخرًا بمحذوف، وهو الكون المطلق. أو متعلقبالفعل المذكور على أنه مفعول لأجله، والكلام في المفعول به.
والعلامة الثانية:أن يدل على حدوث صفة حسية؛نحو قولك: طال الليل، وقصر النهار، وخلق الثوب، ونظف، وطهر، ونجس.
والعلامةالثالثة:أن يكون على وزن: فعُل، بضم العين؛ كظُرف المرء، وشرُف، وكرُم، ولؤُم.
والعلامة الرابعة:أن يكون على وزن: انْفَعَلَ؛ نحو قولك: انكسر الزجاج، وانصرفالقوم.
والعلامة الخامسة:أن يدل على عَرَضٍ؛ كمرض زيد، وفرح، وأشر، وبطر.
والعلامة السادسة والسابعة: أن يكون على وزن: فعَل، بفتح العين. أو: فعِل.بكسر العين، اللذين وصفُهما على: فعيل؛ كذلَّ فلان فهو ذليل، وسمن فهو سمين.
قال ابن هشام:ويدل على أن ذلَّ فعَل، بالفتح، قولهم: يذِلُّ، بالكسر. وقلت فينحو: ذلَّ، احترازًا من نحو: بخل؛ فإنه يتعدى بالجار، تقول: بخل بكذا.
وقالأيضًا:فإن قلت: وكذلك تقول: ذل بالضرب، وسمن بكذا. قلت: المجروران مفعول لأجله،لا مفعول به.
النوع الثاني:أن يكون من الأفعال، التي استغني عن مفعولها،لقصد العموم. وهذا النوع من الأفعال هو الذي يعبر عنه علماء النحو بـ( أنه نُزِّلمنزلة الفعل اللازم )كالفعل:( أبصر، يبصر ) في قوله تعالى:
﴿ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْوَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ﴾(البقرة:17).
والفعل:( شاء ) في نحوقوله تعالى:
﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ(البقرة: 20(
فقوله تعالى:﴿لَا يُبْصِرُونَ ﴾هو فعل متعد في الأصل؛ ولكن حذفمفعوله لقصد عموم نفي المبصرات، فتنزل الفعل منزلة اللازم، ولا يقدَّر له مفعول؛كأنه قيل: لا إحساس بصر لهم.
وإلى هذا أشار الزمخشري بقوله:والمفعول الساقطمن﴿ لاَّ يُبْصِرُونَ ﴾من قبيل المتروك المُطرَح، الذي لا يلتفت إلى إخطارهبالبال، لا من قبيل المقدر المنوي، كأنَّ الفعل غير متعدٍّ أصلاً؛ نحو:﴿ يَعْمَهُونَفي قوله تعالى:﴿وَيَذَرُهُمْ فِيْ طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾(الأنعام: 110).
وكذلك فعلالمشيئة في نحو قوله تعالى:
﴿ لو شَاءَ اللهُ، لذَهَبَ بسَمْعِهِمْ ﴾(البقرة: 20(
فهذا فعلمُنزَّل منزلة اللازم، ولا يجوز أن يُصَرَّح بمفعوله، إلا في الشيء المستغرب؛ كما فيقول الخُرَيْمي:
فلو شئت أن أبكي دمًا لبكيته **غليك ولكن ساحة الصبرأوسع
فهنا لا يجوز حذف المفعول؛ لأنه لو حذف، وقيل:
فلو شئت أن أبكي لبكيت دمًا
فإنه يحتمل تعليق المشيئة ببكاء الدمع، على مجرى العادة، وأن ما ذكره من بكاءالدم واقع بدله من غير قصد إليه؛ وكأنه قال:
لو شئت أن أبكي دمعًا، لبكيت دمًا
فهذا المعنى محتمل، وإن كان تقييد البكاء في الجواب بالدم، يدل دلالة ظاهرةعلى أنه المراد، فإذا ذكر المفعول، زال هذا الاحتمال، وصار الكلام نصًّا في المعنى الأول.
وأما مصطلح:( الفعل المتعدي )فيطلق على كل فعل، ذكر مفعوله في الجملة؛سواء وقع عليه الفعل مباشرة، أو وقع عليه بوساطة أداة الجر، وهو أنواع ، سأكتفي بذكر ثلاثة منها:
النوع الأول:هو الذي يتعدى إلى واحد بنفسه تارة، وبالجار تارةأخرى؛ كشكر، ونصح، وقصد. تقول: شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له، وقصدته وقصدت له،وقصدت إليه. قال تعالى:
﴿ وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُتَعْبُدُونَ ﴾(النحل: 114)
﴿ وََاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُتَعْبُدُونَ ﴾(البقرة: 172)
النوع الثاني:هو الذي يتعدى إلى مفعول واحد دائمًابالجار؛ كقولك:
غضبت من زيد، ومررت به، أو عليه.
النوع الثالث:هو الذي يتعدىإلى مفعولين: الأول بنفسه، والثاني بأداة الجر؛ كقوله تعالى:
﴿ قَالَ يَا آدَمُأَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ﴾(البقرة: 33)
﴿ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِنكُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾(الأنعام: 143)
﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ(الحجر: 51)
وقد يحذف الحرف، ويبقى المفعول الثاني. وقد يحذف كليهما لتقدمذكرهما؛ كما في قوله تعالى :
﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَهَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾(التحريم: 3(
2-وواضح مماتقدم أنه لا يصح أن يطلق مصطلح:(المتعدي بالحرف )على الفعل، إلا إذا كان المتعدَّىإليه بهذا الحرف مفعولاًً به في الأصل؛ كقولك: سهوت عن الصلاة، وفي الصلاة. وقولك: رغبت في الشيء، وعن الشيء. وقولك : دخلت في البيت، وإلى البيت.. وهذا ظاهر في كلالأمثلة السابقة، والأمثلة، التي نقلها الدكتور الأنصاري عن العلماء في الفصل الأولمن كتابه.
وإلى هذا نبَّه ابن هشام في قوله الذي تقدم ذكره:فإن قلت:فإنك تقول: حدث لي أمر، وعرض لي سفر.. فعندي أن هذا الظرف صفة المرفوع المتأخر تقدمعليه، فصار حالاً؛ فتعلقه أولاً وآخرًا بمحذوف، وهو الكون المطلق. أو متعلق بالفعلالمذكور على أنه مفعول لأجله، والكلام في المفعول به.
وقوله أيضًا:فإن قلت:وكذلك تقول: ذلَّ بالضرب، وسمِن بكذا. قلت: المجروران مفعول لأجله، لا مفعول به.
والملاحظ أن الدكتور الأنصاري في حديثه عن الفعل المتعدي بالحرف أنه خلط بينالمفعول به، والمفعول فيه، والمفعول لأجله، دون تمييز، فجعل كل فعل ذكر بعده أحد هذهالمفعولات، أو غيرها مجرورًا بالحرف، متعديًا بحرف الجر. ولم يكتف بذلك؛ بل جعلالظرف ( مع ) بمنزلة حرف الجر. وقد كان الكوفيون يخلطون بين الظروف، وحروف الجر، فهيكلها عندهم حروف جر .
3-وسأكتفي في بيان ذلك بالحديث عن فعلين ذكرهما الدكتورالأنصاري في الفصل الثاني من كتابه؛ وهما: الفعل:( دخل ). والفعل:( خرج ).
الفعلالأول:( دخل )
قال الدكتور الأنصاري:الفعل ( دخل ) تنوعّت دلالاته، تبعًا لتعدد تعديته بحروفالجر، التي يكتسـب معهـا الفعل من معانيها الأصلية من الدلالات الموحية، التي يعينعلى إبرازها السياق والمقام. وقد جاء في القرآن الكريم متعديًا بنفسه؛ كما في قولهتعالى:
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾(لكهــف: 35)
﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا(النمل: 34(
وورد متعديا بـ( على ) و( في ) و( من ) و( الباء ) و( مع )، فدلعلى معان متباينة، طبقًا للحرف المتعدى به.
والدخول نقيض الخروج، ويستعمل ذلكفي المكان والزمان، وحقيقته كما يقول الطاهر بن عاشور: نفوذ الجسم في جسم. أو مكانمَحوط كالبيت والمسجد..
وحين تعدى فعل الدخول بـ( على )، دلّ حرف الاستعلاء علىارتفـاع المكان وإشـرافه وعلوه، وأن الداخل، أو المأمور بالدخول فيه، مطالب بمزيد منالتحمل والصبر على ما يلاقيه من الضرر والمشقة، وإن بقي لكل سياق مزيد خصوصية بماتشيعه تراكيبه من الدلالات والأغراض، التي لا تجدها في السياق الآخر...
وبتأملمواطن تعدية الدخول بـ( على ) في القرآن الكريم، نجد له الدلالة، التي ذكرناها آنفا،في قوله تعالى:
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّاالْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ﴾(آل عمران: 37)
فـ( على ) بدلالته علىالاستعلاء، يشير إلى ارتفاع المكان، الذي فيه مريم- عليها السلام- وعلوه، وقد نصّالمفسرون على أن زكريا- عليه السلام- بنى لها محرابا في المسجد. أي: غرفة يصعد إليهـابسلم.
أو أن ( على ) توحي بمشقة زكريا عليه السلام، وهو شيخ كبير في الوصولإليها، ومعاناته في كفالته لها، والقيام على رايتها حقّ الرعاية على أكمل وجه.
ولنفس الغرض جاءت ( على ) حين تعدى بها فعل الدخول في قصة يوسف عليه السلام فيأربعة مواطن؛ منها قوله تعالى:
﴿ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِفَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾(يوسف: 58)﴿ وَلَمَّادَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾(يوسف: 69)
فهي تدل على ارتفاعمكان يوسف وعلوه، وأنهم قد وجدوا من المشقة والصعاب ما وجدوه في سبيل الوصول إليه،والدخول عليه.
ومن الأمثلة التي ذكرها على تعدي( دخل ) بـ( مع ) قوله تعالى:
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ﴾(يوسف: 36)
قال :فدلت كلمة المصاحبة ( مع )على أن دخول هذين الفتيين السجن كان بمعية يوسف، مصاحبين له، ملحقين به. ولو رمت حذف ( مع ) من هذه الآية الكريمة، فلن تجد هذه المعاني، التي أومأت إليها كلمة المصاحبـةمـن أن دخـول الثلاثة السجن في آن واحد.
ونشرت الباء بدلالتها على الإلصاقوالملابسة على فعل الدخول، حين تعدَّى بها معنى الجماع في قوله تعالى:
﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمبِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)النساء: 23)
يقال: دخل بعروسه: جامعهـا. ومعنى دخلتم بهن: جامعتوهن، وهو كناية عنالجماع.. وقد أعانت الباء على تحقيق الكنايـة في قوله:
﴿ دَخَلْتُمبِهِنَّ ﴾
بما لا يمكن أنتنهض به الحقيقة؛ كما قدرها الزمخشري بقوله: يعني: أدخلتموهن الستر.. مما يدل علىقدرة هذه اللغة على الوفاء بآداب الإســلام، ومــا يوجبـه مـن الترفـع عن التصريحبما يستحسن الكناية عنه، إلى جانب ما جسدته الباء بما فيها من اللصوق والملابسة منالدلالة على شدة الارتباط، والقرب الروحي، والمخالطة النفسية بين الزوجين، بما يحققالغاية من قوله تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْأَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْها ﴾(الروم: 21)..
هذا ما ذكره الدكتورالأنصاري عن تعدي الفعل ( دخل ).
والمعروف في اللغة والنحو: أنالفعل( دخل ) يستعمل لازمًاتارة . ومتعديًا تارة أخرى . ومتعديًا ولازمًاتارةثالثة .
أما كونه لازمًافلأن مصدره على: فعول ، وهو غالب في الأفعال اللازمة؛ولأن نظيره ونقيضه كذلك:( عبر ) و( خرج )، وكلاهما لازم.
ويتعين كونه لازمًا، إذاكان المدخول فيه مكانًا غير مختص؛ كقوله تعالى:
﴿ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْمِن قَبْلِكُم ﴾(الأعراف: 38)
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْادْخُلُواْ فِي السَّّلْمِ كَآفَّةً ﴾ (البقرة: 208)
فإذا كان المدخول فيهمكانًا مختصًّا، فإما أن يكون ذلك المكان متسعًا جدًّا، بحيث يكون كالبلد العظيم. أويكون ضيِّقًا جدًّا، بحيث يكون الدخول فيه ولوجًا وتقحمًا. أو يكون وسطًابينهما.
فإذا كان الأول، وهو ( أن يكون المكان متسعًا جدًّا)، لم يكن من نصبه بدٌّ؛ كقول العرب: دخلت الكوفة والحجاز والعراق. ويقبُح أن يقال: دخلت في الكوفة، وفي الحجاز، وفي العراق، ومنه قوله تعالى:
﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِيكَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ﴾(المائدة: 21)
﴿ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَاكُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(النحل: 32)
وإذا كان الثاني، وهو( أن يكون المكانضيِّقًا جدًّا)، لم يكن من جره بدٌّ؛كقولهم:( دخلت في البئر ).
وإذا كان الثالث، وهو ( أن يكون المكان وسطًا بينهما)، جاز فيه النصب، والجر؛ كقولهم: دخلتالمسجد، وفي المسجد. ونصبه أبلغ من جره.
(( ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، الذي رواه عنه أبو سعيد الخدري:لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّتَبِعْتُمُوهُمْ...
هذا في صحيح البخاري. وفي صحيح مسلم:
لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّلَاتَّبَعْتُمُوهُمْ...
وفي سنن ابن ماجة:
لَتَتَّبِعُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بَاعًا بِبَاعٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَشِبْرًا بِشِبْرٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ فِيهِ.. )).
فجاء ( دخل ) متعديًا إلى ( الجحر ) تارة بنفسه، وتارة أخرى بـ( في )؛ لأنه من الأماكن المختصَّة، التي تكون وسطًا بين المتسعة جدًّا، والضيقة جدًّا. وقد وهم بعضهم حين ظن أن الجحر من الأماكن الضيقة، وهو ليس منها؛ لأن الدخول فيه لا يكون ولوجًا وتقحُّمًا؛ كالدخول في البئر.
أما انتصابه فعلى المفعول به، لا على نزعالخافض؛ لأن الأصل في الفعل ( دخل ) المتعدي إلى المكان المختص أن يتعدى بنفسه، ومنه قوله تعالى :
﴿يَا أيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾(النمل: 18)
وأما ما ذهب إليه الدكتور الأنصاري من القول بأن ( دخل ) يتعدي بالحرف ( على )، وأنه يدل على ارتفاع المكان، وعلوه، فليس كذلك؛ لأن ( دخل ) لا يتعدَّى بـ( على ) أصلاً.
وقد يكون ما ذكره فضيلته من تعليل مقبولاً، لو أن( دخل ) من الأفعال، التي تتعدى إلى مفعولها بحرفين، أو أكثر. أو كان منالأفعال، التي تتعدى إلى مفعولين أحدهما بأنفسها، والثاني بوساطة حرف الجر. فحينذفقط يمكن أن نختار من هذه الأحرف أنسبها للسياق، ونعدِّي الفعل به؛ كما كان الشأن فيغيره من الأفعال، التي تقدم ذكرها، من نحو قولهم: مررت به، ومررت عليه.
ولو افترضنا جدلاً أن ( دخل ) يتعدى بـ( على ) ، وأنه يدل على علو المكان وارتفاعه، فماذا يمكن أن نقول، إذا كان المدخول عليه في كهف تحتالأرض، وطلب منا الدخول عليه ؟ أنقول: دخلت فيه، أو: دخلت معه، أو دخلتبه، أو دخلت عليه...؟ من البدهي أننا سنقول: دخلت عليه. فهل يشير( على ) هنا معفعل الدخول إلى ارتفاع المكان، وعلوه ؟
ولهذا أقول: ينبغي أن نفرق بين قولنا: أشرفتعلى القوم، ومررت على القوم، وبين قولنا: دخلت على القوم، وألا نخلط بينها. فالقومفي الأول والثاني مفعول في المعنى، تعدى إليه الفعل بوساطة ( على )، خلافًا للقومفي القولالثالث؛ فإنه اسم مجرور، والمفعول به محذوف تقديره: دخلت المجلس على القوم ، ومثله قوله تعالى:
﴿ وَجَاءإِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ ﴾( يوسف: 58)
﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِأَخَاهُ ﴾(يوسف: 69)
أي: دخلوا القصر عليه. وليس هذا؛ لأن يوسف عليه السلام في مكانعال شريف. أو لأن الداخل عليه يلقى من المشقة ما يلقاه؛ لأنك تقول: دخلت على المجرمفي سجنه.. ودخلت على أخي في مكتبه.. ودخلت على والدي في حجرته.. ونحو ذلك مما ليسفيه علو، أو مشقة.
وأما قوله تعالى:
﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ( يوسف: 36)
فالمفعول به هنا هو ( السجن ). و( معه ) حال من الفاعل. والأصل: ودخلالسجن معه فتيان. أي: مصاحبين له. وهذا ما أشار إليه الزمخشري بقوله:مع: يدلعلى معنى الصحبة واستحداثها. تقول: خرجت مع الأمير. تريد: مصاحبًا له. فيجب أن يكوندخولهما السجن مصاحبين له .
فتعلق( مع ) هنا بالفعل هو من تعلق المفعول فيه، لا من تعلق المفعول به؛ ولهذا يخطىء من يقول: إن ( دخل ) يتعدَّى بـ( مع )؛ كما يخطىء من يقول: إنه يتعدَّى بـ( على ).
وأما قوله تعالى:
﴿ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَجُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾(النساء: 23)
فالمفعول في الأصل محذوف تقديره: فإن لم تكونوادخلتم الستر بهن. ولكن حذف المفعول، وعدِّيَ بالباء؛ لأنه كنِّيَّ بالدخول عنالجماع. وهذا ما أشار إليه أبو حيان بقوله:الدخول هنا كناية عن الجماع؛ لقولهم: بنى عليها. وضرب عليها الحجاب. والباء للتعدية، والمعنى: اللائي أدخلتموهن الستر.
قاله ابن عباس، وطاوس، وابن دينار .
فقوله تعالى:﴿ دَخَلْتُم بِهِنَّ ﴾، عدِّيالفعل فيه بالباء؛ لأنه كُنِّيَ به عن الجماع، لا لأن الفعل ( دخل ) يتعدى بالباء،وهذا واضح.
ولو كان الضمير المجرور بـ( على )، و( الباء )، و( مع ) يعود علىمفعول ( دخل ) الظاهر ، أو المضمر في الآيات السابقة، لجاز لنا أن نقول: إنه تعدى إلىمفعولين: الأول بنفسه، والثاني بحرف الجر. وهذا بعيد جدًّا.
أما قولهتعالى:
﴿ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾(الفجر: 29- 30 )
فقال فيهأبو حيان:تعدى( فادخلي ) أولاً بـ( في ). وثانيًا بغير( في )؛ وذلك أنه إذا كانالمدخول فيه غير ظرف حقيقي، تعدت إليه بـ( في ): دخلت في الأمر، ودخلت في غمارالناس، ومنه:﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴾. وإذا كان المدخول فيه ظرفًا حقيقيًّا،تعدت إليه في الغالب بغير وساطة: في
الفعل الثاني:( خرج )
ذكر الدكتورالأنصاري أن ( خرج ) يتعدى بـ( من ) و( إلى ) و( على ) و( اللام ) و( مع ) و( في ).
وذكر من تعديته بـ( من ) قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْمِن دِيَارِهِمْ ﴾(البقرة: 243)
ومن تعديته بـ( إلى ) ذكر قوله تعالى:
﴿ وَلَوْأَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾(الحجرات: 5)
ومن تعديته بـ( على ) ذكر قوله تعالى:
﴿ فَخَرَجَعَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهٍِ ﴾(القصص: 79)
ومن تعديته بـ( اللام ) ذكر قولهتعالى:
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ(الأعراف: 32(
ومن تعديته بـ( مع ) ذكر قولهتعالى:
﴿ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً(الحشر: 11)
ومن تعديته بـ( في ) ذكر قوله تعالى:
﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّازَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾(التوبة: 47)
أما قوله بتعديته بـ( من ) و(إلى ) و( على ) فهو قول صحيح، لا غبار عليه..وأما قوله بتعديته بـ( اللام ) فيقوله تعالى:
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
ففيه خلط واضح بين الفعل:( خرج ) والفعل:( أخرج ). والأول لازم يتعدى بـ( إلى )، أو بـ( من ).. والثاني يتعدى بنفسه؛ إذالهمزة فيه للتعدية، وحذف مفعوله؛ لأنه يعود على ( زينة الله ) و( الطيبات من الرزق ).
ولو كان عائدًا على الزينة فقط، لوجب أن يقال:( أخرجها لعباده ). أي: لأجلهم. ولو كان العباد مفعولاً، لقلنا إنه تعدى إليه باللام؛ ولكنه ليس بمفعول، ويسمِّيالنحاة هذه الهمزة: همزة النقل، وهي التي تنقل غير المتعدي إلى المتعدي؛ كقولك: قاموأقمته، وذهب وأذهبته. وعلى هذا يكون قوله تعالى:( لِعِبَادِهِ ) متعلقًا بالفعل:(أخرج )؛ لأنه مفعول لأجله. والمعنى: أخرج لأجل عباده.
أي: أحرج الزينة والطيبات منالرزق لأجلهم.
وأما قوله بتعديته بـ( مع ) في قوله تعالى:
﴿ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً
فليس كذلك؛ لأن التقدير: لئن أخرجتم لنخرجن معكم، إلى حيث تخرجون. فالفعلمتعد إلى مفعوله المحذوف للعلم به بـ( إلى ). و( معكم ) مثلها في قوله تعالى:
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ﴾
ومثل ذك يقال في قوله تعالى:
﴿ لَوْخَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾
لأن التقدير: لو خرجوا إليهمفيكم. أو إلى حيث يريدون. و( في ) للظرفية المكانية، وتعلقها بالفعل من تعلق الظرفبه.
وأخيرًا أذكِّر القارىء الكريم بما بدأ بهالدكتور الأنصاري في مقدمة كتابه، فقال:إن أهمية هذا الموضوع تعود إلىأمرين:
أولهما: لارتباطه بفقه الدلالة.. وثانيهما: لدقة مسلكه وغموضه وخفائهعلى بعض العلماء.
وأود أن أشير هنا إلى أن الباعث على كتابة هذه المقالة النقدية ما دار من حوار على الرابط الآتي:
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4991&highlight=%E5%D0%C7+%C7%E1%C A%E6%CC%ED%E5+%D5%CD%ED%CD
حول معنى قوله تعالى:
﴿ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾(النحل: 29 )
وقوله تعالى:
﴿لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ(يوسف: 67 )
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يمنَّ على عباده بنعمة الفهم لمعانيكلامه، وبنعمة الإدراك للكشف عن أسرار بيانه، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آلهوأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
الأستاذ: محمد إسماعيل عتوك
الباحث
في الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن





التعديل الأخير تم بواسطة نسيمسيم ; 01-05-2009 الساعة 10:16 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية دائمة الذكر
دائمة الذكر
مشرفة سابقة
  • تاريخ التسجيل : 29-03-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 43,268

  • زسام التحرير 

  • معدل تقييم المستوى :

    61

  • دائمة الذكر is a jewel in the roughدائمة الذكر is a jewel in the roughدائمة الذكر is a jewel in the rough
الصورة الرمزية دائمة الذكر
دائمة الذكر
مشرفة سابقة
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 10:05 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى