منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   منتدى الدراسات الإسلامية (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=158)
-   -   مبادئ أصول الدين (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=275401)

علي قسورة الإبراهيمي 05-09-2014 08:20 PM

مبادئ أصول الدين
 

بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه بعض دروس كنّا قد تلقيناها على يد بعض أهل العلم بحق.
تدور حول
مبادئ أصول الدين
فربما ينتفع بها من يريد التفقه في هذا العلم.



تحيّاتي.




علي قسورة الإبراهيمي 05-09-2014 08:29 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 

التكليف حسب الاستطاعة
لمّا كان القصدُ من التكليفِ اقترانه أو ربطه بالإجراءِ الاختياري،كان وقوعه مقدورًا عليه ضرورةً، لأنه إن كان غير مقدورٍ عليهِ كان مستحيلاً،
وإجراءُ ما يستحيلُ إجراؤه غير ممكن.
فالتكليفُ الواقع على هذا المثال حمل النفس على عدم الامتثال، حيث تصبح المؤاخذة على ذلك ظلم عظيم.
ولهذا قال جلّ في علاه: " لا يكلّفُ الله نفسًا إلاّ وسعها" وقال كذلك: "اتقوا الله ما استطعتم".
ولمّا كانتِ الضرورات قد تؤدي إلى عملٍ أو ترك لا تجوزه الاستطاعة ما دامت موجودة وقد أعدمتها اسقط حكم الواقع على ذلك الفعل أو الترك الذي كان يجب أن يترتّبَ عليه وجودها بقوله تعالى: " فمن أضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه".
والتكليف إمّا باعتقاد أو عمل وترك ولا تتوفر إلاّ بالعلم إذ لا اعتقاد ولا عمل بدونه لأنه علّة الإقدام أو الإحجام بالطوع والإرادة.


علي قسورة الإبراهيمي 05-09-2014 08:43 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 


الحقّ لا يتعدّد.

قال عزّ وجل: " وليس بعد الحقِّ إلاّ الضلال"، وذلك لأنّ الشيء لا يكونُ هو وغيره معًا، فالشيء لا يتحقق إلاّ بعد التعيّن. وإذا تعيّن فلابد له من ماهيةٍ مستقلّةٍ منفلصةٍ عن غيرها بحدٍّ فاصلٍ مميّزٍ لها، وإلاّ امتنعت الغيرية في مابين الشيء وغيره فيكون هو هو، هو غيره كأن يكون زيد هو زيد المتعين، ثم هو عين عمر والآخر المتعين. ولا أبعد من ذلك احتمالاً.
والحقُّ إما متعين الذات بماهية مستقلة أولا، فإن كان الأول كان مانعا غيره من الشركة في هويته وماهيته بتمام استقلاها.
وإن لم يكن كذلك وكان الثاني لم يتحقق أنه هو إلا احتمالاً.
والاحتمال يعارضه الاحتمال فلا حجة به، والذي اعتقد أن الحقَّ هو الذي ورد في النصوص الدينية على مراتبها، أو الواقع المشاهد بمقتضى قواعد كل علمٍ إذا كان من غير الوارد فيها ككون الواحد نصف الاثنين فإذا تعارض الكلام على شيءٍ من ذلك معيّن وجب اعتقادات ثلاث: إما التسليم بكون النقائض كلها واحدة؛ وهو خلف بين قبول بعضها ورد البعض الآخر وهو موقوف على على قوّة الأدلة في الجهتين.
وإما إسقاط الكل وتحريه في غيرها وذلك موقوف على دحض أدلّة القائلين حتى يمكن الوصول إلى معرفة الحق.
نعم أن الحقيقة تبدو من وجوه وكذلك تخفى.
أو يجب تحري أصح الوجوه، وأصدق الأدلة ولا يكفي الشك في العقيدة


علي قسورة الإبراهيمي 05-09-2014 09:13 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 


جهلُ الشيء لا يكون دليلاً على عدمهِ ولا على وجوده

الشيء إما معلومٌ بالشخصِ أو بالنوعِ أو بالجنسِ، والعلمُ إمّا بذاتهِ إمّا بخصائصه فإذا جهل لم تتعلق به معرفة، فقد يجهل الشخص ويعرف نوعه أو يجهل نوعه أيضًا.
ويعرف جنسه وقد تجهل ذاته وتعرف خصائصه، أو تجهل خصائصه وتعرف ذاته.
وجهل شيء من ذلك لا يدل على عدمه أو وجوده لأنهما محتملا الوقوعِ واللاوقوع؛ فلا يرجح أحد طرفيه إلاّ مرجحِ حقيقيٍّ وهو إما الحواس وإما النظر العقلي، والحكم عليه بأحد طرفيه قبل تعلّق العلم به مجاذفة إذا الحكم لا يكونُ إلاّ تحقيقيًّا، أما الظن أو الخيال والفروض فإنها لا حكم لها لعدمِ الثقة بدلالتها على يزعم من مدلولاتها، كالذين ينكرون ما فوق الطبيعة من الارواح والملائكة أو الجن أو العالم العلوي أو النشئة بعد العدم الأول أو البعث بعد الموتِ أو الأبد الأخروي أو ما أشبه ذلك فإن أحكامهم التي يستندون إليها مستفادة من الظن أو الوهمِ والفروض، ولا شك أنّ الشيءَ لا يقوى على نقيضه المساوي له في القوة. فالظن يعارضه الظن والخيال يدافعه الخيال والفرض ينقضه فرض آخر والحكم لا يترتب إلّا على الحقيقةِ الخالصة.

اماني أريس 05-09-2014 09:26 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
السلام عليكم : موضوع قيم فجازاك الله كل خير ونفع بك وبما تنثره هنا من درر في المتابعة تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي 05-09-2014 09:31 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اماني أريس (المشاركة 1898818)
السلام عليكم : موضوع قيم فجازاك الله كل خير ونفع بك وبما تنثره هنا من درر في المتابعة تحياتي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يا فاضلة
وبارك الله فيكِ.
كما أن المتصفح قد أزدان بمروركِ، وصاحب الموضوع قد شرّفه حضوركِ
فأهلا وسهلا بكِ يا بنت الكرام.
زادكِ الله فضلاً وعلمًا.
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي 06-09-2014 06:17 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 

مراتبُ البلاغِ الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ و أن استعمال القوة أو الحرب فإنها آخر الأسباب.

هذا هو نفس سياق القرآن الوارد في قوله عز وجلّ:
" أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".
وذلك هو المنهاج الحكيم والصراط المستقيم، لأنّ التكليف بما لا يُستطاعُ ممتنع، والذي لم يبلغ من الشرعِ مجهول، والمجهول لا يُستطاع إلاّ بعد العلم به. فالبلاغُ ضروريّ لإقامة الحجة على الضمير حتى يطمئن تمام الاطمئنان.
فقدم الأمر الإلهي بالدعوة بالحكمة على الموعظة لأنها بيان الحقيقة الحرة الخالصة من شوائب الأوهام قدر عقله منها، فإذا البيان للحقيقة على أتم أوجه الحكمة، وإذا لم يطمئن المدعو تمام الاطمئنان ترقى المبلغ معه إلى الدرجة الثانية وهي الموعظة الحسنة الجامعة ،لجملة النصائح الدافعة لما هو مانع لذلك الاطمئنان، والإتيان بما يتعظ به من المواعظ التي تكشف وجوه ضرورة الإذعان لمقتضى الحكمة المذكورة، فإذا كانت الأوهام المانعة أشدّ من ذلك أحتاج المبلغ في إقامة حجته إلى دفعها بالجدال المحكم الذي لا يستلزم النفرة ولا يقتضي النأي، وأن يقبل كلما يورده عليه المدعو من الاستشكال والاستيضاح بتمام حرية ضميره، وعليه أن يأتي أمام كل برهان اشكال ببرهان حال لعقده مدمر لموانعه غير قاصر على تلك المدافعة مدافعة حقيقية لا مبالغة ولا مغالطة وسفسطة كما يكون ذلك بين المتعصبين للأباطيل الخادمين للأنانية، فإذا أقيمت الأدلة وزالت الشكوك تم اليقين فإذا خضع المدعو وإلا فإذا كابر انتقل حاله من طوره الأول ووجب أن يعامل بالقوة متى امكنت بشروطها المشروعة.
ولهذا قال أهل العلم: أن الحرب آخر الأسباب لأنها لا تجوز ما دام للصلح مكان من الوجود؛ ولأن قواعد الدين الإسلامي المقدسة هي التي لا تقضي إلاّ باختيار أخف الضررين ولا ضرر أشد من الحرب لأنها مقتلة الأنفس متلفة المال فلا تختار على الصلح إلا إذا رجحت مضرته على مضراتها من كل الوجوه، وإلى هذا إشارة رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم حين قال:
" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" .
وهنا نستنتج الإشارة إلى الحكمة التدريجية ذات النبأ العظيم والشأن الكبير.

اماني أريس 06-09-2014 06:43 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي قسورة الإبراهيمي (المشاركة 1898928)

مراتبُ البلاغِ الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ و أن استعمال القوة أو الحرب فإنها آخر الأسباب.

هذا هو نفس سياق القرآن الوارد في قوله عز وجلّ:
" أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".
وذلك هو المنهاج الحكيم والصراط المستقيم، لأنّ التكليف بما لا يُستطاعُ ممتنع، والذي لم يبلغ من الشرعِ مجهول، والمجهول لا يُستطاع إلاّ بعد العلم به. فالبلاغُ ضروريّ لإقامة الحجة على الضمير حتى يطمئن تمام الاطمئنان.
فقدم الأمر الإلهي بالدعوة بالحكمة على الموعظة لأنها بيان الحقيقة الحرة الخالصة من شوائب الأوهام قدر عقله منها، فإذا البيان للحقيقة على أتم أوجه الحكمة، وإذا لم يطمئن المدعو تمام الاطمئنان ترقى المبلغ معه إلى الدرجة الثانية وهي الموعظة الحسنة الجامعة ،لجملة النصائح الدافعة لما هو مانع لذلك الاطمئنان، والإتيان بما يتعظ به من المواعظ التي تكشف وجوه ضرورة الإذعان لمقتضى الحكمة المذكورة، فإذا كانت الأوهام المانعة أشدّ من ذلك أحتاج المبلغ في إقامة حجته إلى دفعها بالجدال المحكم الذي لا يستلزم النفرة ولا يقتضي النأي، وأن يقبل كلما يورده عليه المدعو من الاستشكال والاستيضاح بتمام حرية ضميره، وعليه أن يأتي أمام كل برهان اشكال ببرهان حال لعقده مدمر لموانعه غير قاصر على تلك المدافعة مدافعة حقيقية لا مبالغة ولا مغالطة وسفسطة كما يكون ذلك بين المتعصبين للأباطيل الخادمين للأنانية، فإذا أقيمت الأدلة وزالت الشكوك تم اليقين فإذا خضع المدعو وإلا فإذا كابر انتقل حاله من طوره الأول ووجب أن يعامل بالقوة متى امكنت بشروطها المشروعة.
ولهذا قال أهل العلم: أن الحرب آخر الأسباب لأنها لا تجوز ما دام للصلح مكان من الوجود؛ ولأن قواعد الدين الإسلامي المقدسة هي التي لا تقضي إلاّ باختيار أخف الضررين ولا ضرر أشد من الحرب لأنها مقتلة الأنفس متلفة المال فلا تختار على الصلح إلا إذا رجحت مضرته على مضراتها من كل الوجوه، وإلى هذا إشارة رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم حين قال:
" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" .
وهنا نستنتج الإشارة إلى الحكمة التدريجية ذات النبأ العظيم والشأن الكبير.

السلام عليكم

درر هذا كل ما بوسعي قوله بارك الله فيك ولا هان الاسلام والوطن بوجود امثالك


علي قسورة الإبراهيمي 06-09-2014 10:38 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اماني أريس (المشاركة 1898930)
السلام عليكم

درر هذا كل ما بوسعي قوله بارك الله فيك ولا هان الاسلام والوطن بوجود امثالك



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يا محترمة
أين الدرر ؟ غفر الله لكِ ..
ومع ذلك الحمد لله على نعمة الإسلام، ويكفي أن يكون المرء يحب أرض وثرى الاجداد.
اشكر لكِ مروركِ يا بنت الكرام.
تحياتي

مُسلِمة 06-09-2014 10:48 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أسجل متابعتي للموضوع
فبارك الله فيك وزادك من فضله

غايتي رضا الرحمن 06-09-2014 11:53 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 
السلام عليكم
بارك الله فيك اخي
نحن في المتابعة
جزاك الله خيرا باذنه سبحانه

علي قسورة الإبراهيمي 06-09-2014 11:53 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مُسلِمة (المشاركة 1899004)
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أسجل متابعتي للموضوع
فبارك الله فيك وزادك من فضله

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ومرحبًا بأختي / مسلمة.
شكر الله مروركِ على متصفحي.
وما أقول ..إلاّ أن هذا من فضل ربي.
ثم الحمد لله، والحمد لله أن جعلنا من مسلمين.
وبارك الله فيكِ، وإن شاء الله يجعل ما فيه سعادتكِ بين يديكِ
آمين.
منحكِ الله بسطة في العلم والرزق.
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي 06-09-2014 01:52 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غايتي رضا الرحمن (المشاركة 1899037)
السلام عليكم
بارك الله فيك اخي
نحن في المتابعة
جزاك الله خيرا باذنه سبحانه


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يظهر أنه هذا أول تقاطع مع المحترمة/ غايتي رضا الرحمن
فمرحبًا بكِ في متصفحي.
وإن شاء تقاطع وتعارف خيرٍ بيننا.
ومنكم نستيفد يا محترمة.
جزاكِ الله على المرور والتعليق الطيب.
زادكِ الله من عنده فضلاً ونعيما.
تحياتي

رحيل 06-09-2014 04:05 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي قسورة الإبراهيمي (المشاركة 1898761)


الحقّ لا يتعدّد.

قال عزّ وجل: " وليس بعد الحقِّ إلاّ الضلال"، وذلك لأنّ الشيء لا يكونُ هو وغيره معًا، فالشيء لا يتحقق إلاّ بعد التعيّن. وإذا تعيّن فلابد له من ماهيةٍ مستقلّةٍ منفلصةٍ عن غيرها بحدٍّ فاصلٍ مميّزٍ لها، وإلاّ امتنعت الغيرية في مابين الشيء وغيره فيكون هو هو، هو غيره كأن يكون زيد هو زيد المتعين، ثم هو عين عمر والآخر المتعين. ولا أبعد من ذلك احتمالاً.
والحقُّ إما متعين الذات بماهية مستقلة أولا، فإن كان الأول كان مانعا غيره من الشركة في هويته وماهيته بتمام استقلاها.
وإن لم يكن كذلك وكان الثاني لم يتحقق أنه هو إلا احتمالاً.
والاحتمال يعارضه الاحتمال فلا حجة به، والذي اعتقد أن الحقَّ هو الذي ورد في النصوص الدينية على مراتبها، أو الواقع المشاهد بمقتضى قواعد كل علمٍ إذا كان من غير الوارد فيها ككون الواحد نصف الاثنين فإذا تعارض الكلام على شيءٍ من ذلك معيّن وجب اعتقادات ثلاث: إما التسليم بكون النقائض كلها واحدة؛ وهو خلف بين قبول بعضها ورد البعض الآخر وهو موقوف على على قوّة الأدلة في الجهتين.
وإما إسقاط الكل وتحريه في غيرها وذلك موقوف على دحض أدلّة القائلين حتى يمكن الوصول إلى معرفة الحق.
نعم أن الحقيقة تبدو من وجوه وكذلك تخفى.
أو يجب تحري أصح الوجوه، وأصدق الأدلة ولا يكفي الشك في العقيدة




السلام عليكم
بارك الله فيك استاذ
استفدت كثيرا من هذه الفقرة و لطالما كنت ارى ان الحق واحد
قد اكون انا أو مخالفي هو صاحب ذلك الحق
و لكن يستحيل ان نكونا كلينا على حق
في المتابعة ان شاء الله

علي قسورة الإبراهيمي 06-09-2014 04:31 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحيل (المشاركة 1899200)


السلام عليكم
بارك الله فيك استاذ
استفدت كثيرا من هذه الفقرة و لطالما كنت ارى ان الحق واحد
قد اكون انا أو مخالفي هو صاحب ذلك الحق
و لكن يستحيل ان نكونا كلينا على حق
في المتابعة ان شاء الله

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بالمحترمة/ رحيل.
وما دمنا قد تطابقت افكارنا. فتلك نعمة كبرى.
صدقيني يا محترمة.
إن أي تدارس علمٍ أو مُدارسة فكرٍ إن كان أصحابها ينشدون الصواب .. فالافكار قد تتخالف ثم تتآلف، وفي الختام خلاصة القول تلتقي ثم بالفائدة نرتقي.
إلاّ من طبع في نفسه المكابرة، وأشرب في قلبه مخالفة الغير
وأنتِ ــ يعلم الله ــ أحسبكِ ــ والله حسيبكِ ــ غير ذلك.
بل سبّاقة إلى الجدال بالتي هي أحسن.
سرني مرور يا محترمة.
زادكِ الله من فضله.
تحياتي

رحيل 06-09-2014 04:49 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
بوركت على حسن ظنك استاذ و جعلني الله خيرا مما تظنون
زادك الله فضلا و علما

علي قسورة الإبراهيمي 06-09-2014 09:04 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 


لا تقوم الحجة على جاهلها:

إنّ الإنسانَ لا يُكلّف إلاّ بما يعلمُ، وإلاّ لكان تكليفًا بغير المستطاعِ وهو ممنوعٌ شرعًا بنصوص آيات القرآن الكريم " لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها "، والسنة المطهرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم) "
والسنة المطهرة. وعقلاً بما تقرّر في عموم الخلائق، أن تلك القاعدة من المسلّمات، وإذ ضرب بها أهل العلم مثلاً حتى لا يستعملها البعض بما غلب في نفوس الناس من استعمال نقيضها تعصبًّا وجهلاً وغرورا.بما يرون من المختلفات الباطلة فإنهم يحكمون حكمًا باتًّا على كلّ أهل الأرض بما يرونه وربما بالكفر، أو التفسيق، أو الزندقة قبل أن يبلغ هؤلاء الدين الإسلامي.
فتجد البعض منهم يزعم أن شيوع الدين الإسلامي في بلاد المسلمين أو وصول أخباره السطحية إلى بعض أطراف البلاد ـــ دون أن ينظروا إلى ثقافة الناس ومعرفتهم ــــ كافيًّا لإقامة حجة الله على سائر الأمم. فزعموا أن أهالي البلاد الأخرى غير الإسلامية ( مثل أوروبا، وأمريكا والبلاد النائية من أسيا، وأدغال أفريقيا، والبلاد الأخرى في أقاصي المحيطات) معذبون عند الله لعدم انقيادهم وعدم دخولهم في الدين الإسلامي حتى لو لم تبلغهم الدعوة، إذًا كيف تقام عليهم الحجة وهم لم يبلغوا أدنى بلاغ ديني. يقول جلّ في علاه: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "
وكما قال سبحانه وتعالى:
" ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى"
وكذلك قال جلّ جلاله:
"كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء "
إذًا فلابد للبلاغ حتى تقام الحجة، وأن البلاغ المبين المزيل لكل الشكوك، وأن يكون كما ذكرتُ قبل هذا أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
هناك من يقول أن العقل كافيًّا هو الحجة على البلاغ، دون ارسال رسولاً
فقد درس أهل العلم هذه النقطة، واستنتجوا من ذلك أنهم قالوا أنه من المحال أن يكون العقل يكفي للبلاغ والتبليغ.
وأن الذي دعى البعض من قال بالعقل إنما ذلك كان حبًّا وبغية للتخلص من وظيفة ودعوة التبليغ لما فيهما من مشقة، وكذلك لحمل الناس على التعصب بغير حقٍّ على أهل تلك الديّار لتتوفر بعض الأسباب الأخرى مثل الاستعلاء على العباد وأخذ أموالهم كغنائم دون القيام بمهمة ودعوة البلاغ.
لأن البلاغ والتبليغ يؤدي لا محالة إلى التحبب والتعرف وقبول الحق بدون عدواة .. وكما أشرت قبل هذا .. أن الحرب هي آخر أسباب التبليغ.
قلت أن الحق بدون عداوة وهذا يمنع جلب الاموال التي يُستفاد منها كالغنائم وكذلك الاعراض التي تنتهي بالاسر والإسترقاق، والتي تعقب كل الانتصارات.
فإن تلك الاحوال قد ستربي وتبعث على العدواة والبغضاء حتى بين أهل الاديان.
ولو نعود إلى ما جاء في الاثر ومصادر الخبر من سيرة الحبيب المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ لوجدناه قد بلغ في بداية الامر، ثم دعى الناس إلى عبادة الله تعالى وعلمهم وأنذرهم من عذاب يوم الدين، ولم يلتجئ إلى الحرب إلا أن عندما اعتدوا عليه وعلى الإسلام وكانت الحرب في نهاية المطاف.
وكذلك فعل من تبعه من السلف الصالح وبلغوا ودعوا الناس إلى هذا الدين.
وسوف تبقى مهمة الدعوة إلى الله إلى أن يرث الارض ومن عليها بعد التعريف بهذا الدين ونشر تعاليمه نشرًا صحيحًا.
عندها تصدق مسلّمة أنه لا حجة على من يجهلها إلاّ بالبلاغ المبين.

علي قسورة الإبراهيمي 06-09-2014 10:45 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحيل (المشاركة 1899238)
بوركت على حسن ظنك استاذ و جعلني الله خيرا مما تظنون
زادك الله فضلا و علما

مرحبًا بكِ مرة أخرى يا محترمة.
العفو يا بنت الكرام.
أذاقكِ الله برد عفوه.
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي 06-09-2014 11:42 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 

الأصل في الشيء الإباحة إلاّ ما حرّم بنصٍ

ذهب أهل العلم ورجال الفقه إلى مسلّمات وهي: أن الأصل في الاقوال والأحوال والافعال أمّا أن تكون مباحًا أو يكون ممنوعًا.
فإن كان هناك منعٌ، فلا محلّ لمنعٍ الشيء إلاّ ورد فيه تحريمٌ ومنعٌ.
فإذا ورد تحريمٌ شيءٍ في الدين، فلا محلّ لتخصيص بعض ذلك بالمنع دون غيره ما دام المنع منعًا كلليًّا، ولنا في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم كمثالٍ عن ذلك، إذ يقول:
" ما أسكر كثيره فقليله حرام"
وإن كانت الإباحة أصلاً كان تغيير حكمها موقوفًا على أمرٍ مشروعٍ محدد لذلك المنعِ كما ورد في النصوص الدينية، كإباحة شرب عصير العنب قبل أن يصبح مسكرًا.
ودليلنا في ذلك حديث بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا"
ثم أن المنع لا يكون يكونُ أصلاً صحيحًا لتوقف المنع على موجباته، وأن موجباته إما الطبيعة أو الوضع أو الشرع.
فالواجب الطبيعي لا يقتضي تخلّفه بوجهٍ من الوجوهِ لأنه ناموس دائم كما أشار إلى ذلك علماء الدين، فهو دائم للأجسام فلا يمكن منع ما أقتضى إباحته أو إباحة ما أقتضى منعه كالخواص العمومية والخواص الخاصة للأنواع والأجناس والأشخاص وحينئذٍ فلا محلّ لتخلف مقتضى المنع الطبيعي.
وأما الوضعي، فهو إمّا عادة أو عرف أو قاعدة قانونية، ولا دليل في كل في صحة المنع لاستناده إلى الأحكام وهي نظرية فلا محل لإنزالها منزلة الامور الضرورية القطعية الحكم ما دامت أسباب النظر العقلي غير معصومة من الخطأ.
وقد شوهد اختلاف العادات في السلب والإيجاب، أو الاتفاق في النوع مع الاختلاف في الحكم والكيف فهي في هذه الحالة غير صادقة الحكم على وجه مطرد الألف
وكذلك غير معتمدٍ على أساس قطعي الدليل والقانون الوضعي مستند في أساسه إلى الألف والعادة ونتائج تضارب الافكار البشرية والآراء وهي تقريبية الحكم لا حقيقية على الأطراد، أي أنها ربما صادفت الحكم الصحيح مصادفة وربما لم تصادفه.
أما الشرع، فإنه الحكم الإلهي المسلّم الصادق والعدالة لتنزهه سبحانه وتعالى عن الغرض والجهل المانعين لصحة الكم فيلزم والحالة كما ذُكر سابقًا ألاّ يعتمد في منع بعض ما اشتمل عليه حكم الإباحة من القول والحال والفعل إلاّ على أو بنصٍ.

علي قسورة الإبراهيمي 07-09-2014 07:27 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 


لا حجة بقول غير المعصوم إلاّ إذا اقترنت بدليلٍ أقوى.

لمّا كان البشر غير معصومين بالفطرة من الخطأ والسهو والذنب سواء كان ذلك كبيرة أو صغيرة، وذلك لاستحالة صدق حواسه وبعد نظره العقلي في كل وقتٍ، أو على كلّ حال وجب أن لا ينزه من أن يخطئ في فكره أو قوله وفعله كانت الثقة بذلك منه غير ضرورية موقوفة على قدر حسن الظن.
وهو مهما ترقى لا يبلغ درجة اليقين، وما لا يبلغ ذلك لا يكون واجب الإذعان والقبول بل جائزهما وما كان ذلك فلا يكون حجة يعتدّ بها في الحكم على الحقيقة سواء أ كان ذلك سلبًا أم إيجابًا.
لكن لمّا كانتِ العصمة واجبة للأنبياء والمرسلين كما تعارف وقال به أهل العلم،
كان التسليم التسليم بأقوالهم وأحوالهم وأعمالهم حجة على من يتلقى ذلك مباشرة منهم أي بلا واسطة يقول لله عز وجل:
" إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما "
أو كما جاء في حديثه ــــ صلى الله عليه وسلم:
"إنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليحملها أو يذرها"
بخلاف الذي يبلغه ذلك عنهم بالواسطة الواحدة أو المتعددة، وذلك لعدم الجزم بعصمة الوسائط واحتمال وقوع ما ينافي الصدق في روايتهم ولهذا وجب أن تقترن أقوال غير المعصومين بالدليل الأقوى في إيجاب الصدق، وذلك إما شهادة الواقع المشاهد كمثل أن الليل يأتي بعده النهار ومشاهدة ذلك حسيّا، أو القرينة القاطعة للشك في ذلك، أو شهادة الأمر الضروري كالإخبار عن كون الكلّ أكبر من الجزء بشرط تحقق معنى الكل والجزء والتفاوت الحاصل بينهما، أو شهادة الشرع الإلهي أي نص الإلهي القرآني مع ما يضاف إلى ذلك من التحقيقات الاصطلاحية في ذلك العلم المخصوص، وإضافة تحرّي أفراد الرجال ( أهل العلم ) بمقتضى الضمانات في كل ما تقدم، وبهذا القيد تمنع وتدحض أعظم المفتريات ربما دست على الدين من أصحاب الهوى في بعض كتب المتقدمين وكذلك المتأخرين.

علي قسورة الإبراهيمي 07-09-2014 02:07 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 

كلّما أوجب اليقين صار حجة.

إنّ القينَ هو اطمئنان النفس تمام الاطمئنان في اعتقاد صحة حكم ما على أمرٍ سواء كان سلبًا أو ايجابًا ويقتضيه إلا صحة المأخذ والمستند أو ترتيب المقدّمات الصحيحة والنتيجة الصادقة وهو إما عام وإما خاص.
فالعام في الضروريات من الدرجة الأولى أي بلا قيدٍ ككون الواحد نصف الاثنين أو أنّ الكل أكبر من الجزء فذلك ضروري الجزم بلا قيدٍ من القيودِ ما دام الطرفان معلومين وإمّا نظري يوجب العلم الاستدلالي بالعلة على المعلول، أو المعلول على العلةِ مثلاً وذلك يستلزم اليقين متى أقترن بشهود الصحة من كل وجه وانتفاء العوارض المانعة للتصديق.
وأما الخاص فهو كذلك لكن يفيد اختصاصه بأهل ذكره أي بأهل العلم الخاص به كالعلوم الخاصة فإن معلوماتها الأوليّة ضرورية الصدق عند أهلها وهي نظرية عند غيرهم مطلقًا لجهلهم بها مثلاً أن المرض الفلاني يعم بالأعراض المخصوصة فيستدل بها على وجوده في المريض بحيث لا ينفك ذلك الحكم مطلقًا فهو ضروري عند الطبيب المشخص وذلك عينه عند غير الطبيب نظري يحتاج فيه إلى تأمل، والقضية الرياضية ضرورية الصدق عند العلم الرياضي بحيث لو اجتمع كل رياضي في الدنيا وطرحت على كلّ واحدٍ منهم لم تختلف أحكامهم فيها، وكذلك القضية الكيميائية وخاصة التفاعل بين الجسم الفلاني والجسم الفلاني ذلك ضروري الحكم بين الكيميائيين لا يختلف فيه إثنان ( كتفاعل واتحاد الهيدروجين مع الأوكسجين حسب ذراتهما فنحصل على الماء الذي رمزه h²o)
وهو عند غيرهم من أشكل المشكلات وأصعبها.
وهكذا فإن كلّ أهل علم فإن عندهم قواعد كلية ضروريةالمفهوم، وهي عند غيرهم نظرية فيهل مواد شاذة أو هي مستفادة من التجارب أو التخمين أو الاحتمالات فهي نظرية عندهم كما هي عند غيرهم من أغمض المسائل.
لأجل ذلك أمر الله سبحانه وتعالى بسؤال أهل الذكر في كل شيء:
" وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر "
إذن أن كل أمرٍ يوجب اليقين في علمٍ من العلوم، أو في كل فنّ من الفنون، أو في كل بحث من الابحاث فهو حجة لأهله على أهله لا على غيرهم إذ لا تعلق له بعلومهم ولا إحاطة لهم به متى كان ذلك المفهوم خاصًّا بعلمٍ دون علمٍ، وأمّا إذا كان منَ الأمور الضرورية عند عموم البشر فهي توجب اليقين عند الكل فهي حجة للكل عند الكل.

علي قسورة الإبراهيمي 07-09-2014 09:00 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 

الشكُّ لا يكونُ عقيدة.

إن الشك إنما هو محطة أو وقوف بين السلبِ والإيجاب في الحكمِ للشيءِ أو عليه، أة على تفاوتٍ في الكم والكيف مع وحدة صفة الطرفين فالاوجه فيه عديدة، ولكنه سالب الثقة بالحكم والعقيدة. إما أن يكون سلبًا حقيقيًّا أو إيجابًا حقيقيًّا أي أنّ العقيدة يجب أن تكون يقينًا خالصًا مجردًا عن أو من الشكوك أو الشبه وإلاّ لما كان اليقين الذي هو تمام الثقة والإذعان والقبول.
فوقوف المرء أو العبد بين طرفي الحكم على ما ينبغي اعتقاده سالب اليقين به والاعتماد عليه؛ إذ الأصل في العقيدة إقناع الضمير بالدلائل المسلّمةِ مع أطلاق حريته في محاكمة الأدلة المتعارضة وهو الإيمان الخالص بما يجب أن يؤمن به، وإلاّ فإن البحثَ وإقناعه بقبول الشبهة واليقين معًا.
فإن أهل العلم قالوا: أن جمع الضدين محال، كما ذكرتُ ذلك سابقًا.
فقد روي عن الإمام مالك رضي الله عنه في مسألة الاستواء وإلزامه المسلم بالإيمان المجرد عن دفع الشبه والشكوك وادعاء كون السؤال بدعة.
بل أن هناك من قال أن السؤال سنة النبي صلى الله عليه وسلم، إلاّ أنهم اختلقوا في إيمان المقلّد لكونه حاكمًا بحكم غيره بدون تثبتٍ وتدبرٍ، وإن كان الصحيح ثبوته وكفايته لأهل التقليد للعاجزين عن التحقيق، وعليهم الطلب والسؤال إذا أدركوا شبهة أو حاكت في صدورهم شكوك.
أما أهل التحقيق فلا مناص لهم من الخروج عن الشكوكِ إلى اليقين لاسيما في ما يتعلّق بالبارئ سبحانه وتعالى وصفاته الجليلة، وما يتعلق بالملكِ وغيره مما يجب على المؤمنِ اعتقاده في الأحكام من الحلال والحرام والمكروه والفرض والواجب والسنة وما أشبه ذلك، لأن التردد في ذلك إنما هو مظنة الخطأ؛ ولأجل ذلك لم يكتفِ المتأخرون في علم التوحيد والعقائد بما أكتفى به الاولون. فقد كانوا يقولون: أن الله شيءٌ لا كالأشياء ، وله علم ليس كعلمنا، وسمعٌ ليس كسمعنا، وكلامٌ ليس ككلامنا إلى .. غير ذلك.
وكان ذلك يكفيهم لقلة وجود الشبه والشكوك فيما بينهم، ولكن لمّا عمت الصولة الإسلامية وجولتها، ظهرت بعض العلوم الفلسفية واشتهرت الشبهات والشكوك أضطر المتأخر من علماء الأمة على تحرى تلك العلوم كما طلبوا مفاهيمها وردّوا الشبهات بأدلّةٍ أخرى منها، وما زالوا يؤلّفون ويصنّفون في كلّ عصرٍ بما يناسبه.
إلا أن العلوم التي ظهرت إلى العهد القريب، وخصوصا في الغرب وأوروبا فإنها لم تدع لشكوكهم من القلوب محلاًّ بل عمت وطمست وعظم المصاب بها حتى أصبحت لا يكفي في ردها البراهين التي أعدها المتقدمون لمنكري عصورهم لسقوطها عن درجة الشكوك الحاضرة التي تستلزم الفكر العويص والبحث الدقيق في كل فنٍّ بحسبه، وإلاّ فإذا وفقنا عند البراهين الأولى التي كانت تحامي عن الحقيقة أمام الشبهة الأولى الضعيفة ولم تبتدر في الاستعداد بقوة تناسب قوة المعارضين لم نكن خدمنا الحق، أو حافظنا على جانب الحقيقة كما لا يخفى.


علي قسورة الإبراهيمي 08-09-2014 12:26 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 



الهوى لا يكونُ شريعة.

حينما تحدث أهل العلم عن النفس قالوا:
إن النفسَ لها قوة دفعٍ، وقوة جذبٍ، فهي القوة الدافعة تدفع كل ما لا يلائمها مهما استطاعت بالفكر والقول والعمل ولو كان في ذلك منفعة غيرها من عموم العالم.
ويقوتها الجاذبة تجتذب كل ما يلائمها مهما استطاعت كذلك ولو كان فيه مضرة غيرها، وذلك لحب الذات والاختصاص بكل منفعةٍ والتنزه عن كل مضرةٍ فإنها لا تحبّ شيئًا في الدنيا إلاّ لأجل ملائمته ذاتها ومنافعها من المال، والملك، والجاه، والشرف، والعز ،والولد، والأهل، والوطن، وكل مزيةٍ في العالم حسيّة كانت أو معنوية،فلولا تعلق ذلك بمنافعها لم تفحل به مطلقًا، ولا تكره ضرر كل ذلك إلاّ لمضرته بمنفعتها ومنافاته مقاصدها وأغراضها، وكذلك المزايا المعنوية كحسن الخلق، والعدل ،والفضل، والحكمة، والشجاعة، والعفة، والعلم، والاعمال المبرورة، والميل إلى الخير، وحسن النية، وسلامة العقيدة، .. وهلم جرّا، ولا الأمور الدينية فإنها لا تؤمن إلاّ المنفعة ذاتها ولا تكره الكفر إلاّ خوفًا على ذاتها، ولا تعمل عمل أهل الجنة إلاّ لانتفاعها بالنعيم الأبدي، ولا تكره أن تعمل عمل النار إلاّ خوفًا على ذاتها من العذاب السرمدي.
فعلم والحالة هذه أن هوى النفس حيث منفعتها لكن لا يشترط في ذلك صواب حكمها بل ربما ظنّتِ المضرة منفعةً أو المنفعة مضرةً حسب ما يطرأُ عليها من غلط الحسّ وفساد المقدّمات النظرية. لما رأينا أنّ عمومَ الناسِ لا يريدون لأنفسهم إلاّ الخير، وأكثر أعمالهم شرّ لأنفسهم ولغيرهم، فذهب أهل العلم وعلموا علم اليقين أن أكثر الهوى ضررٌ وخطأٌ عظيم فإذا سلم هذا ولا محيص عنه.
فمن الواجب على المرء أن يجزم بأن الهوى لا ينبغي أن يكونَ حكمًا للنفس على غيرها أو على ذاتها، وله لما تحقق من أن هذه المقاصد مرتكزة في ضميرٍ كلّ واحدٍ من الخلائق والعباد فهو يخدم منفعته ولو بضرر غيره، إلاّ إذا صدّه صادٍ صادعٍ يوقف جريان حرصه عند حدٍّ من الحدود.
فغاية كل ضد أو عكس غاية كل التزاحم واقعٌ، والأهواء متضادة طامحة لحقوقٍ الغير متجاوزة عليه، لو سلم الحكم لأي هوىً من أهواء النفوسِ لم يكن همه إلاّ منافعها وهي ضرر غيرها لا محالة.
فيستحيل والحالة هذه أن يكون الهوى شريعة عادلة حقة لضرورة تشريع الشرائع الحقة من قبل المنزه عن الغرض والجهل. ولقد أحس البشر بضرورة العدالة ولم يجدوا لها سبيلاً في كثير من العصور، اللهم إلاّ ما سوف يأتي الكلام عنه فيما بعد، وذلك أن كل البشر جاءتهم رسلهم بالشرائع يقول جلّ في علاه:
"ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "
ويقول جلّ جلاله:
"إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم، رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ، ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير "
ولكن طال على أهلها الأمد، فانحرفت عن ما شرّع لها فقضى عليها بالخراب والدمار فاندثرت تلك الشرائع.
فأضطرت الامم اللاحقة إلى الحكم بالهوى نتيجة بعدهم عن عقائدهم.
ثم تتابع أمم وشعوب فما زال البشر ـــ كما نشاهده اليوم ـــ يعودون بتشريع القوانين حسب هوى النفس، فنرى دائمًا إما زيادة في التشريع أو تعديل ما شرّع سابقا، فصار غير مجدٍ اليوم ويبقى ذلك في كل زمانٍ ومكان.
حتى وأن ظهر لنا أن ما يقع من الجرح والتعديل ولا توضع فقرة قانونية إلاّ بعد تحكم وحكم ومحاكمة أطرافها، وإقامة البراهين على صحتها، وتسليم العقول بذلك، وبالطبع أن تلك العقول هي عقول عالية التي يسوغ لها التشريع، ثم أن التعديل الذي ربما سوف يقع بعد ذلك لا يقع إلاّ بعد تحكم وحكم مسبوق بمحاكمة أطراف المسائل في المبدل والمبدل به وتسليم وانقياد عن رأي حرٍّ وفكرٍ مستقل.
فنستنتج من ذلك لنقول:
فلو لم يكن الهوى محل اختلاف الأحكام لما حصل هذا التناقض العظيم من احتجاج أصحاب الأصل وأرباب التعديل وكل ذلك في نظر قومه مصيب.
لا لشيء سوى أن هوى النفس البشرية قد شرّعت.
ولنا أن نقرأ قوله تعالى:
" فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون "
ولا حجة على كون ذلك التعديل النهاية التي لا بداية بعدها بذات التعديل، فإن الأصل المبدل عنه كان مظنونًا عند واضعيه ولن يكون النهاية، لا لشيء سوى هي النفس البشرية فصدق الله وهو يقول:
" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا "
إذن فالهوى لا يكون شريعة، وكم في النفوس البشرية من أهواء؟!


علي قسورة الإبراهيمي 08-09-2014 07:46 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 


الشريعة كافيّةٌ فلا يُزادُ عليها إلاّ قيّاسًا
علم أصحاب العقول السويّة من البشر أنّ الشريعةَ الإلهيةَ قد توقفت مع وفاته النبي ـــ صلى الله عليه وسلم وكَمُل كلّ شيءٍ عقيدة وشريعة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى:
" اليومَ أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلام دينًا".
وكان الإجماع أو القيّاسُ ضميمة على الأصلين الأولين وهما الكتاب والسنة.
ولنتوسع أكثر ثم نبحث في ديننا فنجد أهل العلم أخبرونا أن القيّاس في شريعة الإسلام ليس بزيادة في الدين أو الشريعة لقوله ـــ صلى الله عليه وسلم:
" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ".
ثم أن الله عز جل يقول:
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همُ الفاسقون" وقال في آية أخرى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همُ الظالمون" وقال في آية ثالثة أخرى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همُ الكافرون ".
ولأجل ذلك أن العلماء قد نزهوا الدين الإسلامي عقيدة وشريعة مما أضافوه فيه بعض المضلين وأصحاب الأهواء والعقائد الفاسدة وألحقوه من الضلالات التي أخضعوا لها العامة بإسنادها ــــ أي ضلالاتهم ــــ إلى الأحاديث أو التأويل والتفسير كما فسّر وأوّل أحدهم كما يلي:
"يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه"
فقد روي ابن عطية :
أنّ قومًا من أهل الجهالة ذهبوا إلى تأويل الآية السابقة أنها يراد بها أهل البيت وبنو هاشم، وأنهم النحل، وأن الشراب القرآن والحكمة، وقد ذكر هذا بعضهم في مجلس المنصور أبي جعفر العباسيّ، فقال له رجل ممن حضر: جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم، فأضحك الحاضرين وبُهِت الآخر وظهرت سخافة قوله.

وكما ذكر سابقًا بإسناد إلى الأحاديث أو التأويل والتفسير أو شيءٍ من أصول الدين أو رجال العلم بدون مداراة أو مواراة ومحاباة فقد وضحت الحاجة إلى ذلك وتبين الضرر الذي ألم بالأمة.



علي قسورة الإبراهيمي 09-09-2014 10:06 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 


الشريعة جاءت لتعديل نسبتي الخير والشر بما يطابق الصالح العام للمجتمع.

إن من البداهةِ أن مصلحة العبادِ لا تقوم إلاّ بالتضاد فكلّ صارٍ في شيءٍ هو نافعٌ لشيءٍ، وكلُ نافعٌ من جهةٍ مضرٌّ من جهة، وكلّ مصلحة من حيث تعلّق ما هي مفسدة من حيث تعلّقٍ آخرَ. بحث لا يتمّ نظام العالم إلاّ بذلك، فتعطل الخير معطل للشر، وتعطل الشر هو معطل للخير على وجه العموم.
فلو عم الخير وارتفع كل شرٍّ في العالم كان ذلك هو عين الشر فلو امتنع القتل والنهب والسرقة والظلم والعدوان والفاحشة والخوف والخيانة والحرص والطمع والكذب والزور لمّا كان إلاّ الخير المنزه عن تلك النقائص وحينذٍ فلا لزوم للتحفظ من شيءٍ ولا المدافعة عن شيءٍ ولا المحاكمةفي شيءٍ ولا المحاكمة في شيء، فلا يبقى محل للهيئة الاجتماعية مطلقًا إذ تكون عبثًا، فإنّ الخصامَ إذا امتنع لن تبق حاجة إلى الحكم والمأمورين من ملكية أو عدلية وإذا لم يخفِ من التعدي لم تكن حاجة إلى الجند و الضباط وما أشبه، وإذا عدم الحرص والطمع اكتفى الإنسان بالعيش الضروري فلا يعملُ ما يزيد عنه فتعطل الأعمال وبتبدّل العمران بالخراب، وكلّما تقدّم الخير وعمّ تقدّم الجمع إلى الشر حتى يهلك العالم أجمع في أقلّ من أسبوعٍ.
وبذلك يندفع جميع ما ذهبت إليه أئمة المعتزلة القائلين بتنزيه الله تعالى عن خلق الشرور، فإنما كتن ذلك منهم لاعتقادهم أن الشرور غير ضرورية للعالم كما كان ذلك معتقد غيرهم أيضا، والتفضيل التام في هذا المقام ينتظر في الأصل إن شاء الله تعالى. فقد قال عز وجل: " ما أصابك من حسنة فمن الله " أي فمن إتباع ما أمر الله به " وما أصابك من سيئة فمن نفسك " أي فمن إتباعك الهوى ومخالفة الله تعالى، فلما أراد جل شأنه أن يتكلّم على أساس نظام الكون من حديث الخلقة قال: " قل كلٌّ من عند الله " أي من حيث خلقه وقابليته واستعماله يدلّ عليه قوله عز وجلّ " الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى" وذلك لأنه أعطى كل شيء خلقه أي أتمّ فيه كلما تقتضيه خلقته ثم هدى بما شاء إلى طريق استعماله بمقتضى الحكمة المقتضية المستلزمة للفلاح، فالشرع العادل لا يقضي بعدم الشر أو بعدم الخير لتوقف كل على وجود نقيضه ولكن يعدل نسبتها بما يوافق صالح المجتمع وهو الانتظام والدوام وأكمل المثال على هذه الحال قوله سبحانه تبارك وتعالى: " ولكن في القصاص حياة يا أولي الألباب " فإن جملة التي هي " القصاص حياة " دستور لو اجتمع الجن والإنس على أن يأتوا القوانين بحكمةٍ تستوفي ما اشتملت عليه تلك الجملة الثنائية لم يأتوا ولن يأتوا بها أبد الآبدين.
فإن قتل القاتل شرٌّ على نفسه بما يلاقي من الألم والعدم على ذوي قرابته الذين ليسوا من وارثيه من حيث فقده، وإن أفادهم ميراثه من حيث تملكهم له وعلى الهيئة الاجتماعية بنقص فردٌ منها وعلى الحاكم بما تكلف من أعمال قتله وما نقص من أفراد تبعتها، ولا يحتج بأنه قتل غيره، فوجب جزاؤه لأنّ ذلك مدفوع بأنّ الجزاءَ لا بقع إلاّ لإصلاح النفس والقتل يعدمها قلا يؤثر فيها الجزاء إلاّ مجرد الألم ثم العدم وهب أنه فتل فنقص من هيئة المجتمع واحدًا.
فقتله يقتضي نقص اثنين.
ولو كان الجزاء شديدًا حافظًا لحياته كحبسه أو ما أشبه، لكان أولى أو أليق بالرحمة والعدالة فذلك مدفوع بأن الجزاء إنما يترتب على حكمتين الأولى اتعاظ الغير من الهيئة العمومية والثانية إصلاح حال النفس لوقوعه عليها ولهذا يجب أن تترتب قواعد الجزاء على نسبة محفوظة مناسبة بين الجزاء والعمل في الدرجات أي في أنواع الدرجات وإن عز تدوين أشخاصها لخروجها عن حدود الحصر فإذا كان الجزاء دون درجة الجرم أو الجناية.
أما أن تترتب على ما دونها مثله أولا، فإنّ ترتب أي تساوي القتل وجزاء شيء دونه في الكمية أو الكيفية أضطر أصحاب الجرائم إلى اختيار القتل على ما هو دونه لتساوي الجزاء مع اختلاف درجات ما يستلزمه فيكون فيه حمل الناس على اختيار أعظم الجرائم، وأما أن لا يترتب فيسري التخفيف على سياق إلى الجنح والقبائح الصغرى فيختلّ نظام العالم لخفة الجزاء مع شدة الجرائم.
وأما أن لا يطرد القياس فيكون الجزاء مخففًا أو معظمًا على أفعال غير متناسبة فينحل الرباط النظامي كما تقدم، أو يتخلل العفو بين الجزاء والجرم فيكون أمل العفو دليلاً على الإقدام وارتكاب الإجرام، قال تعالى: " وتلك حدود الله ومن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه " فالقصاص بمراتبه فيه تأمين حياة الأمة بنسبة ما يتعلّق به وتركه ترك حياتها وقيادتها إلى مماتها.




مُسلِمة 10-09-2014 08:07 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

مازلت أتابع في صمت ما تطرحه هنا أستاذنا الكريم
فبارك الله فيك
و جعل ما تكتب في ميزان الحسنات

علي قسورة الإبراهيمي 10-09-2014 08:17 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مُسلِمة (المشاركة 1901215)
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

مازلت أتابع في صمت ما تطرحه هنا أستاذنا الكريم
فبارك الله فيك
و جعل ما تكتب في ميزان الحسنات

مسلمة / أختي الفاضلة.
وعليكم السلام رحمة الله و بركاته.
أغبط نفسي أن تتابع ما أكتب مثقة مثل الفاضلة / مسلمة.
وجعل الله تشجيعكِ ومتابعتكِ في ميزان حسناتكِ.
زادكِ الله فضلا وعلما.
تحياتي.

غايتي رضا الرحمن 10-09-2014 08:28 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
السلام عليكم
وانا مثلك استاذة مسلمة في المتابعة منذ طرح الموضوع
بوركت استاذنا الفاضل
والله استفدنا الكثير الكثير
اسال الله ان يريح قلبك بحلاوة مغفرته ، ويرزقك الجنة باذنه سبحانه ويجعل كل كلمة كتبتها لنا في ميزان حسناتك
تقبل احترامي وتقديري..

علي قسورة الإبراهيمي 10-09-2014 09:10 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 

لكل حكمٍ حكمة تعلم، فتبلغ أو تجهل فتطلب


إنّ الحكم الإلهيَّ لا يصدر عن غير حكمةٍ، وإلاّ كان عبثًا، والعبثُ لا يقتضيه ذلك الحكم فوجب أن يكونَ شاملاً لحكمةٍ، فهي إمّا معلومةٌ، وإما مجهولةٌ، فإن الأول كان الواجب بيان ذلك لقوله جل في علاه:
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"
وقوله صلى الله عليه وسلم :
" بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "
وقوله سيدي وحبيبي صلاة ربي وسلامه عليه:
"نضر الله امرأً سمع مقالتي وحفظها وأداها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها الناس"
وكما قال صلى الله عليه وسلم:
"يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة فلا يثقل أحدهما على الآخر"
وقوله صلوات ربي وسلامه عليه:
" كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابع فتهلك"
كما أنه أن نبي الإسلام قد حذّر من منع العلم والضن به على من يريد تعلّمه حيث يقول:
" من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار يوم القيامة"
كما جاء في الأثر ــ والبعض ينسبه إلى الاحاديث الشريفة:
" لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم "
أما إذا جهلت الحكمة من الحكم الإلهي فالواجب التماسها حيث توجد وتعلّمها ممن يعلمها، فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
" اطلبوا العلم ولو بالصين" وقال صلى الله عليه وسلم:
وقال: " أطلبِ العلم من المهد إلى اللحد" وقال كذلك: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" كما قال: " الحكمة ضالة المؤمن يطلبها حيث يجدها" وقال: " من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين " وقال: "إنما العلم بالتعلّمِ، والحلم بالتحلّم" .
وقد أشار الله تعالى إلى عجز البشر من جهة العلم بقوله جل في علاه:
" وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا" وهو خطاب شامل للأمةِ فإذا كان العلم الموجود في نفس الأمة كلها قليلاً كيف يكون علم واحد منها؟ فيلزم والحالة ما ذكره على عادة الحق ان يعلموا الناس ما يعلمونه، وأن يتعلّموا ما يجهلونه، وأن لا تأخذهم عزة الأنانية عن الاعتراف بالجهل في ما يجهلون، فإن ذلك خزي في الضمير، وعذاب في الوجدان، وتهمة بين يدي الحس القلبي، وفضيحة في المبدأ والمعاد، ومقتٌ من عند الله.
ولا عارٌ لمن يجهل شيئًا أن يقول لا ادري وإلاّ فارق الدين الإسلامي عن طيب خاطر فإن ذلك لا يتمّ له إلاّ إذا أدعى الإحاطة وكذب بالنص الكريم في القرآن العظيم وهو قوله سبحانه وتعالى: " وفوق كل ذي علمٍ عليم" .
وقد بشر النبي ــ صلى الله عليه وسلم أهل العمل بالعلم فقال:
" من عمل بم علم ورثه الله علم ما لم يعلم ". وأي سعدٌ ومجدٌ يناله المرء أعظم من أن يفيد غيره بما يعلم ويستفيد من غيره ما يجهل، فلا يزال مكملاً نواقص غيره، ونواقصه من كمال سواه حتى يصير كاملاً محضًا أو إنسانًا فاضلاً لا يبكته ضميره، ولا يعاتبه وجدانه فيعيش عيش الحر بين الإفادة والأستفادة.

اماني أريس 10-09-2014 09:23 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
من بين ما اعادنا الى المنتدى ...

بوركت

علي قسورة الإبراهيمي 11-09-2014 07:23 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غايتي رضا الرحمن (المشاركة 1901219)
السلام عليكم
وانا مثلك استاذة مسلمة في المتابعة منذ طرح الموضوع
بوركت استاذنا الفاضل
والله استفدنا الكثير الكثير
اسال الله ان يريح قلبك بحلاوة مغفرته ، ويرزقك الجنة باذنه سبحانه ويجعل كل كلمة كتبتها لنا في ميزان حسناتك
تقبل احترامي وتقديري..

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ومرحبًا
بأختي / غايتي رضا الرحمن
الفاضلة
إنها لنعمة كبرى أن " نجالس " بعضنا في " حلقة " من حلاقات العلم على قدر ثقافتنا.
وإنه ليطيب المقام أن يتدارس المرء مع جزائريات، هنّ أخواتنا وعقيلات آبائنا، وسليلات أجدادنا.
تعالي يا أختاه فمكانكِ عند أخيكِ محفوظ.
ولكِ بما دعوتِ ومثله، ومثله، ومثله ويزيد.
شكرًا يا بنت الكرام.
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي 11-09-2014 07:32 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اماني أريس (المشاركة 1901240)
من بين ما اعادنا الى المنتدى ...

بوركت

مرحبًا
بكِ أيتها الفاضلة.
وذلك ما ينشرح له صدري.
أنني أتدارس العلم مع بنت بجدته، التي خبرته على قاعدته ومسلّماته.
وذريني أمتثل بما قاله ابن مقلة ذلك الوزير الذي غُدر به يقول:
تحالـــف الناس والزمـــــان
حيث كــان الزمان كانــــوا
عاداني الـــدهر نصف يومٍ
فانكشف لي الناس وبانوا
يأيها المعرضـــــــــون عنّا
عودوا فقد عاد الزمــــان.

صدقيني سوف تعود الامور إلى وهجها وبريقها أكثر من ذي قبل.
سرني مروركِ يا بنت الجزائر .. ولا أزيد.
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي 11-09-2014 07:36 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 

لا حكم للعقلِ على ما ليس من خصائصه وإدراكه

العقل لا يحكم إلاّ على ما يتعلق به إدراكه، وقد علمنا أن أسباب العلم الحواس ومن على طريقة الخير ثم النظر العقلي.
والحواس لا تتعلّق إلاّ بأقسام عشرة هي:
الجوهر وهو إمّا حال أو محال أو مركب منهما.
أو مجرد وهو القسم الذي لا تدركه الحواس لأنه مجردٌ عن إمكان إدراكها له ويدرك العقل آثاره فقط.
ثم العرض الملازم أو المفارق أو الخاص أو العام والكف والكم وظروف الزمان والمكان والإضافة والملك والفعل والانفعال، والنظر العقلي يستفيد أحكامه من هذه الأسباب فيرتب المعلومات ويتّصل بها إلى مجهولات بقوة الفكر، ويحفظ الصور في الخيال من لدن الحس المشترك، ويحفظ المعاني في الحافظة من لدن الواهمة ويستحضر ما يقتضيه الحال بقوة الذاكرة الخادمة لسلطة القوة المفكرة ، فأحكام العقل لا تتعدى هذه الدرجة ؛ ولا دليل على انحصار جميع أنواع المعلومات في هذا المقدار من المدروكات بدلالة إمكان انتقاص بفقد شيء من أسباب الإدراك كالسمع أو البصر أو الذوق أو الشم أو اللمس، فإن فاقد أي حاسة من تلك الحواس تنحصر عنده المعلومات في ما هو دون المفقود.
فإذا كان الإمكان مساعدًا للنقص كان كذلك للزيادة ودليل على الحصر إلاّ في ما نعلم مما شاهدنا في عالمنا الأرضي وهو جزء من مجموعات عوالم لا تُحصى فتعرض العقل للحكم على ما هو فوق هذا الأمر الممكن الإدراك خروج عن الإمكان كطلب تحديد الروح، أو لنهاية ولا نهاية، زمعرفة ماهية الأزل والأبد، كيفية الإبداع والإيجاد والتفكير في ذات الله، أو وصفه بغير ما وصف به نفسه، أو ما يتعلق بتلك المباحث فالتحكم فيها بالغفل ووزنها بموازين العقول التي لم تخلق إلاّ لمعرفة ما هو تحت القانون الطبيعي استهداف بالنفس إلى مهاوي الضلال




علي قسورة الإبراهيمي 11-09-2014 10:32 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 


العقول لا تكفي في الهداية، ولكن تقبلها

لمّا كانت أحكامُ العقولِ غير صحيحة على وجه مطردٍ دائمًا كانتِ الثقة بها غير مطابقة للحكمةِ لما تبيّن من عدمِ العصمة في عوام البشر إلاّ عصم الله من الانبياء والمرسلين.
ولكنها ـــــ أي العقول ـــــ في جميع خطاياها وأخطائها وصوابها لا تطلب غير الحق أو الحقيقة ــــ كما يظهر لها ــــ علمًا أنها تبحث عن حقيقة الشيء، لأن ذلك إنما هو مقاصد العقول، فهي مجبولة على طلب ذلك. حتى وإن ضلت طريقة الطلب وعلّة ذلك.
أن الحق والحقيقة ملائمان لمنفعة النفس ملائمة صحيحة. فحبها لذاتها يقتضي حب ما يلائمها بالطبع والهدى، إنما يدلّ بالحق على الحقيقة في كل شيءٍ فهو من حيث دلالته عليه لا تأباه النفوس مطلقًا، ومن حيث أن دلالته على الحقيقة وهي ذات مقصود النفس فهي مطمئنة له طبعًا، وإنما الذي يردها عن الهدى هو الشبه والشكوك والظنون والأوهام الراسخة في الضمير.
فإذا أزيلت بالبلاغ المبين والحجة القاطعة وكانت لها القابلية لذلك، فحتمًا ينقطع سبل الضلال عليها، لأنها لا محالة سوف تعرف بطلان أحكام الأنفس بمقتضى أهوائها. عندها تتقبل العقول الهداية التي هي ذات برهان


علي قسورة الإبراهيمي 11-09-2014 05:33 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 


إذا ارتفعتِ النسبةُ اِرتفعتِ الأحكام.


اِتفق الفقهاء ما ذهبوا إليه أنه لابد لمشروعيّة وقوع الحكم من نسبةٍ تامةٍ بينه ــــ أي الحكم ـــــ والمحكوم به والمحكوم عليه، فإذا اِرتفعت تلك النسبة إمّا بزيادةٍ أو بنقصٍ في الكمّ أو بحالٍ من الأحوالِ في الكيفِ لم يكن مساغًا لذلك الحكم بل لابد من اِرتفاعه، وترتب غيره بما يناسب ذلك، وهذه المسلمة أو هذا الدستور يجب اعتباره سواء في المادّيات أو المعنوّيات جميعًا.
مثلاً أنّ النسبةَ شرطٌ في حكمِ الإدراكِ، فإذا وقع تفاوت خارج عن الحدِ المعتدل في الطرفين أو أحدهما اِمتنع ذلك الإدراك مع كونه حاصلاً بالفعل. مثلاً أن كلَّ متحيّزٍ شاغلٍ فراغًا حيٌّ ممكن الإدراك والإنسان كذلك والحيوانات الهوائية هي كذلك.
لكن قد يحلّ ذلك الحيوان في عينِ الإنسان فلا يرى إلاّ فضاءً عظيمًا بحيث لا يبلغ مد بصره نهاية منه فهو في عين الإنسانِ بالفعل، وهو فضاءٍ بالإدراكِ لا مناسبة بينه وكذلك الإنسان فإنه لا يراه وهو يُرى له بالفعل، وذلك لأن هنالك نسبة بين الجسم والبصر ودائرة أفقه الخصوصي، فلا يمتدّ إلى أكثر منه ولا أعظم وكذلك إذا كان المرئي صغيرًا بحيث لا يشغل من الفضاء المنظور ما يكفي لارتسامه في العدسة والأجهزة البصرية، ويمكن للمرء أن يقيس على ذلك غيره، فقد يجتمع الفيلسوف المتفنن والعالم المحقق والرجل العادي أو لنقولّ البدوي البحت الذي لا يفقه شيئًا من الفلسفة والعلم، ثم يكلم أحدهما الآخر فلا يفهم الواحد منهما من كلام صاحبه شيئًا على أن مقصد كل هو مفهوم بالضرورة لكن تباعد النسبة بين المداركين يحجب كلا منهما من العلم بما يقول الآخر.
ولهذا أتفق أهل العلم على أن الفيلسوف مثلاً لا يصلح أن يكون معلم أطفالٍ أو واعظ مسجدٍ، ولو أراد القيّام بذلك لقصّر في التأثير عما يقوم به المعلم العادي أو الواعظ العادي، وكذلك الفيلسوف الحكيم فإنه لا يحسن الخطابة إلاّ في مجمعٍ علميٍّ بخلاف من هو دونه من أصحاب الخطب الذين لم تكن مداركهم عالية عن مدارك العوام بحيث تنقطع النسبة وقس على هذا وغيره.


علي قسورة الإبراهيمي 12-09-2014 05:49 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 


الجزاء على العمد

لمّا كان الخيرُ والشرُّ مصدرهما الفعلُ وكان الخيرُ نافعًا والشرّ ضارًّا، وكان في كلِّ ضرٍّ من جهةٍ منفعٍ من جهةٍ والعكس بالعكس كذلك لابد للأعمالِ من تحديدٍ على العمال حتى يرى كل ثمرةٍ عمله ويكون مثالاً لغيره فإن كان خيرًا استفاد ثمرته وأفاد غيره استباقًا إلى مثله، وإن كان شرًّا لقي نتيجته فتأدب وأفاد غيره موعظة تكفيه عن مثله، ولما كان لابد من حفظ النسبة بين الجزاء والعمل وكانت درجات الأعمال في الخير والشر تستلزم درجات الجزاء النافع والضار وتقتضي زجر الغير عن السيئةِ وتأديب النفس بها وتستدعي مسابقة غيره إلى الخيرات والترقي فيها له.ولهذا قُررتِ الحدود بالعدالة الممكنة في العالم الإنساني ووجب أن يكونَ الجزاء على العمد لا على القصدِ
أو الفعل المجرد، إذ يقع الفعل مطابقًا لعمد الضمير مع الخيّرة أو الإكراه وقد يخالفه إما السهو أو الخطأ، والأول قد يقضي بمقتضاه للمتعمد، وعليه بخلاف الثاني لأنه غير مقدور له، غير مقترن بإرادته وخيرته المطلقة، وإنما حمله عليه الإجبار والإكراه، والثالث غير ممكن الدفع لمخالفة الفعل علم الفاعل فضلاً عن خيرته وإرادته فقد يقع الفعل وصورته أعظم أفعال الجنايات ولا يلحقه الجزاء في الخير والشر، أو تكون صورته أعظم الأفعال المبررات ولا يتعلق الجزاء الخيري متى تحقق أنه مجبر عليه أو ساهٍ أو مخطئ في فعله فترتب الجزاء على ذات العمد هو أساس العدل الحقيقي، والفعل دليلٌ عليه، ولمّا كان الأصل ثبوت إسناد الفعل إلى العمد كان صرفه عن وجهة تلك الدلالة موقوفًا على تبين المخالفةِ الواقعة بين فعل الضمير والفعل الظاهر بالقرائنِ الصادقة والدلائل الكافية.
وقد اعتنى البشر بتأسيس قواعد تكفل الجزاء على العمل قديمًا وحديثًا. وأقدم الجديد اشتغالاً بهذا المجتمعات القديمة مثل قانون إسبرطة الذي هو قبل الميلاد بأكثر من ثمانية قرونٍ.
ومع ذلك لم يزل فقهاء القانون يعدّلون قوانين الدول إلى يومِ الناسِ هذا ولم ينتهِ الخلاف في شيءٍ من مسائلها، وذلك لأن الجزاء المادي المحدود الدرجات محصور الأنواعِ على أنواع الأفعال وهو شأنٌ غير كافٍ في العدالة الحقيقية لأنّ نوع الفعل الواحد قد يقعُ على العديد من الصور وكل صورة تقتضي العديد من انواع التأثرات الذاتية في حقِّ من يتعدى عليه، وقد تتعدد البواعث على إيجاد الصورة الواحدة إلى ما لا نهاية.
فلو ذهب الحقوقيون لتعيين الجزاء الحقيقي العادل على كل صورة حسب ما يقتضيه التأثر الخصوصي أو الباعث
أن الفعل ممكن الحصر لدرجةٍ ما لكونه ماديًّا محسوسًا بخلاف العمد فإن فعل الضمائر معنوي لا يقدر إلاّ بمعرفة ماهيته الحقيقية، ولا إمكان لشرح الماهية المذكورة على اختلاف صورها الشخصية القائمة في النفوس لعدم إمكان وجود مفردات لغوية تكفي تصوريرها كلها.

... يتبع




علي قسورة الإبراهيمي 12-09-2014 08:04 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 


الجزاء على العمد" تابع"


من هذا الأساس عُلم أن الجزاءَ العادل على الأعمالِ مفقودٌ في الدنيا مطلقًا لتعذر إحصاء الأعمال والبواعث والتأثرات، وهذا هو نهاية ما يصل إليه الفكر البشري وطاقته، وهو لا يُرضي النفوس بأي وجه كان، لاسيما إذا كانت ــــ أي النفوس ــــ جاحدة للدار الآخرة والحياة الأبدية فإنّ الوجود حينئذٍ ينحصر عندها في الحياة الدنيا لا غير.
وهي لا تجد جزاءً وفاقًا لأعملها ذات الخير أو ذات الشر، والمعتدي عليه أي المظلوم لا يرضيه ما عينه القانون الوضعي من الجزاء للظالم لوحدة الجزاء مع اختلاف صور المظلمة الشخصية والبواعث والتأثرات، والظالم كذلك لا يرضى مما قضى عليه لهذه العلة عينها.
وأن الجزاء على العمدِ أو ذات الفعل واقع؛ فمن جعل العمد أصلاً والفعل دليلاً عليه أصاب جنس العدل اعتقادًا ولكن خرج عن وسعه عملاً.
ومن جعل الجزاء على ذات الفعل لا العمد أخطأ لإسقاطه ذوات أفعال الضمائر التي لا تعد ولا تحصى وعجز عن تقرير تمام الجزاء لعدم حصر ذوات صور الأفعال الشخصية وأن حصر صورها النوعية.
لا يخفى ما يكون من ذلك الاعتقاد وسوء تأثيره على الأفراد والمجتمعات التي تعرف الحق والعدل وهي جازمة باستحالةِ وجوده، وهي المجتمعات التي لم تكن متديّنة بدين حقٍّ صحيح المبادئ والنتائج.
أما الدين الصحيح العادل فقد ضمن لعموم الأفراد تمام الجزاء على الصور الشخصيةِ للأعمالِ والقصدِ خيرًا كانت أو شرًّا فإن اعتقاد العدل الإلهي وصدق الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ــــ وجزاء كل نفس بما كسبت أو اكتسبت ولو عملت مقدار ذرة خيرٍ أو شرٍّ كقوله تعالى: " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " وقوله جل في علاه: " ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره " وقوله عز وجل : " يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد . " وقوله: " لا تظلم نفس شيئًا ولا تجزون إلاّ ما كنتم تعلمون " والعديد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الواردة مؤيدةً ذلك اليقين بحصول العدل الإلهي والثواب والعقاب والخصام والجدال عن النفس والحقوق.
ثم أنّ أهمّ قواعد الدين الاعتقاد الجازم قطعًا بأنّ اللهَ عليمٌ بذات الصدورِ، محيطٌ بكلّ ما كان ويكون من الأعمال الظاهرة أو أفعال الضمائر والنيّات الخفية ودرجتها من الخير والشر وتأثيرها والقصد بحيث لا ينسى شيئًا من ذلك؛ وأنه تعالى لا يحجب علم شيءٍ عنه علم شيء.
واطمأنت الأنفس التي تلتمس العدل الصحيح بالدين الإسلامي إذ تعتقد أن الجزاء على العمد لا على مجرد الفعل، فالجزاء الواقع عليه مرتّبٌ نوعه على نوعه في كل شيءٍ.
أما أفعال الضمائر التي ترتب درجة الأثر الحقيقي في نفس العامل والمعمول معه فليست محصورة ولا ممكنة الحصر والتعريف لقصرِ اللغات عن التعبير، فالجزاء والحالة هذه إمّا دون ما يستحقه العامل مطلقًا للصورة الشخصية من نوعِ عمله والصورة الشخصية للجزاء الذي يقع عليه بأن يكون سوء قصده وعمده أشدُّ مما أمكنه إيقاعه من الفعل.
وإمّا أن يكونَ الجزاء فوق الذي تقتضيه صورة العمل الشخصية بأن يكونَ تعمد سوء القصد دون الفعل الذي وقع. وكذلك الخير فإنه إمّا أن يريد فعل الضمير فيه على العمل الظاهر، وإمّا أن ينقص عنه فيكون الجزاء الممكن كذلك.
وهنا وجه ممكن الحصول لكنه نادر الوقوع جدًّا وهو تساوي صورتي فعل الضمير والعمل الظاهر في الماهية وأثر التأثر؛ فإن كان ذلك فقد استوفى حقه وهو ربما كان واحدًا من عشرة ملايين.
وإن كان الأول أي كان فعل الضمير أشدّ من فعل الظاهر أمن المظلوم على إتمام ما يستحق ظالمه من الجزاء في الدار الأخرى لاستحالة حصول ذلك بتمامه في عالم الدنيا وترقب الظالم العذاب الأخروي من قبل الله المطلع على أفعال ضميره فيضطر إلى الندم والكفّ عن تكثير وكثرة الذنوب، أو إلى طلب السماح والعفو من مظلومه عنه قبل حلول العذاب الإلهي المنتظر له، ويلتمس أفعال الخيرات عسى تغنيه عند الخصام إذا امتنع المظلوم من العفو، وإن الجزاء أشدّ مما كان يستحق الظالم حسب أفعال ضميره فإنه لا ييأس من إعادة حقه له ومكافأته على ما لقي مما لم يستحق ويكون له الأمل المسلّي على ما أصيب به، كالذي لا يستطيع تبرئة لنفسه أو يكون ضميره قليل الشر فزاد العمل كقصد زيد فقتله وما أشبه ذلك.
فإذا لم يكن له إيمانٌ بالدين واليوم الآخر والعرض كانت الحسرة عليه أشدّ حسرات العالم بخلاف المؤمن المسلم المحتسب فإنه ربما سره ذلك لنوال القربى في الدار الآخرة عند الله ، وأمّا إذا كان العمل خيريًّا دون حسب صورته الشخصية فإنه يحتسبه، وإن كان فوق ذلك عانده ضميره في قبوله خيفة العالم الرقيب وكل هذه محروم منها الأمم التي لم تتدين بدينٍ صحيح المبادئ ولم تستفد أحكامها من الشرعِ الإلهي فلهذا يكون الخلف والتضاد العظيم بين حالتيهما الإجتماعية.

... يتبع


علي قسورة الإبراهيمي 13-09-2014 12:31 AM

رد: مبادئ أصول الدين
 

الجزاء على العمد" تابع"2


أمّا منكرو الأديانِ القانعون بالوجودِ المادي المحدود الطرفين بالعدم المطلق فأولئك همُ الخاسرون نعمة الحياة من كل الوجوهِ لأنّ القانون الوضعي على ما به من دوام قبول النقض لا يقضي بالجزاء على عمل من الأعمال مطلقًا إلاّ بعد ثبوته، فهو عديم السلطة على من لم يثبت عليه أو منه فعل شيءٍ خيريًّا كان أو شريًّا، وليس له على الضمائر والأمور المستترة من قوةٍ أو سلطة، فهو مفقود الحكم على من لم يثبت عليه العمل، وهذا أساس عظيم يدعو إلى التوسع في الكذب، والغش، والتزوير، والخيانة، وارتكاب جميع القبائح، واختيار الفضائح، وإتقان صنعة الدسائس العظيمة للتسلط على الأنفس والأموال، والأعراض، واتخاذ الاحتياط الضروري لعدم الوقوع في يد القانون يثبوت الجناية، أو الجنحة .. إلخ.
إن ذات القانون الوضعي سريع التبدل فليس ثمة له تسلط على الملكات الراسخة في النفوس وهو بالطبع موضوع للحيلولة بين الظالمين والمظلومين، فهو يصد منافع الفريق الأول فهو مبغوض عنده، وبالطبع إن أغلب الظالمين هم الأقوياء والمظلومين همُ الضعفاء. فالقوة والحالة هذه هي ضد القانون فلا يقوم إلاّ بتعضيد القوة القاهرة من الجند والبوليس والمأمورين بإجماعهم ولكن ذلك كله لا يرد الجاني ولا يخفيه ما دام مقتدرًا على كتمان أعماله ولهذا لا يقوى المجتمع الذي لم يكن ذا دينٍ مشروع إلهي على حفظ مركزه مدة من الزمان.
أما معشر مجتمع المسلمين بحق فليسوا على شيءٍ من ذلك، لأنّ الشرع الإلهي لم يقف عند الحكم بالثبوت فقط لأن ذلك استهداف بالمجتمع إلى المخاطر العظيمة بل قضى على الأفراد بوجوب مكارم الأخلاق، وحسن النية، وسلامة القصد، وتجنب المكاره، وإبان كلما يجب إتباعه وتركه ورتب لكل عملٍ جزاءً وفقًا وقرر أنّ الله يطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاعتقد المعتقد أن الله لا تخفي عليه خافية، فهو ــــ أي الفرد ـــــ لا يخاف القاضي أو الحكام والمأمورين أكثر من خوفه من الله، ولو كان في فلاة من الأرض فإن علمه بأن اللهَ رقيبٌ عليه، قريبٌ منه يحصى عليه كلما عمل من خيرٍ أو شرٍّ فلا يفتقر الشرع الإسلامي المحمدي إلى ما يعضده من القوة إلاّ عند بعض الجهلة أو ضعيفي العقيدة، ثم أن الشرع الإلهي مقدسٌ عند القوي والضعيف فلا يخشى الضعيف التمسك به على أن يجور عليه، ولا يطمع القوي أن يبدل الشرع حكمه برعاية له،فيأمن الضعيف ويكف القوي ليأس الطرفين من إمكان تبديله.
ولما كانت أعظم الجنايات لا تقع إلاّ خفية كانت الهيئة الإحتماعية في ديار الإسلام آمنة من أعظم المخاطر وبهذه العدالة لا يبقى محل للاحتيال على التخلص من الحكم الشرعي لاعتقاد الظالم أنّ ذلك الاحتيال لا يفيده إلاّ تأجيل الجزاء بأضعافٍ ما كان يُجزى به في الدار العاجلة.
نعم قد يوجد مسائل يسمونها حيلاً شرعيةً ويقضي بها بعضهم ولكن ذلك خارجٌ عن الدين الإسلامي دخيلٌ على قواعده بسوء الاستعمال فلا حجة بها ولا بالذي قد تعودها،فإن الله لا يقبل إلاّ الدين الخالص كما قال جل في علاه: " ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار "
كما أن الله قد حذّر من يتعدى حدوده فقال سبحانه وتعالى:
"ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه "
ووعد الذين يكذبون على الله في كتابه بالويل فقال اصدق من قائل:
" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون".


اماني أريس 13-09-2014 05:41 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي قسورة الإبراهيمي (المشاركة 1901281)

لا حكم للعقلِ على ما ليس من خصائصه وإدراكه

العقل لا يحكم إلاّ على ما يتعلق به إدراكه، وقد علمنا أن أسباب العلم الحواس ومن على طريقة الخير ثم النظر العقلي.
والحواس لا تتعلّق إلاّ بأقسام عشرة هي:
الجوهر وهو إمّا حال أو محال أو مركب منهما.
أو مجرد وهو القسم الذي لا تدركه الحواس لأنه مجردٌ عن إمكان إدراكها له ويدرك العقل آثاره فقط.
ثم العرض الملازم أو المفارق أو الخاص أو العام والكف والكم وظروف الزمان والمكان والإضافة والملك والفعل والانفعال، والنظر العقلي يستفيد أحكامه من هذه الأسباب فيرتب المعلومات ويتّصل بها إلى مجهولات بقوة الفكر، ويحفظ الصور في الخيال من لدن الحس المشترك، ويحفظ المعاني في الحافظة من لدن الواهمة ويستحضر ما يقتضيه الحال بقوة الذاكرة الخادمة لسلطة القوة المفكرة ، فأحكام العقل لا تتعدى هذه الدرجة ؛ ولا دليل على انحصار جميع أنواع المعلومات في هذا المقدار من المدروكات بدلالة إمكان انتقاص بفقد شيء من أسباب الإدراك كالسمع أو البصر أو الذوق أو الشم أو اللمس، فإن فاقد أي حاسة من تلك الحواس تنحصر عنده المعلومات في ما هو دون المفقود.
فإذا كان الإمكان مساعدًا للنقص كان كذلك للزيادة ودليل على الحصر إلاّ في ما نعلم مما شاهدنا في عالمنا الأرضي وهو جزء من مجموعات عوالم لا تُحصى فتعرض العقل للحكم على ما هو فوق هذا الأمر الممكن الإدراك خروج عن الإمكان كطلب تحديد الروح، أو لنهاية ولا نهاية، زمعرفة ماهية الأزل والأبد، كيفية الإبداع والإيجاد والتفكير في ذات الله، أو وصفه بغير ما وصف به نفسه، أو ما يتعلق بتلك المباحث فالتحكم فيها بالغفل ووزنها بموازين العقول التي لم تخلق إلاّ لمعرفة ما هو تحت القانون الطبيعي استهداف بالنفس إلى مهاوي الضلال




السلام عليكم : اجدد ولائي الحضوري لهذا المتصفح لما فيه من افكار عميقة قيمة
استوقفني الكلام الملون اعلاه في الحقيقة هي مسألة كثيرة التردد على البال خاصة اذا ما تعلق الامر بكبح العقل عن التفكير في الميتافيزيقيا وبالضبط في الذات الالهية والمثال الاكثر ترددا دائما يحصر في الحديث عن تفاسير الايات القرانية المتعقلة بصفات الله واسمائه وكيف تؤدي بعقل الانسان تلقائيا الى التجسيم :
اليك هذه المقولة وحاول وانت الاكثر فهما واطلاعا مني ان تقومني ان انا اخطأت
الصفة معلومة والكيف مجهول والإيمان بها واجب والسؤال عنها بدعة !
لنطبق عليها ما يلي : الاستواء معلوم يجب نؤمن به وبما يترب عليه اتدري ؟ هذا من شروط الايمان بالاسماء والصفات ثلاثة في الاسماء واثنان في الصفات بمعنى الصفة وما يترتب عليها اذن وكيفية الاستواء مجهولة !!! والسؤال عنها بدعة
طيب انا لا أسأل عن كيفيتها لكن اليس تبارك وتعالى ليس كمثله شيء وانا هذا عقلي لا استطيع كبحه عندما يقال لي يد الله ليست كيد البشر استطيع صرف عقلي عن تخيلها لكن عندما يقال لي الاستواء معناه الجلوس على العرش او بهذا المعنى ثم يقال لي كيفيته مجهولة كيف يمكنني صرف عقلي عن تجسيم الذات الالهية ؟

اعتذر خرجت كثيرا عن الموضوع لكنني اتعرض كثيرا للتفكير في مثل هذه الامور واجدني اسوخ فيها بشكل تلقائي .

علي قسورة الإبراهيمي 13-09-2014 06:21 PM

رد: مبادئ أصول الدين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اماني أريس (المشاركة 1902137)
السلام عليكم : اجدد ولائي الحضوري لهذا المتصفح لما فيه من افكار عميقة قيمة
استوقفني الكلام الملون اعلاه في الحقيقة هي مسألة كثيرة التردد على البال خاصة اذا ما تعلق الامر بكبح العقل عن التفكير في الميتافيزيقيا وبالضبط في الذات الالهية والمثال الاكثر ترددا دائما يحصر في الحديث عن تفاسير الايات القرانية المتعقلة بصفات الله واسمائه وكيف تؤدي بعقل الانسان تلقائيا الى التجسيم :
اليك هذه المقولة وحاول وانت الاكثر فهما واطلاعا مني ان تقومني ان انا اخطأت
الصفة معلومة والكيف مجهول والإيمان بها واجب والسؤال عنها بدعة !
لنطبق عليها ما يلي : الاستواء معلوم يجب نؤمن به وبما يترب عليه اتدري ؟ هذا من شروط الايمان بالاسماء والصفات ثلاثة في الاسماء واثنان في الصفات بمعنى الصفة وما يترتب عليها اذن وكيفية الاستواء مجهولة !!! والسؤال عنها بدعة
طيب انا لا أسأل عن كيفيتها لكن اليس تبارك وتعالى ليس كمثله شيء وانا هذا عقلي لا استطيع كبحه عندما يقال لي يد الله ليست كيد البشر استطيع صرف عقلي عن تخيلها لكن عندما يقال لي الاستواء معناه الجلوس على العرش او بهذا المعنى ثم يقال لي كيفيته مجهولة كيف يمكنني صرف عقلي عن تجسيم الذات الالهية ؟

اعتذر خرجت كثيرا عن الموضوع لكنني اتعرض كثيرا للتفكير في مثل هذه الامور واجدني اسوخ فيها بشكل تلقائي .

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بالفاضلة / أماني
صدقيني
يا فاضلة
إن ما تتحدثين عنه هو مبرجٌ في الموضوع وله مداخلة بعينها.
فليت الفاضلة تنتظر لحين ميسرة من الوقت.
فقد يأتي الكلام في ذلك بإسهابٍ.
يا أماني أريس يا فاضلة
يعلم الله أنني احسدكِ على ثقافتكِ العالية.
كما اغبطكِ على رجاحة عقلكِ لاستنباطك لبعض القضايا التي تكون بين طيات المواضيع.
سرني مروركِ وجميل تعليقكِ يا بنت الاصول.
زادكِ الله من لدنه نعيمًا.
تحياتي


الساعة الآن 07:38 AM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى