منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   منتدى النقاش العلمي والفكري (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=150)
-   -   أقواس أمين الزاوي... (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=78230)

أرسطو طاليس 08-04-2009 06:21 PM

أقواس أمين الزاوي...
 
"الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر"
مالك ‬بن ‬نبي ‬بدون ‬سلالة ‬ثقافية:‬

‬المثقف ‬الجزائري ‬بين ‬السلوك ‬الرعوي ‬والجبن ‬والفردية

2009.04.01
بقلم: الدكتور أمين الزاوي / [email protected]


وأنا أعيد قراءة رواية مالك بن نبي (1905 - 1973) "لبيك" المكتوبة بالفرنسية كبقية مؤلفاته الأخرى والمنشورة سنة 1947 تساءلت لماذا الرواية جنس أدبي مغر ومورط؟ فلا أحد من كبار المثقفين والمفكرين استطاع أن ينفذ من شركها، من مالك بن نبي مرورا بعبد الله العروي وهشام شرابي وعبد الكبير الخطيبي وإدوارد سعيد، وقبلهم طه حسين والعقاد وغيرهم، وكأن الكتابة النقدية العقلانية الباردة قاصرة على إيفاء المعنى حقه وإرواء العطش..

(الحلقة الـ: 5 من "الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر)

عطش القارئ والكاتب في الوقت نفسه. إعادة قراءة هذه الرواية التي لا يعرف عنها كثير شيء من قبل القراء أو المتخصصين في مالك بن نبي وهم كثر، ولست واحدا منهم، هو أمر جرني إلى طرح إشكالية أخرى خاصة بالمثقفين وبالفضاءات الثقافية وبعطب تأسيس الرمزية الثقافية في بلادنا.

وأنا أعيد قراءتها استعدت قليلا من شخصية هذا المثقف الذي وإن كان لنا اعتراض على بعض أفكاره السياسية فإن المثقف والأديب في مالك بن نبي يفرض عليك احتراما كبيرا.

ما هو نموذجي واستثنائي في شخصية مالك بن نبي ليست أفكاره فقط إنما سلوكاته ومسلكيته وطريقة تعامله مع الحياة ومع الفكر ومع الثقافة والمثقفين. حين شعر مالك بن نبي بالحصار والاختناق من محيط لم يكن يقاسمه همومه الفكرية والحضارية انسحب وتقاعد وأعطى نفسه ووقته للعمل الفكري.

عاد مالك بن نبي إلى بيته وفتح ندوته الأسبوعية للأدباء والمثقفين والسياسيين والطلبة. وعلينا أن نتصور مقدار شجاعة هذا المثقف وفي تلك الظروف السياسية الواحدية، وهو يجعل من بيته ومن أسرته امتدادا طبيعيا للمجتمع الثقافي وللعمل الجماعي. بذلك كانت حياته الأسرية وحياته الثقافية الفكرية متواصلتين ومتكاملتين. لم يكن فيه نفاق المثقف الذي يكون ثوريا في الشارع ويخلع نعلي الثورية بمجرد تجاوز عتبة البيت نحو الداخل.

كان مالك بن نبي وهو ينظم ندوته في بيته يناقش فيها أمور الحضارة واللغة والدين واللائكية و التاريخ والعلم والوقت والديمقراطية والثقافة والعولمة والتخلف والاستعمار والعدالة والكرامة والإنسان والموت والحياة والأسرة وإلخ... كانت هذه الندوة تقام في بيته مرتين في الأسبوع، مرة باللغة الفرنسية حيث يلتقي المثقفون ورجالات الفكر والساسة لمناقشة أمور لها علاقة بالتاريخ أو السياسة أو الفلسفة أو الدين، وفيها يكون الحديث والحوار باللغة الفرنسية، ومرة ثانية تقام باللغة العربية إذ يجيئها المعربون لتدارس ومناقشة ذات القضايا وبنفس العمق والهم والاهتمام.

ماذا يمكن أن نتعلم من هذا السلوك، وكيف يمكن قراءة ما كان يقوم به مالك بن نبي في الستينيات؟

إن مثل هذه الندوة لها دلالات عدة:

استعمال اللغتين: إن استعمال اللغتين (العربية والفرنسية) مع تناول المواضيع نفسها وبذات المقاربات وفي المكان نفسه ومع المنشط نفسه مع اختلاف الحاضرين يسعى إلى خلق مجتمع ثقافي وفكري متوازن لا يفضل فيه مثقف يستعمل لغة على مثقف آخر يستعمل لغة أخرى. وكأن الندوة كانت تريد أن تقول لنا ليس هناك مثقف من الدرجة الأولى (حال المثقف بالفرنسية) ومثقف ينتمي إلى (بيرو عرب) (من الدرجة الثانية حال المثقف بالعربية). كما أن الندوة كانت تريد أن تقول إن ليس هناك فضل للغة على أخرى فجميع اللغات قادرة على أن تكون حاملة للعلم والإبداع والحوار الفكري العالي. كما أن الندوة تريد أن تقول إنه على المثقف الحقيقي أن يتعلم لغة تستعمل في بلده، لأن ذلك هو الذي يجعل هذا المثقف قادرا على التواصل الحقيقي غير الكاذب والباهت مع الانتلجاسيا الوطنية والعامة من الشعب على السواء. لنعرف أن مالك بن نبي كان ينظم هذه الندوة على يومين وبلغتين وهو المثقف المفرنس الذي لم يستسلم لعجزه اللغوي.

كانت ندوات مالك بن نبي أيضا صورة للقاء وتلاقي المثقفين الجزائريين باللغتين العربية والفرنسية، وأعتقد أن هذه المسألة لا تزال قائمة حتى الآن. إن مجتمعا ثقافيا مزدوج الواقع اللغوي، وهذه حقيقة لا بد من إقرارها والتسليم بها، مجتمع كهذا علينا أن نبحث بقدر الإمكان على ممرات الحوار المشترك والنقاش المباشر وإلا سقطنا في مرض ثقافي لغوي يتشكل من ورائه مجتمعان متمايزان وغير متعارفين، وسلفا على خصومة وعداء من باب الجهل والتجاهل، مجتمع فرنكفوني ومجتمع عربوفوني. لذا فإن المجتمع الثقافي الجزائري اليوم يحتاج إلى منشطين ثقافيين من قامة مالك بن نبي سلوكا (بغض النظر عن أفكاره) كي يجمع الجميع في نقاش جديد لجزائر جديدة ومتطلعة إلى الأمام.
لعل أخطر ما نعيشه اليوم في الجزائر الثقافية هو غياب جسور الحوار بين المبدعين مع صعود جيل جديد من الكتاب بالعربية وجيل يفاجئنا باللغة الفرنسية متميز وجاد في كل مرة نعتقد فيها بأن الكتابة الإبداعية باللغة الفرنسية قد انتهت وأنها مسألة أجيال، وأن موت الكتابة باللغة الفرنسية في الجزائر قضية قائمة ولا مرد لها. أمام هذا الصعود في المجالين الثقافيين والإبداعيين باللغتين العربية والفرنسية وتنوع وغنى كل فصيل، نحتاج إلى جسر بين الضفتين حتى لا تتسع الهوة، وهي في طور التوسع، لتصبح ذات صباح بحورا مليئة بالحيتان والأمواج العاتية المغرقة. إن ما نلاحظه اليوم على مستوى بعض ما يقدم في الإعلام الجزائري من حصص تلفزيونية في الثقافة والأدب والفنون يعطي صورة عن هذه الجزائر الثقافية المكونة من شعبين، شعب بمرجعيات غربية وبسلوكات معينة وبإرادة حازمة وحاسمة، وشعب آخر بمثقف معرب بئيس ومنكسر ومكسور وذليل وبمرجعيات تنم عن هزيمة وانهزامية. ولأقرب الحديث أكثر لنلاحظ مستوى النقاشات التي تقع في بلادنا، خاصة في وسائل الإعلام العمومية، بين حلقات نقاش بالعربية وتلك التي تجري باللغة الفرنسية ندرك البون والفرق الشاسعين بين الحلقتين وبين المقاربتين، ومادة بناء الملاحظة ترتكز على ما يقدم، مثلا، في بعض الحصص الثقافية أو الأدبية في شاشتنا العمومية بين ما يقدم في القناة بالعربية والقناة بالفرنسية، تقف أنت المتمعن في الظاهرة وكأنك في بلد بشعبين متباعدين في الحضارة وفي السلوك، شعبين لا يجمع بينهما سوى صوت رفع الآذان إذا ما حصل وجاء موعده في هذه الحصة أو تلك. تشعر وأنت تتابع وكأن بلادنا الثقافية تعيش زمنين حضاريين لا تفصل بينهما اللغة المختلفة وفقط بل يفصل بينهما الفارق الحضاري الشاسع والذي يقاس بالقرون.
لننتبه جيدا إلى هذا الواقع الثقافي الذي يواصل شرذمة وتقسيم المثقفين ويجعلهم في كانتونات ثقافية ولغوية مريضة ستجر، مستقبلا، كثيرا من التعب والتراجع على الأمة بأسرها.
وأنا أعيد قراءة رواية "مالك بن نبي" وأستعيد ندواته التي نقلها معه حين رحل إلى دمشق بحيث لم ينقطع عنها بل واصلها هناك بين مثقفي الشام الذين لا يزالون يكنون له الاحترام الثقافي والفكري الكبير، لست أدري لماذا تذكرت كيف أن المثقفين في سوريا لم يتنازلوا في ظروف كانت صعبة سياسيا مع نظام أحادي قمعي، لم يتنازلوا عن حقهم في فضاءاتهم التي تمثل جزءا من ذاكرتهم. الذين قرأوا أو عرفوا قليلا أو كثيرا تاريخ الفضاءات الثقافية في العالم العربي وخاصة في بلاد الشام يدركون أهمية "مقهى الروضة" و"مقهى الهافانا" بالنسبة للمثقفين السوريين و للدمشقيين على وجه الخصوص، وما يمثله هذان المقهيان من رمزية لدى المثقفين في دمشق وسائر بلاد الشام. والحكاية أن أحد التجار اشترى من "ماله الخاص" مقهى الهافانا وحول نشاطه من مقهى المثقفين إلى محل لبيع الملابس. وهذا من الناحية التجارية أربح وأكثر مردودية مقارنة مع مقهى ثقافي بزبائن نصفهم لا يملك ما يدفعه ليعيش إلى نهاية الشهر. ولكن المثقفين آنذاك وقفوا وقفة واحدة صلبة ضد الإساءة إلى فضاء رمزي كان يجلس فيه المبدعون والمفكرون والسياسيون من أمثال: زكي الأرسوزي ونزار قباني وحيدر حيدر وممدوح عدوان وبدوي الجبل والجواهري وسليمان العيسى وعلي الجندي وأحمد الجندي وهاني الراهب و... لم يتنازلوا عن حقهم في مكان كان لهم، فيه يتناقشون ويتخاصمون ويتمادحون ويتذامون وتلك خاصية الأدباء والمثقفين، ولم يقبلوا أن يصادر المال منهم مقهاهم ولو كان ذلك خاصا ونظاميا من الناحية القانونية، فاجتمع المثقفون وأرسلوا خطابا إلى رئيس الجمهورية آنذاك. وقامت حركة ثقافية وحوارات جادة عن مفهوم الحرية والمال والثقافة والمثقف، حوارات كان سببها الظاهر المقهى ولكنه في عمقه كان دفاعا عن الرمز والرمزي. إذ لا توجد ثقافة دون صناعة الرمز. ولعل ما يخيف الأنظمة الاستبدادية هو ظهور رمز في السياسة أو الثقافة أو الفكر. وبعد نقاش حاد وطويل كان دون شك مثمرا للثقافة والفكر وللمثقفين والمبدعين تم التراجع عن بيع المقهى وعاود الفضاء نشاطه الأصلي. وبذلك استعاد مقهى الهافانا رائحة القهوة بالهيل والشاي الممزوج بحرارة النقاشات واستعاد المثقف والمبدع حقه في فضاء رمزي في مدينته.
وأما عندنا فقد كان فضاء مقهى "اللوتس" رمزا من رموز فضاءات الثقافة ومكانا يحمل كثيرا من تاريخ المثقفين في الجزائر العاصمة والمثقفين القادمين إليها سواء من المدن الداخلية أو القادمين من البلدان العربية والأجنبية. وكما حصل لمقهى "الهافانا" بدمشق حصل لمقهى اللوتس بالجزائر العاصمة، ولكن ما حصل في سوريا من دفاع المثقفين عن ذاكرتهم وأماكنهم الرمزية لم يحصل في بلادنا، وإذا كانت الهافانا قد عادت إلى المثقفين فإن اللوتس حتى اليوم لا تزال تبيع الألبسة وقد فقدت ألقها، وفي فقدانها فقدنا جزءا كبيرا من ذاكرة الثقافة الجزائرية. هذا المثل يؤكد لنا بأن القوة ليست هي المال ولا فيه حين تكون هناك انتلجانسيا قادرة ومتفهمة وناقدة، ويعلمنا أيضا بأنه وبقدر ما يكون للمثقف حضور في الفضاءات العامة وبسلوك فاعل فإن استعمال المال يكون خاضعا للحضارة ويساهم في بنائها. البلد الذي فيه وجود حقيقي وفاعل للمثقف فيه وجود حقيقي للمثقف يأخذ المال فيه تجليات تخضع للذوق للثقافي.
وأعود إلى مالك بن نبي وإلى ندوته التي كان يقيمها في بيته لأتساءل:
من هو المثقف اليوم في بلادنا الذي يستطيع أن يفتح صالونا أدبيا في بيته كما فعل ذلك مالك بن نبي قبل أربعين سنة؟ من يتجرأ من مثقفينا الذين يدعون أن لهم كسرا في الثقافة والإبداع ولهم المال ولهم بيوت وفيلات واسعة فيحول ركنا منها إلى ندوة مفتوحة للنقاش الحر؟ لا أعتقد أن المشكل يكمن في الجانب المادي لكن العطب كامن في ذهنية المثقف نفسه وفي شكه في سلطته وفي قوته. فالمثقف الجزائري غير قادر على ذلك لشيئين اثنين يتمثل أولهما في كونه ما زال لم يفهم بعد معنى الرمزية، رمزية الفرد المبدع، ودوره في تاريخ الرأسمال المثقفي، أما ثانيهما فيتمثل، وهذا هو الأدهى، في كون المثقف الجزائري لم يتخلص بعد من التفكير الرعوي بحيث أنه يعيش زمنا جديدا بعقلية قروسطية.

أرسطو طاليس 09-04-2009 04:12 PM

رد: أمين الزاوي: المثقف ‬الجزائري ‬بين ‬السلوك ‬الرعوي ‬والجبن ‬والفردية
 
"الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر":

متى يموت الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية؟


2009.04.09

http://www.echoroukonline.com/ara/th...che_orange.gif بقلم الدكتور أمين الزاوي

هذا الذي أطرحه ليس بالموضوع المستهلك، هي ظاهرة تتبدى، ومنذ نصف قرن، في مجتمعنا الثقافي والأدبي والسياسي والتربوي وبتجليات وصيغ جديدة ومستمرة ومتواترة.
هذا الموضوع أريد أن أطرحه وأنا أدرك أنه سيثير، دون شك، جملة من النقاشات بين نخبنا الثقافية والتي أتمنى أن نفيد منها جميعا في صالح تطوير الحوارات الثقافية حتى لا تكون المقالات طرشاء والكتابة "حبر على ورق".
هناك واقع بين وواضح يجب الإقرار به، هو واقع اللغات في الجزائر، لغات الاستعمال والإبداع، واقع استثنائي يختلف عما هو عليه الحال في الدول العربية الأخرى. جيل جامعي جديد يتخرج بالعربية ويتكلم بالفرنسية، يتخرج من الجامعات بالعربية ويشتغل بالفرنسية. جيل ربما لم تسمح له الظروف بالسفر خارج قريته أو مدينته ولو لمرة واحدة في العمر ولكنه يتعامل بالفرنسية.

المستوى الأدبي:

حين أطلق الروائي والشاعر مالك حداد (1927 ـ 1978) عبارته الشهيرة والتي قال فيها إن اللغة الفرنسية هي منفاي ثم قال فيما بعد، غداة الاستقلال، مع استرجاع الجزائر لاستقلالها واسترجاعها لهويتها الثقافية: لم يعد هناك داع للكتابة باللغة الفرنسية، ثم صمت عن الكتابة وقاطعها. ثم توالت تصريحات وأحكام كثير من النقاد الجزائريين من الجيل الجامعي الأول (الدكتور عبد الملك مرتاض والدكتور عبد الله الركيبي وغيرهما) والذين أعلنوا فيها وبصيغ مختلفة وإيمانية متفاوتة بأن الموت هو مآل الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية. ولكن ما الحال وقد مضى على هذا القول والتخمينات الثقافية قرابة النصف قرن؟ هل تحققت بالفعل نبوءة هؤلاء النقاد من أساتذتنا الذين نكن لهم احتراما كبيرا؟
إن واقع الآداب الجزائرية باللغة الفرنسية لا يزال مستمرا بل وبوتيرة أقوى مما كان عليه في الستينات. لا يزال مستمرا وبنصوص أكثر قوة من نصوص الجيل التأسيسي أو الجيل الذي تلاه. دخلت الجزائر استقلالها بمجموعة من الكتاب بالفرنسية من العيار الثقيل في المواقف السياسية الوطنية وفي التجريب الجمالي والذين يمكن تسميتهم بالجيل الأول كان هذا الجيل منخرطا في الثورة التحريرية وكان يمثل بالفعل صوتها الأدبي الحقيقي والصادق الذي أوصل صورتها إلى العالم حتى أن أحد الكولونياليين الباريسيين علق على نجاح أدب محمد ديب بأن قال متذمرا من شهرته إنهم يلاحقوننا برواياتهم وكتبهم حتى في غرف نومنا في باريس. وقد قيل غداة الاستقلال قيل إن هذا جيل تربى داخل ظروف ثقافية ولغوية استعمارية، وبالتالي فإن كتاباته بهذه اللغة مبررة، وفي الوقت نفسه قيل أيضا بأن هذا آخر جيل يكتب بهذه اللغة.
إلا أن ظهور رواية "التطليق" سنة 69 لرشيد بوجدرة والتي أثارت نقاشا ونجاحا كبيرين في أوروبا وفي الجزائر جعل الرأي الأدبي يستشعر ولادة جيل آخر، سمي بجيل ما بعد العمداء (كاتب ياسين ومحمد ديب ومعمري وفرعون ومراد بوربون) وبمجرد تربع رشيد بوجدرة على قمة الجيل الثاني من الكتاب الجزائريين باللغة الفرنسية لم يطل الزمن حتى قيل هذا آخر جيل سيكتب بالفرنسية خاصة وأن المدرسة الجزائرية تخوض معركة التعريب والتدريس بالعربية يزحف على كل التخصصات في العلوم الإنسانية والاجتماعية وهي مفرخة الأدباء، ومرة أخرى وبعد خفوت موجة جيل "التطليق" الذي مثله بجدارة رشيد بوجدرة، فاجأنا روائي آخر بنص مدهش وبتجربة متميزة وهو رشيد ميموني (1945 ـ 1995) حيث أنه وبصدور "النهر المحول" سنة 1982 أعلن عن ميلاد جيل أدبي جديد بالفرنسية.
وقد بدت فكرة موت الأدب الجزائري بالفرنسية تهتز وتتحول إلى مجرد وهم لغوي من قبل المتحمسين إلى العربية وإلى التعريب، مثل رشيد ميموني والذي بدأ الكتابة الإبداعية متأخرا حيرة المتتبعين للشأن الأدبي الجزائري خاصة وأن الكاتب يعيش في الجزائر ومن نتاج المدرسة الجزائرية إن كليا أو جزئيا. أحدثت روايات رشيد ميموني "النهر المحول" و"طمبيزا" و"حزام الغولة" و"شرف القبيلة" ثم "اللعنة" أحدثت زلزالا كبيرا في النقاش الأدبي والأيديولوجي والسياسي وما أن علت هذه النقاشات في الجامعات الجزائرية وفي الإعلام الثقافي والأدبي حتى ظهر كاتب روائي آخر وهو من الجيل الجديد وأعني به الطاهر جاووت (1954 ـ 1993) الذي فاجأ الجميع بروايته "الباحثون عن العظام" ثم "اختراع الصحراء" وكان الطاهر جاووت بهذا النصوص الناجحة يعلن عن موت فكرة "موت الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية"، وهي الفكرة التي كان الحقل الثقافي والأدبي والأيديولوجي يسحبها معه منذ سنة 62 وحتى منتصف الثمانينات.
لقد بدأ الحقل اللغوي الإبداعي يدفن شيئا فشيئا فكرة نهاية الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية مع صعود ظاهرة الروائي ياسمينة خضرا (محمد مول سهول) وهو الذي تربى في المؤسسة العسكرية الجزائرية، إذ لا غبار عليه من حيث الموقف السياسي أو التربية الوطنية، وذلك بنشره مجموعة من الروايات التي أدهشت القارئ في المعمورة قاطبة وترجمت إلى لغات كثيرة، وهو ما سجل عودة قوية للأدب الجزائري على الساحة الوطنية والعالمية.
وتتعدد الأسماء الجديدة وتتلاحق في تجريب أدبي متنوع من رواية وشعر وقصة وتظهر أسماء كثيرة من أمثال سفيان حجاج وسليم باشي ووجودت قسومة وجمال معطي ونصيرة بلولة وغيرهم وتحتفل دور نشر جزائرية بهذه الأسماء وغيرها بعيدا عن دور النشر الباريسية، ونتساءل عن فكرة "موت الأدب المكتوب بالفرنسية"؟

تعيش الجزائر واقعا ثقافيا وأدبيا ولغويا استثنائيا وخاصا، ففي الوقت الذي تتقدم فيه الجزائر في التعليم بمليون طالب وتتخرج الآلاف المؤلفة من الجامعات بشهادات بالعربية في شتى التخصصات، وفي الوقت الذي يشتكي فيه الجميع من ضعف المستوى الجامعي في أقسام اللغة العربية واللغة الفرنسية (يعرف الأدب الجزائري باللغة العربية هو الآخر وجوها وأجيالا متعاقبة ومتميزة من عبد الحميد بن هدوقة مرورا بأحلام مستغانمي ومرزاق بقطاش إلى بشير مفتي وعبد الوهاب بن منصور، ليس المجال هنا للحديث عنها) وتدخل الجزائر في دوامة من العنف ونعتقد أن التيار الغالب فيها هو الصوت المعرب مهما كانت صبغته السياسية ولكن المفاجأة الأكثر عمقا هو ظهور جيل آخر يكتب بالفرنسية بعد الطاهر جاووت وهو جيل أدبي تكون أصلا في الجامعة الجزائرية وبالعربية ولكنه اختار الكتابة باللغة الفرنسية.
دهشت حين قدمت لي روائية شابة روايتها باللغة الفرنسية وهي لا تتجاوز عمر السابعة عشر سنة، صادفتها في معرض الكتاب الدولي الأخير بالجزائر وهي تقدم روايتها في أحد الأجنحة. تساءلت كم كان يا ترى عمر هذه الكاتبة الشابة حين اغتيل الطاهر جاووت؟ ربما لم تكن قد ولدت بعد. كيف يمكن تفسير وقراءة ظاهرة هذه الروائية التي تكتب بلغة هي ليست لغة المدرسة التي تعلمت ولا تزال تتعلم فيها ولم تسافر إلى الخارج ولم تعرف من البلدان إلا الجزائر؟ إن الأمر لمحير حقا وأن هناك خللا ما داخل الحقل الثقافي والتعليمي الجزائري.
كان البعض، وإلى وقت قريب، يقول إن الاحتفال بهذا الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية لا يوجد إلا في باريس فهي تحتفل بطابورها الرابع ولكن اليوم هناك احتفال واضح بهذا الأدب من القارئ الجزائري الذي لا علاقة له بفرنسا، ولم تعد المشكلات ولا الموضوعات المطروحة في هذا الأدب سياسية بل أضحت اجتماعية ونفسية لا تختلف عما يطرح في بعض النصوص الجزائرية المكتوبة بالعربية.

هل اللغة الفرنسية في الجزائر حالة معزولة؟

ومع ذلك لا تزال هناك بسيكولوجيا العقدة التي تحدث عنها ألبير ميمي في كتابه "صورة المستعمر والمستعمر" والمتمثلة في شعور بالنقص أو الخلل أو اللاتوازن التي تنتاب المثقف المعرب في حضرة المثقف بالفرنسية.
صديق شاعر وأديب معرب أراد أن يكتب رسالة "آس، آم، آس" إلى وزيره وحتى يفهم من قبل هذا الذي يخاطبه وحتى يرضيه ويكون أمامه على ولاء طلب من صديق له أن يحرر له نص الرسالة بالفرنسية، وأرسلها إلى من يهمه الأمر وكان سعيدا.
تلك هي العقد التي يعيشها الحقل الثقافي المؤسس على أمراض سيكو ـ لغوية.
أمام هذا إنني وأنا الكاتب باللغة العربية أولا ثم بالفرنسية والمتكون داخل ألفية بن مالك وأشعار المعلقات وعاشق الشنفرى وتأبط شرا، أقول وبشجاعة علينا إعادة دراسة علاقة الجزائري باللغة الأجنبية وخاصة الفرنسية. وحين أقول علاقة الجزائري فأعني بهذا الجزائري بدءا الطبقة السياسية والمثقفين وجموع من ينتج القيم الفكرية والجمالية والأخلاقية والأيديولوجية.
لا أحد منا يعارض التفتح على اللغات الأجنبية وعلى رأسها اللغة الفرنسية ولكن شريطة أن تأخذ هذه اللغة موقعها كلغة أجنبية داخل القناعات السيكولوجية والسياسية والثقافية.
لذا أتصور أننا ونحن ندخل هذا القرن الجديد، علينا أن نضع حصيلة لواقع اللغة الأجنبية في بلادنا دون شعارات سياسية ولا أحكام أخلاقية أو سياسية متشنجة. علينا أن نتدارس واقع اللغة الأجنبية، والفرنسية خاصة، ومدى وكيفية تجلياتها داخل المجتمع الثقافي الجزائري إلى جانب دراسة واقع اللغة الوطنية فيه أي العربية والأمازيغية الصاعدة في الحياة الاجتماعية والأدبية.
إن الحوار المتشنج الذي رافق ولمدة نصف قرن تقريبا كل نقاشات الأنتلجانسيا الجزائرية حول قضية اللغة الأجنبية وبالخصوص الفرنسية هو الذي جعلنا ننمي فكرة الخلط ما بين اللغة الأجنبية ومكونات الهوية الوطنية وهما قضيتان متقاطعتان.

بعبع الفرانكفونية:

نحن في الجزائر أكثر من أعطى للفرنسية وأقل من استفاد منها.
الآن ومع ما يحصل، في العالم، من تكتلات سياسية واقتصادية وثقافية، علينا أن تكون لنا الشجاعة الثقافية لطرح إشكالية الفرانكفونية كحالة ثقافية تمس الجزائر، شئنا أم أبينا، ودراستها دراسة هادئة على ضوء ما يجري أمامنا ومن حولنا وبداخلنا أضحت مسألة ثقافية ولغوية ضرورية. وأعتقد أن تدارس ظاهرة الفرانكفونية من بابها الثقافي، دون مزايدات سياسوية، هي مهمة النخب في البلدان التي تستعمل فيها هذه اللغة بمستويات متعددة وعلى مستويات متعددة، والجزائر وهي البلد الأول المستعمل للغة الفرنسية بعد فرنسا، على نخبها ألا تغيب عن هذا النقاش إن بالرفض أو النقد أو التعديل. وأنا أسوق هذا الحديث يجب ألا أفهم أنني أدعو أو أبشر بالدخول إلى بيت الفرانكفونية كمنظمة، فهذا سؤال سياسي، ليس من أهداف هذا المقال، ولست مخولا للحديث فيه ولايعنيني أمر هذه المنظمات أساسا، أنا أتحدث هنا عن الشراكة الثقافية والمثاقفة التي باتت ظاهرة متجلية في كل شيء في اللغة وطرق الحياة. فنحن لنا نخب ثقافية كبيرة ومتميزة عالميا تستعمل هذه اللغة وبأجيال متلاحقة وتنتج بهذه اللغة قيما ثقافية وجمالية مؤثرة في مجتمعنا ومؤسسة لجزء من مخياله الاجتماعي والثقافي، لا أحد ينكر هذا، كما أشرت إلى ذلك في مطلع هذا المقال ولنا أيضا جالية جزائرية تفوق المليون نسمة داخل العالم الفرانكفوني وبفرنسا على الخصوص، إن دراسة المثاقفة الفرانكفونية لا الفرنكوفيلية دراسة بعيدة عن التأويل السياسي التقزيمي، هو أيضا مناقشة لحال وواقع هذه الجالية وبالتالي تحديد علاقتها بوطنها وبلغتها المرجعية أي اللغغ العربية وبثقافتها وبمثلها العليا وبمرجعياتها وهي، في الوقت نفسه مقاربة، للثقافة الوطنية في بلادنا تلك التي تنتج باللغة العربية.

بأية لغة يقرأ الجزائري؟

لا يمكن إعطاء توصيف أو تحليل دقيق للقراءة والقروئية في الجزائر في ظل غياب إحصائيات دقيقة عن حال النشر والتوزيع وجغرافية القراءة البشرية والطبيعية واللغوية في الجزائر، وقد سعدت إذ قرأت أنه وبعد نقاشات طويلة ودعواتنا إلى إنشاء مرصد وطني للكتاب ها هو الحلم يتحقق وها هو رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يعلن عن إنشاء ذلك، وهذه خطوة إيجابية وجادة ستقدم مستقبلا للكتاب والكتاب والمكتبات الورقية والالكترونية كثيرا من المعطيات للتقدم في الضوء بدلا من الارتجال.
بالمرصد الوطني للكتاب ستخرج حضارة الكتاب في بلادنا من حال "الطبع" إلى حال "النشر"، لأن ما يلاحظ اليوم في بلادنا من حال الكتاب هو "طبع" وليس "نشر" كما نفهم من كلمة "نشر" وكما هو متعارف عليها دوليا. بهذا المرصد الوطني للكتاب يمكن الخروج بوضعية الكتاب من حالة المساعدات العشوائية والمناسباتية إلى وضع فلسفة متكاملة ومستقبلية.
أريد أن أسجل هنا وأنا بصدد تناول موضوع الكتابة الجزائرية بالفرنسية، وهذا من خلال معاينات وملاحظات ميدانية جمعتها من خلال تجربتي المهنية في الجامعة كأستاذ لنظرية القراءة وأيضا كمدير عام سابق للمكتبة الوطنية، إن هناك واقعا تميزاوملحوظا في طرق التعامل مع القارئ باللغة الفرنسية والوصول إليه تختلف عن تلك الأساليب التي يتعامل بها مع القارئ باللغة العربية.
إن المشرفين والقيمين على الكتاب من كتبيين ومكتبيين وموزعين يملكون إلى حد ما بعضا من ثقافة ترويج الكتاب بالفرنسية ربما هذا ناتج لخلفيات ثقافية ولغوية أيضا. والمؤكد أن مكتبات البيع هذه قد صنعت قارئا باللغة الفرنسية من خلال جملة من التراكمات الثقافية والأنشطة الثقافية التي تحيط بالكتاب. فمن خلال متابعتي وعلى مدى سنة كاملة ومن خلال اللقاءات المباشرة مع الكتاب الجزائريين وغير الجزائريين وحفلات البيع بالتوقيع التي تنظمها مكتبات البيع في الجزائر العاصمة وفي وهران وتيزي وزو وقسنطينة وغيرها فإن هذه المكتبات استقبلت الكتاب باللغة الفرنسية فقط على استثناءات قليلة جدا. مؤكد أن هذه المكتبات من خلال تأكيدها على تقديم هذا الكتاب من روايات وكتب سياسية وفكرية وتاريخية وكتب مذكرات شخصيات وبهذا التواتر ترسل رسالة مفادها أن القارئ الموجود هو القارئ بالفرنسية. لقد تمكنت مكتبات البيع هذه في العاصمة وبعض المدن الكبيرة الأخرى من خلق شبكة من القراء بالفرنسية وهذا عمل دون شك متميز يخدم قطاعا من الكتاب.
وفي محاولة توصيل نفس الكتاب الذي يعرف نوعا من الإقبال لدى القارئ بالفرنسية، توصيله إلى القارئ بالعربية، أقدمت بعض دور النشر الجزائرية الخاصة والعمومية مشكورة على ترجمة بعض الروايات أو الكتب المطلوبة لدى القارئ الجزائري بالفرنسية، إلا أن هذه الكتب المترجمة ظلت مكدسة ولم تلق أي رواج أو قراءة. لقد نشرت المؤسسة الوطنية للإشهار، مثلا، روايات أمين معلوف مترجمة إلى العربية، فإذا الكارثة بينة إذ لم يكن عليها أي إقبال، في المقابل استمر بيع أمين معلوف باللغة الفرنسية، والشيء نفسه مع روايات ياسمينة خضرا الذي يعد من أكبر الكتاب مبيعا على المستوى العالمي، وعلى الرغم من الدعاية التي تصاحب صدور رواياته على المستوى العالمي والجوائز التي تحصدها في كل مرة، والتي من المفروض أن تساعد على فضول القراءة لدى القارئ بالعربية إلا أن الرواية المترجمة لم تلق أي استقبال لدى القراء (وشخصيا كنت أول من ترجم ياسمينة خضرا إلى العربية وقد ترجمت له أهم رواية كتبها في نظري وهي "بم تحلم الذئاب" ولكنها لم تأخذ الأبعاد التي حققها النص الأصلي بالفرنسية). والمصير نفسه عرفته روايات أنور بن مالك ومليكة مقدم ونور الدين سعدي وغيرهم مما ترجم إلى العربية.
إن القارئ باللغة العربية، في رأيي، لم يخرج بعد من دائرة قراءة الكتاب الديني البسيط، وهذا ناتج عن غياب كتبيين ومكتبيين مكونين قادرين على خلق شبكة من زبائن وأصدقاء الكتاب الإبداعي بالعربية. لذا يحتاج الكتبيون والمكتبيون من المشرفين على مكتبات البيع والمكتبات العمومية إلى دورات تدريبية مستمرة لمعرفة صناعة اقتصاد القارئ المعرب. وأعتقد أن هذا من دور الدولة ومؤسساتها المهتمة بالكتاب وترقيته إذا ما أردنا فعلا أن نخلق مجتمعا متوازنا لا يفاجئنا مستقبلا بشروخ في الشخصية وتناقضات في الهوية.
هل ومتى سيموت الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية؟

ناصرالجزائري 10-04-2009 10:05 AM

رد: أمين الزاوي: "الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر"
 
السلام عليكم
مشكور أخي الكريم على نقل هذين الموضوعين المهمين والرائعين،شكلا ومضمونا للدكتور أمين الزاوي،وقد تعرفنا من خلالهما على نظرته المتفحصة والدقيقة إلى الثقافة الجزائرية من فجر الاستقلال إلى أيامنا هذه،ورحلة الجزائريين مع الإبداع الأدبي باللغتين العربية والفرنسية
وحاجتنا إلى أمثال مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ وغيره ممن أعطوا الثقافة الجزائرية كل جهدهم ووقتهم ولكنهم غير معروفين في بلدهم ،في حين تدرس أفكار بن نبي في أعرق الجامعات العالمية.
فلماذا هذا الإنكار والجحود في حق أدبائنا ومفكرينا؟ومتى نعيد لهم حقهم؟؟
على كل حال شكرا مرة أخراة على تزويدنا بهذين المقالين.

أرسطو طاليس 18-04-2009 01:45 PM

رد: أمين الزاوي: "الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر"
 
في فلسفة الضيافة الثقافية

2009.04.15
بقلم: الدكتور أمين الزاوي
كانت الجزائر دائما بلادا للضيافات الأدبية والثقافية والسياسية. مر عليها وعاش فيها الكثير من المثقفين والسياسيين الذين مثلوا أو يمثلون حتى الآن رأسمالا رمزيا وازنا في تاريخ الآداب والسياسة وقيادة الأمم.
كلما كانت تضيق بهم بلدانهم على ما وسعت من جغرافيا، كانوا يجيئون الجزائر هاربين من أنظمة مستبدة أو توتاليتارية طالبين الاحتماء في حضنها الدافئ، منهم الذين جاؤوها من العالم العربي مشرقه ومغربه، ومنهم الذين جاؤوها هاربين من أوروبا الفرنكاوية والسلازارية، أو من الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية (الشيلي خاصة) ومن أفريقيا السوداء. حتى أن مدينة الجزائر كانت تسمى عاصمة الاحتجاج ضد الاستعمار والديكتاتورية (Alger, capitale de la contestation).
هل أذكر ببعض هؤلاء الفارين من المثقفين والأدباء والمناضلين للتدليل على قلب الجزائر الكبير من أمثال، سعدي يوسف، عبد اللطيف الراوي، نور الدين فارس، لميس العماري، السيدة المناضلة النسوية الجامعية مويا، لويزة مورائيس، حيدر حيدر، يحيى يخلف، لؤي عبد الإله، جيلي عبد الرحمن، أحمد فؤاد نجم، سعيد بن قراد(الأطلسي)، محمد على الهواري، شوقي بغدادي، مانديلا، غيفارا، البصري، محسن إبراهيم، ماريو سواريز، امبيرتو ديلغادو، مانويل أليغري، تيتو موائيس، بيتييرا سانتوس، أمياكار كابرال وهلم جرا...
مثقفون ومبدعون ومناضلون وسياسيون كلما ضاقت بهم أوطانهم كانوا يجدون في الجزائر الفضاء الرحب والمضافة السياسية والثقافية.
جاء هذه البلاد المثقفون من كبار الكتاب والشعراء وعاشوا فيها زمنا وعملوا في التعليم والصحافة والصحة والسياسة ثم غادروها فإما استقروا في بلدانهم أو واصلوا جحيم المنفى في بلدان أخرى كما هو حال بعض الكتاب والمثقفين العراقيين ولكنهم جميعا يجمعون بأن الأنظمة السياسية في الجزائر لم تكن تتدخل أبدا في شأنهم الخاص ولم تكن تملي عليهم أو تستعملهم أداة ضد أنظمتهم أو ورقة يناصيب في لوطو السياسة.
مثقفون وزعماء ومناضلون في حركات التحرر من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا والبلدان العربية كلما كانوا يشعرون بأنهم مهددون في تنظيمهم أو في عناصرهم، في بلدان أخرى، بظاهرة المقايضة السياسية أو النخاسة السياسية بما فيها من بيع وشراء فإنهم ييمّمون شطر الجزائر وبها يحطون الرحال.
ما يشرف تاريخ الجزائر حتى اليوم النظافة السياسية التاريخية والمواقف النبيلة التي ظلت تحافظ على صورتها محترمة عند سائر المثقفين الذين عاشوا فيها زمنا. مؤكد أن عديدهم يتحدث عن طبيعة الجزائري التي هي طبيعة الصراحة والقسوة والحسم، ويتحدث البعض عن أمراض البيروقراطية ولكن يجمع الجميع على صفاء سريرة الجزائري وعلى بقاء النظام السياسي الجزائري بعيدا عن مساومتهم في مواقفهم أو آرائهم التي لأجلها ركبوا صعاب المنافي.
كانت البلاد واسعة وكان القلب، القلب الجزائري أوسع، مع أننا كنا في زمن الحزب الواحد وكنا في زمن الاشتراكية بكل نعوتها التي قد تتغير من مرحلة إلى أخرى، ولكن فلسفة الضيافة الثقافية والسياسية لم تكن لتتغير أبدا، ولم يشعر أحد من ضيوفها بالضيق أو التضييق. وقتها لم نكن »ننعم« بالديمقراطية ولا بتعدد الأحزاب وكانت الجزائر تبدو أكبر من الديمقراطية في حزبها الواحد وكانت أكثر انفتاحا على الآخر وأكثر حرصا على حريته في تلك الاشتراكية بكل نعوتها.
ما الذي جرى يل ترى؟
ما الذي يجري؟
هل الأمر يتعلق بثقافة الأجيال، وهل أن الجيل الأول والثاني كانا أكثر تجربة، وأن المحنة الكبرى، محنة ثورة التحرير والحركة الوطنية صنعت صلابة عود الشخصية الوطنية وعيش القيم الكبرى والإيمان بالأفكار العظيمة في العدالة والاحترام والإيثار والضيافة دون مزايدات لفظية أكثر من هذا الجيل الذي قرأها أو قرأ عنها في الكتب وفي الجامعات الوطنية أو الأجنبية.
إني أومن بأن كل جيل يحمل خصوصيات السلب والإيجاب. وأعتقد أن ما حمله الجيل الأول تجاه الضيافة من صلابة العود وحسن النية والصمود أكبر مما يحمله جيل اليوم.
أشعر أننا اليوم بدأنا نفقد ثقافة الضيافة، والشعب الذي يفقد هذه الثقافة معرض للانغلاق ومعرض أيضا لأن يكون ضحية التطرف وثقافة الخوف من الآخر.
كما يتعلم الضيف من مضيفه يتعلم المضيف من ضيفه. وأعني بالتعلم هنا حالة المثاقفة التي عرفها جيل السبعينيات في علاقته مع الآخر العربي وغير العربي من ضيوف الجزائر على اختلاف مدارسهم السياسية والثقافية.
دون شك تقوم الثقافة والإعلام والسياحة المثقفة في المقام الأول بالدور الرئيسي والفاعل الذي ينقذ الضيافة ويهندسها. والضيافة هنا ليس بمعنى »الزردة« أو »الوعدة« أو »التحويسة« بل الضيافة بمعناها الفلسفي الحوار مع الآخر في الفضاء الشخصي العيني وفي الفضاء المتخيل أو الافتراضي للضيف، لأن كل ضيف يحمل معه وطنه.
لا يمكن تحقيق الضيافة الكبيرة والحضارية في غياب ثقافة المضيف لذا أعتقد أنه وعلى الرغم من البساطة التي كانت تتميز بها الساحة الثقافية والإعلامية والأدبية الجزائرية في السبعينيات أي زمن الضيافة الكبرى إلا أنها كانت تحمل كثيرا من الحلم والصدق والعفوية وهي الأشياء التي أدهشت الضيوف وجعلتهم يؤمنون بما كان يتأسس في الجزائر الجديدة، كما لا يمكن أيضا تحقيق شروط الضيافة في غياب ثقافة الآخر بمجلاتها وكتبها وأفلامها وفنها في فضاء البلد المضيف. في السبعينيات وما قبلها كانت السوق الجزائرية مليئة بجميع المجلات القادمة من كل اتجاه، من منا لا يذكر مجلة »أقلام« و»شؤون عربية« و»المورد« من العراق و»الموقف الأدبي« و»الآداب الأجنبية« من سوريا و»روز اليوسف« و»الطليعة« و»الهلال« و»كواكب« و»آخر ساعة« من مصر و»العربي« من الكويت و»أنفاس« و»الثقافة الجديدة« من المغرب و»الفكر« و»الحياة الثقافية« من تونس وغيرها من المجلات التي كانت تنزل السوق الجزائرية بانتظام محكم، وكانت في المقابل عشرات المجلات باللغة الفرنسية »باري ماتش« »لوبوان« »أوروب« »ماغازين ليترير» »لا بونسي« »جون أفريك« و... إضافة إلى عشرات الجرائد التي كان القارئ الجزائري وضيف الجزائر على موعد معها يوميا.
واليوم... لماذا جفت الضيافة؟ بالتأكيد ليس لأن الجزائري أضحى »بخيلا« بالمفهوم المبسط للبخل، إنما لأن للضيافة الثقافية شروطها وأول هذه الشروط انسجام الضيف مع محيط ثقافي وإعلامي يجعله يعيش بلده ويعيش العالم من خلال بيت المضافة.
إذن الضيافة بمفهومها الفلسفي ليست توفر الشروط المادية والحرية السياسية فحسب بل إنها أيضا وفي المقام الأول تشترط توفر الفضاء الثقافي العام.
بلا ريب فإن الإرادة السياسية لرئيس الجمهورية واضحة في دعم قطاع الثقافة دعما ماديا ومعنويا لم تعرفه الجزائر الثقافية بل ولم تكن لتحلم به منذ الاستقلال، يشكل هذا الدعم في أساسه البحث عن عودة الجزائر إلى زمنها العالي الذي كانت فيه مضافة المثقفين وقبلة الأفكار التي تغير وتدفع العالم إلى الحرية والتقدم والحلم.
من الناحية الثقافية والسيكولوجية والقيمية، فالضيافة ليست في صالح الضيف فقط إنما هي أيضا في صالح المضيف، لأنها بقدر ما تخدم الضيف وتعرفه على منطقة ثقافية واجتماعية وسلوكية جديدة تعرف المضيف على عالم آخر، فالضيف بالنسبة للمضيف نافذة يطل منها على العالم. وإذا ما توفرت شروط الضيافة من فضاء وعدة ومجلات وكتب وجرائد وأفلام وغيرها، فإن الضيافة تتحول إلى مدرسة كبيرة يتربى فيها المضيف، فهو بقدر ما يصنعها تصنعه بدورها وتنحت منه إنسانا كونيا.
إن التوق إلى استعادة مجد الجزائر المضيفة، جزائر الضيافة وجزائر الضيوف إحساس أعظم من أن يكون مجرد نوسطالجيا بل إن التفكير في الضيافة هو تفكير في الأنا الثقافية.مهما تغيرت الظروف ومهما ستتغير الآليات الوطنية والدولية إلا أن الضيافة تظل قيمة إنسانية كبيرة من دونها ومن دون التفكير فيها لا يمكن لنا أن نتقدم في اتجاه الآخر، ولا يمكن للآخر أن يتقدم في اتجاهنا.
إن غياب الضيافة كما نفهمها فلسفيا تجعل الجيل الجديد يعيش حالة من الانكسار والعزلة وبالتالي البحث عن زوارق الموت وفنون الانتحارات الأخرى وهو بالفعل ما نلحظه في بلادنا التي كانت ذات أيام فضاء للضيافة.
ألسنا في مستوى الضيافة الديمقراطية كما كنا في مستوى الضيافة التحريرية؟

(الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر الحلقة 7).

أرسطو طاليس 24-04-2009 09:51 AM

رد: أمين الزاوي: "الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر"
 
أقواس

ماذا يترجم العرب وكيف يترجمون؟ ارتجال وقرصنة وفوضى

2009.04.23
بقلم الدكتور: أمين الزاوي

خلال الخمسين سنة الماضية، لم يتجاوز العرب في كل ما ترجموه وفي كل الطبوع والفنون عتبة العشرة آلاف كتاب، أربعة آلاف منها قامت بترجمتها هيئات أجنبية.وحتى في هذا العدد المخجل والبئيس تميز هذا المنجز الترجمي بالفوضى والارتجال والقرصنة. وبهذه الحال ومن خلالها تكشف عن علاقة مبتورة ومتخلفة مع الآخر ومع الفكر والإبداع الإنسانيين. وهي الحال الحزين التي تعري علاقة العرب بالكتاب.

إن الترجمة تكشف وبشكل مباشر عن ذوق القارئ الذي تتم الترجمة لأجله وله، وتكشف في الوقت نفسه عن مستوى الانشغالات الأساسية للإنتلجانسيا التي يراهن عليها المجتمع في عملية التغيير والتنمية.
إذا ما أردنا أن نعرف مدى تطور شعب من الشعوب أو لغة من اللغات أو فكر من الأفكار العالمية علينا أن نقيس ما قيمة الترجمة عند هذه الأمة أو في هذه اللغة أو منها. واللغة التي لا يترجم إليها ولا يترجم بها تموت. لأن الترجمة تمرين للغة من خلال استعمالها واستيعابها وتوصيلها وتبنّيها ما يجد في المحيط التاريخي الراهن الذي تعيشه.
إن عزوف العربي عن الترجمة ليس سببه تدهور تعليم اللغات في البلدان العربية وحسب، هذا التعليم الذي أضحى هزيلا في الجامعات الحكومية كما في الجامعات الخاصة، إنما هو نتاج إحساس مريض يسكن الذات العربية ونعني به »الشعور بالاكتفاء الذاتي« في الفكر والإبداع، فنحن أمة الشعر إذن لا داعي لترجمة الشعر، ونحن أمة لغة الجنة فلا داعي لتعلم لغات أخرى، ونحن من صدّرنا الطب والحكمة للآخر إذن لا داعي لتعلم ما أعطيناه البارحة للآخر، ونحن شعب لغة البيان فلا داعي لترجمة الرواية ونحن ونحن ونحن... إن ثقافة النخوة التي ورثناها من عهود الفكر الفروسي لاتزال هي المتحكمة في سلوكنا وفي طرق تعاملنا مع الآخر فكرا وإبداعا.
كل شيء قد يكون فيه اكتفاء ذاتي، في الاقتصاد والتجارة والتقنيات، إلا الفنون والآداب. تظل كل أمة، مهما تطورت، بحاجة إلى اكتشاف منجزات الآخر. وهذا الاكتشاف هو الذي ينقذ البشرية من أمرين: التخلف (حالنا) من جهة والتنميط (حالة الغرب) من جهة أخرى.
وحتى يدخل العرب التاريخ دخولا مضمونا ومؤكدا عليهم إعادة النظر في واقع الترجمة لديهم. وحتى تكون الترجمة التي ننشدها مندرجة ضمن رؤية تنموية ومستقبلية نحتاج أول ما نحتاج إليه وقبل الانطلاق في أي مشروع وطني أو قومي إلى:
1-وضع قاعدة بيانات مضبوطة ودقيقة لكل ما ترجم حتى الآن من اللغات والحضارات المختلفة إلى العربية وهذا مشروع يمكن أن تتبناه جهة من الجهات التي تعنى بالبحث.
2- نحتاج أيضا إلى وضع تقييم دقيق وجريء بعيدا عن السياسوية الشعبوية التعليمية لواقع تعليم اللغات الأجنبية في جامعاتنا، وذلك لمعرفة واقع التدريس وكذا لمعرفة واقع اللغات الأجنبية في العالم العربي. وبالتالي وضع استراتيجية جديدة لإنقاذ تعليم اللغات الأجنبية وكذا لمعرفة لماذا يعزف العربي عن تعلم اللغات الأجنبية.
3- ونحتاج أيضا إلى وضع قاعدة بيانات دقيقة لكل ما ترجم من العربية أو من فكر العرب إلى اللغات الأخرى. ومحاولة قراءة هذه الترجمات لأنها الخطاب الذي يسوق صورتنا المشكلة في ذهن وتصورات الآخر عنا. حين ندرك ذلك نكون بالمقابل قادرين، إذا ما توفرت الرغبة، على تصحيح هذه الصورة وتوجيهها وإعادة تشكيلها.
4- ونحتاج قبل هذا وذاك إلى قاعدة بيانات لمعرفة قائمة شاملة للمترجمين العرب لأن هذه الطاقة العربية الكبيرة هي التي نعتمد عليها في نقل الآخر إلينا، وهي نافذتنا التي نطل منها على هذا الآخر بكل تنوعه.
5- ونحتاج إلى قاعدة بيانات عن المترجمين العالميين، على قلتهم، في كل اللغات الذين ينقلون بها وفيها ما ينتجه العرب إلى شعوب العالم. وهو ما يجعلنا نفكر بجد في دعم هذا الطابور من جنود الخفاء.
للأسف فعلى قدر ما قدمه بعض المترجمين الأجانب والعرب وما بذلوه من مجهودات من أجل توصيل صورة عن ثقافتنا إلى الآخر إلا أن العرب لم يولوهم أية أهمية ولعلي هنا أذكر ببعض الأسماء الكبيرة للتدليل على ذلك: أندريه ميكال، روني خوام؛ جاك بيرك، جمال الدين بن الشيخ وغيرهم والذين تم تجاهل فضلهم على الثقافة العربية ولم يكرموا التكريم اللائق بمقامهم لا في الحياة ولا بعد الموت
على هذه القاعدة الأولية وانطلاقا من هذه المقاربة أريد أن أؤكد أيضا على ضرورة حضور الدولة في دعم الترجمة، وأن يكون هذا الدعم موجها لهيئات خاصة وحكومية تتولى متابعة الترجمة مع المحافظة على استقلالية العمل من الضغوطات والتوظيفات السياسوية.
6- و لمعاينة حجم الكارثة التي يعيشها الفكر العربي في باب الترجمة، وعلى المباشر، أدعو إلى تأسيس مكتبة عربية خاصة تجمع فيها جميع الكتب المترجمة وفي كافة الميادين، الكتب المترجمة من وإلى العربية. آنذاك سنكتشف هول الكارثة الفكرية ونكتشف لماذا طغيان ثقافة الخوف من الآخر عند الإنسان العربي ولماذا ثقافة الخوف من العربي عند الآخر.
وحين أقف أمام هول هذه الكارثة التي نعيش نفقها ونفاقها، فإنني لا أنفي أبدا بعض المجهودات التي بذلت من قبل بعض الشخصيات التي تحولت إلى مؤسسات وهنا أذكر بما تقوم به الدكتورة سلمي خضراء الجيوسي من ترجمات الآداب والحضارة العربية إلى الإنجليزية.
كما لا يمكن تجاهل العمل الذي كان يشرف عليه الدكتور طه حسين في خمسينيات القرن الماضي حين كان على رأس الهيئة المصرية للتأليف والترجمة والذي سعى إلى ترجمة ألف كتاب. في تصوري يعد هذا المشروع أهم مشروع ترجمي عند العرب حتى الآن لما كان يتمتع به من منهجية في الاختيار، إذ عمد، في البدء، إلى ترجمة الكلاسيكيات الانسانية التي عليها يتأسس الفكر المعاصر. انطلاقا من ذلك تمت ترجمة بعض من الفكر اليوناني وبعض من كلاسيكيات الآداب الأوروبية والأمريكية: الإلياذة وبعض كتب سقراط وأفلاطون وأوروبيديس والإنياذة والكوميديا الإلهية وراسين وموليير وبلزاك وزولا وجوته ونتشه وتولستوي ودوستويفسكي وغيرها...
وعلى الرغم من الجدية التي حكمت وتحكمت في هذه الأعمال المترجمة والتي من المفروض أن تمثل إقلاعا حقيقيا لتأسيس النهضة الثانية، إلا أنها هي الأخرى لم تنج من الرقابة والمنع والقص كما حدث (للتمثيل فقط) مع الكوميديا الإلهية لدانتي التي تم حذف كثير منها وخاصة ما يتصل بالحديث عن الإسلام.
كما يجب التنويه ببعض ما تقوم به بعض دور النشر العربية من ترجمات كما هو الشأن بالنسبة لدار الآداب، دار توبقال، دار الطليعة، ودار جرير وغيرها.
تظل الترجمة أيضا مقياسا حقيقيا لمستوى حرية التعبير المهددة في العالم العربي.
أربع مؤسسات متواجدة في العالم العربي، من المفروض، أنها هي التي تتحمل عبء الترجمة، وهذا قليل في أمة تريد أن تخرج من التخلف.
وهذه المؤسسات هي:
أ- المركز القومي للترجمة والذي يترأسه الأستاذ الدكتور جابر عصفور وأعتقد أنه يتقدم بكثير من الثقة وهذا نظرا للخبرة التي يتمتع بها هذا المثقف الكبير الذي يشرف عليه ولعل ما قدمه من عمل متميز تجاه الكتاب حين كان منشطا ومديرا عاما للمجلس الوطني للثقافة يؤكد على ذلك، إذ استطاع أن يجعل من هذا المجلس مزارا ثقافيا ومحطة متميزة في الفكر والحوار والنشر، عربيا ودوليا.
ب- المنظمة العربية للترجمة، ومقرها في لبنان والذي يرأسها الباحث الدكتور طاهر لبيب وأعتقد أن هذا المركز بدأ يفقد كثيرا من قوته ووجوده الفاعل على المستوى القومي.
ج- المعهد العربي العالي للترجمة الذي تترأسه الدكتورة إنعام بيوض ومقره في الجزائر وهو تابع للجامعة العربية وهو حديث النشأة وأعتقد أن قانونه الأساسي الذي يجعل منه معهدا للتكوين غير صائبة ويحمله عبئا إضافيا وربما أكبر من حجمه، فالتكوين من مهمات الجامعات، وكان الأحرى هو توجيه عمل هذا المعهد للترجمة الفعلية.
د- مؤسسة »كلمة« (أبو ظبي ـ الإمارات العربية) التي أنشئت في السنوات الأخيرة قبل وأعتقد أن المال الذي يعول عليه في مثل هذه المؤسسة ليس هو الكافي لحل مسألة تخلف العرب في الترجمة، إنما المسألة أكثر تعقيدا من ذلك.
تبدو صورة الترجمة عند العرب وبعد مرور قرن تقريبا على ترجمة الإلياذة إلى العربية والتي كانت احتفالا كبيرا ثقافيا، سياسيا وأدبيا حضر حفل صدورها المفكرون والأدباء والقادة السياسيون آنذاك، تبدو هذه الصورة رهينة العمل »الهاوي« والارتجالي ولم تدخل بعد عالم الاحترافية.
((الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر الحلقة رقم 8).

أرسطو طاليس 29-05-2009 11:07 AM

فرنسا ‬تحتفل ‬بمئوية ‬المجاهد ‬والشاعر ‬مفدي ‬زكريا
 
أقواس‬

فرنسا ‬تحتفل ‬بمئوية ‬المجاهد ‬والشاعر ‬مفدي ‬زكريا

2009.05.13
بقلم: ‬الدكتور ‬أمين ‬الزاوي ‬aminzaoui@yahoo.‬fr

‬المكتبة ‬الوطنية ‬الفرنسية ‬BnF ‬تحتفل ‬بمئوية ‬الشاعر ‬والمجاهد ‬مفدي ‬زكريا، ‬وهو ‬للتذكير ‬صاحب ‬نشيد"‬قسما" ‬الذي ‬تقشعر ‬له ‬الأجسام ‬كلما ‬أنشد ‬أو ‬عزف ‬لحنه. ‬ ولله ‬في ‬خلقه ‬شؤون.

المكتبة ‬الوطنية ‬الفرنسية ‬BnF ‬تحتفي ‬بمئوية ‬شاعر ‬الثورة ‬الجزائرية ‬في ‬أيام ‬يحتفل ‬فيها ‬الشعب ‬الجزائري ‬بذكرى ‬مجازر ‬08 ‬مايو ‬1945.‬
في أكبر مؤسسة ثقافية فرنسية، أعني المكتبة الوطنية الفرنسية BnF، التي لا يكاد ينتهي نشاطها اليومي من محاضرات وعروض سينمائية ومعارض للفن التشكيلي ومعارض الكتب والموسيقى وعروض الكتب، ها هي تحتفي يا ربي بمئوية شاعر الثورة مفدي زكريا.
ماذا ‬يا ‬ترى ‬سيقول ‬الشهداء ‬في ‬السموات ‬من ‬هناك، ‬من ‬ملكوت ‬عرشه؟
وماذا ‬يقول ‬المجاهدون ‬الذين ‬ما ‬بدلوا ‬تبديلا، ‬من ‬هنا؟
يحتفل جيراننا، في تونس، هذه السنة بمئوية شاعرهم أبي القاسم الشابي صاحب "إذا الشعب يوما أراد الحياة". لأجل إنجاح هذه المئوية الاستثنائية تتجند البلاد جميعها بمؤسساتها الثقافية والتربوية والبحثية وهياكل المجتمع المدني لأجل استذكار شاعرهم الكبير، احتراما لذاكرته ‬وذاكرة ‬الإبداع ‬في ‬هذا ‬البلد ‬الشقيق.‬
أما ‬عندنا ‬فمؤسساتنا ‬ساكتة، ‬صائمة ‬عن ‬شاعرنا ‬الكبير ‬صاحب ‬"‬قسما ‬بالنازلات".‬
سبحان الله كيف لا نحزن لواقع ترحل فيه مئوية شاعر الثورة إلى بلد كان بالأمس المستعمر الذي لا يزال المثقفون والنخب الديمقراطية على اختلاف توجهاتهم في بلادنا يطالبون بـ "اعتذار" هذا الأخير عن الجرائم التي ألحقها بهذا البلد وبإنسان هذا البلد، عبر قرن وثلث القرن. ‬بل ‬إن ‬هذا ‬الموقف ‬يشاركنا ‬فيه ‬المثقفون ‬النزهاء ‬في ‬فرنسا ‬نفسها.‬
إننا ‬حزانى، ‬إذ ‬نشهد ‬احتفاء ‬المكتبة ‬الوطنية ‬الفرنسية ‬BnF ‬بصاحب "‬قسما" ‬وبمشاركة ‬من ‬رئيسها ‬ومديرها ‬العام ‬أيضا.‬
المكتبة الوطنية الفرنسية BnF تحتفي بصاحب إلياذة الجزائر، الموقف كاريكاتوري ومثير للتساؤل والاستنكار. ليس استنكار الآخر الذي يحتفل بمئوية الشاعر ولكن استنكار صمتنا نحن الذين لم نستطع أن نكون في مستوى شاعر الثورة ولا في مستوى هذا الموعد الثقافي.
عاش ‬الشاعر ‬مفدي ‬زكريا ‬المنفى ‬والسجن ‬أيام ‬الاستعمار. ‬وظلم ‬الاستعمار ‬مفهوم، ‬لأن ‬الاستعمار ‬خاصيته ‬هي ‬كذلك.‬
مات ‬الشاعر ‬في ‬المنفى ‬والجزائر ‬مستقلة، ‬فلم ‬تكن ‬بلاده ‬به ‬رحيمة. ‬ظلمه ‬العدو ‬وظلمه ‬الأخ ‬أيضا.‬
أذكر ‬يوم ‬وفاة ‬الشاعر ‬مفدي ‬زكريا ‬حين ‬تم ‬التعتيم ‬على ‬ذلك ‬إذ ‬اكتفت ‬جريدة "‬الشعب" ‬آنذاك ‬بنشر ‬خبر ‬نعيه ‬في ‬صفحة ‬من ‬صفحاتها ‬الداخلية ‬خبر ‬ضائع، ‬في ‬بعض ‬سطور ‬ضائعة.‬
اليوم ‬والمكتبة ‬الوطنية ‬الفرنسية ‬BnF ‬تحتفي ‬بمئوية ‬الشاعر ‬ولا ‬شيء ‬يتحرك ‬لذلك ‬في ‬بلادنا ‬ألا ‬يمكن ‬تسمية ‬هذا ‬الحال ‬بالموت ‬الثاني ‬لأكبر ‬شاعر ‬جزائري ‬على ‬الإطلاق،
في ‬مئويته ‬يموت ‬الشاعر ‬مرة ‬ثانية ‬وهو ‬الذي ‬ظلم ‬حيا، ‬قدر ‬الشعراء ‬الكبار ‬أن ‬يظلوا ‬يحملون ‬طوال ‬حياتهم ‬منفاهم ‬على ‬أكتافهم ‬كأعواد ‬الصليب ‬أو ‬قماش ‬الكفن.‬
بدا ‬لي ‬الاحتفال ‬بمئوية ‬مفدي ‬زكريا ‬من ‬قبل ‬المكتبة ‬الوطنية ‬الفرنسية ‬BnF ‬كأنما ‬هو ‬منفى ‬ثان ‬يزج ‬فيه ‬الموتى ‬من ‬العظماء.‬
هل ‬سيتحدث ‬المتحدثون ‬في ‬الاحتفالية ‬في ‬رحاب ‬المكتبة ‬الوطنية ‬الفرنسية ‬BnF ‬عن ‬فرنسا ‬التي ‬عذبته، ‬عن ‬فرنسا ‬التي ‬سجنته، ‬عن ‬فرنسا ‬التي ‬نفته؟
ولله ‬في ‬في ‬خلقه ‬شؤون. ‬
هذا ‬هو ‬المنفى ‬الكبير ‬يلاحق ‬الشعراء ‬والمثقفين ‬لأنهم ‬رسل ‬في ‬زمن ‬انتهى ‬فيه ‬زمن ‬الرسل.‬
واسمحوا لي أن أفتح قوسا صغيرا لأذكر بأن المكتبة الوطنية الجزائرية (بالحامة) كان قد دشنها ذات منتصف التسعينيات الدكتور سليمان الشيخ إذ كان وزيرا للثقافة آنذاك، والدكتور سليمان الشيخ المثقف والمؤرخ الذي أحترمه كثيرا هو بكل بساطة ابن الشاعر مفدي زكريا الذي تحتفل ‬بمئويته ‬المكتبة ‬الوطنية ‬الفرنسية ‬Bnf. ‬ ‬
ما ‬هذا ‬يا ‬ربي؟
في تونس تقوم القيامة الثقافية هذه السنة احتفاء بمئوية أبي القاسم الشابي، الجميع في حالة استنفار: المثقفون والمسؤولون والمؤسسات والأحزاب لأن الشاعر والاحتفاء بالشاعر هو الذي يقتل الأحقاد ويصفي الضغائن ويرفع الخطابات الثقافية عاليا. وحين أقول الاحتفال بمئوية الشابي فليس ذلك عن طريق "الغايطة والزامر والبندير"، إنما بتنظيم برنامج يحتوي على عشرات الندوات والمحاضرات والعروض وإعادة نشر كتبه وتوزيعها على تلاميذ المدارس والثانويات وقراءة نصوصه في المسارح ودور الثقافة. الاحتفالات بالشابي ليس في تونس العاصمة بل في مدن ‬أخرى ‬وفي ‬بلدته ‬أيضا.‬
من ‬طبع ‬الشعراء ‬التسامح، ‬فحتى ‬لو ‬ظلم ‬مفدي ‬زكريا ‬في ‬حياته ‬فإنه ‬وجد ‬من ‬يحترمه ‬في ‬مماته، ‬فإنه ‬قادر ‬على ‬النسيان، ‬لأنه، ‬أولا ‬وقبل ‬كل ‬شيء، ‬منتج ‬الجمال ‬ومنتج ‬فرح ‬الشعوب. ‬
سبحانك ‬يا ‬رب؟
وإذ تحتفي المكتبة الوطنية الفرنسية BnF بمئوية الشاعر المجاهد مفدي زكريا تذكرت الشاعر جان سيناك، وهو صديقه الذي أسس معه اتحاد الكتاب الجزائريين، والذي قال يوما: أجهد نفسي وأجاهد ضد جهلي كي أتعلم اللغة العربية لا لشيء إنما أولا وقبل كل شيء لأترجم نشيد "قسما" ‬إلى ‬الفرنسية. ‬
فهل ‬قرأ ‬الفرنسيون ‬هذا ‬النشيد ‬يا ‬ترى؟
هل ‬سيقرأ ‬نشيد "‬قسما" ‬في ‬المكتبة ‬الوطنية ‬الفرنسية ‬BnF ‬بمناسبة ‬الاحتفال ‬بمئوية ‬مفدي ‬زكريا؟ ‬
وسبحان ‬الله ‬الذي ‬هو ‬على ‬كل ‬شيء ‬قدير.‬

أرسطو طاليس 29-05-2009 11:31 AM

رد: أقواس أمين الزاوي...
 
أقواس

عودة قوية لشعراء البلاط في العالم العربي

2009.05.20
بقلم الدكتور أمين الزاوي

قال ابن خلدون: (اعلم أن السيف والقلم، كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بهما على أمره) هكذا أشعر وأنا وأراقب المشهد الشعر العربي منذ عشرية أو يزيد قليلا. وهكذا أشعر وأنا أراقب تشكل طبقات الشعراء العرب منذ عشرية أو يزيد وعلى الأدق منذ سقوط حائط برلين وانهيار المعسكر الشرقي.

أشعر بمثل هذه الخلاصات التي أسوقها في هذا المقال والتي تخص وضع الشعر وأحوال الشعراء في العالم العربي وعلاقتهم بالمؤسسات وبالسلط السياسية وبالشعر كسلطة وكلغة.
أول ما يثير الانتباه النقدي هو هذه العودة الواضحة والفاضحة والمفضوحة لشعر التكسب في الثقافة العربية المعاصرة. وهذه العودة تتأسس داخل عملية شاملة متميزة بخوف الأنظمة من التغيير والخوف من ريح الحرية التي تهب من كل جهة، تقوم عودة شعر التكسب في ظل عملية تدجين كبيرة يؤسس لها "بذكاء" في مطابخ السياسة والمال من أجل تدجين المثقف النقدي وتذويبه داخل آلة العادي الثقافي والعادي الاستهلاكي اليومي. كل ذلك يتم بنية فصل الصوت الشعري عن الشارع الثقافي العربي الجاد.

أشعر وأنا أراقب هذا السقوط الثقافي والإبداعي الحر أن هناك تهافت "أشباه الشعراء" على حضور إعلامي مدسوس ومشوب بالخيانة للكلمة الصادقة والموقف الثابت يتم فيه تغليب إعلامي أعظم وتلميع أكبر لكل من يتمسح أكثر على عتبات "الطاعة"، طاعة السلاطين من زمر الشعراء المخصيين أو ما أسميهم بـ "حراس السرير".

باسم نهاية الأيديولوجيا، وتحت هذا الشعار.

باسم نهاية اليسار العربي وتحت هذه اليافطة.

باسم الحرية والتعددية وبهذا الخطاب التبريري الذي يدعي التقدم والحرية.
باسم نهاية الثورات، أو بمثل هذا الخطاب اليائس.
باسم الليبرالية وحق الدفاع عن "اللاشيء" أو عن العدمية... باسم هذا الوضع كله يتعاظم شأن شعراء التكسب الواقفين على عتبات بلاط السلطان، جميع السلاطين على اختلاف سلالاتهم وأشكالهم وألوانهم وتسمياتهم وعلى اختلاف ملابسهم تقليدية كانت أو بدوية أو صحراوية أو أوروبية أو أمريكية.
لا شعر دون سلوك شعري راق، في المخيال العربي يوضع الشاعر دائما في كفة الأنبياء. أما اتهم الأنبياء في كل الديانات بالشعر وانتحال صفة الشعراء؟
نحن للأسف أمة شعر البلاط والتكسب بامتياز، لنا في ذلك تاريخ طويل، وهذه هي الميزة الوحيدة التي لم يتنازل عنها كثير من الشعراء المعاصرين، أما كان أكبر شاعر العربية وهو أبو الطيب المتنبي (915 - 965) معروفا بهذا السلوك المشين، سلوك الذليل أمام السلطان، وهو ما جعل الدكتور طه حسين يضجر من تصرفاته فيصفه "بالنصاب" وقد هاجمه هجوما صارخا في كتابه "مع المتنبي" الصادر العام 1937.
يقول طه حسين في حوار أجرته معه مجلة "الرسالة الجديدة" المصرية ونشر عام 1971 عن تكسب المتنبي وممالاته وولائاته ومذلته: "المتنبي نصاب كبير، مدح كل الناس انتظارا لرفدهم، مدح سيف الدولة ومدح كافورا، واعتنق القرمطية ثم هجاها، كل هذا يؤكد لك أن المتنبي نصاب كبير".
أراقب المشهد الشعري العربي وأراقب فلول "أشباه الشعراء" من خليجهم إلى مغاربهم، من بلاد أولى القبلتين وما جاورها إلى بلاد العدوتين وما بينهما، فأجد أن الشعر العربي تنازل عن أسنانه وقد كانت بالأمس القريب له أنياب قاطعة وكانت له أيضا مدافع منصوبة في اللغة وفي الموقف. وأرى أن الشاعر العربي المعاصر قد تنازل عن فحولته العظيمة، والفحولة هنا هي فلسفة وموقف في الحياة وفي اللغة وفي الأخلاق وفي الدفاع عن الحرية والجمال بكل معانيه.
أقول وأنا أراقب بحزن هذا الانكسار. أما يحن هؤلاء من أشباه الشعراء إلى إعادة قراءة:
"لا تصالح" لأمل دنقل (1940-1983) ومنها أسوق هذا المقطع:
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:.
وألا يقرئون قصيدة "أبوتمام وعروبة اليوم" لعبد الله البردوني (1929-1999) ومنها:
مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب
وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب
بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها
أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب
وأقـبح الـنصر... نصر الأقوياء بلا فهم
سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا
ورحـت مـن سـفر مضن إلى سفر
أضـنى لأن طـريق الـراحة التعب
لـكن أنـا راحـل فـي غـير ما سفر
رحلي دمي... وطريقي الجمر والحطب
إذا امـتـطيت ركـاباً لـلنوى فـأنا
فـي داخـلي... أمتطي ناري واغترب
قـبري ومـأساة مـيلادي عـلى كتفي
وحـولي الـعدم الـمنفوخ والـصخب
ألا تشدهم نخوة لقراء "القدس عروس عروبتكم" لمظفر النواب وهم يجتمعون وكي يقرؤوا شعرا في حضرة السلطان أي سلطان ومنها:
في هذي الساعة في وطني،
تجتمع الأشعار كعشب النهر
وترضع في غفوات البر
صغار النوقً
يا وطني المعروض كنجمة صبح في السوق
في العلب الليلية يبكون عليك
ويستكمل بعض الثوار رجولتهم ويهزون على الطبلة والبوقْ
أولئك أعداؤك يا وطني!
من باع فلسطين سوى أعدائك أولئك يا وطني؟
من باع فلسطين وأثرى، بالله،
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام
ومائدة الدول الكبرى؟
فاذا أجن الليل،
تطق الأكواب، بأن القدس عروس عروبتنا
أهلاً أهلاً ..
من باع فلسطين سوى الثوار الكتبهْ؟
وألا يشعرون بمحبة قراءة "هوامش على دفتر النكسة" لنزار قباني (1923-1997) نكسة لا تزال مستمرة في أشكال ملونة وعلى شاشات كبيرة وعلى المباشر:
مالحةٌ في فمِنا القصائد
مالحةٌ ضفائرُ النساء
والليلُ، والأستارُ، والمقاعد
مالحةٌ أمامنا الأشياء
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ
السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخمُ من أصواتنا
وسيفُنا أطولُ من قاماتنا
خلاصةُ القضيّهْ
توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ
والروحُ جاهليّهْ...
وقصائد "الأخضر بن يوسف ومشاغله أو الشيوعي الأخير" لسعدي يوسف.
وقصائد أحمد فؤاد نجم... وغيرهم
ألا يقرأ شعراء اليوم مثل هذا الذي ذكرت وغيره والذي يعود بعضه إلى ثلاثة عقود أو يزيد حتى يستحموا في طهارة الكلام وأنفة وسؤدد الآباء والأجداد من الشعراء الشعراء.
ربما بإعادة قراءة هذه النصوص وغيرها تستيقظ الحاسة النائمة والمنومة وينتفض الحبر المخدر بالدولار والبترول.
لا شعر بدون مقاومة. لا شعر بدون تحريض ثقافي جمالي عال يسحب الأذن العربية التي خربت وشوهت ويصادق القارئ أو المستمع صداقة الجمال واليقظة والممانعة.
ما أحوج شعرنا إلى الذاكرة، وما أحوج شاعرنا اليوم إلى لقفة وعي ونهضة ضمير.
باستثناءات قليلة تؤكد القاعدة، لم يذهب الشعر العربي الجديد إلى الأمام، إني أراه يزحف نحو الخلف والخوف وأعتاب البلاطات.
ونسمع الأسطوانة التبريرية من هؤلاء "أشباه الشعراء": "لا بد من قتل الأب" حتى تتحقق "الحداثة" ويراد بذلك قتل "الأب المقاوم" وينصب الشاعر "السلطان" أبا له وولي نعمته.
هذه ليست نوسطالجيا إنما الشعر مقاومة دائمة للرداءة وللسقوط وللخذلان والتآمر على القيم الانسانية الكبرى.
أراقب المشهد الشعري ومعه أراقب طبقات الشعراء المتلاحقة والمتلاهفة فأجدهم كما في مأدبة مستمرة يجلسون ويتدافعون حول مائدة كبيرة لسلطان يضحك منهم ومن صغرهم. موائد تغير إطارها وشكلها موائد "حداثية": "حساء" الفنادق الكبيرة ومشروبها ورحلات في الدرجة الأولى ومال ريع وريح وبهتان.
أيها الشعراء النائمون في العسل السلطاني حتى وإن سلمنا معكم بأن المدح كان فنا من فنون الكلام عند القدامى فإني أقول: اليوم لا مبرر لوجوده، فوجوده مذموم ومرفوض جملة وتفصيلا.
الشعر حاسة الإنسان في رؤية الجمال والسعادة والخير والتقدم والعدل ونشدان التغيير وهي صفات لا تتوفر في مجتمع عربي متهالك ومنهوك ومباع فمن أين يجيء المدح وما لون وما شكل الممدوح هذا في ظل هذا الخراب.
أراقب المشهد الشعري العربي كقارئ وأكتشف ردة كبيرة في القيم وردة في السلوك وتراجعا في استقلالية الشاعر كقاعدة للكتابة ورأسمال للحرية.
أمام هذه الردة في ثقافة الممانعة وطغيان ثقافة الطاعة هجر الناس الشعر.
هناك فخاخ تنصب للشعر وأخرى تنصب للشعراء.
فخاخ المال وفخاخ السلطة وفخاخ الشهرة وفخاخ الاستهلاك وفخاخ الصورة الإعلامية.
هناك سياسة ترذيل ((banalisation الشعر وعمليات متقنة لإخصاء الشعراء.
لم يعد القمع في لغة السلطات المعاصرة هو التكميم أو المنع أو السجن. إن فن التكميم اليوم هو "المال". والمنع هو المال والسجن هو المال. فالسلطان يسعى كي يجعل لسان الشاعر العربي يتحلب "شعرا" رغبة في المال، وهو اللسان الذي يشترط فيه أن يكون سليطا ساخنا على عادة الشعراء الفحول (والفحل هنا مصطلح حداثي لا فروسي، هكذا يجب أن يفهم. الفحولة لصيقة بالإنسان السوي وبالشاعر الذي يقود القيم ويمثل رمزا للكرامة).
والفخ الآخر هو الإعلام، هناك قنوات تلفزيونية ملكية السلطان، جميع أشكال السلاطين، تحتفل بأنصاف الشعراء فتجعل منهم "أمراء الشعر" و"أمراء القوافي"، ولكن هؤلاء "الأمراء" هم في نهاية المطاف "ملكية" خاصة للسلطان، قطيع من قطعانه.
وتكرس "المهرجانات" التي أصبحت تتحكم فيها عصابات محترفة صورة السلطان راعيا للشعر وتكرس صورة ولائهم لذي النعمة قبل أن تكرس الشعر الذي هو الغائب الأكبر في غالبية مهرجانات الشعر العربي.
والجوائز التي تقدم في الشعر وفي فنون أخرى كالرواية التي يراد محاصرتها وتكميم الروائيين العرب من خلال إغراقهم في المال وتحويل جيوبهم إلى آبار صغيرة، هذه الجوائز هي الأخرى فخ من فخاخ السلطان العربي.
ولعل موقف الشاعر الصديق سعدي يوسف من الجائزة التي منحت له ثم لاختلاف الشاعر مع مانحيها ثارت الدنيا ضده، هذه الحال تؤكد ما أذهب إليه وهو أن هذه ليست جوائز أدبية إنما هي كمامات وأصفاد من ذهب وشهادات حسن السيرة أمام ذوي النعمة.
أراقب مشهد "الشعر" المأزوم ومثله مشهد قوافل "أشباه الشعراء" الراكضين إلى الموائد و"الزردات" وأقول: هذا زمن الردة الثقافية. هذا زمن عودة أخلاق التكسب وثقافة "الطاعة".
هذا الزمن العربي هو زمن الشعراء "حراس السرير".
هل تعرفون ما معنى "حراس السرير"؟؟؟

أرسطو طاليس 29-05-2009 11:34 AM

في الثقافة والدين وما بينهما من غزل وشجن
 
أقواس

في الثقافة والدين وما بينهما من غزل وشجن

2009.05.27
بقلم: الدكتور أمين الزاوي

الثقافة والدين وما بينهما من شجن واتصال، وما بينهما من صحبة ومرافقة وشجار هي ما عرفته وتعرفه الشعوب عبر الأزمنة، وذلك ما يعيشه المواطن في كل المجتمعات.

تلك أسئلة وأخرى جالت في خاطري وأنا أقوم بهذه المساءلة للمؤسسات القائمة على تجسير العلاقة ما بين الثقافي والديني، في بلادنا.
إن المجتمعات العربية والإسلامية ومن بينها الجزائر تعيش فوضى كبيرة في فهم العلاقة ما بين الثقافي والديني، التي من المفروض أن تكون العامل الحاسم الذي عليه تتأسس المواطنة والتي تحميها الديمقراطية كاختيار سياسي ونظام حكم.
حين ننظر قليلا إلى الخلف ونتأمل التاريخ الإنساني ندرك كم جرت هذه العلاقة المتوترة وغير المفهومة ما بين الديني والثقافي، ما بين الديني والسياسي على الشعوب من سفك دماء وحروب وعنف وانتهاكات. وحين أقول الدين فهذا لا يعني الإسلام وحده بل أقصد من ذلك جميع الديانات السماوية وغير السماوية. إن الحروب على أساس ديني أو لغرض ديني هي أكبر ما عرفته البشرية في كل عصورها.
إن ما حدث خلال الربع قرن الماضي أكد مرة أخرى ومن خلال الحروب والتنظيمات السياسية والعنف والاغتيالات توسع الاهتمام بالدين في كل أشكاله المعرفية والثقافية والسياسية والشعبية.
إن حل مسألة العلاقة ما بين الدين والثقافة يحل دون شك العلاقة ما بين الدين والسياسة. ولكي نحل هذه العلاقة علينا في رأيي إعادة النظر في المؤسسات الثقافية المشتركة في المجتمع الجزائري والتابعة لقطاعات مختلفة. انطلاقا من ذلك نطرح السؤال التالي ما العلاقة الثقافية التي تجمع والتي يجب أن تجمع ما بين المراكز الثقافية الإسلامية وهي مؤسسات ثقافية بالدرجة الأولى، أو هكذا يفترض أن تكون، التابعة لوصاية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ومؤسسات دور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة والمراكز الثقافية التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة (بالمناسبة هناك مراكز ثقافية تابعة لوزارة الشبيبة والرياضية لدى جيراننا تقوم بأهم المهرجانات المحلية والدولية في المسرح وفي الأدب والفكر)؟
إن مساءلة العمل الثقافي، على المستوى العملي والواقعي، ومحاصرة سؤال العلاقة ما بين الدين والثقافة يجب أن ينطلق من هذه المؤسسات التي تعمل مع المواطن والمثقف والمبدع على مستوى المدن الصغيرة والمتوسطة والكبرى، في الشمال والجنوب والشرق والغرب. لأجل ذلك يفترض في هذه المؤسسات أن تكون الملقى الحقيقي والاستراتيجي للمواطن الباحث عن سر العلاقة ما بين الدين والثقافة حتى وإن كان لا يطرح ذلك بمفردات واضحة أو بلغة مباشرة.
انطلاقا من هذه المقدمات ما يبدو لي مستعجلا جدا هو إعادة النظر في القوانين التي تسير الهيئات والمؤسسات المشرفة على الشأن الثقافي برمته. في تصوري لقد أضحت المراكز الثقافية التابعة لوزارة الشؤون الدينية على أهميتها وحساسيتها متجاوزة في عملها، لذا وجب إعادة النظر في قانونها الأساسي وفي فلسفتها وفي استراتيجياتها حتى تستجيب لما يصرخ به الواقع في وجهنا يوميا. حين نقول بضرورة التغيير والتحسين والترهين لأننا ندرك كما يدرك الجميع ما للدين من دور خطير في المجتمعات، يكون هذا الدور سلبيا حيث تستغل سذاجة المواطن وتكون نسبة السذج الذين يجرون إلى الهاوية عالية حين تكون الثقافة العميقة غائبة. وحدها المراكز الثقافية التابعة للوزارة الوصية على الشأن الديني هي القادرة والمخولة، على الأقل نظريا، لكي تقدم ثقافة عالية وقادرة على الإقناع والجدل المسؤول (هذا لا يعني أبدا التقليل مما تقوم به الوزارة الوصية من اجتهادات في مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية أثيرت حولها نقاشات كثيرة تدل على شجاعة من يتولون أمرها).
كنت قد تحدثت في مقال سابق عن المسجد كفضاء للكتاب والرأي الثقافي والفلسفي، وهنا أقول إن المركز الثقافي الإسلامي هو يد أخرى ومعول آخر لتكريس ثقافة الحوار والحرية والمعاصرة انطلاقا من متن ديني يتفرع في سؤاله ليلامس السؤال الفلسفي والسوسيولوجي والأدبي والجمالي. وحين أقول ذلك فإني لا أشطب على ما يقام به من جهود حميدة من حين لآخر، ولكني أعتقد أن ذلك غير كاف ويحتاج إلى تكريس وتراكم إيجابي. لم تكن الفضاءات الإسلامية، في كل تاريخها، متعارضة مع الحوار والنقاش والاختلاف حتى وإن كانت هذه الفضاءات قد وصلت إلى التطرف في بعض الطروحات وفي بعض الفترات من التاريخ دون أن ينكر عليها أحد دورها وفعاليتها في الشأن الروحي العامل في الحقلين الثقافي والفكري ولهما.
إن ما نلاحظه من فوضى في الفتاوى وفي الاجتهاد والتأويل والذي يتخذ أشكالا مختلفة يؤكد ضرورة إعادة النظر في البنية التنظيمية والمفاهيمية التي تحكم المؤسسات المخول لها شأن الدين من باب الثقافة والفكر، كل ذلك سعيا لإخراج الخطاب الثقافي في الدين وحوله من خطابات وعظية مستهلكة إلى خطابات ثقافية فكرية قادرة على مساءلة الجديد.
على هذه المراكز الثقافية أن تقدم للقارئ والمبدع والشاعر والجامعي والباحث والمواطن الفضولي تلك الجرأة الفكرية التي تحلت بها السلالات المتعاقبة من المفكرين المسلمين على اختلاف رؤاهم وتياراتهم ومرجعياتهم عبر الحقب المتعاقبة وتقدم لهم وفي الوقت نفسه أيضا أولائك الفلاسفة والمفكرين الذين انتموا إلى العالم الإسلامي وعاشوا فيه وكانوا على ديانات أخرى كالمسيحية أو اليهودية، واعتبرهم بعض الفقهاء والعلماء والمؤرخين وعلى رأسهم الشافعي جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية. إن مقاربة على هذا الشكل وبهذا التصور الفكري والثقافي تقدم صورة لمواطن اليوم عما كان عليه الفكر الذي عاش فيه وله المسلمون ثقافة وديانة وسلوكا اجتماعيا ويقدم صورة شاملة ومتنوعة عن مفهوم الثقافة الإسلامية التي استطاعت أن تحوي في بنياتها ثقافات تنتمي إلى معتقدات أخرى دون خوف على الدين أو خوف على الله.
ونظرا لما يعرفه الدين من جناية عليه من قبل أهله من غير أهله وما يعرفه أيضا من توظيفات سياسوية وغيرها وما ينجر عن ذلك من انزلاقات اجتماعية وأيديولوجية توصل إلى الحروب والعنف وقتل الأخ للأخ والأب للابن فإننا وانطلاقا من ذلك علينا بالدعوة إلى رفع مستوى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف من صف وزارة عادية إلى مرتبة وزارة ذات سيادة.
في اعتقادنا، وانطلاقا من تحليل سوسيو-سياسي، تحتل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف موقعا أكثر استراتيجية، في عالمنا المتخلف، من وزارة الدفاع والشؤون العسكرية. فوزارة الشؤون الدينية وزارة قائمة على الدفاع الروحي الذي يؤسس للمواطنة وبالتالي يشكل مفهوم الوطن الذي تحرسه وزارة الدفاع، فبقدر ما تعطي الدولة من عناية وحرص لجبهة الروح والثقافة الروحية دون السقوط في التقوقع والجمود والخوف المرضي فإنها تكون قد حولت البلاد كلها إلى ثكنة من نوع خاص، ثكنة ثقافية وروحية عالية.
هناك ضعف بين وكبير في التحصيل الثقافي الروحي، وهو تحصيل ثقافي لا يمكن فصله أو رؤيته بمعزل عن الثقافة الإنسانية في شموليتها.
لا أتصور فقيها معاصرا لا يقرأ الرواية ولا يقرأ الشعر والفلسفة ولا يعرف استعمال التكنولوجية ولو بالشكل البسيط الذي يسمح له بالتواصل مع العالم في أرقى تجلياته.
فقيه أو إمام أو مرشد لا يقرأ الرواية والشعر والفلسفة والتاريخ ويدعي أنه يعيش هذا القرن هو "مثقف" تقليدي خارج عن تاريخية الثقافة وتاريخية الدين وبوضعه هذا لن يكون قادرا على محاورة مجتمع القرن والساعة.

لكل ساعة مثقفها والفقيه هو مثقف قبل كل شيء

لا يمكنني تصور إمام أو فقيه أو مرشد غير مثقف، فلقد كان الفقهاء في الأزمنة العربية والإسلامية المزدهرة مثقفين من ذاك النوع الذي يناقش في الفكر واللغة بنحوها وصرفها وعللها ويناقش في الشعر ببحوره ويناقش في التاريخ وهو إضافة إلى ذلك محدث ونكات يحفظ آلاف النوادر التي هي زاد المثقف المتفتح. كان مجلسهم مجلس علم وأدب وسجال ونكتة وحكاية وتسلية وإفادة ونقاش وأخذ ورد، كانوا مركز الحاضرة. وكانوا بهذا الموقع الثقافي الفاهم في مركز السياسة وبخطاب آخر، خطاب عالم (للتذكير فالأستاذ أحمد توفيق وهو وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب روائي وأديب وناقد، ولقد كانت غالبية الفقهاء إن لم يكونوا جميعا شعراء).
حين أعاين المشهد المؤسساتي الخاص بالثقافة في الجزائر أتساءل أما كان من الأفضل تحويل المراكز الثقافية الإسلامية إلى مراكز للفكر الإسلامي، وبهذه الصفة تكون هذه المراكز أشمل وأعمق، وبذلك تبدو مهمتها واضحة أكثر، وبذلك تتولى تنظيم الملتقيات الكبرى في الدين والفلسفة وحوار الحضارات وحوار الأديان وشؤون الثقافي المرتبطة بسؤال الديني؟
إذا لم تلعب المراكز الثقافية الواقعة تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف دورها في الترويج الفاعل والإيجابي للفكر الإسلامي الحر والمتنوع والمختلف والمتناقض لا يمكن للمواطن البسيط أن يعي مواطنته وتاريخه المجيد الحافل بالأسئلة الكبيرة من خلال المتن الديني عبر ممرات الشعر والأدب والخط والفن التشكيلي واللغة والفلسفة.
أعاين ما يجري في الساحة الثقافية وفي الشأن الثقافي في بلادنا فألاحظ هيمنة ثقافة الآخر على ثقافة الأنا، فأتساءل عن سبب هذا الخلل وهذا اللاتوازن؟ وحين أقول عن هذا اللاتوازن فهذا لا يعني مطلقا أنني أدعو إلى محاربة دونكيشوطية لثقافة الآخر، إن ثقافة وطنية لن تكون قوية إلا إذا كانت تنشط وتتجلى داخل ثقافات الآخر بالمتعدد، إنها جزء منا ونحن جزء منها ولا يمكن أن نعيش في جزيرة معزولة. لكن كيف يمكننا أن نجعل من ثقافتنا تعيش داخل التاريخ غير مفصولة عن ذاكرتها التي تعطيها قوة فاعلة ومدعمة للثقافات العالمية ضد التنميطية وهو ما ينتظره منا العالم بأسره؟
دون شكك ونحن أحفاد ابن رشد العقلاني وأحفاد ابن حزم الظاهري صاحب "طوق الحمامة في الألفة والألاف" علينا أن نعيد التفكير في أنانا وفي مستقبلنا شريطة ألا يتموقع مستقبلنا في ماضينا وتلك كارثة الفكر المعطوب.
في تصوري إذا أردنا أن نقفز إلى الأمام دون أن نسقط في الهاوية التي تتربص بنا، علينا إعادة النظر في علاقة العداوة أو حوار الطرشان أو الإلغاء القائم ما بين المؤسسات التي تشتغل على وفي الشأن الثقافي كالمراكز الثقافية التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف ودور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة والمراكز الثقافية التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة، فإذا ما تمكنا من جمع شمل الدين بالثقافة والشبيبة في فضاء اسمه الفكر والإبداع والثقافة فإننا سنكون من المنتصرين ومن أولائك الذين إذ يحافظون على الخصوصية يندمجون في العالمية دون دوخة ولا تنكر ولا خوف.
لا يمكن الخروج من الأزمة الثقافية والروحية إلا إذا استطعنا أن نحدد وبشكل واضح فلسفة المراكز الثقافية التابعة لوزارة الشؤون الدينية وتخليصها من مرض الخوف من الحاضر وتخليصها أيضا من عقدة الماضوية القاتلة وإعادة النظر في قانونها الداخلي وفي مهماتها وفي الوقت نفسه لا يمكن التقدم في الشأن الثقافي إلا إذا أعدنا النظر في مفهوم "دار الثقافة" التي هي مفهوم تجاوزه الزمن، وهي فكرة جاء بها أندريه مالرو حين عين أول وزير للثقافة في فرنسا، وقد قال يومها ديغول "وجدت وزارة لمالرو اسمها وزارة الثقافة" كما يجب التساؤل بجدية أيضا عن الدور الذي يجب أن تقوم به مراكز تسمى ثقافية في وزارة للرياضة والتي تحولت للأسف إلى مراكز هي أبعد ما تكون عن الثقافة بل إنها تسيء إلى مصطلح أو مفهوم "الثقافة". ولا يمكن إنجاح العمل الثقافي في بلادنا إلا إذا استطعنا بالفعل تأسيس علاقة فاعلة ومتواترة ومستمرة ما بين هذه المؤسسات العاملة جميعها في الحقل الثقافي.

الشهاب 29-05-2009 02:11 PM

رد: أقواس أمين الزاوي...
 
مشكور على الابداع

أرسطو طاليس 04-06-2009 09:23 AM

بيروت مدينة تكتب وتطبع وتقرأ
 

بيروت مدينة تكتب وتطبع وتقرأ

2009.06.03
بقلم: الدكتور أمين الزاوي/ [email protected]

من زمن كانت فيه "بيروت تطبع والقاهرة تكتب والعراق يقرأ" إلى هذا الزمن حيث "الجميع يطبع ولا أحد يقرأ" ما الذي يجري من حولنا أيها السادة؟

حتى وإن قال عنها أدونيس ظلما "بيروت مدينة بلا هوية" فهذا غير صحيح على الإطلاق وجناية في حق حقل الرموزية العربية.
إنها مدينة وأكثر من ذلك إنها مدينة الكتاب والكتاب وفضاء مفتوح للنقاش. والمدينة التي يرتبط اسمها ووجودها بالكتاب تظل قائمة وكبيرة في القلوب وفي التاريخ. وبيروت مدينة هويتها الكتاب ومواطنوها الكتاب.
"بيروت تطبع والقاهرة تكتب والعراق يقرأ": لقد ظل هذا الشعار مرفوعا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف السبعينات، ألا يحق لنا اليوم أن ندقق النظر فيه نعيد قراءته ونتساءل عن مصداقيته وهل إنه ما يزال يعكس بالفعل الواقع الثقافي الراهن الذي دون شك قد تغير كثيرا وحصلت فيه انقلابات جوهرية، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي؟
تظل بيروت مدينة التحدي حين يتعلق الأمر بالثقافة والإعلام. في بداية الثمانينات حين قصفت إسرائيل مطابع جريدة السفير ودمرتها عن آخرها، لم تستسلم الجريدة ولم تتباكى، ولم تتوقف عن الصدور ولا ليوم واحد، وفي الأسبوع الموالي كان عمال الجريدة يستقبلون مطبعة جديدة ويتم تركيبها في ظروف المقاومة والحرب لتطبع الجريدة في مطبعتها الجديدة بعد أقل من أسبوعين، تلك هي إرادة اللبناني حين يتعلق الأمر بالثقافة والإعلام.
وتلك مدينة مقاومة بالثقافي والحضاري.
حين تدخل بيروت تستنشق رائحة الورق والحبر وتسمع شهيق الورق على رقص المطابع؟
يبدو لي أن جميع الدول العربية التي دخلت معركة صناعة الكتاب في النصف القرن الأخير بدءا من بلدان المغرب العربي وحتى بلدان الخليج لا تزال في رأيي تراوح داخل مربع "الهواة". دور نشر بدون إستراتيجية واضحة ولا خط سياسي ثقافي واضح، الخط الواضح لدى الجميع هو التسابق على المال ولا شيء غير المال وهو في أغلب الأحيان على حساب الجدية والنظافة الفكرية، هو سباق "بالطبع" ضد هوية "الكتاب" نفسه.
نعم وحدها بيروت سيدة الاحترافية في صناعة الكتاب العربي.
إلى ماذا يعود ذلك؟
أولا يقول المؤرخون المتخصصون في تاريخ اللغات والكاليغرافيا بأن أول أبجدية مكونة من اثنين وعشرين حرفا وجدت في منطقة بيروت. وأنها رحلت من هناك إلى اليونان والعرب وأوروبا. ثم إن علاقة اللبنانيين بالمطبعة من خلال الطائفة المارونية التي تضم كثيرا من المثقفين العرب المتنورين الذين أسسوا للنهضة العربية العقلانية هي علاقة عريقة وطبيعية، لقد قامت أنتلجانسا الطائفة المارونية بعمل مفصلي في تاريخ العرب والعربية وذلك بقيامهم بتعريب المطبعة اللاتينية، كان ذلك في القرن السادس عشر، ومن يومها دارت المطابع بالحرف العربي. ودار العقل العربي أيضا!
ويعود نجاح بيروت في صناعة الكتاب إلى ثلاثة عوال أساسية:
1 ـ التنوع الثقافي والحرية التي يتمتع بها هذا البلد منذ نشأته وحتى اشتعال الحرب الأهلية في منتصف السبعينات.
2 ـ يعود نجاح حضارة الكتاب ثقافة وتجارة وصناعة في بيروت إلى شيء مركزي وأساسي آخر وهو أن الذين تولوا مهمة نشر الكتاب وتوجهوا إلى إنشاء دور نشر كانوا يمثلون نخبة من المثقفين الذين ساهموا هم أنفسهم من موقع الكتابة الأدبية أو الفكرية في صياغة بيانات الحداثات وشكلوا أيضا جنودا فيها ولأجلها على اختلاف رؤاهم للحداثات: حداثة قومية، حداثة أوروبية، حداثة تراثية، حداثة ماركسية وغيرها.
كان على رأس هذا الفريق الدكتور سهيل إدريس (1925ـ 2008) صاحب مجلة الآداب« التي أسسها سنة 1953 ثم دار الآداب التي أسسها بالاشتراك مع الشاعر الكبير نزار قباني سنة 1956، ولم يكن سهيل إدريس غريبا عن هذا المشروع الذي فتحه بل كان جزءا فيه وله، فهو روائي ومترجم ومناضل ثقافي قاد من خلال المجلة والدار معركة من أجل المعاصرة الأدبية، فكانتا بحق مرجعية في التحول الثقافي العربي ورمزا للوجود الأدبي لأهم الأسماء الأدبية في الرواية والقصة والشعر في النصف قرن الماضي. ولا تزال الدار، حتى بعد رحيل الدكتور سهيل إدريس، تصنع الحدث الأدبي بامتياز في العالم العربي، في الرواية والترجمة الأدبية وذلك دليل على عمق وتراكم التجربة.
وكان من عمداء النشر في بيروت أيضا الدكتور بشير الداعوق (توفي في أكتوبر 2007) وهو مؤسس وصاحب دار الطليعة التي أسسها سنة 1960 وهو زوج الكاتبة غادة السمان وهو مفكر اقتصادي متميز ومثقف قومي جريء وهو أحد أهم مؤسسي مركز دراسات الوحدة العربية وعضو مجلس أمنائه ولجنته التنفيذية منذ تأسيسه، وهو الذي نشر كتاب "نقد الفكر الديني" للدكتور صادق جلال العظم ويتذكر مؤرخو الفكر ما خلفه هذا الكتاب من ردود أفعال وردود مضادة أثرت الفكر العربي على مدى ثلاثين سنة ولا يزال الحوار قائما حتى الآن حول الإشكاليات ذاتها، وقد شكلت هذه الدار مدرسة كبيرة من خلال ما كانت تنشره ومن خلال مجلتها الفكرية أيضا دراسات عربية« التي كانت الصوت العالي الذي ينتظره القراء من الخليج إلى المحيط.
يعود نجاح بيروت في خوض معركة الكتاب إلى أن الذين خاضوها كانوا جزءا مركزيا في العملية الأدبية والفكرية، كانوا مساهمين فيها ومنشطين لها ومدافعين عنها. أما ما يلاحظ على هؤلاء ، أو على الأقل غالبيتهم، الذين يمارسون" النشر" أنهم لا يفرقون بين العمل في اقتصاد الثقافة وعلى رأسها الكتاب والعمل في تجارة "قطع غيار" السيارات المقلدة (pièces contrefaites).
3 ـ ولعل الذي حمى حضارة الكتاب في بيروت أيضا هو الإعلام الثقافي والأدبي فالمشرفون على هذا الإعلام هم أيضا من منتجي الكتب من الشعراء والنقاد والروائيين. إن أسماء وازنة ومحترمة في الساحة الأدبية العربية هي التي تتابع الصفحات الثقافية والملاحق الأدبية من أمثال: الشاعر عبده وازن أو بول شاؤول أو جمانة حداد أو عباس بيضون وإلياس خوري وشوقي بزيع وغيرهم والتي تولت أو تتولى الشأن الإعلامي الثقافي والأدبي في أكبر الجرائد كالنهار أو السفير أو الحياة، إن إعلاما جيدا هو الذي يكون حصانة لكتاب جيد وناشر جيد من أجل قارئ جيد.
لذلك، حتى وإن كان هناك عزوف على قراءة الكتب المطبوعة هنا وهناك في البلدان العربية التي تنتمي على صف الهواة فإن أغلب ما يطبع في بيروت وخاصة في دور النشر العريقة والجادة لا يزال يقرأ ويقرأ بنهم شديد.
إننا نحن في العالم العربي لا يمكننا تصور الكتاب دون بيروت. لقد ارتبطت صورة صناعة الكتاب بهذه المدينة أساسا وكأنما بنيت المدينة لتكون مكتبة كبيرة.
بعد مدريد، الإسكندرية، نيودلهي، أنفير، مونرييال، توران، بوقوطا وأمستردام هاهو دور بيروت كعاصمة عالمية للكتاب قد جاء وإن كان قد تأخر قليلا.
ولأن بيروت بحق وحقيقة عاصمة عامية للكتاب فقد لبى أهم كتاب الكرة الأرضية المعاصرين نداءها فوافقوا على المشاركة في ورشة حول بيروت ولقاء كتابها الحقيقيين وصحفييها الحقيقيين وناشريها الحقيقيين أيضا من أمثال: خوسي سارامانغو، أورهان باموك، أنطونيو لوبو أنطونيس، الطاهر بنجلون، نانسي هوستون، ميلان كنديرا، أمبيرتو إيكو، أنطونيو طابوتشي، مويان وغيرهم من نجوم الكتابة المعاصرة وصناع حدث الكتاب والنشر في العالم وفي كل اللغات ولدى كل القراء.
و لأن اللبنانيين جميعا منخرطين في هاجس الكتاب كجزء من تعريفية مدينتهم فإن الاحتفال بالكتاب هو ليس عملا نخبويا يقتصر على بيروت الكبرى أو طرابلس أو صيدا إن الظاهرة تمس ناس المداشر والقرى والمدن الصغيرة حيث القارئ وحيث العرس الحقيقي الكتاب.
كانت بيروت أولى المدن العربية الثقافية التي ثارت على المركزية المصرية وسحبت الزربية، زربية الكتاب من تحت أقدام القاهرة الأسطورة.
شكرا لبيروت لأنها كانت دائما موصلة الأصوات الجادة في الكتابة دون تمييز، وكانت قناة الأدباء الجزائريين من أبي القاسم سعد الله مرورا بأحلام مستغانمي وصولا إلى فضيلة الفاروق.
شكرا لبيروت لأنها تعلم من يريد أن يتعلم بأن الثقافة جبهة للقيم وللحضارة والنجارة الحضارية.
شكرا لبيروت، لأن من يقرأ تاريخ بيروت يقرأ تاريخ الثقافة العربية وتاريخ من صنعوها على اختلاف أطيافهم السياسية والجمالية.

أرسطو طاليس 14-06-2009 06:23 PM

رد: أقواس أمين الزاوي...
 
أقواس
بعض أحلامنا: بين المناضلة الأولى والسيدة الأولى

2009.06.10


بقلم: الدكتور أمين الزاوي


بين جميلة بوحيرد وسوزان مبارك

لماذا يتلذذ المثقف العربي بتعذيب الذات؟ لماذا ينظر إلى الجزء الفارغ من الكأس دائما ولا يعنيه ما هو مملوء؟ هل المحيط سوداوي إلى هذه الدرجة ليجعلنا نأكل لحم بعضنا بعض حيا؟

دارت في خاطري هذه الأسئلة والأفكار وأنا أتابع كما يتابع جميع المثقفين العرب مشروع "مكتبة الأسرة" الذي تشرف عليه وتتابعه وترعاه السيدة سوزان مبارك.
التقيت عشرات المثقفين من المشرق والمغرب، من اليسار ومن اليمين، من الليبراليين والإسلاميين، وفي كل نقاش يذكر فيه حال الكتاب والمكتبات والقارئ والمطالعة إلا وذكر مشروع "مكتبة الأسرة" للسيدة سوزان مبارك، يذكر دائما بخير وبترحيب ومدح مع اختلاف الصيغ وحجم التعقيبات والملاحظات بين هذا وذاك، لكن الإجماع على نبل المشروع قائم ولا غبار عليه ولا تشوبه شائبة كما يقول القدامى.
صحيح أن مشروع "مكتبة الأسرة" هو مشروع استراتيجي من حيث أنه يهتم بقضية مركزية وهي "المصالحة ما بين الأسرة والكتاب". وصحيح أيضا أن المشروع يثير بعض التحفظات المتولدة عن القراءات السياسية لدى بعضهم لأن من تشرف عليه محسوبة على كتلة سياسية محددة وهي جزء من السلطة بل مركز قرارها، ربما.
لا أحد ينكر أنه كلما تحققت المصالحة ما بين الكتاب والأسرة تتحقق معها ضمنيا المصالحة ما بين الذات وذاتها. ولا يمكن بناء أية مصالحة صلبة في غياب المصالحة مع الكتاب والثقافة بشكل عام.
إن نبل مشروع "مكتبة الأسرة" يكمن أيضا في نقل هاجس الحديث عن الكتاب الجاد من دائرة حديث النخب إلى نقاشات وحوارات المواطنين العاديين.
إن فكرة "مكتبة الأسرة" هي طريق لإنقاذ الكتاب من نخبوية الصالونات والمجموعات والإلقاء به داخل حيز وفضاء التعايش اليومي للمواطن، أي الأسرة.
لقد تناسينا وأهملنا كثيرا دور الأسرة في تثبيت المواطنة وتأكيد الذات، ولن تزرع تعمر ثقافة المواطنة الصلبة إلا إذا نبتت في تربة بالأسرة. فلا وطن دون أسرة، لا وطن سعيد دون أسرة سعيدة. لا مواطن سعيد دون أسرة سعيدة. لقد كانت ثورة ماي 1968 بفرنسا على كل ما حملته من تغييرات وتصورات جديدة للحرية إلا أنها كانت الحدث الأكبر الذي هدد مفهوم الأسرة. وانطلاقا من ذلك خلفت ثورة الطلاب هذه ثقافة "هدم الأسرة" توارثها أجيال على مدى أربعين سنة (وهو سن الرشد). وأعتقد الآن أن هناك عودة واضحة في الغرب كما في الشرق إلى الأسرة كبنية أساسية للمواطنة. وإذا ما أردنا بالفعل المحافظة على هذه الأسرة فلا بد من رابط قوي بين أفرادها أولا، بين الوالدين والأولاد وبين الأبناء أنفسهم وبين الوالدين أيضا، وهذا الرابط لن يكون قويا إلا إذا كان "الكتاب" بشكل خاص والثقافة العميقة على وجه العموم. انطلاقا من ذلك بدا لي مشروع "مكتبة الأسرة" للسيدة سوزان مبارك فكرة نبيلة، جاءت في وقتها استجابة لما بدأت تعرفه الأسرة العربية والشرقية من تفكك وتفتت.
فقد نشرت ضمن قائمة منشورات "مكتبة الأسرة" غالبية الأسماء العربية الكبيرة والمعاصرة في الرواية والقصة والشعر والدراسة دون تحفظ بل إن هناك أسماء نشرت ضمن هذه القائمة كانت قد أثارت كثيرا من ردود الفعل وصل إلى حد الاستنكار والمحاكم الثقافية من قبل المتطرفين في المجتمع كما هو حال كتب للشاعر أحمد الشهاوي وهناك أيضا كتاب من ممثلي الحداثة الشعرية بامتياز في جيل السبعينات مثل الشاعر العماني سيف الرحبي. كما أن نشر وإعادة نشر كتب التراث المعاصر أو القديم ووضعه في مكتبة الأسرة هو إعادة التواصل بين الأسرة وماضيها دون الاغتراب عنه أو البقاء فيه، وهو ما يجعل سياسة المشرع سياسة شمولية دون إقصاء أو حكم مسبق وهو ما يدل على أن المشرفين على النشر فيه يحملون هما ثقافيا نبيلا وألما لما وصل إليه حال الكتاب في بلداننا العربية.
إن مشروع "مكتبة الأسرة" هو أيضا طريق آخر لإنقاذ القوة الشرائية المنهارة في مصر (المشروع موجه للأسرة المصرية) في ظل انهيار الطبقة الوسطى والتي تحولت إلى طبقة فقيرة غير قادرة على اقتناء الكتاب لثمنه وهو الموجه أصلا إليها، لأن استهلاك الكتاب يكون وبالدرجة الأولى من قبل الطبقة الوسطى التي تتشكل من المهندسين والأطباء والإطارات الوسطى والمعلمين وأساتذة الجامعات والإداريين وأعوان الدولة بشكل عام وهم في غالبيتهم خريجو الجامعات أو معاهد التكوين وعلاقتهم بالمطالعة والكتاب علاقة مبكرة وعضوية.
إن مشروع "مكتبة الأسرة" إضافة إلى كونه شمل من حيث خط النشر جميع فئات الكتاب المعاصرين والحداثيين وعلى أجيال متلاحقة ومن بلدان عربية مختلفة إلا أنه أيضا قدم هذه المنشورات في طبعات جميلة محترمة وبسيطة وبأسعار رمزية وهو ما رفع عن المواطن المصري فاتورة الكتاب خاصة في بلد كمصر حيث مستوى الفقر تجاوز كل التوقعات ووصل إلى أعلى نسبة له. وإذا ما كان هذا المشروع قد احترم القدرة الشرائية للمواطن وحماها فإنه أيضا حمى حقوق المؤلف.
إن الكتاب المقدم من خلال منشورات مشروع "مكتبة الأسرة" استطاع وبهذا السعر البسيط والرمزي أن يحقق إلى حد ما حلم قارئ لطالما سمعناه وشاهدناه يصرخ على شاشات التلفزيونات العربية وفي المعارض الدولية التي تقام هنا وهنا منددا ومشتكيا أسعار الكتاب المرتفعة.
أعتقد أن تجربة مشروع "مكتبة الأسرة" أولا بهذه الكتب المحترمة التي ترفض أن تكون للزينة ولا تصلح لذلك، كتب يحترم فيها الكتاب من حيث أنه أخرج للقراءة. بهذه المنشورات قضى المشروع على ما كنا نلاحظه من مظاهر غريبة عندنا في السبعينات ولا تزال ربما حتى اليوم حيث يذهب " الواحد" إلى معرض الكتب بمقاسات في جيبه تناسب طول فيترينات خزانة الصالون التي يريد أن يزوقها بمجلدات ترعب ولا تقرأ أبدا.
وأنا أفكر في مشروع "مكتبة الأسرة" تساءلت أما كان بإمكان امرأة عظيمة في بلادنا وهن كثيرات أن تقوم بمثل ذلك أو بصورة أخرى وربما أعمق.
إن قيادة مشاريع نبيلة مثل هذه، مشاريع مرتبطة بالكتاب أساسا والهادفة إلى "المصالحة" الكبرى، مصالحة بين المواطن وذاته، بينه وبين تاريخه، بينه وبين أسرته، قيادة مثل هذه المشاريع تتطلب شخصية رمزية قادرة على أن تحقق الإجماع ولا غبار على ماضيها ولا ندوب في سيرتها النضالية التاريخية. لست أدري لماذا فكرت مباشرة في شخصية المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد، فهي إضافة إلى كل هذه الرموزية التي تحويها شخصيتها التاريخية فإنها قارئة تعرف الكتاب وتعرف مراميه. وتعرف الواقع الجزائري جيدا الذي لم تغادره منذ الاستقلال. إن عودة المناضلة الأولى إلى الحياة العامة والعمومية وبهذا الحضور الذي بدأ يتكثف قليلا قليلا يجعلنا نتساءل أما كان عليها أن تعود ونحن في حاجة إليها، تعود بمشروع ثقافي سام وكبير وهي أهل لذلك، وهي أفضل من يمكنه أن يقود المشاريع الكبرى النبيلة إلى بر الأمان.
أنا متيقن أن الجميع سيكون معها وإلى جانبها من المثقفين الذين يرون فيها صورة المرأة المناضلة وصورة الجزائر التي لا تنبطح أمام الصعاب. وأنا متأكد أيضا بأن قيادة المناضلة الأولى السيدة جميلة بوحيرد لمشروع ثقافي كبير سيجعل من أصحاب المال أيضا متعاطفين ومتورطين في مثل هذا المشروع بدعمه وبذلك يكون هناك تخفيف العبء على ميزانية الدولة، وأنا متأكد أيضا ومن خلال ما تحمله صورة السيدة جميلة بوحيرد من رأسمال من التقدير والاحترام لدى العرب جميعا شعوبا وأنظمة (على اختلافها) فإن مشروعا ثقافيا غير ربحي تقوده المناضلة العربية الأولى سيجد دون شك الدعم الكافي من كل الأقطار العربية.
إن العرب اليوم يحتاجون إلى إعادة بعث الثقة في مواطنيهم ولن يكون ذلك ممكنا إلا بتزويج الثقافة بالنظافة، تزويج الثقافة بالنضال، وأعتقد أن صورة السيدة جميلة بوحيرد قادرة على مد جسر متين من الطمأنينة ما بين المواطن البسيط والمثقف العربي
وإذا كانت السيدة الأولى سوزان مبارك قد نجحت لظروف سياسية قطرية في قيادة هذا المشروع المصري فإننا نعتقد أن المناضلة الأولى قادرة على أن ترفع التحدي بقيادة مشروع عربي ونجاحه مضمون لما في شخصية جميلة بوحيرد من مزايا وأحلام العدالة والحرية.
يعرف الجميع أن المناضلة من طينة جميلة بوحيرد لا تقاعد لها، وأمنيتنا وفي مثل هذه الظروف المفصلية أن تعود السيدة المناضلة الأولى إلى قيادة مشروع ثقافي ـ تربوي كبير يمس التربية والتعليم والكتاب والقارئ. والمناضلة الأولى تعرف أن كل ما حققه جيلها من حرية وشهامة يظل مبتورا في غياب إنسان غير ثقافي، لأن "الإنسان اللاثقافي" هو إنسان مشوش المواطنة.
فإذا كانت السيدة الأولى في مصر سوزان مبارك تعتمد في مشروعها هذا على دعم خزينة الدولة ولكن أيضا على الخواص وعلى المساعدات التي تجيئها من أوروبا وجهات كثيرة، إن موقعها كسيدة أولى يسهل لها المهمة دون شك، إلا أن المناضلة الأولى السيدة جميلة بوحيرد قادرة على قيادة مشروع كهذا بل وأكبر بكل حرية لأن رأسمالها هو تاريخها الذي يتكلم في السياسة وفي الشعر وفي الفن التشكيلي وفي السينما في جميع أقطار العالم العربي. فالمواطن البسيط مثل السياسي المحترف والمثقف والمبدع، جميعهم يعرفون أن هذه السيدةالمناضلة التي وقفت ذات يوم في وجه الاستعمار وهي في ريعان شبابها قادرة اليوم أن تقوم في وجه الجهل والأمية. إن من أنجحت ثورة نموذجية قادرة على إنجاح مشروع ثقافي ـ تربوي بعيدا عن كل شعبوية أو فروسية دونكيشوطية.

أرسطو طاليس 18-06-2009 01:34 PM

المثقفون العرب المسيحيون: ظلمناهم أم ظلمتهم النهضة؟
 
أقواس

المثقفون العرب المسيحيون: ظلمناهم أم ظلمتهم النهضة؟

2009.06.17
بقلم: الدكتور أمين الزاوي


لا يزال الانسان الجزائري البسيط، وحتى ذاك المنتمي إلى بعض الأوساط شبه المتعلمة، يملك صورة نمطية عن "العربي" الذي يعني لديه وبشكل أوتوماتكي ونهائي "المسلم". ففي تصور الجزائريين إن كل عربي هو مسلم، فالعربي في ذهنية الجزائري مرادف وملازم للمسلم.

و إذا كانت هذه الصورة النمطية المنتجة (عربي = مسلم) في المخيال الجزائري هي نتيجة لعلاقة متوترة وصراعية ودموية عاشها هذا الانسان على مدى قرن ونصف القرن تقريبا مع الاستعمار الفرنسي الذي كانت ديانته الرسمية هي المسيحية، فإن حظ هؤلاء المثقفين المسيحيين ليس بأفضل من قبل العرب بشكل عام، فهناك إجحاف في حقهم وإغماط واضح لدورهم في النهضة العربية على المستوى الأدبي والسياسي والفلسفي واللغوي.
جميعنا ينسى أو لا ينتبه بأن أجمل النصوص التي قرأها وحفظها في الكتب المدرسية (حين كانت الكتب المدرسية متعة وفضاء للحلم والذوق الرفيع أما اليوم فذاك أمر آخر) هي نصوص أغلبها لأدباء عرب مسيحيين، نصوص عن المحبة والطبيعة والوجود والتعاون والموت والخلود والمطر والربيع ووو كلما يجعل الطفل يحلم ويحلم على الرغم من الوسط الاجتماعي الفقير والصعب الذي كنا نعيش فيه.
من منا لم يحفظ قصيدة إيليا أبو ماضي (1889-1958) "جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت"؟ وهو الشاعر الذي ربط ما بين الرؤية الشعرية والرؤية الفلسفية في الموت والكون والوجود والحب، في لغة شعرية رفيعة ومدهشة وبسيطة.
وقبل إيليا أبي ماضي من منا لم يحفظ بعضا من قصائد الأخطل (640 ـ 708 م) الذي كان هو الآخر مسيحيا وشاعرالبلاط الاسلامي الأموي.
من منا لم يحفظ نصوصا كثيرة شعرية ونثرية لميخائيل نعيمة (1889 ـ 1988)؟ من من الأدباء لم يقرأ ويسهر طويلا مع روايات وقصص وحكم جبران خليل جبران (1883 ـ 1931)؟ من من المثقفين والأدباء العرب على مدار القرن تقريبا، من منهم لم يتأثر بأسلوب جبران خليل جبران، من منا لم يحاول تقليد أسلوب جبران خليل جبران. أجيال كثيرة من الكتاب العرب، جميعهم يعترفون في شهاداتهم وفي كتاباتهم السيروية بتأثرهم وإعجابهم بجبران خليل جبران.
أتصور أن التأثير الذي خلفه جبران خليل جبران في الثقافة الابداعية العربية وفي اللغة العربية نفسها من حيث تجديد الأسلوب وصيغ الإنشاء كان أكبر بكثير مما تركه فيها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (1889 ـ 1973). وأتصور أن كتابا مثل "النبي" لجبران الذي ظهر سنة 1923 والذي بيع منه على سبيل المثال سنة 1996 أزيد من تسعة ملايين نسخة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ولا يزال كواحد من أكبر الكتب الأدبية الكلاسيكية مبيعا إذ تقارن نسبة مبيعاته السنوية وحتى الآن وفي الأربعين لغة المترجم إليها بتلك المستويات التي تحققها الكتب المقدسة، أتصور أن النبي لجبران ترك أثره كبيرا على الكتابة وعلى الكتاب وعلى العربية وعلى المخيال العربي أكثر بكثير مما تركه كتاب "الأيام" لطه حسين على شهرة هذا الكتاب وعلى جرأة طه حسين ودوره في صناعة الفكر الانقلابي الجامعي أساسا .
وأتصور أن رواية "الأجنحة المتكسرة" (نشرت 1912) لجبران تركت أثرها في الروائيين العرب جيلا بعد جيل أكثر مما تركته رواية زينب لمحمد حسين هيكل (1888 ـ 1956) والتي يتم تدريسها في جميع الجامعات العربية تقريبا.
كما أن مؤرخي الأدب العربي حين الحديث عن التأسيس للرواية العربية يتجاهلون "الأجنحة المتكسرة" وغيرها من النصوص الشامية التي كتبها مسيحيو العرب في مطلع القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر كالشدياق وبطرس البستاني والريحاني وغيرهم.
وننسى أيضا بأن الفضل يعود إلى المثقفين المسيحيين العرب في تعريب آلة الطباعة اللاتينية التي أحضروها إلى بلاد الشام في منتصف القرن السادس عشر وبفضلهم دارت المطبعة بالحروف العربية.
وننسى أيضا بأن مؤسس "الهلال" عميدة المجلات الأدبية في مصر والتي لا تزال مستمرة في الصدور حتى يومنا هذا هو المفكر والأديب اللبناني الماروني جورجي زيدان (1861 ـ 1914).
من منا لم يقرأ سلسلة الروايات التاريخية لجورجي زيدان. روايات كانت ملهمة الكتابة بالنسبة لأجيال متلاحقة وكانت مؤسسة للرواية التاريخية بالمفهوم المعاصر للكتابة الروائية، وكانت أيضا مؤسسة لقارئ عربي للنثر الجديد بعيدا عن نثر البلاغة والتورية، ولعل الذي يقرأ اليوم روايات الكاتب اللبناني أمين معلوف الحاصل على جائزة الغونكور سيجد فيها كثيرا من آثار روايات جورجي زيدان إن في الرؤية أو حتى في بعض الأحداث، وهذا موضوع آخر.
من من الكتاب العرب لم يكن معجبا بتلك الدياسبورا الشامية (لبنان سوريا فلسطين) المشكلة من المثقفين المسيحيين الذين تجمعوا في جمعية أسسوها سنة 1920 بالولايات المتحدة الأمريكية وأطلقوا عليها اسم "الرابطة القلمية" والتي كان يرأسها جبران خليل جبران وكان نائبه ميخائيل نعيمة إلى جانب إيليا أبي ماضي. هذه الرابطة التي أصبحت بكتاباتها وكتابها المتميزين مدرسة أدبية كبيرة استطاعت أن تؤثر في اللغة العربية وأساليبها تأثيرا حداثيا كبيرا. وقد كان هدفها كما جاء في بيانها "إخراج الأدب العربي من الموحل، أي الركود والتقليد الذي غاص فيهما" أو أولئك الذين تحلقوا حول رابطة "العصبة الأندلسية" التي أسسوها سنة 1933 وكان من أعضائها ميشال المعلوف ورشيد الخوري (الشاعر القروي) وفوزي المعلوف وجرجس كرم وغيرهم.
من منا لم يعجب بجرأة المرأة المثقفة العربية ممثلة في صورة مي زيادة التي لا يزال تأثيرها قائما حتى الآن في أوساط الكاتبات الأديبات من الجيل الجديد. من منا لم يقرأ قليلا أو كثيرا من مراسلاتها مع جبران خليل جبران، مراسلات مليئة بالفكر والحب والسياسة والعواطف الانسانية العميقة، ومن منا لم تثره حكاية حبهما التي دامت 17سنة دون أن يلتقيا وكان الإبداع هو الجامع بينهما واللغة العربية الجديدة هي الوسيط بينهما. وحتى يومنا هذا لا تزال هذه المراسلات الأدبية تثير رغبة القراءة بكثير من الإعجاب والإكبار ولا يزال المترجمون في الغرب يعملون في كل مرة على إعادة ترجمتها.
من من الكتاب والمثقفين العرب من جيل ما بين الحربين العالميتين لم يدخل الفكر الانساني والمكتبة العالمية عن طريق بوابة الترجمة التي أسس لها المثقفون العرب المسيحيون المارونيون فهم الذين بادروا إلى ترجمة كنوز الآداب اليونانية القديمة (الإلياذة والأوديسا) والإنجيل وكتاب رأس المال لماركس والبيان الشيوعي والفلسفة الألمانية (هيغل ونيتشه) وترجموا كتبا كثيرة عن مبادئ الثورة الفرنسية وغيرها من كنوز الخزانة الإنسانية.
من منا لا يعترف بجهود رجل عظيم هو بطرس البستاني والذي يستحق فعلا لقب "المعلم"، كان مشغولا ومنشغلا طوال حياته بدرر اللغة العربية فوضع فيها أول قاموس عصري هو "معجم محيط المحيط" طبع عام 1870م وهو من وضع أول موسوعة عربية سماها "دائرة المعارف". وعائلة البستاني من أكبر وأعرق العائلات المثقفة في تاريخ العائلات العربية الشامية والتي خدمت ولا تزال تخدم العربية وآدابها إلى يومنا هذا.
وحين الحديث عن الفلسفة العربية أو العرب المحدثين والفلسفة في جرأتها لا يمكن لدارس موضوعي أن يقفز على كثير من الأسماء الهامة في الفكر والفلسفة وهنا أذكر للتدليل فقط شخصيتين أساسيتين في التفكير الفلسفي وهما سلامة موسى (1887 ـ 1958) وشبلي شميل (1850- 1917) و هما من كرسا الفكر الجدلي في العقل العربي الجديد.
و حين الحديث عن الفكر السياسي لا يمكن لأحد القفز على أنطوان سعادة (1904 ـ 1949) ومواقفه القومية العريقة وما عاناه جراء ذلك من اضطهاد أوصله في الأخير إلى حبل المشنقة.
لقد شكل المثقفون العرب المسيحيون رؤية مغايرة للنهضة العربية منذ القرن الثامن عشر ولكني أشعر بأن الدراسات والقراءات التي تناولت النهضة العربية في المشرق سواء على المستوى الفكري أو الحضاري أو الأدبي أو اللغوي تجاهلت إلى حد ما دور المسيحيين العرب فيها وقد ركزت أساسا على الدور المصري في النهضة. دون شك فللأنتلجانسا المصرية ممثلة في محمد عبده والأفغاني ورشيد رضا وقاسم أمين والطهطاوي وطه حسين والعقاد وأحمد أمين وغيرهم دور كبير وحاسم في صياغة خطاب النهضة العربية لكني أعتقد أن النهضة مسألة شاملة ومعقدة.
و إني أتصو أنه وبقدرما كانت المدرسة المصرية في النهضة مدرسة مهمة في طابعها التجديدي داخل الإطار الكلاسيكي المحافظ وربما يعود هذا لارتباطها المباشر والمركزي بالمؤسسة الدينية الأزهر الشريف وهو ما لم يطور أفق مغامرة الكتابة بالشكل الذي وجدت عليه في بلاد الشام. لقد تميزت المدرسة الشامية والتي قادها أساسا المثقفون العرب المسيحيون بالانفتاح على كل تجريب ومغامرة، ويعود هذا إلى ارتباط هؤلاء المثقفين بالثقافة الغربية الأمريكية خاصة والأوروبية دون أن ينسوا أو يقاطعوا ثقافتهم ولغتهم القومية، انطلاقا من ذلك استطاعوا أن يطوروا الخطاب العربي ويطوروا بالمقابل اللغة التي تحمل هذا الخطاب وتشكله.
وأنا أعتقد أن الحداثات العربية اليوم في الأدب والفلسفة خرجت من مرجعين أساسين: أولهما الثقافة الصوفية بكل الحرية في الماورئيات الدينية والأسئلة المحرجة واللغة الصافية المنحوتة والمولدة وثانيهما الثقافة العربية التي أنشأها المثقفون المسيحيون العرب في احتكاكهم بالثقافة الغربية حياة وكتابة.
أتصور أن النهضة العربية قامت في بعدها الثقافي الجديد لغويا وموضوعاتيا في بلاد الشام وقامت في بعدها الإصلاحي الديني والأخلاقي في مصر. ففي الوقت الذي كان فيه متشددو الأزهر يضعون بعض شروطهم أمام النهضة (حكاية طه حسين وعلي عبد الرازق مع متشددي الأزهر) كانت الأنتليجانسيا من العرب المسيحيين في الشام وفي المهاجر الأمريكية تعيش شقاء صياغة جديدة للخطاب النهضوي في احتكاكها المباشر مع هذا الغرب الذي دخل معركة التصنيع وتراكم تقاليد البورجوازية برأسمالها في الثقافة والأدب والموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والسينما.
على ضوء العطب الذي تعيشه النهضة العربية الثانية اليوم علينا أن نعود لقراءة تاريخنا الثقافي بشموليته ودون إقصاء وبشجاعة فكرية مسئولة سعيا لمعرفة الخلل فيه ومعرفة الإيجاب أيضا.

ibnelhakim 05-07-2009 12:39 AM

الزاوي ييمم شطر الشام
 
الزاوي ييمم شطر الشام

كتب الدكتور الزاوي مقاله الأسبوعي كالمعتاد وفي هذه المرة رحل بنا نحو الموارنة والهلال الخصيب؟

في زاويته أقواس
الشروق- أقلام الخميس- 18 جوان 2009- الموافق لـ 24جمادى الثانية 1430 هـ العدد 2640 ص
21
عنوان المقال/ المثقفون العرب المسيحيون: ظلمناهم أم ظلمتهم النهضة؟

ينطلق صاحبنا من فكرة أن الجزائريين العامة, وأشباه المتعلمين لا يفرقون بين العربي والمسلم, بمعنى أنهم يجهلون وجود عرب مسيحيين (عربي= مسلم) عندهم. ومن هنا يتطرق الدكتور إلى الإجحاف والظلم العربي للمثقفين المسيحيين, وأنه إذا كان التجاهل الجزائري العامي للوجود العربي المسيحي جهلا, وتبريره هو الاستعمار الفرنسي المسيحي الأسود لفترة تجاوزت القرن وثلث القرن, فإن بقية العرب لا مبرر لموقفهم من المثقفين المسيحيين الرواد, يقول: "هناك إجحاف في حقهم وإغماط واضح لدورهم في النهضة العربية على المستوى الأدبي والسياسي والفلسفي واللغوي". ثم يذهب الدكتور إلى تعداد الأسماء الأدبية الشهيرة وإنجازاتها الكبرى، ومنها مشاهير أدباء المهجر, يقول الكاتب: "كما أن مؤرخي الأدب العربي...يتجاهلون النصوص الشامية التي كتبها مسيحيو العرب في مطلع القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر كالشدياق وبطرس البستاني والريحاني وغيرهم". ثم يذكر الدكتور فضل المثقفين المسيحيين الشوام, يقصد بلاد الشام بالمفهوم القديم, في تعريب الطباعة, وفي تأسيس المجلات والدوريات الأدبية الشهيرة, ويواصل في تعداد المناقب, ويوضح مصطلح الشام بـ "لبنان سوريا فلسطين". ثم يعرج الكاتب على الجمعيات العريقة التي أسسها الأدباء المسيحيون الشوام في المهجر خاصة, ولا ينسى المرأة المسيحية الأديبة والمثقفة, فيذكر بعض الأسماء مقرونة بإنجازاتها, ثم يخص هذه المرة المارونيين من الأدباء والمثقفين المسيحيين ويسند إليهم فضل الترجمة إلى العربية انطلاقا من الأدب اليوناني إلى الأدب العالمي المعاصر وعموم الثقافة الغربية, وإنجاز المعاجم اللغوية المعاصرة, وكذا الموسوعات ودوائر المعارف. ثم يذكر الكاتب أن لديه شعورا بتجاهل العرب لدور المسيحيين الشوام في النهضة الفكرية والأدبية الحديثة, والتركيز على الدور المصري, ويقول إن الدور المصري كبير, لكنه مرتبط بالأزهر أساسا, مما جعله كلاسيكيا أو تجديدا داخل المحافظة, أما الدور الحداثي الصميم ففي بلاد الشام, وبفضل مسيحييه: "إني أتصور وبقدر ما كانت المدرسة المصرية في النهضة مدرسة مهمة في طابعها التجديدي داخل الإطار الكلاسيكي المحافظ وربما يعود هذا لارتباطها المباشر والمركزي بالمؤسسة الدينية وهو الأزهر الشريف وهو ما لم يطور أفق مغامرة الكتابة بالشكل الذي وجدت عليه في بلاد الشام..." يقول: " أتصور أن النهضة العربية قامت في بعدها الثقافي الجديد لغويا وموضوعاتيا في بلاد الشام وقامت في بعدها الإصلاحي الديني والأخلاقي في مصر"، ويعلل الدكتور هذا بكون رواد النهضة في مصر كانوا في صراع مع المؤسسة الأزهرية المتشددة, بينما الشوام والمسيحيون منهم خاصة, كانوا يصارعون كيفيات نقل الحداثة من الغرب الذي يحتكون به, ومن أمريكا التي هاجروا إليها, ومن هنا كانت ريادتهم في النهضة اللغوية والأدبية والفكرية وغيرها. يقول الدكتور في الختام: "على ضوء العطب الذي تعيشه النهضة العربية الثانية اليوم علينا أن نعود لقراءة تاريخنا الثقافي بشمولية ودون إقصاء وبشجاعة فكرية مسئولة سعيا لمعرفة الخلل فيه ومعرفة الإيجاب أيضا". في تلميح لضرورة الاعتراف بظلم العرب لمسيحييهم من الأدباء والمفكرين الشوام والمارونيين الرواد، الذين يعود لهم الفضل في النهضة العربية الحديثة.
أولا لمن لم يتابع حلقات هذا الموضوع, أقول إنني أتابع مقالات هذا الكاتب منذ بدأها بالنقد, لأسباب أهمها تجاوزاته غير المبررة في مسائل جوهرية تتعلق بعناصر الهوية, ثم تناقضاته الكبيرة, وتغييره لمسار أطروحاته دون سابق إنذار, لهذا ولأشياء أخرى كثيرة يضيق المجال عن ذكرها, رأيت من واجبي أن أضع الأمور في نصابها, بالمتابعة النقدية الموضوعية النزيهة. أما عن هذه المقالة بالذات, فإنها تتمحور على تباكي الزاوي ودفاعه المستميت عن المثقفين المسيحيين العرب, والموارنة اللبنانيين منهم خاصة, بحجة أن مؤرخي الأدب والثقافة العربية, لم ينصفوا هؤلاء الرواد المؤسسين للنهضة العربية الحديثة، فإليهم يرجع الفضل, دون غيرهم حتى من المصريين في إدخال الثقافة العربية إلى عالم العصر والحداثة. والملاحظ أن الدكتور لم يذكر لنا أي مرجع نعود إليه للتأكد من صحة دعاواه، ثم كيف يمكن أن تتجاهل الأمة رواد نهضتها, ولا تذكر أفضالهم ولا تعترف بها, أو تغمط حقوقهم كما يقول, والحال أنهم هم الذين يضعون أمهات الكتب الحديثة ومنها القواميس ودوائر المعارف والدوريات والتراجم وغيرها, في هذه الحالة يكونون هم الذين قصروا في حق أنفسهم, أو تواضعوا إلى درجة الإهمال والإخلال, ثم لماذا انقلب الزاوي على رواد النهضة من المصريين الذين سبقت له الإشادة بهم كثيرا وبشيء من المبالغة, في الأسابيع الماضية؟ لماذا جعلهم في هذه المرة قائمين بدور ثانوي محدود, لا يكاد يذكر بالنسبة للدور اللبناني الماروني خاصة, وإن كان يتحدث عن الشام, ويوضح بأنه يقصد ما يسمى اليوم لبنان وسوريا وفلسطين؟ ويهمل الأردن لأسباب يمكن التكهن بها بسهولة. إن الخط العام الذي يجمع نقاط الارتكاز لدى الدكتور هو ممارسة المدح المبالغ فيه حيثما بدت له منفعة ما, فهو يعطي الفرنسية وفرنسا أكثر مما لهما في سوق الحضارة المعاصرة بكثير, ويسيء إلى الهوية متباكيا عليها في ذات الوقت، لتغطية مراميه النفعية, ويظهر أن دوائر النشر الفرنسية قد نشرت له رواية, لا أعرف شخصيا غيرها لديه, والمعروف أن تلك الأوساط الاستعمارية والصهيونية لا تنشر إلا لمن يعينها على الإساءة للهوية العربية الإسلامية, وذات الرواية تحدثت الصحف عن نية ترجمتها إلى الإيطالية, وذلك يكون قد ترتب عن اقتراح من ذات الدوائر التي نشرت له في فرنسا. أظن أن السيد وهو ييمم شطر الشام وشطر الموارنة بالذات أصحاب دور النشر العملاقة في بيروت, فإنه لا يفعل ذلك مجانا, وهل هؤلاء حقا بحاجة إلى دفاع الزاوي عنهم, وتباكيه عن ظلم العرب لهم بنكران جميلهم وعدم الإشادة بدورهم الكبير والأساسي في النهضة العربية الحديثة, كما يدعي صاحبنا, وهو ادعاء لا مبرر له من المنطق والذوق السليم؟ لقد انطلق صاحبنا من زعم وضع كتاب أبيض عن الثقافة الجزائرية, مما يفهم أنه يريد أن ينقدها نقدا عميقا يفضح من خلاله خصومه الذين أخرجوه من منصبه السامي كمدير للمكتبة الوطنية الجزائرية قبل شهور قليلة, وقد قيل وقتها بأن ذلك العزل كان بسبب دعوته للشاعر أدونيس, الذي ألقى محاضرة بذات المكتبة, يقال إنه أساء إلى الإسلام والمسلمين فيها, فثارت ثائرة بعض الأوساط, ومن ثم كانت إقالة الزاوي من منصب المدير العام لذات المكتبة, لكن هذا التفسير لإقالته لا يصمد أمام النقد والتمحيص, وقد تكون قضية أدونيس هي القطرة التي أفاضت الكأس وليس شيئا آخر أكثر كما يدعي البعض. غير أن زعم وضع الكتاب الأبيض لم يتحقق في الحلقات التي خصصها لهذا الغرض في مقاله الأسبوعي لصحيفة الشروق الجزائرية, فسرعان ما اتجه إلى الشرق, ثم إلى مواضيع متفرقة من هنا وهناك, وأخيرا هذه الطلعة بالدفاع عن رواد النهضة العربية الحديثة الموارنة خاصة, إن التفكير المتأني وتتبع المسار الذي وضع فيه الدكتور مقالاته الشروقية وما وقع فيه من تناقضات كبيرة بيناها في حينه, تشير بكل وضوح إلى أن صاحبنا لا يتحرك إلا حيث كانت هناك مآرب شخصية, ما ذا يريد هذه المرة بالذات؟ لا بد أنه يبحث عن شيء ما هو أدرى به في بلاد الشام, وفي بيروت منها خاصة, عن تعاملات ما, وعن منافع ما, ذلك ما عودنا عليه في مجموع مقالاته, لأنه – للأسف الشديد- لم يقدم لنا شيئا ذا بال في مجال الأدب أو الثقافة والفكر الحداثي الذي يدعيه ويروج له، وإنما دأب على الارتجال, كما هو فاعل في هذا المقال, الذي لم يزكه بأية مرجعية, ولا أي استشهاد, ولا إشارة عابرة إلى دراسة علمية ما أو غير علمية, تمت في هذا الأمر الذي يدعيه ويفتعله, وهل بمثل هذه الممارسات يكون التنوير ويكون التحديث والصعود إلى مراتب الثقافة والحضارة المعاصرة؟ إن مقاصد الزاوي من التشريق, والاتجاه إلى ما سماه الشام, وتركيزه على المسيحيين الموارنة, سوف تتضح قريبا من مساعيه لدى هؤلاء إذا قدر لها النجاح والإثمار بمنافع هي هدفه من هذه الرحلة المشرقية, وليس الغد لناظره ببعيد, فإما أن ينال السيد مبتغاه من هؤلاء الذين امتدحهم ونصب نفسه محاميا عنهم, وإما أن ينقلب عليهم إن هو خابت مساعيه لديهم, ولله في خلقه شؤون. لكن يبدو أن الدكتور قد أنهى سلسلة مقالاته هذه في الشروق, فلم يظهر له شيء في عدد الخميس الفائت, على أي حال لا زال له مقال في الخميس قبل الفائت سنتناوله قريبا بالدراسة والنقد والتعليق, ومعذرة للمتتبعين خاصة منهم رواد موقع الشروق, إن كنت قد تباطأت هذه المرة في الرد على الكاتب, وذلك لانشغالي بالأحداث الإيرانية, والله من وراء القصد.

zoulikha2 05-07-2009 10:50 AM

رد: الزاوي ييمم شطر الشام
 
السلام عليكم اخي، الثقافة الانسانية لا لون لها ولا رائحة ينبغي ان نتعامل معها بالنظر الى شكلها المعين وهدفها المحدد وننتفع منها قدر الامكان دون ان ننظر الى انتماءلت اهلها والله تعالى يامرنا ان نتبن الخبر حتى لو جاء به فاسق...فاسق...كى نعرف ما يدور في ادمغة الناس ولا نصاب بجهالة... ومن احتكاك الافكار والاراء يتولد الافضل.
zoulikha2

masrour farah 05-07-2009 11:49 AM

رد: الزاوي ييمم شطر الشام
 
دور المسيحيين في النهضة العربية أمر لاجدال فيه وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار المساحة وعدد السكان في التقييم جاز لنا أن نقول أن دورهم فاق دور المصريين بل كل العرب مجتمعين شرط أن يكون التقييم بالمطلق دون تخصيص( ديني ، إباحي ..الخ )
أما مارميت به الدكتور الزاوي في بقية مقالك خاصة ما تعلق بكون مؤشر بوصلته لايتجه إلا حيث تكون مصلحته الشخصية ، فأتمنى أن يكون قد أطلع على مقالك الناقد له وأعد ورقة للدفاع بها عن نفسه .

ibnelhakim 07-07-2009 12:35 AM

الزاوي يتناول كوكا كولا
 
الزاوي يتناول كوكا كولا

في مقاله الأسبوعي بزاوية أقواس

كتب الدكتور الزاوي هذه المرة تحت عنوان:

كوكا كولا بين العقيدة والأدب

أقلام الخميس – الشروق 18 جوان 2009_ الموافق لـ 02رجب 1430هـ - العدد 2646- ص 21

اسمحوا لي أعزائي أن أفتح قوسا لتوضيح أشياء أساسية باختصار, لرفع التباس لاحظته في المقال السابق، إن متابعتي لما يكتب السيد الزاوي جاءت مما ألحقه من ضرر معنوي بمعظم الجزائريين, عندما شرع في كتابة هذه السلسلة من المقالات الأسبوعية, ولأن الإخوة والأخوات لم يتابعوا مسار هذا النقد منذ البداية, جاءت تعليقات بعضهم بعيدة عن مقصد المقال, لذلك أوضح أن جوهر النقد الذي أقوم به هو الدفاع عن النفس ضد اعتداءات على الهوية والمقدسات, وجزء كبير من المجتمع, أو الأغلبية الساحقة من متعلميه إن لم نقل مثقفيه, لأسباب لا مبرر لها, سوى محاولة الكاتب التقرب من أوساط نافذة, ومن أوساط أخرى من وراء البحر, تحارب كل ما هو عربي أو إسلامي في الجزائر, لذلك نرفض رفضا قطعيا أن نكون سلعة يتاجر بها هذا السيد, فليتاجر كما شاء, لكن ليس فينا ولا في مبادئنا ولا في لغتنا الجميلة, ولا في ديننا الحنيف. بعد هذا التوضيح الواجب، تعالوا بنا نطلع على مختصر لمحتوى مقال الدكتور الزاوي هذه المرة:


يبدأ الكاتب بالتذكير بالأهمية الكبرى لكوكا كولا سياسيا واقتصاديا وغير ذلك: "كوكا كولا قادرة على قلب العالم, في الذوق كما في الاقتصاد, كما في الحروب والاستعمارات", يبدو أن صاحبنا استقى هذا من قراءة رواية "اللجنة" للروائي المصري الشهير "صنع الله إبراهيم", منذ عقود من الزمن. يقول إنه تذكر هذه الرواية, عند قراءته لخبر اجتماع رئيس شركة كوكا كولا في فرنسا باتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا, ليقول لهم إن مشروبه لا يحتوي على كحول, لكنه لم يتحدث عن الدعم الكبير الذي تقدمه هذه الشركة لإسرائيل, على أساس أنه حلال, ثم يتعجب الدكتور من استغفال الغرب لنا هكذا, ثم يعود للرواية التي تتحدث عن قمع الأنظمة العربية للمثقف وسماحها للشركات المتعددة الجنسيات مثل كوكا كولا بالنشاط داخل بلدانها, فلا خلاف على الكوكا كولا, وحتى إن حصل خلاف معها, يأتي رئيسها " بكل حضارة يقول للمسلمين بعد أن يجمعهم كالخرفان التي ضاعت بها السبل: إن كوكا كولا لا كحول فيها فاشربوها هنية ومنعشة". ثم يذهب إلى أن كوكا لا تصنع لنا الإجماع فقط بل تلقننا الذوق أيضا "فنانسي عجرم هي قنينة كوكا كولا حية ومتحركة وحيوية", ثم يروي كيف انتصرت هذه القنينة على أخرى صنعها المعمرون الفرنسيون في الجزائر على شكل امرأة أيضا لمشروب "أورنجينا", يقول إن صنع الله إبراهيم, تفطن إلى هذه الشركات التي تحاربنا بمالنا. ثم يذكر كيف اعتبر صنع الله إبراهيم أن الشعوب والأمم تختلف في أشياء كثيرة مثل اللغة والدين وغيرهما, لكنها لا تختلف على الكوكا كولا, فاسمها هو نفسه عند الجميع. يعود الدكتور من هذا إلى اجتماع رئيس الشركة بمسلمي فرنسا, فيقول: "هل حين تعتنق كوكا كولا الدين الإسلامي وتدخل في باب الحلال هل ستتوقف الشركة عن دعمها السنوي لإسرائيل؟". ثم ينتقل إلى القدرة العالية لهذه الشركة في فن الإعلان والإشهار, وقد استطاعت أن تضم إليها كثيرا من مشاهير الفنون المتنوعة, وهي الآن بصدد البحث عن نجوم من نوع آخر، هم أهل الفتوى والجمعيات الدينية, "وتلك طريق آخر للدعاية في القرن الواحد والعشرين لكي تصبح مملكة كوكا كولا إمبراطورية القرن الكبرى". إن خبراء الإشهار في كوكا كولا, يريدون هذه المرة دخول العالم الإسلامي وثقافته بحثا عن مليار مستهلك, إن كوكا كولا تساير الفضول السياسي والثقافي الغربي نحو العالم الإسلامي لتساهم فيه " تستغل هذه الحال بوضع إستراتيجية إشهارية جديدة قائمة على الثنائية – الحلال والحرام –" بعيدا عن التحالفات السياسية والاقتصادية, يقول الدكتور أنه استمد هذا الطرح من رواية "اللجنة", التي حاولت "إرسال رسالة مشفرة للقارئ العربي لتشجيعه على تبني ثقافة المقاومة لا على الرضوخ للوضع المنهار", ويختم المقال هكذا: "يحدث هذا في هذه الأيام حيث عودة الحديث عن التطبيع الثقافي مع إسرائيل والذي يحاول البعض تبريره بخطابات عالمة أو متعالمة".
هذا هو المقال الذي تفضل به الدكتور هذه المرة, والذي نتمنى أن يكون هو الأخير في هذه الصحيفة، الشروق، أكبر صحيفة في الجزائر, حيث توزع يوميا أكثر من نصف مليون نسخة, لم يكتب الزاوي هذا الخميس الأخير, ربما أنه ترك الشروق, دون أن يعلن لقرائه ذلك كعادته. انظروا الارتجال كيف ينطلق من خبر قرأه في صحيفة عن اجتماع رئيس شركة كوكا كولا في فرنسا برؤساء الجمعيات الإسلامية في ذات البلد, ليقول لهم إن كوكا كولا لا تحتوي على كحول, ويذكره هذا برواية لصنع الله إبراهيم قرأها منذ أكثر من ربع قرن, ويتبنى وجهة نظر كاتب الرواية, ليعالج به الخبر الذي قرأه في جريدة, وكيف أن المسلمين خراف, وهو فقط النبيه الذي يتفطن إلى أن كوكا كولا وهي الشركة العملاقة العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات, تستغفلنا وتخدرنا بالحلال, بينما هي تساعد إسرائيل بملايير الدولارات وبشكل دوري وثابت. إني أتساءل هل يوجد هناك من عوام العرب والمسلمين من لا يعرف أن كوكا كولا تقدم دعما كبيرا لإسرائيل؟ وأنها محل مقاومة كبيرة لذلك؟ وأن مسلمي فرنسا يعرفون هذا الأمر جيد المعرفة,؟كما لا يجهلون تحريم الدعاة والأئمة لكوكا كولا بسبب مساعدتها لإسرائيل؟ وليس بسبب احتوائها على الكحول أو غيره من المحرمات, وإنما بسبب دعمها الضخم لإسرائيل؟الراجح هو أن السيد كان بصدد ملء فراغ, فهو ملتزم مع الجريدة بمقاله الأسبوعي, وكان يبحث عن كيفية تدبير موضوع, فوجد هذا الخبر في جريدة, وأسعفته الذاكرة باستحضار رواية " اللجنة" للكاتب الكبير "إبراهيم صنع الله", فمزج بين الاثنين وقدم لنا هذه الوجبة الغريبة, لكي لا يقول أي شيء سوى تسليم المقال الملتزم به للجريدة, ربما أن مثل هذا الموقف هو الذي نبه السيد الزاوي إلى أنه يجب أن ينسحب من مثل هذا الوضع, لذلك اختفى آخر خميس من الجريدة, ربما, ويكون بذلك قد عمل معروفا, وأراحنا من هذه المتابعة المملة, لأننا نحن القراء مئات آلاف القراء, وخاصة منهم الذين يمتلكون شيئا من الحس النقدي, أصبحوا لا ينتظرون أي شيء ذا بال من هذا الكاتب بالذات, فهو مشغول تماما بالبحث عن أشياء تعود عليه بالفائدة الشخصية, ويتخذ منا لذلك دروعا بشرية بريئة رغم أنوفنا, وكان على الجريدة أن تحمينا من هكذا ممارسات مشبوهة, وربما تكون قد فعلت, بعد سلسلة من النقد قام بها الكثير لمقالات الدكتور الزاوي, وقد اتفق النقاد تماما على القيمة الهزيلة والمسيئة لهذه المقالات, ربما يكون هذا هو سبب غياب مقال الزاوي في هذا الخميس الأخير, نتمنى أن يكون الأمر كذلك, حتى نرتاح من هذه المهمة الصعبة, فليس أشق على النفس من متابعة كتابة صادرة عن مصدر غير نزيه, خاصة إذا كان المتابع يدرك ذلك الأمر تمام الإدراك إلى درجة اليقين, وقد تملكه اليأس من صلاح المعني لأنه هو الآخر مصمم على سلوك نفس الدرب دون تبديل ولا تغيير, وبالطبع فإنه عندما لا يقدم الكاتب أي شيء, فإنه يجبر الناقد على الإفلاس معه. تقول لي: ولما لا يترك هذا الناقد أو ذاك هذا الكاتب وشأنه؟ فأجيبك بأنه يسيء إلينا كثيرا ولا يمكن السكوت عليه, من باب الدفاع عن النفس ووضع الأمور في نصابها, فأشياء الوجود الأساسية للأمة من ثقافة ولغة ومبادئ وعقيدة لا يمكن ترك من يمس بها وحاله, إنه يجبرك على متابعته, وهذا هو السبب في هذه الورطة الحقيقية, لقد كانت بداية هذه المحنة بتخصيص هذا السيد مقالة ينعي إلينا فيها اللغة العربية ويقول إنه حزين عليها, ثم ثنى بالحكم بالتخلف والجهل والذل وغير هذه من الشتائم المرة على قراء العربية وكتابها في الجزائر خاصة, والغريب أنه يؤكد في كل مرة أنه منهم لإبعاد الشبهة عنه, ولمحاولة تمرير إساءاته, فكيف لا نتابع هذا الشخص ولا نقف إلى جنب القراء الشباب والبسطاء الذين وقعوا في حيرة من أمرهم, وهم يقرؤون هذه التهجمات عليهم وعلى كل ما هو أساسي ومقدس ومبدئي لديهم؟ أملنا أن تطوى هذه الصفحة نهائيا, ويريحنا الزاوي ويستريح, آمين يا رب العالمين.

ibnelhakim 07-07-2009 12:50 AM

رد: الزاوي ييمم شطر الشام
 
شكرا على التعليق المفيد. أوافقك تماما أختي الفاضلة على كون الفكر جنسيته هي الإنسانية ووطنه هو العالم كله. والواقع أن ردود أفعالي على كتابة هذا السيد جاءت من بداياته الأولي بالهجوم غير المبرر على العربية والمعربين إلى درجة الشتم, فحاولت فهم دوافعه فلم أجد غير كونه يسعى للفوزبرضى أوساط معينة من وراء البحر خاصة, لما له في ذلك من منفعة, ومن ثم أيضا ما يبحث عنه في مقاله هذا, وإلا فما المبرر؟ ثم هل من الحكمة أن نغض الطرف على من أساء إلينا وفي أعز ما نعتز به مبادئنا ولغتنا الجميلة؟ جزاك الله خيرا أختي الفاضلة.

ibnelhakim 07-07-2009 01:03 AM

رد: الزاوي ييمم شطر الشام
 
أخي الفاضل تحياتي واحترامي
أصارحك بأنني توقفت عند تعليقك متسائلا عن حقي في رمي الزاوي بالبحث عن المنفعة. أذكرك إن كنت تابعت مقالات الزاوي منذ البداية, بانطلاقه من نعي العربية إلينا وبحزنه عليها، ثم تثنيته بسيل من الشتائم للمعربين, وعجبي كيف سكت المعربون عن ذلك؟ إن المنفعة مشروعة وشرعية بشرط ألا يتوسل إليها بممنوع أو حرام, وهذا هو سبب اعتراضي على الزاوي منذ البداية وحتى الآن, ولطالما حاولت العثور على سبب بريء لممارساته فلم أجد, أما عن مساهمة أهل لبنان في النهضة, ومسيحييهم ومهاجريهم, فهذا لا يختلف فيه اثنان ولا ينططح فيه عنزان. لكن لماذا يطلع علينا الزاوي الآن بذكر هذا الأمر الأكثر من بديهي؟
تحياتي وشكري الجزيل أخي الفاضل.

ibnelhakim 12-07-2009 01:02 AM

الزاوي في جاهلية الحكام العرب
 
الزاوي في جاهلية الحكام العرب

عاد الزاوي فعدت مكرها, عاد ليكتشف البارود, ويبشرنا بأن الحكام العرب لا يقرؤون الرواية, ولو فعلوا لتغير وجه العالم العربي تماما, الكارثة التي يعيشها الشعب العربي في نظر الزاوي أصلها وفصلها هي أن الحكام العرب لا يقرؤون الرواية, كنت قد اعتقدت – كما أعلنت لكم – في آخر تعقيب لي على هذا الكاتب- أنه ربما انتبه أو انتبهت الجريدة الكبيرة التي ينشر فيها مقاله الأسبوعي إلى عدم جدوى هكذا كتابة, فتوقفت عن النشر له, أو توقف هو, لكنه غاب في الأسبوع الماضي دون استئذان, وعاد هذا الأسبوع دون اعتذار, وبالطبع فإن من يستخف بالعقول, لا يرجى منه مراعاة مشاعر الناس واحترام القراء, كما يفعل كل الذين يقدمون أنفسهم للناس للاستماع والاستمتاع والاقتداء والنصح والإرشاد, إنه لم يعمل بهذا وعاد ثانية, فلا بد من متابعة ما يقدم للناس, لا على سبيل نقد الأفكار فقط, ولكن نظرا لما قدمه في مقالات سابقة من إساءات غير مبررة لقرائه, الذين أنا واحد منهم, بلغت حد الشتم المباشر والصريح, بسبب كونهم قراءا للعربية, ومتعلمين بالعربية في الجزائر, وأكرر ,وهذه لا تُنسى, أنه اعتبر اللغة العربية العتيدة لغة ميتة, وقال أنعيها لكم وأنا حزين, كما ادعى, وهذه لهجة ليست بريئة, فهي – ما خبرناه بألم كبير في هذا البلد - تنتمي إلى خطاب الثورة المضادة, وهي من أساليب حديث القوة الثالثة, التي تعرفون مهامها في الجزائر, كوريثة مهيأة مسبقا للعهد الاستعماري البائد, لهذا أتابع ما يكتب هذا السيد ضرورة, فقد كتب هذه المرة يقول:

ماذا لو قرأ الملوك والرؤساء العرب روايات أدباء بلدانهم؟

هذا هو عنوان مقال الدكتور الزاوي, الذي كتبه نهاية الأسبوع الماضي ضمن أقلام الخميس, في ركنه الخاص "أقواس"


الشروق- الخميس 09 جويلية – الموافق لـ 16 رجب 1430 هـ - العدد - 2658- ص 16

مقدمة المقال:


ماذا كان سيحدث في هذا العالم العربي لو أن ملوك المملكات ورؤساء الجمهوريات وأمراء الإمارات وشيوخ المشيخات وسلاطين السلطنات قرأوا الروايات التي كتبها ويكتبها أدباؤهم بلغة العرب العاربة أو العرب المستعربة أو العرب المستغربة؟ كان سيحدث الكثير.
قد تكون هناك صيغة تهكم في هذه المقدمة على لغة العرب الجميلة في هذا التنويع الغريب لوصفها وكأنها لغات متعددة, أما تلك التي نعتها بلغة العرب المستغربة, فقد عجزت عن فهم قصده منها إن كان له قصد, اللهم إلا إذا كان يعني أمثاله ممن يتخذون من هذا المقوم الأساسي للغة مطية للعبث والسخرية, وإلا فإن هؤلاء العرب المستغربة لا وجود لهم أصلا ولا للغتهم, ومن ثم – وهو أخف الضرر- أن يكون مجرد حشو وقع فيه الدكتور منذ مقدمته لهذا الموضوع, الذي يبدو من أسلوب حديثه أنه يعتبره اكتشافا خطيرا, وفي الحقيقة أن هذا المقال الغث فارغ بل أفرغ من فؤاد أم موسى, وما قدمته لكم في البداية كاف جدا لعرض مضمونه, لكن فلا بأس أن نقوم بجولة فيه لنقف على بعض التعابير للكاتب نفسه, حتى تكون الأمور أكثر وضوحا وشفافية.
بعد هذا التقديم يشرع الدكتور في تساؤلاته عما ذا لو قرأ هذا الحاكم أو ذاك الأحياء منهم والأموات روايات عدة روائيين من بلده, ويستمر المقال هكذا ليأتي – تقريبا – على كل البلدان العربية, أو أهمها – على الأقل – ويشرع هكذا بكبيرهم رئيسا وبلدا وروائيا, يقول: " تخيلوا معي أيها السادة, مجرد خيال لا أكثر ولا أقل, لو أن الرئيس جمال عبد الناصر كان قد قرأ روايات نجيب محفوظ مثل الثلاثية و"ميرامار" و"الحرافيش" وأن..." ثم يواصل مع مصر بعد عبد الناصر حكاما وروائيين حتى الآن. ثم يفعل نفس الشيء مع باقي البلدان العربية تقريبا كلها, ما عدا بعض الإمارات أو المشيخات, فقد تركها, ربما لأنه لا يعرف عنها شيئا, كما فعل عندما أراد ذكر رئيس الصومال فلم يجد لا قديما ولا جديدا, فكتب:" لو أن الرئيس الصومالي ( ما اسمه؟) قرأ...", لم يكلف نفسه حتى فتح مرجع, أو طرح السؤال في الإنترنيت عن الاسم المطلوب, ولنفس السبب, فيما يبدو, لم يذكر كل إمارات الخليج, أعني عدم معرفة أسماء الأمراء والروائيين المفترضين. لهذا ينهي هذه السلسلة النمطية من التساؤلات العجيبة بقوله: "لو...لو...ماذا كان سيحدث؟ كان سيحدث العجب؟", ويبدأ الإجابة عن هذا التساؤل بنفس الطريقة التي أجاب بها عن الحكام والروائيين والروايات, وملخص ذلك هو: استغناء الحكام عن قراءة التقارير المزيفة للجهات الحكومية المختلفة, وعن السماع لمغالطات وأكاذيب مستشاريهم, ولو قرأ الحكام الروايات لعرفوا " ما تعيشه أوطانهم وتعيشه الرعية المسكينة المغلوبة على أمرها من واقع حقيقي مر طافح بالفساد والأمراض والخيانات والخوف والإخفاق وأدركوا لكم هو قليل الأمل في بلدانهم وبين ساكنيهم". ويستمر في هذا القبيل من الإجابة المتكررة, فلو قرأ الحكام العرب الروايات لما كذب عليهم الوزراء وزيفوا لهم الواقع وقلبوا لهم الفشل نجاحا زيفا وبهتانا في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية, التي يعددها كما فعل مع البلدان والحكام والروائيين والروايات, وقد كان بإمكانه أن يكتفي بجمل لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة لأداء هذه المعاني التي يريد التعبير عنها. ثم ينتبه الدكتور – فيما يبدو – إلى أن الرواية خيالية أساسا, فيعالج ذلك بطريقة سحرية, إذ يقول: " مع أن الرواية تخييل إلا أنه لا واقع أقرب إلى الخيال من واقعنا العربي". وبعد إجابات أخرى من نفس النمط مع تغيير القطاع الحكومي, يستفيق، ويحس أن الصعوبة لا زالت قائمة, فالرواية والتقارير الحكومية ليسا من طبيعة واحدة, ولا يمكن – لذلك – أن يحل أحدهما محل الآخر, فيضطر إلى تقديم تبرير جديد, كما فعل قبل حين: " ومع أن الرواية الجديدة تنحو نحو الفانتاستيك فليس أقرب إلى الفانتاستيك من واقعنا العربي هذا". ثم ينتقل الكاتب إلى التزييف الذي تقوم به الأحزاب,فيفعل معه مثل ما فعل مع القطاعات الحكومية, لكن باختصار, ويفعل ذات الشيء مع الجمعيات, وأخيرا يؤكد الكاتب أنه لا تقرير عن الواقع أصح من تقرير الرواية, ولا أصدق. ويختم المقال هكذا: لو قرأ الملوك والرؤساء رؤساؤنا الروايات كان سيكون لهم صورة أخرى في الخارج صورة الصدق التي تفرض على الآخر احترامنا وتقديرنا. كان سيحدث أيضا أن يتمرن حكامنا على فن الخيال والتخيل وهما العاملان الأساسيان للسلطة وللتسيير كما قالها الشيخ ماوتسي تونغ ذات يوم".

في الواقع أن هذا المقال غني عن التعليق, وما دامت الضرورة تقتضي ذلك فلنخض في الأمر باختصار, هناك مسألة جهل الحكام العرب الذي يتحدث عنهم صاحبنا بفوقية عجيبة, على أساس أنه هو عبقري والحكام رعاع, ثم قضية الرواية التي لو قرأها الحكام لكان الواقع العربي الآن في أعلى عليين, ولصار الثمانية تسعة, (الدول الصناعية الثمانية الكبرى + العرب), وإذا كان هذا هكذا, فلماذا لا يقرأ الحكام العرب وتنتهي مشكلتنا الحضارية والحداثية, ونخرج من التخلف في رمشة عين؟ وإذا اقتضى الأمر فلنخرج لنتظاهر في الشوارع في مظاهرات حاشدة عارمة جارفة, لم يعرف التاريخ لها مثيلا مطالبين حكامنا بقراءة الروايات التي يكتبها كتاب بلادهم, ويضيفون إليها روايات كثيرة أخرى, حتى تتجذر الرواية في وجدانهم وفكرهم وتصرفاتهم. ثم كيف يمكن لنا أن نتصور هؤلاء الحكام الجهلة السذج بل الأغبياء أخيارا ومصلحين إلى الدرجة التي يكفي معها لينقلونا من جحيم التخلف إلى جنة الازدهار والتقدم والحداثة أن يقرأوا الرواية ويتخلصوا بها من الزيف الذي يتخبطون فيه نتيجة فساد محيطهم من الوزراء والمستشارين وكل الهيئات الحكومية والسياسية والمدنية, الكل أشرار ما عدا الحاكم, فهو صالح وطيب وخير لكنه جاهل وساذج وغبي وكل هذا يزول عنه لو قرأ الرواية, بحيث يصبح محل تقدير وإعجاب الآخرين في الخارج؟؟؟
يتحدث السيد الزاوي كما لو أنه هو هرم العلم والمعرفة والفن والباقي بمن فيهم الحكام لا يفقهون أي شيء, ثم يتقدم معلما للجميع وفي مقدمتهم الحكام العرب, ويقدم لنا دواء سحريا لمشاكلنا الحضارية المعقدة, هو مجرد قراءة حكامنا للروايات التي تكتب عن أوطانهم وشعوبهم ومجتمعاتهم, فينتهي كل إشكال ونرتفع إلى أعلى عليين, ونصبح في مصاف أرقى المجتمعات العصرية. تصوري هو أن الدكتور لم يجد ما يملأ به فراغ مقاله الأسبوعي, ففكر قليلا, ثم جاءت على باله هذه الخاطرة الساذجة حقا, فراح يدبج مقاله, وهو عبارة عن تكرار عدد قليل جدا من الجمل عشرات المرات, إن لم يكن أكثر حتى امتلأ الحيز الذي يكفي مساحة مقاله في جريدة الشروق, وانتهى الأمر. إن المسألة واضحة ولا تحتاج إلى الكثير من الشرح, وقد كان على الجريدة الكبيرة أن تحترم مئات الآلاف من قرائها وتمتنع عن نشر مثل هذا الاستخفاف بالعقول وبالأذواق وتحمي قراءها الذين جعلوا منها الجريدة الأولى في بلدها من هذا العبث. أما السيد الزاوي فأقول له إذا كنت لا تعلم أن الحكام العرب وغير العرب يعرفون عن واقع بلدانهم أكثر بكثير مما يستطيع خيالك الروائي العبقري أن يتصوره, فتلك مصيبة, وإن كنت تعلم بذلك وتتظاهر بالعكس فالبلاء أعظم. ولله في خلقه شؤون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


عاد الزاوي فعدت مكرها, عاد ليكتشف البارود, ويبشرنا بأن الحكام العرب لا يقرؤون الرواية, ولو فعلوا لتغير وجه العالم العربي تماما, الكارثة التي يعيشها الشعب العربي في نظر الزاوي أصلها وفصلها هي أن الحكام العرب لا يقرؤون الرواية, كنت قد اعتقدت – كما أعلنت لكم – في آخر تعقيب لي على هذا الكاتب- أنه ربما انتبه أو انتبهت الجريدة الكبيرة التي ينشر فيها مقاله الأسبوعي إلى عدم جدوى هكذا كتابة, فتوقفت عن النشر له, أو توقف هو, لكنه غاب في الأسبوع الماضي دون استئذان, وعاد هذا الأسبوع دون اعتذار, وبالطبع فإن من يستخف بالعقول, لا يرجى منه مراعاة مشاعر الناس واحترام القراء, كما يفعل كل الذين يقدمون أنفسهم للناس للاستماع والاستمتاع والاقتداء والنصح والإرشاد, إنه لم يعمل بهذا وعاد ثانية, فلا بد من متابعة ما يقدم للناس, لا على سبيل نقد الأفكار فقط, ولكن نظرا لما قدمه في مقالات سابقة من إساءات غير مبررة لقرائه, الذين أنا واحد منهم, بلغت حد الشتم المباشر والصريح, بسبب كونهم قراءا للعربية, ومتعلمين بالعربية في الجزائر, وأكرر ,وهذه لا تُنسى, أنه اعتبر اللغة العربية العتيدة لغة ميتة, وقال أنعيها لكم وأنا حزين, كما ادعى, وهذه لهجة ليست بريئة, فهي – ما خبرناه بألم كبير في هذا البلد - تنتمي إلى خطاب الثورة المضادة, وهي من أساليب حديث القوة الثالثة, التي تعرفون مهامها في الجزائر, كوريثة مهيأة مسبقا للعهد الاستعماري البائد, لهذا أتابع ما يكتب هذا السيد ضرورة, فقد كتب هذه المرة يقول:

ما ذا لو قرأ الملوك والرؤساء العرب روايات أدباء بلدانهم؟

هذا هو عنوان مقال الدكتور الزاوي, الذي كتبه نهاية الأسبوع الماضي ضمن أقلام الخميس, في ركنه الخاص "أقواس"

الشروق- الخميس 09 جويلية – الموافق لـ 16 رجب 1430 هـ - العدد - 2658- ص 16

مقدمة المقال: ماذا كان سيحدث في هذا العالم العربي لو أن ملوك المملكات ورؤساء الجمهوريات وأمراء الإمارات وشيوخ المشيخات وسلاطين السلطنات قرأوا الروايات التي كتبها ويكتبها أدباؤهم بلغة العرب العاربة أو العرب المستعربة أو العرب المستغربة؟ كان سيحدث الكثير.
قد تكون هناك صيغة تهكم في هذه المقدمة على لغة العرب الجميلة في هذا التنويع الغريب لوصفها وكأنها لغات متعددة, أما تلك التي نعتها بلغة العرب المستغربة, فقد عجزت عن فهم قصده منها إن كان له قصد, اللهم إلا إذا كان يعني أمثاله ممن يتخذون من هذا المقوم الأساسي للغة مطية للعبث والسخرية, وإلا فإن هؤلاء العرب المستغربة لا وجود لهم أصلا ولا للغتهم, ومن ثم – وهو أخف الضرر- أن يكون مجرد حشو وقع فيه الدكتور منذ مقدمته لهذا الموضوع, الذي يبدو من أسلوب حديثه أنه يعتبره اكتشافا خطيرا, وفي الحقيقة أن هذا المقال الغث فارغ بل أفرغ من فؤاد أم موسى, وما قدمته لكم في البداية كاف جدا لعرض مضمونه, لكن فلا بأس أن نقوم بجولة فيه لنقف على بعض التعابير للكاتب نفسه, حتى تكون الأمور أكثر وضوحا وشفافية.
بعد هذا التقديم يشرع الدكتور في تساؤلاته عما ذا لو قرأ هذا الحاكم أو ذاك الأحياء منهم والأموات روايات عدة روائيين من بلده, ويستمر المقال هكذا ليأتي – تقريبا – على كل البلدان العربية, أو أهمها – على الأقل – ويشرع هكذا بكبيرهم رئيسا وبلدا وروائيا, يقول: " تخيلوا معي أيها السادة, مجرد خيال لا أكثر ولا أقل, لو أن الرئيس جمال عبد الناصر كان قد قرأ روايات نجيب محفوظ مثل الثلاثية و"ميرامار" و"الحرافيش" وأن..." ثم يواصل مع مصر بعد عبد الناصر حكاما وروائيين حتى الآن. ثم يفعل نفس الشيء مع باقي البلدان العربية تقريبا كلها, ما عدا بعض الإمارات أو المشيخات, فقد تركها, ربما لأنه لا يعرف عنها شيئا, كما فعل عندما أراد ذكر رئيس الصومال فلم يجد لا قديما ولا جديدا, فكتب:" لو أن الرئيس الصومالي ( ما اسمه؟) قرأ...", لم يكلف نفسه حتى فتح مرجع, أو طرح السؤال في الإنترنيت عن الاسم المطلوب, ولنفس السبب, فيما يبدو, لم يذكر كل إمارات الخليج, أعني عدم معرفة أسماء الأمراء والروائيين المفترضين. لهذا ينهي هذه السلسلة النمطية من التساؤلات العجيبة بقوله: "لو...لو...ماذا كان سيحدث؟ كان سيحدث العجب؟", ويبدأ الإجابة عن هذا التساؤل بنفس الطريقة التي أجاب بها عن الحكام والروائيين والروايات, وملخص ذلك هو: استغناء الحكام عن قراءة التقارير المزيفة للجهات الحكومية المختلفة, وعن السماع لمغالطات وأكاذيب مستشاريهم, ولو قرأ الحكام الروايات لعرفوا " ما تعيشه أوطانهم وتعيشه الرعية المسكينة المغلوبة على أمرها من واقع حقيقي مر طافح بالفساد والأمراض والخيانات والخوف والإخفاق وأدركوا لكم هو قليل الأمل في بلدانهم وبين ساكنيهم". ويستمر في هذا القبيل من الإجابة المتكررة, فلو قرأ الحكام العرب الروايات لما كذب عليهم الوزراء وزيفوا لهم الواقع وقلبوا لهم الفشل نجاحا زيفا وبهتانا في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية, التي يعددها كما فعل مع البلدان والحكام والروائيين والروايات, وقد كان بإمكانه أن يكتفي بجمل لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة لأداء هذه المعاني التي يريد التعبير عنها. ثم ينتبه الدكتور – فيما يبدو – إلى أن الرواية خيالية أساسا, فيعالج ذلك بطريقة سحرية, إذ يقول: " مع أن الرواية تخييل إلا أنه لا واقع أقرب إلى الخيال من واقعنا العربي". وبعد إجابات أخرى من نفس النمط مع تغيير القطاع الحكومي, يستفيق، ويحس أن الصعوبة لا زالت قائمة, فالرواية والتقارير الحكومية ليسا من طبيعة واحدة, ولا يمكن – لذلك – أن يحل أحدهما محل الآخر, فيضطر إلى تقديم تبرير جديد, كما فعل قبل حين: " ومع أن الرواية الجديدة تنحو نحو الفانتاستيك فليس أقرب إلى الفانتاستيك من واقعنا العربي هذا". ثم ينتقل الكاتب إلى التزييف الذي تقوم به الأحزاب,فيفعل معه مثل ما فعل مع القطاعات الحكومية, لكن باختصار, ويفعل ذات الشيء مع الجمعيات, وأخيرا يؤكد الكاتب أنه لا تقرير عن الواقع أصح من تقرير الرواية, ولا أصدق. ويختم المقال هكذا: لو قرأ الملوك والرؤساء رؤساؤنا الروايات كان سيكون لهم صورة أخرى في الخارج صورة الصدق التي تفرض على الآخر احترامنا وتقديرنا. كان سيحدث أيضا أن يتمرن حكامنا على فن الخيال والتخيل وهما العاملان الأساسيان للسلطة وللتسيير كما قالها الشيخ ماوتسي تونغ ذات يوم".

في الواقع أن هذا المقال غني عن التعليق, وما دامت الضرورة تقتضي ذلك فلنخض في الأمر باختصار, هناك مسألة جهل الحكام العرب الذي يتحدث عنهم صاحبنا بفوقية عجيبة, على أساس أنه هو عبقري والحكام رعاع, ثم قضية الرواية التي لو قرأها الحكام لكان الواقع العربي الآن في أعلى عليين, ولصار الثمانية تسعة, (الدول الصناعية الثمانية الكبرى + العرب), وإذا كان هذا هكذا, فلماذا لا يقرأ الحكام العرب وتنتهي مشكلتنا الحضارية والحداثية, ونخرج من التخلف في رمشة عين؟ وإذا اقتضى الأمر فلنخرج لنتظاهر في الشوارع في مظاهرات حاشدة عارمة جارفة, لم يعرف التاريخ لها مثيلا مطالبين حكامنا بقراءة الروايات التي يكتبها كتاب بلادهم, ويضيفون إليها روايات كثيرة أخرى, حتى تتجذر الرواية في وجدانهم وفكرهم وتصرفاتهم. ثم كيف يمكن لنا أن نتصور هؤلاء الحكام الجهلة السذج بل الأغبياء أخيارا ومصلحين إلى الدرجة التي يكفي معها لينقلونا من جحيم التخلف إلى جنة الازدهار والتقدم والحداثة أن يقرأوا الرواية ويتخلصوا بها من الزيف الذي يتخبطون فيه نتيجة فساد محيطهم من الوزراء والمستشارين وكل الهيئات الحكومية والسياسية والمدنية, الكل أشرار ما عدا الحاكم, فهو صالح وطيب وخير لكنه جاهل وساذج وغبي وكل هذا يزول عنه لو قرأ الرواية, بحيث يصبح محل تقدير وإعجاب الآخرين في الخارج؟؟؟
يتحدث السيد الزاوي كما لو أنه هو هرم العلم والمعرفة والفن والباقي بمن فيهم الحكام لا يفقهون أي شيء, ثم يتقدم معلما للجميع وفي مقدمتهم الحكام العرب, ويقدم لنا دواء سحريا لمشاكلنا الحضارية المعقدة, هو مجرد قراءة حكامنا للروايات التي تكتب عن أوطانهم وشعوبهم ومجتمعاتهم, فينتهي كل إشكال ونرتفع إلى أعلى عليين, ونصبح في مصاف أرقى المجتمعات العصرية. تصوري هو أن الدكتور لم يجد ما يملأ به فراغ مقاله الأسبوعي, ففكر قليلا, ثم جاءت على باله هذه الخاطرة الساذجة حقا, فراح يدبج مقاله, وهو عبارة عن تكرار عدد قليل جدا من الجمل عشرات المرات, إن لم يكن أكثر حتى امتلأ الحيز الذي يكفي مساحة مقاله في جريدة الشروق, وانتهى الأمر. إن المسألة واضحة ولا تحتاج إلى الكثير من الشرح, وقد كان على الجريدة الكبيرة أن تحترم مئات الآلاف من قرائها وتمتنع عن نشر مثل هذا الاستخفاف بالعقول وبالأذواق وتحمي قراءها الذين جعلوا منها الجريدة الأولى في بلدها من هذا العبث. أما السيد الزاوي فأقول له إذا كنت لا تعلم أن الحكام العرب وغير العرب يعرفون عن واقع بلدانهم أكثر بكثير مما يستطيع خيالك الروائي العبقري أن يتصوره, فتلك مصيبة, وإن كنت تعلم بذلك وتتظاهر بالعكس فالبلاء أعظم. ولله في خلقه شؤون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


الساعة الآن 06:33 AM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى