محاولة أخيـــــرة
:13::13::13::13::13:محاولة أخيرة خرجت مثل رصاصة طائشة تحت جنح الليل لتخرق جدران الصمت السرمدي.. ما أبغض الظلام عندما يقبع فوق مشاعر البشر و يحيلهم الى كتل ركام أو ضفاف جليد. خرجت ليلى الى أزقة المدينة النائمة و هي تحمل أوجاعها بين كتفيها و تحضن دموعها بين مآقيها .. بصرها ذاهل و يحملق وسط هذا الليل البغيض الذي بدأ للتو. تركت هناك في البيت عقلها و فلذة كبدها –مجيد- و تبددت كغمامة صيف بين دروب التيه و ساحات البلدة و حاراتها.. ران صمت ثقيل على التضاريس و الأماكن و الأشياء و تلاشى ضجيج النهار الى اشعار آخر. بعض الجراء هنا و هناك كانت تئن و تعوي تحت سياط الجوع و لسع البرد القارس.. وحيدة ليلى وسط أمواج الخوف و التردد و الوجع..تجوب الأرصفة المقفرة مثل بائعات الهوى. عفوا...لم تكن ليلى فتاة هوى أو بائعة عشق و لذة. بل هي أم مفجوعة خرجت تلتمس الدواء لرضيعها – مجيد -. لقد همس لها الطبيب في يأس و مرارة ذات مرة : ( رضيعك سيدتي يعيش برئة واحدة و سوف يتعرض لنوبة الربو بسبب البرد ). منذ عام أو يزيد وصلتها رسالة من زوجها العربيد عن طريق المحامي : ( ليلى أنت طالق و قريبا سوف أمضي في اجراءات النفقة. سليم ). لكن النفقة الزهيدة تتضاءل مع الأيام و خيم الفقر على يوميات الزوجة الجريحة بعد أن باعت ما لديها من مصاغ ( أو بقايا مصاغ).. في تلك الشهور القاتلة جابهت المرأة الشابة وحوشا آدمية و كلابا جائعة راودتها عن نفسها مرات كثيرة. (دق...دق...دق...) تسارع نبضها المرهف و أطلقت الخطى و هي تبحث عن صيدلية مفتوحة لكن لا حياة لمن تنادي. اجترت ليلى آلامها و أشجانها في خضوع و يأس..رياح جليدية جثمت فوق شرايينها و شعرت أن الدورة الدموية تصلبت تحت بشرتها ناصعة البياض... ما أسوأ الشتاء و الفاقة حين ينهشان فرحة البسطاء في هذا اليوم من شهر كانون الثاني. كانت ليلى شابة حسناء يوم اقترنت بسليم..في سبيله أعلنت حربا شعواء ضد والدها و جيرانها و أقاربها. و كانت تقول في صرامة: ( سأحارب الكرة الأرضية كلها من أجل سليم..أنا أحبه الى آخر نبض في حياتي). و تم الزواج بسرعة البرق بعد جبال من المتاعب و المصاعب..و أنجبا وليدا بهي الطلعة. انغمس العريس لاحقا في معاقرة الخمر و رفاق السوء و السكارى. كان يواظب على لطم زوجته قائلا بصوت كريه: (سوف ألقي بك الى الشارع أيتها العاهرة ). كل الصيدليات و العيادات كانت مقفلة و لا سبيل الى الظفر بدواء للرضيع الموبوء.. حملتها قدماها المتجمدتان الى زقاق يغمره ضوء خافت و خجول. تتواثب هنا قطط متسولة تبحث عن الدفء. انتصبت ليلى أخيرا قبالة فيلا فاخرة ملبسة بقطع الرخام من جميع الواجهات و بجانبها حديقة غناء يتوسطها مسبح فسيح.. على سياج الفيلا علقوا لافتة مكتوبة بخط أنيق: (نبحث عن كلية رجل أو امرأة بالغين لقاء ثمن سخي. رجاء اتصلوا على رقم الموبايل ..........مع تشكراتنا الخالصة ).:13::20: |
الساعة الآن 11:25 AM. |
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى