منتديات الشروق أونلاين - عدت با نوفمبر وعودك محمود!

عدت يا نوفمبر وعادت معك الذكريات المحمودة!

ضجة وزلزلة في سجن وهران!

في ليلة من ليالي نوفمبر الباردة والرياح العاصفة والرعود القاصفة والاشجار المنتحبة.... صراخ في قاعة السجينات...ماذا جرى؟ تسابقنا لمعرفة السبب...؟
بعضنا تشبط في قضبان النوافذ الحديدية... نصرخ ...نشتم: يا سفاحين , يا مجرمين , افتحوا الباب ، المرأة تموت ...! بعضنا يصلى والبعض الاخر يدعو ويتضرع لله سبحانه ، والبعض الاخر يبكى ...
الضجيج خرج الي كل الزنازين والي حي السجناء... ظنوا انه الاعدام الجماعي في حي النساء تضامنا معنا. بدأوا يحيون الجزائر : تحيا الجزائر , تحيا الجزائر ...تمدد الضجيج الى حديقة الحيوانات القريبة من السجن...زأرت الاسد ... عوت الذئاب ...ناحت البوم والغربان... وامتلات السطوح بالعساكر! ... تمطط الضجيج ليصل الى احياء السكان ....
في القاعة، كل واحدة تحثني على ان اكون القابلة...ولم لا؟... اعرف كيف كانت جدتي تستقبل المواليد الجدد... لم يعد هناك مجال للتردد....في الحين قبلت ان اخوض المعركة في وسط تلك الضجة والصراخ ...حسبتني حقا قابلة , شمرت على اطرافي، صرخت: هيا الي بالخيط والمقص..... اعطنى انت القش النظيف....وانت هل لك زيت ؟... وانت اسرعي بالماء والصابون...
قبعت على ركبتي لاستقبال المولود ...بدأت ادلك بطن المريضة العظيم......ظننت انها تحمل توأما، خفت... وازداد خوفي عندما عرفت ان المولود سباعي ... هيا ايتها الشجاعة ازحمي ... ازحمي لنري الوليد... انه بن بلا...اخرى انه آية احمد... اخرى ارينا وجه بوضياف او بطاط مالك ازحمي يا ام الزعماء!
وبينما نحن على تك الحالة ضجت المفاتيح ...وفتحت الابواب ... دخل قطيع من الحراس....يلبسون ملابس سوداء... مدججة بالسلاح والأوسمة... في يد كل حارس كرباج غليظ....بدأوا يشتموننا ويضربوننا: هيا الى الجدار يا كباش... انت ايتها الفلتانة... ونحن نصرخ ونرد الشتم ... دون ان نتفطن، حملوا المريضة على محمل وانصرفوا . انطفأت الاضواء ...
عاد الظلام الى الممر العريض الطويل ... عاد الياس... غرس مخالبه في قلوبنا، نشر اجنحته علي نفوسنا .....اسلمنا رؤوسنا الي وسادات الحَلفاء ...استسلمنا؟... لا ادرى أ الي التفكير فيما لا يفكر فيه.... ام الى الاحلام المزعجة، التي لم تفارقنا عبر سنين السجون الملعونة! ولا ادري كيف كنا نتحمل تلك المآسي لولا وحدتنا وتضامننا وايماننا بربنا ووطننا... ولو لا صلاتنا ودعاؤنا....؟
في الصباح الباكر فتح الباب كعادته ... اخذت الحارسة اربعة من بيننا ... حملنا السلاليم الطويلة الثقيلة... صعدت عليها الحارسة لتتفقد قضبان النوافذ...قالت مازحة: لا تقتلنني في الفجر ؟ اجابت احدانا: من القاتل يا ترى؟
بعد قليل علمنا ان المولود كان طفلة اسمها حورية... عادت الي السجن، مع امها السجينة المحكوم عليها بعشرين سجنا، مع الاشغال الشاقة...اما ابوها... كان ضابطا في جيش التحرير... حكم عليه بالإعدام... في محكمة وهران ، كان سجينا في سجن وهران ... لا ادري اذا كان حورة تتمكن من رؤية ابيها قبل ان يعدم.
هذه الحادثة البسيط العظيمة في السجن ليست هي الاولى ، ولا هي الاخيرة بل هناك حوادث اخرى مرت بنا في السجون، من سجن تلمسان الى وهران الى الحراش والقصة الكاملة يحيكها كتابي ( من ذاكرة اسيرة ) طبع بدار الاديب بوهران.2006
Zoulikha