منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   علوم سياسية (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=494)
-   -   بحث: الأمن القومي العربي دروس الخبرة الماضية ومعضلات الوضع الراهن (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=290014)

أبو اسامة 14-02-2015 05:48 PM

بحث: الأمن القومي العربي دروس الخبرة الماضية ومعضلات الوضع الراهن
 
د.أحمد يوسف أحمد

تمهيد:
يمتلك الأمن القومي العربي سجلاً ضخمًا من القرارات. لكن رصيد الإنجازات فيه قليل، ومنذ نشأة جامعة الدول العربية في1945 واجهت عديدًا من المخاطر والتهديدات لأمن مجموعة الدول التي تنتمي إليها برباط العضوية، بل إن الجامعة قد نشأت في ذروة الخطر الصهيوني على فلسطين، ولم يتمكن أعضاؤها من درء هذا الخطر عندما أعلنت دولة إسرائيل في1948. ثم تفاقم الخطر لاحقًا وصولاً إلى احتلال إسرائيل لأرض فلسطين بالكامل في عدوان1967 وحتى الآن، ناهيك عن احتلال أراضٍ لعدد من الدول العربية الأخرى، ولا يدل على ضآلة رصيد الإنجاز في الأمن القومي العربي أكثر من مرور أربعين سنة على ذلك العدوان دون أن تنتهي آثاره على الرغم مما قدمه أبناء الأمة من تضحيات وما أبدته الدول العربية من مرونة فائقة لتيسير عملية التسوية السياسية للصراع مع إسرائيل.
في مرحلة لاحقة تفاقم الخطر على الأمن القومي العربي بدرجة أكبر اعتبارًا من عقد السبعينات، لأن البيئة العربية بدت منقسمة في قضايا جوهرية كإدارة الصراع العربي-الإسرائيلي، فحدث الخلاف المصري-العربي حول التسوية مع إسرائيل اعتبارًا من1977 ولمدة عقد كامل على الأقل، ثم حدث الخلاف العربي-العربي حول الغزو العراقي للكويت في1990، والذي كان بحد ذاته ضربة في الصميم للأمن القومي العربي سواء لأن التهديد فالعدوان أتى من داخل النظام العربي وليس من خارجه، أو لأن مواجهة ذلك الغزو بدت مستحيلة دون استعانة بقوات أجنبية كان لوجودها على الأرض العربية دلالات سلبية بقدر ما عنت أن العرب غير قادرين على حماية أنفسهم حتى من أنفسهم، وأخيرًا وليس آخرًا مثل الاحتلال الأمريكي للعراق في2003 لحظة تراجع مخيف للأمن القومي العربي عندما عجزت الدول العربية عن وضع القرارات الجيدة التي اتخذتها قمة شرم الشيخ في مطلع مارس/آذار2003 موضع التنفيذ، وتعاملت بشكل أو بآخر مع النتائج التي ترتبت على احتلال العراق.
وقد فتح احتلال العراق في أبريل/نيسان2003 الطريق لتداعيات بالغة السلبية ألمت بالمجتمع العراقي كان أهمها نجاح قوى التطرف في العراق في الترويج لمفهوم الانقسام السني-الشيعي الذي بات يمثل خطورة على عدد من الدول العربية الأخرى في إطار تركيبتها السكانية، ويهدد بتعرضها بدرجة أو بأخرى لما تعرض له العراق نفسه، بالإضافة إلى ما ارتبط لاحقًا باحتلال العراق وهو الدعوة الأمريكية لشرق أوسط كبير (أو موسع أو جديد) وضحت منذ الوهلة الأولى مخاطره الهائلة على الأمن القومي العربي، إما لأن من شأن هذا المشروع الأمريكي إن نجح أن يهدم أركان النظام العربي ذاته، أو لأن المشروع تضمن للمرة الأولى في تاريخ المبادرات الشرق أوسطية الأمريكية تدخلاً صارخًا في الشئون الداخلية العربية، كما تضمن بعدًا صريحًا يسوغ التلاعب بالهوية العربية من خلال الإلحاح على إصلاح نظم التعليم في البلدان العربية كي تلعب النظم التعليمية الجديدة التي سيتم التوصل إليها في ظل الشرق أوسطية دورها في "محاربة الإرهاب". وأخيرًا وليس آخرًا فقد فتح الاحتلال الباب لإيران كي تلعب دورًا متزايدًا في الشأن السياسي العراقي الداخلي في إطار مشروعها السياسي الذي تضمن بالضرورة بناء قوة إيرانية يمكن أن يكون لها بعد نووي الأمر الذي من شأنه أن يغير موازين القوى في المنطقة جذريًا مرة في صالح العرب كما في تصحيح الخلل الناجم عن احتكار إسرائيل للسلاح النووي، ومرة في غير صالحهم نتيجة تغير ميزان القوى في الخليج لصالح إيران وانعكاسات ذلك على النظام العربي.
في السياق السابق لوحظ تصاعد الهجمة الخارجية على النظام العربي، سواء من خلال استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتفاقمه، أو تصاعد التدخل الخارجي في شئون دول كالسودان ولبنان والصومال، فضلاً عن تهديدات داخلية يُشك في ضلوع أياد خارجية فيها كما هو الحال بالنسبة للحالة اليمنية، ويضاف إلى كل هذا ما هو مستقر بخصوص الانكشاف الغذائي والمائي للوطن العربي، وتخلف التعليم والبحث العلمي فيه، ومخاطر التركيبة السكانية في بعض الدول العربية الأمر الذي بات الأمن القومي العربي يمثل معه معضلة حقيقية يهدد الإخفاق في التوصل إلى حلول لها بأوخم العواقب بالنسبة لمستقبل الأمة.
في هذه الظروف يحسب لقمة الرياض التفاتها إلى معضلة "الأمن القومي العربي"، وإدراكها "خطورة وتنوع مصادر التهديد التي تواجه العالم العربي"، وهو ما يفتح الباب للأمل في مقاربة جديدة لهذه القضية الأساس في بقاء النظام العربي وتماسكه وقدرته على تحقيق أهدافه. وقد أعدت هذه الورقة في سياق اهتمام البرلمان العربي الانتقالي ولجنة الشئون السياسية والخارجية والأمن القومي به بقضية الأمن القومي العربي بعد أن أحال الأمين العام لجامعة الدول العربية قرار قمة الرياض المتعلق بهذه القضية إلى البرلمان على نحو يؤكد جدية الاهتمام بالمسألة وخطورتها.
وتحاول هذه الدراسة أن تثبت أن النظام العربي الرسمي ممثلاً في جامعة الدول العربية وبصفة خاصة مؤتمرات القمة التي تعقد في إطارها لم يقصر في التوصل إلى القرارات وبناء الآليات المتعلقة بحماية الأمن القومي العربي. لكن الإنجاز في هذا الصدد على أرض الواقع لم يكن على مستوى تطور الاهتمام الرسمي كما تعكسه القرارات، وأن العقود الثلاثة الأخيرة بالذات قد حملت مزيدًا من التهديدات للأمن القومي العربي من ناحية، ومزيدًا من التآكل في بنية العلاقات العربية-العربية بما يضعف القدرة على مواجهة هذه التهديدات من ناحية أخرى، ومن ثم فإن الأمر بات يحتاج إلى مقاربة جديدة تتضمن بناء استراتيجية فاعلة لمواجهة الأوضاع الراهنة التي تقوض الأمن القومي العربي على نحو خطير، والتصدي لمصادر التهديد قبل أن تؤتي أكلها مزيدًا من هذا التقويض لأمن الأمة وتماسكها.
وعليه فسوف تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أجزاء يحلل الأول منها تطور الاهتمام بالأمن القومي العربي على الصعيد الرسمي فيما يرصد الثاني دلالات الخبرة العملية التي تشير إلى وجود فجوة كبيرة بين الاهتمام الرسمي والإنجاز الفعلي ثم يلخص الجزء الثالث المستجدات التي طرأت على الأمن القومي العربي وعمقت من إشكاليته ويحاول أن يطرح أفكارًا للمناقشة فيما يتعلق بمستقبل هذا الأمن.

أولاً- تطور الاهتمام بالأمن القومي العربي:
تظهر متابعة الاهتمام الرسمي بمسألة الأمن القومي تطورًا واضحًا سواء في الحديث عن المفهوم وآلياته أو مقوماته أو مصادر تهديده، ويعرض هذا الجزء من الدراسة لتطور الاهتمام بالأمن القومي العربي في هذه الأبعاد الثلاثة.

1-تطور المفهوم وآلياته:
لم تحمل وثائق النظام العربي الرسمي منذ بدايتها وطيلة سنوات تلت تلك البداية إشارة صريحة لمفهوم الأمن القومي العربي. في بروتوكول الإسكندرية الذي وقع في عام1944 لينعكس لاحقًا في ميثاق الجامعة في العام الذي تلاه بدا المفهوم كشبح أو طيف لا يمكن إثبات وجوده، لكنه مع ذلك ليس غائبًا، فقد حدد البروتوكول مهمة مجلس الجامعة بأنها –ضمن أشياء أخرى- تنسيق الخطط السياسية للدول الأعضاء "لأغراض من بينها صيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة"، وهو ما يتصل بطبيعة الحال بجوهر فكرة الأمن القومي.
الشبح أو الطيف نفسه يظهر لاحقًا في حديث البروتوكول عن فلسطين، فقد نص على أن حقوق العرب في فلسطين لا يمكن المساس بها من غير إضرار بالسلم والاستقرار في العالم العربي، بما يعني أن هذا العالم هو "جماعة أمنية واحدة"، لكنه مما يقيد دلالة هذا التحليل أن البروتوكول قد سوى بين الخلافات البينية العربية والخلافات العربية مع الغير، فالمجلس يتوسط في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أي دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينها، وهو هنا مجرد وسيط يسعى للتوفيق بين أي دولة عربية قد تجابه حربًا ضد دولة غير عربية، وليس نصيرًا يعمل على الحماية، كذلك لوحظ أن النص الخاص بتنسيق الخطط السياسية بين الدول الأعضاء وأغراضه عندما انتقل إلى الميثاق (م2) حذفت منه عبارة "من كل اعتداء" فأصبح منطوقه "الغرض من الجامعة توثيق العلاقات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقًا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها" (وحذفت عبارة "من كل اعتداء بالوسائل الممكنة"). أي أن المفهوم بقي غير مباشر وإن زيد في تضييق نطاقه.
كرر الميثاق (م5) معنى توسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أي دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينها، لكن المادة السادسة منه اقتربت من مفهوم الأمن القومي وإن قيدته: "إذا وقع اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة أو خشي وقوعه فللدولة المعتدى عليها أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورًا، ويقرر المجلس التدابير اللازمة لدفع مثل هذا الاعتداء ويصدر القرار بالإجماع، فإذا كان الاعتداء من إحدى دول الجامعة لا يدخل في حساب الإجماع رأي الدولة المعتدية، وإذا وقع الاعتداء بحيث يجعل حكومة الدولة المعتدى عليها عاجزة عن الاتصال بالمجلس فلممثل تلك الدولة فيه أن يطلب انعقاده للغاية المبينة في الفقرة السابقة، وإذا تعذر على الممثل الاتصال بمجلس الجامعة حق لأي دولة من أعضائها أن تطلب انعقاده"، ويلاحظ هنا أن الميثاق يجعل مجلس الجامعة معنيًا بالأمن القومي العربي –دون أن يشير إلى ذلك صراحة- لكن اختصاصه هذا يبقى معلقًا بآليات "قطرية"، فدعوة المجلس للانعقاد تتم من قبل دولة (المعتدى عليها أو أي دولة أخرى إذا استحال ذلك على الأولى)، وقراره في هذا الصدد معلق على اعتراض أي دولة عضو فيما عدا الاستثناء الخاص بحالة الدولة العربية المعتدية على دولة عربية أخرى، لكن المجلس في غير هذه الحالة الأخيرة لا يستطيع اتخاذ أي تدابير تجاه أي عدوان خارجي إن اعترضت دولة واحدة على هذه التدابير، وهذا هو المقصود بأن الميثاق قد أناط بالمجلس مهمة تتصل بحماية الأمن القومي العربي وإن بآليات قطرية، فهو ينعقد إذا وقع عدوان على "دولة عضو" وليس في حالة تهديد عام يمس الأمة العربية أو الوطن العربي، وانعقاده يتم بطلب من الدولة المعتدى عليها أو أي دولة أخرى إذا استحال ذلك على الأولى وليس من الأمانة العامة مثلاً، وقراره في هذا الشأن يمكن أن يُعلق على رفض دولة واحدة لهذا القرار.
كذلك يلاحظ أن الميثاق قد تنبه منذ البداية إلى أن مصدر تهديد أمن الدول العربية قد يكون عربيًا، وتحسب لهذه الحالة بأن استبعد من شرط الإجماع لصدور قراره لمواجهتها صوت الدولة المعتدية، وهو تحسب قانوني وليس سياسيًا، حيث إنه يفترض لصدور هذا القرار أن تكون الدولة المعتدية معزولة تمام العزلة عربيًا، فإن وجدت دولة عربية واحدة تظاهر الدولة المعتدية كان في ذلك تقويض تام لقدرة المجلس على إصدار قرار ومن ثم على القيام بأي تحرك.
لكن معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي التي توصلت إليها الأقطار العربية في1950 مثلت نقلة جذرية في هذا كله، فقد كانت أول وثيقة للعمل العربي المشترك تتحدث عن مفهوم الأمن وإن لم تصفه بالقومي، فضلاً عن أنها كانت صريحة في انطلاقها من مفهوم الأمن المشترك إذ نصت ديباجتها أن الدول الموقعة:
"رغبة منها في تقوية الروابط وتوثيق التعاون بين دول الجامعة حرصًا على استقلالها ومحافظة على تراثها المشترك، واستجابة لرغبة مسئوليها في ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك عن كيانها وصيانة الأمن والسلام وفقًا لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية قد اتفقت على عقد معاهدة لهذه الغاية".
بدأت المعاهدة في مادتها الأولى بتأكيد عزم الدول المتعاقدة على فض جميع منازعاتها الدولية بالطرق السلمية سواء في علاقاتها المتبادلة فيما بينها أو في علاقاتها مع الدول الأخرى، ثم أسست المادة الثانية على مفهوم الأمن القومي وإن لم تذكره:
"تعتبر الدول المتعاقدة أن كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداء عليها جميعًا، ولذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلم إلى نصابهما"
وبعد الانطلاق من المفهوم دون ذكره صراحة أشارت المعاهدة لآليات تطبيقه في المواد من3 إلى6، وتضمنت هذه الآليات (م3) التشاور بين الدول المتعاقدة فيما بينها بناء على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضي أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها، وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية الدفاعية التي يقتضيها الموقف. تضمنت الآليات كذلك (م4) تعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها، واشتراكها بحسب مواردها وحاجتها في تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أي اعتداء مسلح، كما نصت المادة الخامسة على تأليف "لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائله وأساليبه"
أما المادة السادسة من المعاهدة فقد أحدثت ثورة في آليات العمل في إطار الجامعة العربية، وذلك عندما نصت على تأليف مجلس للدفاع العربي المشترك تحت إشراف مجلس الجامعة يختص بجميع الشئون المتعلقة بأحكام المواد 2، 3، 4، 5، ويستعين على ذلك باللجنة العسكرية الدائمة، ويتكون من وزراء الخارجية والدفاع الوطني للدول المتعاقدة أو من ينوبون عنهم، والأهم من هذا كله أن المعاهدة نصت على أن ما يقرره المجلس بأكثرية ثلثي الدول يكون ملزمًا لجميع الدول المتعاقدة في نقلة نوعية واضحة بالنسبة لنظام التصويت وفقًا للميثاق الذي ترتبط فيه إلزامية القرارات بصدورها بالإجماع، فإن صدرت بالأغلبية لم تلزم إلا من وافق عليها، وليس أدل على تقدم هذا النص من أنه ظل بعد ذلك لمدة عقود مطلبًا ملحًا للمنادين بتطوير الجامعة إلى أن وافقت قمة الجزائر في2005 –أي بعد خمسة وخمسين عامًا- على تعديل الفقرة الثانية من المادة السادسة التي سبق تحليل دلالاتها بالنسبة للأمن القومي العربي بحيث تصبح على النحو التالي:
"يقرر المجلس التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء ويصدر القرار بتوافق الآراء وفي حالة تعذر ذلك يصدر القرار بموافقة ثلثي الدول الأعضاء الحاضرة والمشاركة في التصويت، فإذا كان الاعتداء من إحدى دول الجامعة لا يدخل في حساب الأغلبية صوت الدولة المعتدية".
* * *
ومن المفارقات أن المرة الأولى التي استخدم فيها مصطلح الأمن القومي العربي قد وردت في وثيقة اقتصادية وهي "استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك" التي تبنتها قمة عمان1980، وقد ورد مفهوم الأمن القومي العربي في القسم الأول من تلك الوثيقة بعنوان "المنطلقات" حيث نص البند الخامس من هذا القسم على أن "الأمن القومي العربي ضرورة مصيرية جديرة بكل الجهود والتضحيات اللازمة"، ثم تكررت الإشارة في القسم الخاص بالأهداف حيث جاء هدف الأمن القومي ثانيًا ضمن ترتيب الأولويات: "الأمن القومي بما فيه الأمن الفكري والأمن العسكري والأمن الغذائي والأمن التكنولوجي"، وهو تحديد يشير إلى تطور مفهوم الأمن القومي بصفة عامة بحيث لا يصبح قاصرًا على الأبعاد الاستراتيجية العسكرية وحدها.
أما أولويات الوثيقة فقد كان لافتًا أن وضعت الأمن العسكري أولوية أولى: "تحقيق الأمن العسكري للوطن بتعزيز القدرة العسكرية العربية الذاتية في مختلف الميادين المتعلقة بهذا الأمن"، وهو ما يشير إلى عمق الإيمان بأهمية مفهوم الأمن القومي العربي لدى واضعي هذه الوثيقة. ويلاحظ أن البيان الختامي لقمة عمان قد تضمن نقلاً عن استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك إشارة صريحة إلى مفهوم الأمن القومي لتصبح المرة الأولى التي يشير فيها بيان قمة عربية أو قراراتها صراحة إلى هذا المفهوم. وبعدها تأرجح استخدام المفهوم من قمة لأخرى فغاب عن قرارات بعض هذه القمم وبياناتها الختامية، وحضر على نحو كثيف في بعض القمم الأخرى. من ناحية أخرى لم يطرأ جديد على آليات الحفاظ على الأمن القومي العربي في منظومة العمل العربي المشترك إلى أن أقرت قمة الخرطوم2006 النظام الأساسي لمجلس السلم والأمن العربي الذي أضيف لمنظومة آليات حماية الأمن القومي العربي.
وافقت قمة الخرطوم(2006) على إنشاء هذا المجلس لكي يحل محل آلية جامعة الدول العربية للوقاية من النزاعات وإدارتها وتسويتها، وقد وضع المجلس تحت إشراف مجلس الجامعة، ونص نظامه الأساسي على أنه يهدف إلى الوقاية من النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين الدول العربية وإدارتها وتسويتها في حال وقوعها، ومتابعة ودراسة وتقديم توصيات إلى مجلس الجامعة بشأن التطورات التي تمس الأمن القومي العربي، ويتكون المجلس من ممثلين لخمس دول على مستوى وزراء الخارجية، وهذه الدول هي الدولة التي ترأس مجلس الجامعة على المستوى الوزاري والدولتان اللتان اضطلعتا برئاسة الدورتين السابقتين للمجلس والدولتان اللتان ستؤول إليهما رئاسة الدورتين اللاحقتين للمجلس الوزراي، ويرأسه وزير خارجية الدولة التي ترأس الدورة العادية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري.
وقد حدد النظام الأساسي للمجلس مهامه ومن أهمها إعداد استراتيجيات الحفاظ على السلم والأمن العربي، واقتراح التدابير الجماعية المناسبة إزاء أي اعتداء على أي دولة عربية أو تهديد بالاعتداء عليها، وتعزيز القدرات العربية في مجال العمل الوقائي من خلال تطوير نظام للإنذار المبكر وبذل المساعي الدبلوماسية واقتراح إنشاء قوات حفظ سلام عربية.
وتتبع المجلس عدة أجهزة هي بنك المعلومات ونظام الإنذار المبكر ويستندان إلى الخبراء العاملين بالأمانة العامة للجامعة ثم هيئة للحكماء يشكلها المجلس من شخصيات عربية بارزة تتمتع بالتقدير والاحترام، وقد يكلف أعضاؤها بمهام وساطة أو توفيق أو مساع حميدة بين الطرفين أو الأطراف المتنازعة، كما يمكن أن يكلف أحد أعضائها بالتوجه إلى مناطق النزاع بطلب من الدولة المعنية وموافقة نهائية منها وذلك كي يقيم الأوضاع ويقدم اقتراحات وتوصيات بشأنها.
هكذا تطورت رحلة المفهوم وآلياته من ظهوره على نحو غير مباشر في ميثاق الجامعة إلى اعتباره حقيقة محورية في معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي التي أنشأت مجلس الدفاع العربي المشترك مع ملاحظة أن المفهوم لم يستخدم صراحة إلا اعتبارًا من قمة عمان1980 التي بدأ فيها يشق طريقه إلى خطاب القمم العربية فيعلو حينًا ويخفت حينًا آخر إلى أن أقرت قمة الخرطوم النظام الأساسي لمجلس السلم والأمن العربي ليضاف إلى منظومة آليات الحماية، ثم شهدت قمة الرياض نقلة نوعية في الاهتمام بمسألة الأمن القومي العربي على نحو ما سيرد في الجزء الأخير من هذه الدراسة.
* * *
ويلاحظ في السياق السابق أن العلاقة بين مفهوم الأمن القومي العربي وغيره من المفاهيم قد تم مسها في الوثائق السابقة بشكل تقريري وليس تحليليًا، ونبدأ بالعلاقة بين الأمن الوطني لكل دولة عربية والأمن القومي العربي بصفة عامة، وقد سبقت الإشارة إلى أن أساس منظومة الأمن القومي العربي هو أن أي اعتداء على أية دولة عربية هو اعتداء على الدول العربية جميعًا، بما يعني أن الأمن الوطني جزء لا يتجزأ من الأمن القومي، وقد طبق هذا في مواقف القمم من القضية الفلسطينية ومن الحرب العراقية-الإيرانية، وطبق كذلك على نحو خلافي في قمة القاهرة أغسطس/آب1990 التي بحثت في العدوان العراقي على الكويت، ومن المفارقات أن قمة بغداد في مايو/آيار1990 التي سبقت الغزو العراقي للكويت بحوالي شهرين كانت هي القمة التي قننت بشكل واضح العلاقة بين الأمن الوطني لكل قطر عربي على حدة وبين الأمن القومي للأمة العربية وذلك كتمهيد للإشارة إلى التزام القمة التام "بالدفاع عن الأمن الوطني العراقي وحمايته باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي للأمة العربية"، وتكرر حديث القمة نفسها عن الموضوع ذاته في سياق الموقف من تهديد الوحدة الوطنية لكل من السودان والصومال، وأكدته لاحقًا قمة القاهرة1996، ثم قمة عمان2001، وإن عنيت هذه القمة بضوابط هذه العلاقة وتتمثل في "احترام سلامة كل دولة وسيادتها على أراضيها ومواردها وحقوقها وعدم السماح بالتدخل في شئونها الداخلية أو استخدام القوة أو التهديد بها والالتزام بتسوية المنازعات بالطرق السلمية وعن طريق الحوار والتفاوض". وكان واضحًا من ضوابط كهذه أن خبرة الغزو العراقي للكويت قد ألقت بظلالها على العلاقة بين الأمن القومي العربي والأمن الوطني أو القطري.
وفيما عدا الأمن الوطني أو القطري لكل دولة عربية على حدة أشار الخطاب السياسي للقمم العربية إلى أمن أقاليم فرعية داخل النظام العربي وتحديدًا إلى أمن الخليج الذي بدأ الحديث يتصاعد عنه في سياق نشوب الحرب العراقية-الإيرانية واستمرارها وتصاعدها، غير أن خطاب القمم العربية لم يعن هنا بالعلاقة بين الأمن القومي العربي وأمن منطقة الخليج وإنما اكتفى بالإشارة إليه، وقد ورد تعبير "أمن الخليج العربي" للمرة الأولى في مقررات القمم العربية في قمة فاس1982 باعتباره واحدًا من الموضوعات التي بحثت على المستوى الوزاري ولم تتخذ قرارات بشأنها. ثم ورد للمرة الثانية في قمة الدار البيضاء 1989 بمناسبة الحديث عن ضمان أمن الخليج العربي كأحد متطلبات التسوية النهائية بين العراق وإيران وتكرر الأمر نفسه في قمة بغداد1990.
عالج خطاب القمم العربية إذن علاقة الأمن القومي العربي بكل من الأمن الوطني لكل دولة عربية وأشار إلى مفهوم أمن الخليج كعنصر من عناصر التسوية النهائية للأوضاع في منطقة الخليج العربية، غير أنه يلاحظ أن هذا الخطاب لم يعن بدراسة إشكاليات العلاقة بين هذه المستويات المختلفة للأمن، بما يفترض –وهذا ليس صحيحًا بالضرورة- أن العلاقة بين هذه المستويات تكاملية في كل الأحيان، وإن كان خطاب القمة قد التفت على نحو ما رأينا في عمان2001 إلى إشكالية العلاقة بين القومي والقطري، وتَحَسَّبَ لها بأن وضع ضوابط للعلاقة تسير كلها في اتجاه ترجيح الأمن القطري على الأمن العربي تأثرًا فيما يبدو بخبرة الغزو العراقي للكويت على نحو ما سلفت الإشارة.

2- مقومات الأمن القومي العربي:
تبحث هذه الجزئية في مقومات الأمن القومي العربي بالنهج السابق نفسه، أي استنادًا إلى الخطاب الرسمي العربي. ويظهر إمعان النظر في هذا الخطاب إمكان الحديث عن مقومين رئيسيين للأمن القومي ينصب أحدهما على المقومات "غير السياسية"، وينصب الثاني على المقومات السياسية.

أ-المقومات غير السياسية:
ويُقصد بها هنا كل ما يتعلق ببناء القدرة الذاتية العربية في غير المجال السياسي الذي يقصد به بدوره ما يتصل بنظم الحكم في الأقطار العربية والعلاقات فيما بينها.
شق حديث "الوعي والنهضة" كمقوم من مقومات الأمن القومي العربي طريقه مبكرًا إلى وثائق العمل العربي المشترك، ففي أول قمة عربية (قمة أنشاص1946) التي كانت قضيتها الرئيسية بامتياز هي الخطر الصهيوني على فلسطين نص آخر قراراتها على ما يلي:
"أجمعنا [أي الملوك والرؤساء المشاركين في القمة] على ضرورة تيقظ شعوبنا تيقظًا كاملاً إزاء الخطر الصهيوني الذي يهددنا وإزاء أي خطر خارجي آخر، وأن نعمل على إنهاض شعوبنا وترقية مستواها الثقافي والمعاشي بحيث تصبح قادرة على مجابهة أي عدوان خارجي مداهم". الربط مباشر وواضح إذن بين النهضة بما فيها الأبعاد الثقافية والاقتصادية/الاجتماعية وبين القدرة على مواجهة الخطر الخارجي. وقد نزيد على هذا إمكان الحديث عن مقومات فكرية للأمن القومي العربي وهو ما نجده في إشارة البيان الختامي لقمة تونس1979 إلى أن الصراع المصيري الذي تخوضه الأمة ضد الصهيونية "يستوجب الاستهداء بقيم الأمة". وقد تكررت الإشارة نفسها –وإن بألفاظ مختلفة- في استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك التي أقرتها قمة عمان1980، والتي تضمنت التأكيد على تحقيق "الأصالة العربية ردًا على الغزو الفكري" الذي رأت الاستراتيجية أن التصدي له مهمة لابد منها.
تأتي ضمن حديث المقومات غير السياسية الإشارة إلى بناء القدرة الذاتية العربية كمقوم رئيسي من مقومات الأمن القومي العربي، وهو ما ورد في البيان الختامي لقمة تونس1979 الذي نص على أن مواجهة التحدي والنضال في سبيل استعادة الحقوق المغتصبة وبناء مستقبل يسوده العدل والسلم يستوجب بناء القدرات الذاتية للأمة على قواعد متينة، وهو المعنى نفسه الذي أكدته قمة بغداد في مايو/آيار1990 والتي نص بيانها الختامي على ضرورة الاعتماد على "العامل الذاتي العربي" لمواجهة التحديات والأخطار، واعتبر أن التحولات الدولية تحتم أكثر من أي وقت مضى ضرورة اعتماد الأمة على قدراتها الذاتية سواء في مواجهة التهديدات المباشرة للأمن القومي أو في التعامل مع المحيط الدولي الذي يتشكل على نحو جديد.
وفي إطار الحديث عن القدرة الذاتية كمقوم من مقومات الأمن القومي العربي جرى التأكيد على عناصر بعينها لهذه القدرة تمثلت في المكونات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية تحديدًا، وقد أشارت قرارات قمة الرباط1974 لهذا المعنى في تحديدها لأول أسس العمل العربي المشترك باعتباره "تعزيز القوى الذاتية للدول العربية: عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، ومتابعة بناء القوة العسكرية لقوى المجابهة وتوفير متطلبات هذا البناء".
وتعتبر استراتيجية العمل العربي المشترك التي أقرتها قمة عمان1980 من أهم الوثائق بهذا الخصوص، فقد فصلت فيما سبق، فأشارت فيما يتعلق بالقاعدة الاقتصادية للأمن القومي العربي إلى أن "الأمن القومي العربي ضرورة مصيرية جديرة بكل الجهد والتضحيات اللازمة، وأن الأمن القومي بحاجة إلى قاعدة اقتصادية صلبة لا توفرها إلا التنمية الشاملة". وخصصت الاستراتيجية في هذا الصدد لاحقًا بالحديث عن "تحقيق الأمن الغذائي بتوفير أقصى حد ممكن من الاستقلالية في إشباع الحاجات الغذائية الأساسية".
كذلك فصلت استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك في الحديث عن القاعدة العسكرية للأمن القومي العربي فاعتبرت الصناعات العسكرية الأولوية الأولى في مجال التصنيع، وفي البرامج جاءت البرامج والأنشطة المتعلقة بتحقيق الأمن العسكري في المقدمة وتضمنت:
1- تطوير الصناعة العسكرية المباشرة والمدنية ذات العلاقة المتداخلة بالجهد المتصل برفع قدرة الوطن العربي في مجال الأمن العسكري.
2- تطوير القدرات التكنولوجية والبحث الاستراتيجي والتدريب بما يوفر للقطاع العسكري المزيد من القدرات العسكرية والبشرية في هذا الميدان.
3- تعزيز دور البحث العلمي في مختلف ميادينه في إنجاز مهام الأمن العسكري.
وفيما يتعلق بالقاعدة التكنولوجية للأمن القومي العربي، يُذكر أن قمة الإسكندرية1964 قررت "إنشاء مجلس علمي عربي مشترك لاستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية"، ثم اختفى هذا البند تمامًا من جدول أعمال القمم التالية إلى أن تضمنت استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك بندًا بخصوص اكتساب القدرة التكنولوجية بصفة عامة جاء كأولوية ثالثة بعد تحقيق الأمن العسكري وتنمية القوى البشرية، ونص هذا البند على "اكتساب القدرة التكنولوجية وتوطين التكنولوجيا الملائمة بدعم الفعاليات القومية والقطرية في هذا المجال وجعلها متطورة ومتمشية مع معطيات واحتياجات المجتمع العربي وأهدافه الاستراتيجية، وفي مقدمتها الأمن القومي بشتى جوانبه". وقد دافعت قمة بغداد1990 عن حق كل من العراق وليبيا في امتلاك وسائل التكنولوجيا الحديثة وسجلت إدراكها لخطورة الحملات والتهديدات والإجراءات المضادة لهذا الحق وآثارها على الأمن القومي العربي، وقررت:
"- حق الأمة العربية في التنمية واستخدام العلم والتكنولوجيا لصالح المواطن العربي.
- رفض كافة السياسات الرامية إلى تحجيم النهوض العلمي والتقني للأمة العربية باعتبارها أعمالاً عدائية تتعارض مع الحق السابق".
ثم مضى عقد كامل قبل أن تعود القمم العربية إلى الاهتمام بالقدرة التكنولوجية –وإن في مجال محدد هو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات- وذلك حين تضمن البيان الختامي لأول قمة عربية دورية عقدت في العاصمة الأردنية في2001 تأكيد القادة على: "إيلاء الأولوية لتطوير القدرات العربية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واعتبارها مجالاً حيويًا للتعاون والتنسيق على المستوى العربي".
واتساقًا مع هذا أشار البيان "بشأن مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي الصادر عن قمة تونس2004 إلى: "تحديث البنية الاجتماعية لدولنا والارتقاء بنظم التعليم وتطوير قواعد المعرفة لمواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية والتقنية في العالم".
كما تضمن إعلان تونس الصادر عن القمة ذاتها حديثًا عن الاستعداد العربي الجيد للمشاركة الفعالة في القمة العالمية لمجتمع المعلومات (التي احتضنتها تونس في نوفمبر/تشرين الثاني2005) حتى تكون هذه القمة محطة مهمة لمزيد من تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصال في البرامج التنموية العربية.
وقد تأكد الموقف نفسه في قمة الجزائر2005، كما رحبت هذه القمة بمقترح جزائري هو الأول من نوعه وهو إنشاء قمر صناعي عربي لمراقبة كوكب الأرض. أما قمة الخرطوم2006 فقد بادرت الدولة المضيفة بتقديم اقتراح بشأن دعم التعاون العربي في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا، وقد اتخذت القمة بشأن هذا المقترح عدة قرارات من أهمها دعوة الدول الأعضاء إلى زيادة الإنفاق على البحث والتطوير العلمي والتقني، والعمل على رعاية ودعم مؤسسات ووحدات البحث العلمي والتقني، وتعزيز التواصل مع العلماء التقانيين العرب في المغترب.
ولا يخفى أن اهتمام القمم العربية بالقدرة الذاتية العربية في مجال التكنولوجيا منذ قمة بغداد1990 لم يفض إلى أي عمل عربي مشترك يعتد به في هذا المجال.

ب-المقومات السياسية
من البديهي أن تكون للأمن القومي مقوماته السياسية، وأن يأتي التضامن بين الوحدات المكونة للنظام العربي على رأس هذه المقومات، وتجسد فكرة "القمم العربية" نفسها هذه الحقيقة، غير أن الاهتمام المباشر بتسجيلها والنص عليها ضمن وثائقها يعود إلى قمة القاهرة1964 التي نص بيانها الختامي على:
"إجماع الملوك والرؤساء العرب على إنهاء الخلافات وتصفية الجو العربي من جميع الشوائب وإيقاف جميع حملات أجهزة الإعلام، وتوثيق العلاقات بين الدول العربية الشقيقة ضمانًا للتعاون الجماعي ودرءًا للمطامع التوسعية العدوانية التي تتهدد العرب جميعًا على السواء".
ثم خطت قمة الدار البيضاء1965 خطوة بالغة الأهمية في مجال تعزيز التضامن العربي في خدمة الأمن القومي بموافقتها على "ميثاق التضامن العربي" في 15/9/1965، ونظرًا لأهمية هذا الميثاق فإننا نورده بنصه:
"إيمانا بضرورة التضامن بين الدول العربية ودعم الصف العربي لمناهضة المؤامرات الاستعمارية الصهيونية التي تهدد الكيان العربي..
ويقينا منا بالحاجة القصوى لتوفير الطاقات العربية تمهيدا لتعبئة القوى لمعركة الكفاح لتحرير فلسطين..
وإيمانا بالحاجة إلى الانسجام والوفاق بين الدول العربية لكي يتسنى لها أن تلعب دورا فعالا في إقرار السلام..
ورغبة منا في توفير جو يسوده روح الود والإخاء بين البلاد العربية، حتى لا يتمكن الأعداء من أن يفتوا في عضد الأمة العربية..
فقد التزمنا نحن ملوك ورؤساء الدول العربية في مؤتمر القمة المنعقد بالدار البيضاء يوم 15/9/1969 بما يلي:
- العمل على تحقيق التضامن في معالجة القضايا العربية، وخاصة قضية تحرير فلسطين.
- احترام سيادة كل الدول العربية، ومراعاة النظم السائدة فيها وفقا لدساتيرها وقوانينها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
- مراعاة قواعد اللجوء السياسي وآدابه وفقا لمبادئ القانون والعرف الدولي.
- استخدام الصحف والإذاعات وغيرها من وسائل النشر والإعلام لخدمة القضية العربية.
- مراعاة حدود النقاش الموضوعي والنقد الباني في معالجة القضايا العربية، ووقف حملات التشكيك والمهاترة عن طريق الصحافة والإذاعة وغيرها من وسائل النشر.
- مراجعة قوانين الصحافة في كل بلد عربي بغرض سن التشريعات اللازمة لتجريم أي قول أو عمل يخرج عن حدود النقاش الموضوعي والنقد الباني من شأنه الإساءة إلى العلاقات بين الدول العربية أو التعرض بطريق مباشر أو غير مباشر بالتجريح لرؤساء الدول العربية".
ويتضح من هذا النص الربط المباشر بين تحقيق التضامن العربي وتعزيزه وبين مواجهة متطلبات حماية الأمن القومي العربي. وأن هذا التضامن قد بني على أساس عدم التدخل في الشئون الداخلية.
وكان طبيعيًا أن تؤكد قمة الخرطوم التي عقدت في أغسطس/آب1967 بعد مضي قرابة ثلاثة شهور على هزيمة يونيو/حزيران1967 على ميثاق التضامن العربي السابق الإشارة إليه في مواجهة الآثار الفادحة لتلك الهزيمة، وتكرر التأكيد على هذا الميثاق في البيان الختامي لقمة القاهرة1976.
ثم أخذ التضامن العربي كمقوم رئيسي للأمن القومي بعدًا جديدًا بعد التطورات التي أدت إلى الانقسام المصري-العربي في أعقاب زيارة الرئيس أنور السادات للقدس في1977، فقد أصبح توحيد الجهود العربية كافة وفقًا لقمة بغداد1978 مطلوبًا "من أجل معالجة الخلل الاستراتيجي الذي ينجم عن خروج مصر من المعركة"، غير أن هذا لم يكن يعني أن تحقيق التضامن العربي أصبح سهلاً بدليل ما أشارت إليه قمة عمان1980 في بيانها الختامي من "قلق شديد من استمرار الخلاف والانقسام في الصف العربي في ظرف يستوجب وقفة جادة وحازمة لتوحيد الكلمة وحشد الطاقات لمجابهة التحديات التي تواجه الأمة العربية".
وفي هذا الإطار أعاد القادة العرب التأكيد على تسوية الخلافات على الساحة العربية "في إطار نصوص ميثاق التضامن العربي الصادر عن مؤتمر القمة في الدار البيضاء عام1965". وقد تبنت قمة الدار البيضاء في1985 الموقف نفسه في إطار استمرار الخلافات العربية، كما وضع البيان الختامي لقمة عمان1987 قرار القمة بأن العلاقات الدبلوماسية بين أي دولة عضو في الجامعة العربية وبين مصر هو عمل من أعمال السيادة في سياق إيمان القادة العرب: "بأن الأمن القومي العربي لا تستكمل عناصره ولا تستوفى شروطه ومتطلباته إلا بتضامن كامل يشمل كافة أرجاء الوطن العربي ويمكن من حشد طاقات وقدرات الأمة العربية من أجل تحقيق الأهداف القومية".
وقد تضمنت قرارات قمة الدار البيضاء في مايو/آيار1989، والقاهرة1996، وعمان2001، وبيروت2002، تأكيدًا عامًا على الموقف السابق. كما صدرت عن قمة تونس2004 "وثيقة عهد ووفاق وتضامن بين قادة الدول العربية" لا تخرج من منظور التضامن العربي عن المواقف نفسها.

3- مصادر التهديد:
الافتراض الأساسي في هذا الصدد أن المصدر الرئيسي لتهديد الأمن القومي العربي وفقًا للخطاب الرسمي العربي هو دون شك إسرائيل، غير أنه بمرور الوقت امتد نطاق مصادر التهديد ليشمل قوى إقليمية أخرى كلها من دول محيط النظام العربي وهي أساسًا إيران في أعقاب الثورة الإسلامية التي تلتها محاولات للتدخل في الشئون الداخلية لبعض الدول العربية، وكذلك الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988). وفي أحيان قليلة شملت القوى التي اعتبرها النظام العربي الرسمي مصادر لتهديد أمنه دولاً محيطة أخرى مثل تركيا وإثيوبيا. أما المصادر العالمية فلم تذكر على نحو مباشر وحين ذكرت ارتبط ذلك بإسرائيل وما تمثله من تهديدات.

أ-الخطر الصهيوني-الإسرائيلي:
كانت القمة العربية الأولى في أنشاص عام1946 أكثر من واضحة في تحديد "الصهيونية" كخطر داهم "ليس لفلسطين وحدها بل للبلاد العربية والشعوب الإسلامية جميعًا"، ونصت قرارات قمة القاهرة1964 على "اعتبار أن قيام إسرائيل هو الخطر الأساسي الذي أجمعت الأمة العربية بأسرها على دفعه"، وقد ظل هذا هو المنطق الكامن خلف قرارات القمم العربية التالية -ربما باستثناء قمة القاهرة1976 التي خصصت حصرًا للحرب الأهلية في لبنان- وإن لم تتضمن القرارات نصًا صريحًا على ذلك إلى أن أعادت هذا التقليد قمة بغداد1978 التي انعقدت بعد أقل من شهرين على توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل حيث أكدت قرارات تلك القمة أن الصهيونية وكيانها في الأرض المحتلة تمثل خطرًا عسكريًا وسياسيًا وحضاريًا "على الأمة العربية كلها وعلى مصالحها القومية الجوهرية وعلى حضارتها ومصيرها"، وقد أكدت قمة تونس1979 المعنى نفسه بالألفاظ نفسها، وكذلك "برنامج العمل العربي المشترك لمواجهة العدو الصهيوني في المرحلة القادمة" الذي تبنته قمة عمان1980، ثم غابت الإشارات المباشرة إلى الصهيونية وإسرائيل كمصدر أساسي لتهديد الأمن القومي العربي في قمة فاس1982 وما بعدها سواء للانشغال بعملية السلام مع إسرائيل وفقًا لمبادرة فاس أو بتصاعد "الخطر الإيراني الجديد"، وإن كانت قمة عمان1987 قد أعادت في قراراتها الحديث عن "الخطر الصهيوني" الذي "لا يستهدف دول المواجهة فحسب بل يتعدى ذلك ليهدد مصير ووجود الأقطار العربية كلها"، كما وصفت ذلك الخطر في بيانها الختامي بأنه يهدد الأمة بأسرها ويعرض وجودها ومستقبلها للأذى والخطر، وإن كان ذلك قد جاء تاليًا لاهتمام القمة الواسع والتفصيلي بالخطر الإيراني، كما تحدثت قمة الجزائر (1988) عن "الأخطار" التي يتعرض لها وجود الأمة العربية في تلك المرحلة وإن كانت قد أعادت ترتيب الأولويات بوضوح في قراراتها وبيانها الختامي لصالح الصراع العربي-الإسرائيلي.
ثم تميزت قمة بغداد في مايو/آيار1990 بأنها خصت هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل –التي كانت قد تصاعدت على نحو خطير في ذلك الوقت- باهتمام خاص ومفصل لأنها "خطر كبير على الأمة العربية" وباعتبارها "تهديدًا خطيرًا للأمن القومي العربي"، وفيما لم تأت قمتا القاهرة في 1996 و2000 وقمة عمان2001 على ذكر محدد لمصادر تهديد الأمن القومي العربي، فإن قمة بيروت2002 قد أعادت الحديث بصفة عامة عن "التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي"، وكانت تلك القمة هي آخر قمة عربية قبل قمة الرياض تشير إلى مصادر تهديد للأمن القومي العربي.

ب-الخطر الإيراني:
يعد الخطر الإيراني هو مصدر التهديد التالي في الأهمية للأمن القومي العربي من حيث اهتمام القمم العربية به، ويلاحظ أن اهتمام هذه القمم به لم يأت إلا بعد الثورة الإيرانية في1979، أي أن المطامع الإقليمية لشاه إيران وعلاقته بالولايات المتحدة الأمريكية لم تكن مصدرًا لقلق النظام العربي الرسمي بقدر ما كانت التوجهات الجديدة لنظام الحكم الإيراني ذي الصبغة الإسلامية بعد الثورة، والسلوك الفعلي له إزاء جيرانه.
وللأمانة فإن القمم العربية لم تبد موقفًا سلبيًا من إيران فور نجاح ثورتها الإسلامية، فقد خلت قمة تونس التي عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني1979 -أي بعد حوالي تسعة شهور من وصول الثورة إلى سدة الحكم في إيران في فبراير/شباط من السنة نفسها- من أية بادرة سلبية تجاه التطورات الجديدة في إيران في ذلك الوقت، بل إن قمة عمان1980 التي انعقدت بعد شهرين من اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية قد اتخذت موقفًا بالغ الحياد إزاء تلك الحرب إذ نص بيانها الختامي على دعوة الطرفين إلى وقف إطلاق النار فورًا وحل النزاع بالطرق السلمية، وكذلك ناشدهما البيان "الالتزام المتبادل بمبادئ عدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام الحقوق والسيادة وإقامة علاقات حسن جوار وطيدة بينهما، وأن تكون هذه المبادئ أساسًا للعلاقات بين البلاد العربية وإيران"، ومع أن ذلك البيان قد أيد حقوق العراق المشروعة في أرضه ومياهه وفقًا للاتفاقيات الدولية المعقودة بين البلدين ورحب تحديدًا بتجاوب العراق مع مناشدات وقف إطلاق النار والمساعي الحميدة لحل النزاع عن طريق المفاوضات وناشد إيران الاستجابة لهذا الموقف، إلا أن جوهر توجه قمة عمان1980 إزاء الحرب العراقية-الإيرانية يبقى محايدًا وهو ما يعني أن القمة لم تر في السلوك الإيراني في ذلك الوقت تهديدًا للأمن القومي العربي ككل.
غير أن الموقف اختلف في قمة فاس التي انعقدت في سبتمبر/أيلول1982. كان العراق قد سحب قواته إلى الحدود الدولية واستمرت الحرب، ووضعت القمة مواقف قمة1980 كديباجة لموقفها الجديد الذي بات واضحًا مع استدعاء معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية في هذه الديباجة أنه ينظر إلى الحرب من منظور تهديد الأمن القومي العربي، وبالتالي اعتبر القادة "كل اعتداء على أي قطر عربي هو اعتداء على البلاد العربية جميعًا"، كما أعلنوا اتساقًا مع هذا المنطق استعداد الدول العربية لتنفيذ الالتزامات المترتبة عليها بموجب المادة السادسة لميثاق الجامعة والمادة الثانية لمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في حالة عدم استجابة إيران لنصوص قرارهم. وقد أكدت قمة الدار البيضاء1985 موقف قمة فاس في هذا الصدد، ثم شهدت قمة عمان1987 نقلة نوعية في هذا الخصوص.
كانت القمم السابقة تتحدث عن الحرب العراقية-الإيرانية عامة كمصدر لتهديد الأمن القومي العربي وإن كان مفهومًا ضمنًا أن القمم –عدا قمة عمان1980- تحمل إيران المسئولية في هذا الخصوص، ثم جاءت قمة عمان1987 لتتحدث صراحة عن المخاطر الكبيرة التي غدت تهدد الأمن القومي بأسره من جراء السلوك الإيراني الذي وصفته قرارات القمة بالعدواني. كذلك تحدثت القرارات صراحة عن "التهديدات الإيرانية ضد دول الخليج العربية وبشكل خاص دولة الكويت والمملكة العربية السعودية"، بل إن قمة عمان كما سبقت الإشارة أعطت الحرب العراقية-الإيرانية أولوية واضحة على الصراع العربي-الإسرائيلي سواء من منظور ترتيب الأولويات في القرارات أو درجة الاهتمام.
وكانت قمة الجزائر التي انعقدت قبل وقف إطلاق النار في الحرب العراقية-الإيرانية بشهرين تقريبًا هي قمة الانتفاضة الفلسطينية، ولذلك تراجع الاهتمام فيها بإيران وحربها ضد العراق وإن حرص بيانها الختامي على تأكيد القرارات السابقة لقمة عمان1987 بما في ذلك التهديد الذي تمثله إيران لدول الخليج العربية، ومع وقف إطلاق النار في أغسطس/آب1988 كان طبيعيًا أن تختفي الإشارة إلى إيران كمصدر تهديد للأمن القومي العربي من قرارات القمم التالية التي انعقدت عامي 1989 و1990.
غير أن قمة1996 عادت لتشير بطريق غير مباشر إلى التهديد الإيراني للبحرين تحديدًا حيث أِشار بيانها الختامي إلى وقوف القادة العرب إلى جانب البحرين "ضد أية محاولات تهديد من أي طرف كان" ودعوتهم إيران إلى "احترام سيادة دولة البحرين في إطار من الاحترام المتبادل وعلاقات حسن الجوار بمنع أية أعمال تخريبية تستهدف دولة البحرين وبما يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة"، وعلى الرغم من أن قمم1996 و2000 و2002 قد عالجت احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة كنزاع عادي بين دولتين وليس بالضرورة كمصدر تهديد للأمن القومي العربي ككل فإن قمة تونس2004 عادت لتصف السلوك الإيراني في هذا الصدد بأنه "يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة ويؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين"، وهو ما كررته حرفيًا تقريبًا قرارات قمة الجزائر2005، والخرطوم2006.
وفيما عدا إيران لم تنظر القمم العربية إلى دول المحيط المهمة الأخرى باعتبارها مصدرًا لتهديد الأمن العربي إلا في حالات نادرة أبرزها إشارة قمة1996 إلى قلق القادة العرب إزاء الاتفاق العسكري التركي-الإسرائيلي ودعوتهم تركيا إلى "إعادة النظر في هذا الاتفاق بما يمنع المساس بأمن الدول العربية"، ويلاحظ أن قمة عمان2001 لم تنظر للسلوك التركي إزاء كل من سوريا والعراق فيما يتعلق بقضية المياه باعتباره تهديدًا للأمن القومي العربي، وإنما اعتبرت أن القضية "مسألة في غاية الحيوية للأمة العربية" ودعت إلى معالجتها عن طريق المفاوضات. كذلك لم تعتبر قمة فاس1982 دخول القوات الإثيوبية إلى الصومال تهديدًا للأمن القومي العربي، وإنما اكتفت بمساندة الصومال "في مواجهة مستلزمات المحافظة على سيادتها على أراضيها" وأيدت "المساعي السلمية لحل المشاكل بين الطرفين" ناهيك عن تحفظ كل من سوريا والجزائر واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية على القرار.

ج-مصادر التهديد العالمية:
ارتبطت مصادر التهديد العالمية في قرارات القمم العربية غالبًا بالتهديد الإسرائيلي. هكذا يبدو في قرارات أول قمة عربية عقدت في أنشاص1946 من النص في قرارها الخامس على إجماع ملوك ورؤساء وأمراء دول الجامعة العربية على اعتبار أية سياسة تأخذ بها الحكومتان الأمريكية والبريطانية تناقض ما جاء في القرار الرابع للقمة (الذي تضمن الحد الأدنى للمطالب العربية) "سياسة عدائية موجهة ضد فلسطين العربية"، وإن تحفظ الملوك والرؤساء والأمراء بإبداء حرصهم الشديد على استمرار الصداقة والعلاقات الطيبة مع الحكومتين. وحدث الربط نفسه بين مصادر التهديد العالمي لأمن البلاد العربية بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عندما اجتمعت قمة بيروت في أعقاب عدوان الدول الثلاثة على مصر في أكتوبر/تشرين الأول-نوفمبر/تشرين الثاني1956 واعتبرت ذلك العدوان عدوانًا على البلاد العربية جميعًا.
لم تأت قمة القاهرة 1964 على ذكر مصادر تهديد عالمية للأمن القومي العربي وإن اعتبرت قمة الإسكندرية في السنة نفسها القواعد الاستعمارية خاصة في قبرص وعدن مصدرًا لتهديد أمن المنطقة العربية وسلامتها، وهو موقف كررته قمة الدار البيضاء1965 وإن تحدثت عن القواعد الأجنبية بصفة عامة التي تهدد أمن المنطقة العربية وسلام العالم.
تحدث البيان الختامي لقمة الجزائر التي عقدت في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول1973 عن "تواطؤ الدول الاستعمارية" مع إسرائيل ودعمها لها وخاصة من الولايات المتحدة، وهو نص غاب عن القمم التالية في1974 و1976 و1978 ليعود في قمة تونس1979، ويتكرر بحذافيره تقريبًا في قمة عمان1980، ثم غاب عن قمم فاس1982 والدار البيضاء1985 وعمان1987 ربما لبدء الولوج العربي الجماعي في طريق التسوية السلمية (1982)، والانشغال بالخلافات العربية-العربية (1985) أو الحرب العراقية-الإيرانية (1987) غير أن قمة الجزائر1988 عادت لإدانة السياسة الأمريكية "التي تشجع إسرائيل على مواصلة عدوانها".
دشنت قمة الدار البيضاء1989 حديثًا جديدًا عن الولايات المتحدة كمصدر للتهديد في غير الصراع العربي-الإسرائيلي، فقد تناولت العدوان الأمريكي على ليبيا وأدانته وشجبت المقاطعة الاقتصادية الأمريكية لليبيا وإن لم يحرص البيان الختامي للقمة على تكييف هذا السلوك الأمريكي كتهديد للأمن القومي العربي ككل، وهو موقف كررته قمة بغداد1990 بقوة أكثر عندما تحدث بيانها الختامي عن إدانة "التهديدات الأمريكية باستعمال القوة" ضد ليبيا، وذلك بالإضافة إلى إشارة غير مباشرة للتهديدات الأمريكية للعراق وإلى التركيز على قضية هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل كتهديد خطير للأمن القومي العربي.
ثم كانت للغزو العراقي للكويت آثاره الواضحة فيما يتعلق بتكييف السياسة الأمريكية كمصدر لتهديد الأمن القومي العربي، إذ لم يكن ممكنًا وقد لعبت الدور الأساسي في إخراج القوات العراقية من الكويت بالتحالف مع عدد من الدول العربية ثم تبوأت المكانة الرئيسية في منظومة أمن دول الخليج العربية بعد ذلك أن تتم الإشارة إليها كمصدر لتهديد الأمن القومي العربي. هكذا خلت قمتا القاهرة في1996 و2000 وكذلك قمة عمان2001 من أية إشارة في هذا الخصوص، وإن لم يمنع هذا من تناول مواقف بعينها للسياسة الأمريكية كتعبير القادة العرب في قمة عمان2001 عن استيائهم البالغ "لاستخدام الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن ضد مشروع القرار حول حماية الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإنشاء قوة للأمم المتحدة للمراقبين في تلك الأراضي"، وكذلك عن رفضهم التام للتبريرات الأمريكية.
ومع بداية اتضاح التهديدات الأمريكية للعراق في ظل إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وبصفة خاصة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول2001 بدأ الحديث عن التهديد الأمريكي للأمن العربي يعود بالتدريج إلى وثائق القمم العربية وإن تم الحديث عنه بعبارات عامة لا تذكر الولايات المتحدة الأمريكية أو سياستها تحديدًا. بدأت قمة بيروت2002 بحديث عن "رفض التهديد بالعدوان على بعض الدول العربية وبصورة خاصة العراق وتأكيد الرفض المطلق لضرب العراق أو تهديد أمن وسلامة أية دولة عربية باعتباره تهديدًا للأمن القومي لجميع الدول العربية" وكررت قمة شرم الشيخ2003 الموقف نفسه دون أي تصعيد يتناسب مع اشتداد حدة التهديد آنذاك.
وعندما عقدت قمة تونس2004 كان التهديد قد أصبح احتلالاً تكيف معه النظام العربي الرسمي، فاعترف بموفد السلطة التي أنشأها الاحتلال ممثلاً للعراق في جامعة الدول العربية، ولذلك لم يكن منطقيًا أن تأتي قرارات القمم على ذكر أي تهديد لأمن العراق أو غيره يكون مصدره السياسة الأمريكية، وهكذا اقتصرت قرارات قمم تونس2004 والجزائر2005 والخرطوم2006 على أمور من قبيل الترحيب بخطوات العملية السياسية في العراق والتشديد على الدور العربي ودور الأمم المتحدة في رسم مستقبله.
* * *
قصدت بهذا التحليل التفصيلي لتطور الاهتمام بالأمن القومي العربي مفهومًا وآليات ومقومات ومصادر تهديد أن أبين أنه لا جديد تحت الشمس تقريبًا وأن العبرة بالإنجاز على صعيد الواقع كما سيبدو من الجزء التالي من هذه الدراسة، وإن كانت المستجدات المرتبطة بالأمن القومي العربي قد فاقمت دون شك من المخاطر والتهديدات المحيطة به وساهمت في تردي أوضاعه الأمر الذي حتم النهج الذي اتبعته قمة الرياض في مقاربة المسألة.

ثانيًا- دلالات الخبرة العملية:

تناول الجزء السابق بالتحليل تطور المفهوم الرسمي العربي للأمن القومي، وقد رأينا كيف تبلور هذا المفهوم بالتدريج وأسست آليات واضحة لحمايته أهمها على الإطلاق مجلس الدفاع العربي المشترك الذي تضمنته معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي وقعت بين دول الجامعة في1950، كما أن مؤتمرات القمة العربية بصفة خاصة اعتبارًا من عام 1964 قد لعبت دورًا مهماً في هذا الصدد، ويمكن في هذا السياق الافتراض بأن إقرار دورية القمم العربية سنويًا بموجب بروتوكول وافقت عليه قمة القاهرة2000 عزز دور هذه القمم كآلية مؤسسية لحماية الأمن القومي العربي، خاصة وأن هذا البروتوكول قد أجاز في مادته الثالثة انعقاد قمم استثنائية بين القمم الدورية "عند الضرورة أو بروز مستجدات تتصل بسلامة الأمن القومي العربي"، ثم استحدثت قمة الخرطوم مجلس السلم والأمن العربي. فما الذي فعله النظام العربي من خلال آلياته تلك حماية للأمن القومي العربي وتعزيزًا له؟ وما هي الدروس والدلالات التي يمكن استخلاصها من خبرته في هذا الصدد على نحو ما يزيد عن الستين عامًا؟ وكيف يمكن في التحليل الأخير توظيف هذه الدروس والدلالات من أجل مستقبل أفضل للأمن القومي العربي؟
سوف نحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال النقاط التالية التي تتعلق بسرعة استجابة القمم العربية لمظاهر تهديد الأمن القومي العربي، والآليات التي تبنتها القمم العربية لحماية الأمن القومي العربي سياسيًا ودبلوماسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا.

1-سرعة الاستجابة:
تعنى هذه الجزئية بالإجابة على سؤال يتعلق بمدى قدرة آليات النظام العربي الرسمي ذات الصلة بحماية الأمن القومي العربي وتعزيزه على بلورة ردود فعل سريعة للتهديدات التي تحيط بهذا الأمن أو للأضرار التي تحدث له بالفعل، وقد تم انتقاء تسعة تطورات بالغة الأهمية لا شك في ارتباطها مباشرة بتهديد الأمن القومي العربي والإضرار به مع اختلاف درجة هذا الارتباط وطبيعته، وهذه التطورات التسعة هي:
- تفاقم الخطر الصهيوني على فلسطين وصولاً إلى إعلان دولة إسرائيل في1948 والحرب العربية-الإسرائيلية الأولى في تلك السنة.
- العدوان الثلاثي البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي على مصر في1956.
- مشروعات إسرائيل لتحويل مجرى نهر الأردن في مطلع ستينات القرن الماضي.
- هزيمة يونيو/حزيران1967.
- زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس1977 وتداعياتها.
- الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988).
- الغزو العراقي للكويت 1990.
- العدوان الأمريكي على العراق واحتلاله2003.
- العدوان الإسرائيلي على لبنان2006.
ويمكن تقديم عدد من الملاحظات على سرعة استجابة النظام العربي الرسمي للتهديدات والأعمال العدوانية ذات الصلة بالأمن القومي العربي على النحو التالي:
‌أ- لم يقم مجلس الدفاع العربي المشترك -وهو الآلية المعنية أساسًا بحماية الأمن القومي العربي وتعزيزه- بأي دور مباشر ورئيسي في مواجهة التطورات السابقة، فقد غاب هذا الدور تمامًا في كافة الحالات السابقة، ويعني هذا أن العبء كله قد وقع على آلية القمم العربية، وقد يتسق هذا مع طبيعة قرار الحرب الذي لا يتخذ إلا من أعلى السلطات وإن كان هذا لا يمنع أن مجلس الدفاع العربي المشترك كان يستطيع القيام بدور مفيد في عملية صنع القرارات ذات الصلة بالأمن القومي العربي.
‌ب- في حالتين فقط من الحالات التسع السابقة يمكن القول بأن مؤتمرات القمة قد استبقت الأحداث بمعنى محدد على نحو ما سيجيء، وهاتان الحالتان هما قمتا أنشاص1946 والقاهرة1964، فقد عقدت قمة أنشاص قبل إعلان دولة إسرائيل بسنتين، وقد يقال إن هذه صحوة متأخرة لمواجهة مشروع كان قد قارب نصف القرن عمرًا، لكننا لا يجب أن ننسى أن جامعة الدول العربية لم تنشأ إلا في عام1945، كذلك يمكننا أن نضيف أن القمة قد انعقدت عندما أصبح الخطر داهمًا، كما انعقدت قمة القاهرة في 13-17/1/1964 بعد قرابة ثلاثة أسابيع من خطاب للرئيس جمال عبد الناصر ألقاه في 23ديسمبر/كانون الأول1963 أعرب فيه عن تقديره لخطورة الموقف الذي كشف عنه اجتماع لرؤساء أركان حرب الجيوش العربية، وانتهى إلى القول بأن موضوعًا على هذا النحو من الخطورة لا يصلح له اجتماع على مستوى رؤساء الأركان وإنما الواجب أن يجتمع الملوك والرؤساء العرب في أسرع وقت ممكن بغض النظر عن الخلافات بينهم لاتخاذ قرارات جادة.
‌ج- في باقي الحالات انعقدت قمة بيروت التي دعا إليها رئيس الجمهورية اللبنانية لتدارس الموقف الناجم عن العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر/تشرين الأول1956، وقد انعقدت القمة يومي 13 و14نوفمبر/تشرين الثاني أي بعد وقف إطلاق النار بحوالي أسبوع، وقد يقال إن العدوان لم يستغرق وقتًا طويلاً وبالتالي يمكن اعتبار أن القمة قد انعقدت في توقيت معقول، غير أنه لابد من الإشارة من ناحية أخرى أنه لولا الصمود المصري والظروف المواتية عربيًا وعالميًا لكان العدوان قد حسم كل شيء قبل انعقاد القمة، وإن كنا في حالات قادمة سنجد تدنيًا عربيًا هائلاً يصل إلى حد العجز عن عقد القمم العربية أصلاً. وانعقدت قمة الخرطوم1967 بعد حوالي شهرين ونصف من الهزيمة المروعة التي لحقت بالدول العربية من جراء العدوان الإسرائيلي في يونيو/حزيران من تلك السنة، وإن كانت الخلافات العربية-العربية التي سبقت ذلك العدوان قد تبرر هذا التأخير النسبي الذي يغفر له أن القمة قد اتخذت قرارات فاعلة لمواجهة آثار العدوان.
أما زيارة الرئيس أنور السادات إلى إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني1977 فلم تنعقد قمة فورية لمواجهتها على الرغم من الاعتراض العربي الحاد الذي قوبلت به الزيارة رسميًا وشعبيًا، ولم تنعقد قمة في هذا الخصوص إلا بعد حوالي سنة من الزيارة وشهرين من توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد في سبتمبر/أيلول1978، وليس من مبرر مفهوم لهذا التأخر سوى واحد من احتمالين: إما أن ثمة خلافًا عربيًا قد ثار بشأن كيفية مواجهة الزيارة وتداعياتها، وإما أن بعض الأطراف الطامحة إلى ملء الفراغ الناجم عن خروج مصر على مألوف سلوك النظام العربي كان من مصلحتها أن يتورط السادات أكثر وأكثر مع إسرائيل كي تسهل إزاحة الدور المصري عن موقع القيادة في النظام العربي.
وفيما يتعلق بالحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) احتاجت القمم العربية لسبع سنوات كاملة لكي تنتقل من نهج الحياد الذي اتبعته في مواجهة تلك الحرب إلى استشعار خطر حقيقي يتهدد الأمن القومي العربي بما في ذلك أمن الدول العربية، وهكذا دُعي إلى قمة عمان في نوفمبر/تشرين الثاني1987 لمواجهة هذا الخطر، وكانت هذه هي القمة العربية الأولى والأخيرة التي برز فيها التهديد الإيراني إلى موضع الصدارة في اهتمامات القمم العربية. كذلك احتاج الأمر ثلاثة شهور كاملة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في يونيو/حزيران1982 كي تنعقد قمة فاس في سبتمبر/أيلول من السنة نفسها.
غير أن الأمر اختلف في واقعة الغزو العراقي للكويت في أول أغسطس/آب1990 حيث انعقدت قمة عربية في العاشر من الشهر نفسه مع ملاحظة أن المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية قد اجتمع غداة يوم الغزو أي في الثاني من أغسطس/آب، ويمكن تفسير سرعة الانعقاد هذه بأن واقعة الغزو كانت هي الأولى من نوعها في تفاعلات النظام العربي الرسمي منذ نشأته في1945.
د- مع العدوان الأمريكي على العراق في2003 دخل النظام العربي مرحلة جديدة لم تعد القمم العربية تنعقد فيها أصلاً. صحيح أن قمة قد عقدت في شرم الشيخ في أول مارس/آذار2003 لكن تلك كانت قمة دورية لم تنجح الدبلوماسية المصرية في أن تعقد قبلها قمة استثنائية، ولما وقع العدوان وأصبح الاحتلال الأمريكي للعراق حقيقة واقعة لم تعقد قمة، ومع حسم المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في سبتمبر/أيلول2003 لقضية تمثيل العراق في الجامعة لصالح ممثل مجلس الحكم الانتقالي الذي أسسته سلطات الاحتلال في العراق أصبح التفكير في عقد قمم طارئة غير ذي موضوع أصلاً.
وتكررت خبرة العراق بحذافيرها في العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو/تموز-أغسطس/آب2006 حيث لم تحظ دعوة اليمن إلى قمة عربية طارئة لمواجهة العدوان بالنصاب المطلوب، واضطرت إلى سحبها تجنبًا لانشقاق عربي حول الموضوع، وعندما صمدت المقاومة أثير من جديد موضوع انعقاد القمة العربية الطارئة في المجلس الوزاري العربي يوم 8أغسطس/آب لكن جديدًا لم يحدث في الموضوع، وانتهت فكرة القمة الطارئة انعكاسًا للرضا عن توقف العدوان بموجب قرار مجلس الأمن رقم1701.
* * *

هكذا بدأ النظام العربي بسرعة نسبية في رد الفعل إزاء الأخطار التي تتهدد الأمن القومي العربي (قمتا أنشاص 1946 والقاهرة1964)، ثم حدث تباطؤ نسبي في رد الفعل لا يخل بالفاعلية (قمة الخرطوم1967) ثم تباطؤ ملحوظ مع فاعلية أقل (قمم بغداد1978 وفاس1982 وعمان1987) واستعاد النظام العربي سرعة رد الفعل بعد ذلك في حالة وحيدة (قمة القاهرة1990). ثم توقف النظام العربي عن رد الفعل أصلاً في حالتي غزو العراق2003 والعدوان الإسرائيلي على لبنان2006.
وإذا كان التحليل السابق يتعلق بسرعة رد الفعل فماذا عن طبيعته ومضمونه؟ ينقلنا هذا السؤال إلى نقاط التحليل التالية.

2-الآليات السياسية والدبلوماسية
تبنت القمم العربية عددًا من الآليات ذات الطبيعة السياسية والدبلوماسية في محاولة لمواجهة المخاطر والتهديدات التي تحيط بالأمن القومي العربي نعرض منها هنا لآليات التحرك السياسي، وبعض أعمال التهديد ذات الطابع الدبلوماسي.

أ-آليات التحرك السياسي:
في المرحلة التي لم يكن النظام العربي الرسمي يقبل بتسوية مع إسرائيل كان حديث القوة العسكرية وإعدادها وتوظيفها في الصراع العربي-الإسرائيلي هو الحديث المطروح في قرارات القمم العربية، غير أنه مع بدء تبني مبدأ تسوية الصراع أصبح للتحركات الدبلوماسية قيمتها لكسب الأنصار وعزل الخصوم، ولذلك نجد أن أول إشارة للتحركات العربية في هذا الصدد قد وردت في قرارات قمة الجزائر1973، وواصلت القمم التالية بعد ذلك النص على هذه الآليات.
ويلاحظ على آلية التحرك السياسي العربي من أجل تحقيق أهداف تتعلق بالأمن القومي ما يلي:
- أن أهداف هذا التحرك لم تكن بالضرورة هي الضغط من أجل تحقيق تسوية مع إسرائيل، فقد كان واضحًا من قرارات قمة الجزائر1973 أن هدف التحرك السياسي هو الضغط على إسرائيل وعزلها ومقاطعتها كامتداد للأداء العربي في حرب أكتوبر/تشرين الأول1973، وينطبق الأمر نفسه على قمة بغداد1978 التي كان حديثها عن التحرك السياسي بهدف كسب التأييد لموقف القمة الرافض لمسلك التسوية الذي اتبعه الرئيس أنور السادات، وكذلك قمة الجزائر1988 التي كان الهدف المعلن للتحرك فيها هو كسب الدعم للانتفاضة الفلسطينية.
- أن التحرك قد شمل كافة المجموعات الدولية وكذلك الأمم المتحدة سواء في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة، وقد تراوح الموقف العربي من الولايات المتحدة وفقًا لمدى تشدد أو اعتدال النظام النظام العربي الرسمي، فعندما كان توجه التسوية غير واضح ركزت القمم العربية على التحرك على مستوى الشعب الأمريكي (قمة الجزائر1973)، أو وصلت إلى حد إدانة السياسية الأمريكية (قمة تونس1979)، غير أنه عندما بدا أن توجه التسوية يثبت أقدامه داخل النظام الرسمي العربي بدأت الإشارات إلى الاتصالات مع الجانب الأمريكي لاستطلاع مواقفه (قمة فاس1982)، أو لشرح الموقف العربي له (قمة الدار البيضاء1985).
- لوحظ أن القمم العربية قد لجأت في آلية التحرك السياسي إلى تشكيل لجان للتحرك سواء على المستوى القيادي أو الوزاري غير أن هذه اللجان عانت بصفة عامة من ضعف المتابعة وأحيانًا غيابها، بمعنى أن القمة التالية لم تكن عادة تتوقف لتقييم ما فعلته لجان التحرك التي نصت عليها القمة السابقة عليها، وربما تعد لجنة متابعة مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت2002 استثناء في هذا الصدد، غير أن الفاعلية كانت واحدة، وهذا ينقلنا إلى الملاحظة المهمة والأخيرة.
- يلاحظ أن كافة الأهداف التي وضعتها القمم العربية لتحركها السياسي لم تتحقق، فلا تم عزل إسرائيل أو مقاطعتها أو الضغط عليها لتغير مواقفها، ولم تتغير المواقف الأمريكية بل ازدادت سوءًا، وحدث تحول في مواقف عدد من القوى الدولية التي كانت فعليًا تؤيد الحقوق العربية بشكل لا لبس فيه فانتقلت إلى مواقف "خشبية" شديدة التوازن كالصين، ولم يتم وضع مبادرة فاس1982 أو المبادرة العربية2002 موضع التطبيق في أي بند من بنودها الأمر الذي يشير للأسف إلى إخفاق هذه الآلية في تحقيق إي إنجاز يعتد به على صعيد الأمن القومي العربي.
ويبقي في بحث الآليات السياسية التي تبناها النظام العربي الرسمي لتحقيق أمنه القومي أن تتم الإشارة إلى بعض أعمال التهديد ذات الطابع الدبلوماسي، والتي يفترض أن تكون ذات فاعلية أكثر، وقد ظهرت هذه الشريحة من الأعمال بوضوح لأول مرة في قمة تونس1979 حيث حذرت القمة "من المحاولات الرامية لإعادة علاقات بعض الدول مع العدو الصهيوني أو الاعتراف بالقدس عاصمة له"، وأعلنت القمة أن "الدول العربية ستتخذ التدابير اللازمة لحماية الحق العربي"، وصعدت قمة عمان1980 الموقف بقرارها قطع جميع العلاقات مع أية دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو تنقل سفارتها إليها، وهو قرار خففت منه قمة بغداد1990 إلى حد ما عندما اكتفت بتأكيد القمة أن الدول العربية ستتخذ إجراءات سياسية واقتصادية (لم تحددها) ضد أية دولة تعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، وفيما بعد استعادت قمتا القاهرة2000 وعمان2001 لغة قمة عمان1980 التي هددت بقطع العلاقات مع الدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس وتعترف بها عاصمة لإسرائيل.
وتركزت أعمال التهديد الدبلوماسي في غير موضوع القدس في مواجهة انقلاب الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل عام1996 على مسار السلام الذي حددته اتفاقية أوسلو1993، وقد عقدت قمة القاهرة لمواجهة تداعيات ذلك الموقف وانتهت في بيانها الختامي إلى أن "أي إخلال من جانب إسرائيل بهذه المبادئ والأسس التي قامت عليها عملية السلام، أو تراجع عن الالتزامات والتعهدات والاتفاقات التي تم التوصل إليها في إطار هذه المسيرة أو المماطلة في تنفيذها سوف يضطر الدول العربية كافة إلى إعادة النظر في الخطوات المتخذة تجاه إسرائيل في إطار عملية السلام"، وقد أكدت قمة القاهرة2000 على المعنى ذاته بتأكيد التزام القادة العرب في البيان الختامي للقمة "بالتصدي الحازم لمحاولات إسرائيل التغلغل في العالم العربي تحت أي مسمى والتوقف عن إقامة علاقات مع إسرائيل"، وألمح البيان الختامي للقمة إلى احتمال "إلغاء" العلاقات مع إسرائيل بالنص على أن القادة العرب "يحملون إسرائيل مسئولية الخطوات والقرارات التي تتخذ في صدد العلاقات مع إسرائيل من قبل الدول العربية بما في ذلك إلغاؤها"، كما أكد القادة العرب على أن "معالجة قضايا التعاون الإقليمي لا يمكن أن تتم دون إنجاز حقيقي تجاه السلام الشامل والعادل في المنطقة، كما أن توقف المسيرة السلمية بسبب سياسة إسرائيل وممارساتها الاستفزازية يجعل الحديث عن المستقبل المشترك في المنطقة أمرًا غير ذي موضوع"، وقرر القادة "عدم استئناف أي نشاط رسمي أو غير رسمي في الإطار متعدد الأطراف، ووقف كافة خطوات وأنشطة التعاون الاقتصادي الإقليمي مع إسرائيل في هذا الإطار، وعدم المشاركة في أي منها، وربط استئنافها ومداها بتحقيق إنجاز ملموس في اتجاه تحقيق السلام العادل والشامل. ولم تذكر هذه التهديدات والمواقف بعد ذلك في أية قمة لاحقة فيما عدا تأكيد قمة بيروت2002 "في ضوء انتكاسة عملية السلام" التزام القادة العرب "بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة لإسرائيل حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية". وكانت قمة بيروت2002 هي آخر قمة عربية استخدمت فيها أعمال التهديد ذات الطابع الدبلوماسي، وربما يفسر ذلك بحالة "التكيف" التي وصل إليها النظام الرسمي العربي مع مصادر تهديد الأمن القومي العربي والإخلال به في أعقاب احتلال العراق2003.
ويلاحظ أن الأعمال السابقة كانت ذات شقين أولهما يتعلق بمنع الدول من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو نقل سفاراتها إليها، ومع أنه لا يمكننا قياس الأثر المحدد للتهديد العربي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تفعل هذا إلا أنه يُنسب للقمم العربية التي تضمنت قراراتها وبياناتها الختامية هذا التهديد أنها ارتقت –ولو لفظيًا- إلى مستوى الموقف بالإضافة إلى أن دولة واحدة لم تنقل سفارتها إلى القدس بعد صدور تلك التهديدات عن أكثر من قمة عربية، وهو أمر جيد حتى ولو تكن القمم العربية هي صاحبة الفضل الأصيل فيه، أما الشق الثاني فيتعلق بالتهديد في قمتي 1996 و2000 بالتوقف عن إقامة علاقات جديدة مع إسرائيل بل وإلغاء الموجود منها، وهو أمر جيد، وإن كانت درجة التزام الدول العربية به غير معلومة يقينًا، كما أن تجميد المسار متعدد الأطراف والتوقف عن التعاون الاقتصادي الإقليمي مع إسرائيل أمر جيد وإن كان من المستحيل قياس تأثيره المباشر على السلوك الإسرائيلي.
غير أنه بغض النظر عن النجاح في منع نقل سفارات الدول الأجنبية إلى القدس فإنه يجب أن يكون واضحًا أن كافة أعمال التهديد الدبلوماسي التي سبقت الإشارة إليها لم تؤد إلى تغيير كبير في المواقف الإسرائيلية، ولذلك فإن هذه الأعمال جيدة ومطلوبة لزيادة الوعي بطبيعة إسرائيل، غير أن تأثيرها الإيجابي على تحقيق الأمن القومي العربي يبدو حتى الآن ضئيلاً خاصة وقد دخل النظام العربي الرسمي مرحلة تكيف مع المتغيرات العالمية خاصة بعد احتلال العراق في2003.

3-الآليات العسكرية:
لم يشهد النظام العربي حالة واحدة لاستخدام ناجح للآليات العسكرية التي يتيحها هذا النظام لحماية أمنه القومي، وبالذات من خلال مجلس الدفاع المشترك. أما الصورة الغالبة لحضور الآلية العسكرية في خبرة هذا النظام فكانت التهديد اللفظي غير المباشر الذي لم يرق لمرتبة الفعل، وفي العقدين الأخيرين بدا النظام متقبلاً لفكرة إدخال عناصر خارجية في معادلات تحقيق الأمن داخله على نحو ما سيجئ.
وبالنسبة لغياب أية حالة لاستخدام ناجح للآليات العسكرية التي يتيحها النظام العربي لحماية أمنه القومي يمكن أن يعترض على هذا الحكم بحالتين: الأولى تتعلق بقضية التصدي لمحاولات إسرائيل تغيير مجرى نهر الأردن في ستينات القرن الماضي والثانية بحرب أكتوبر/تشرين الأول1973، ففي الحالتين تم إعمال ما للآلية العسكرية.
وفيما يتعلق بمحاولة القمم العربية التصدي لمحاولات إسرائيل تحويل مجرى نهر الأردن في مطلع ستينات القرن الماضي يلاحظ أن التجربة تستحق التوقف عندها، إذ أن قمتي1964 اللتين انعقدتا في يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول1964 في القاهرة والإسكندرية على التوالي قد اتخذتا قرارات جادة تتعلق بإنشاء قيادة عسكرية عربية موحدة "حسب التنظيم ووفق الصلاحيات التي وافق عليها مجلس الدفاع العربي المشترك في دورته الثالثة في يونيو1961"، وعين قائدها، ونص القرار على التزام الدول العربية جميعًا بتشكيل وتخصيص القوات التي تقترحها القيادة العامة، وحددت ميزانيتها وكذلك طريقة تمويل هذه الميزانية من الدول الأعضاء. وواصلت قمة الإسكندرية (سبتمبر/أيلول1964) العمل نفسه فقررت "حشد القوى المخصصة من العراق وسوريا والسعودية لنجدة الأردن ولبنان لتنطلق إلى أهدافها في حالة حصول أي اعتداء من إسرائيل أو احتمال حصول هذا الاعتداء، كما تلتزم سائر الدول العربية بأن تكون قواتها متأهبة لرد العدوان فورًا"، ومنح القائد العام بموجب قرارات قمة الإسكندرية" حق التصريح المطلق بالتحركات العسكرية على أن تراعي في تحركات هذه القوات من دولة إلى أخرى قبل وقوع القتال الأحكام الدستورية والنظم المرعية في كل دولة، كما أقرت القمة مخصصات مالية إضافية، وحددت الدول التي ستتحملها والمبالغ التي تلتزم كل منها بسدادها وتوقيتات السداد، غير أن جوهر فكرة العمل العربي المشترك في مجال الأمن القومي وفق آلية جماعية لم تتحقق عندما رفض كل من الأردن ولبنان دخول قوات عربية إلى أراضيه، وبهذا أجهضت هذه المحاولة التي سارت وفق نهج يكاد أن يكون نموذجيًا، وتحولت القيادة العربية العسكرية الموحدة تدريجيًا إلى ما يشبه "مكتبٍا استشاريًا عسكريًا" للدول ذات الصلة.
من ناحية ثانية فإن حرب أكتوبر/تشرين الأول1973 لم تتم وفق آلية جماعية لعمل عسكري عربي مشترك وإنما بموجب تنسيق مصري-سوري عسكري، ويلاحظ أن كافة أعمال الدعم العسكري (المساهمة بقوات أو بأسلحة) والاقتصادي (استخدام سلاح النفط) التي تمت أثناء الحرب قد تمت بموجب مبادرات قطرية وليس آليات عربية جماعية بدليل التشتت الذي حدث بعد ذلك في إدارة العمليات العسكرية (وقف إطلاق النار أولاً على الجبهة السورية ثم المصرية)، وفي إدارة الصراع ككل (إصرار مصر على وقف استخدام سلاح النفط بمناسبة التوصل إلى اتفاقية فض الاشتباك الأولى في يناير/كانون الثاني1974 ومبادرة مصر بسياسة جديدة للتسوية مع إسرائيل اعتبارًا من1977)، وهكذا فإنه بينما مثلت حرب أكتوبر/تشرين الأول إنجازًا عربيًا غير مسبوق فإن هذا الإنجاز لم يخرج من رحم آليات العمل العربي المشترك في مجال الأمن القومي، ولعل هذا ما يفسر ضعف استثمار نتائجه سياسيًا كما اتضح في الشهور والسنوات الأولى اللاحقة للحرب.
وفيما عدا هاتين الحالتين اللتين تضمنتا استخدامًا فعليًا أو شروعًا في استخدام آليات عسكرية لحماية الأمن القومي العربي فإن الممارسة العربية تنوعت ما بين الدعم المالي للخيارات العسكرية القطرية أو التهديد اللفظي غير المباشر باللجوء إلى العمل العسكري، أو إشراك قوى أجنبية في عمليات حماية "الأمن القومي العربي" فيما يعد واحدًا من أكبر خروقات هذا الأمن.
أما الدعم المالي للخيارات العسكرية للأقطار العربية فشاهده الأول هو ما حدث في أعقاب هزيمة يونيو/حزيران1967، إذ قررت قمة الخرطوم التي انعقدت في أعقاب تلك الهزيمة في أغسطس/آب1967 استئناف ضخ البترول باعتباره طاقة عربية إيجابية يمكن تسخيرها في الإسهام في تمكين الدول العربية التي تعرضت للعدوان من الصمود لإزالة آثار العدوان، وفي هذا الإطار "قررت كل من السعودية والكويت والمملكة الليبية أن تلتزم كل منها بدفع المبالغ التالي بيانها سنويًا ومقدمًا كل ثلاثة أشهر ابتداءً من أكتوبر/تشرين الأول إلى حين إزالة آثار العدوان:
المملكة العربية السعودية 50مليون جنيه إسترليني
الكويت 55مليون جنيه إسترليني
المملكة الليبية 30مليون جنيه إسترليني.
انعقد مؤتمر القمة العربي (الخامس) في الرباط في 23/12/1969 ولم تكتمل أعماله، لذلك لم يتخذ أية قرارات ولم يصدر عنه أي بيان ختامي، وكان السبب المباشر لإخفاق القمة يتعلق بمسألة الدعم المالي، فقد وقع خلاف حاد بين المؤيدين للدعوة إلى زيادة المساعدات المالية لدول المواجهة وبين الرافضين لهذه الدعوة، وقد أدى هذا الخلاف إلى خروج الرئيس جمال عبد الناصر من المؤتمر فيما كان إشارة أكيدة إلى فشله.
وقد نظرت قمة الرباط (1974) في احتياجات دول المواجهة للدعم العسكري وأحيطت علمًا بالتزام السعودية بدفع 400مليون دولار والكويت بدفع 400مليون دولار أيضًا والإمارات (300) وقطر (150) والعراق (100) وسلطنة عمان (15) والبحرين (4) بما مجموعه 1396 مليون دولار تسدد سنويًا إلى مصر وسوريا والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية حسب نسب تقدير احتياجاتها التي عرضت على المؤتمر، ويلاحظ أن بعض الوفود لم تقدم التزامات محددة فيما اعتبر مؤشرًا على بداية تخلخل في آلية الدعم المالي للمجهود الحربي.
وفي قمة بغداد1978 –التي انعقدت لمواجهة تداعيات عقد اتفاقيتي كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل- تعهدت أقطار عربية محددة بتقديم مساعدة سنوية لمدة عشر سنوات لدعم الجبهة الشمالية والجبهة الشرقية ومنظمة التحرير الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة بما مجموعه 3350مليون دولار، وينطبق على هذا القرار ما ينطبق على سلفه في 1967 من ملاحظات تحليلية، وإن لوحظ أنه بينما ساعد الدعم المالي الذي أقرته قمة الخرطوم1967 في التوصل إلى إنجاز أكتوبر/تشرين الأول1973 فإن مبالغ الدعم المالي التي قررتها قمة بغداد1978 لم تفض إلى أية جولة جديدة من جولات الصدام العسكري مع إسرائيل، وقد يكون من المناسب في هذا السياق الإشارة إلى أن قمة تونس1979 قد ضمنت قراراتها قراراً يؤكد على "ضرورة التنسيق العسكري العربي وتعزيز القدرة العسكرية العربية، وبصورة خاصة لدول المواجهة الأمامية والمقاومة الفلسطينية والخطوط الخلفية المباشرة من الدول العربية التي تشكل العمق الاستراتيجي الحيوي لصمود الخط الأمامي ولتقوية إمكانات المواجهة ضد العدو الصهيوني، على أن تساهم بقية الدول العربية –كل حسب قدراته- في مختلف المجالات لاسيما في مجال التسليح والتدريب وتبادل المعلومات"، ويلاحظ بطبيعة الحال عمومية القرار إذا قورن بقرارات قمتي1967 و1978.
أما قمة عمان1980 فقد قررت إنشاء "قيادة عسكرية عربية مشتركة يقرر مجلس الدفاع العربي المشترك كافة التفاصيل المتعلقة بتشكيلها، ويرفع تقريرًا عن التنفيذ إلى مؤتمر القمة القادم"، وعندما حلت القمة التالية في فاس1981 أو 1982 كانت العوامل البنيوية لاتجاه النظام العربي الرسمي إلى تسوية مع إسرائيل قد نضجت، وتبنت قمة فاس1982 مبادرة لتسوية شاملة، واختفى الحديث في قرارات القمم العربية عن الآليات العسكرية لمواجهة الخطر الصهيوني.
يأتي بعد ذلك التهديد اللفظي غير المباشر باللجوء إلى العمل العسكري والذي يمكن أن تكون قرارات قمتي أنشاص1946 وبيروت1956 هي بدايته، إذ سبق تحليل قرار قمة أنشاص الذي نص على أنه "في حالة الأخذ بسياسة عدوانية لا تتفق وما جاء في الفقرة (4) [التي تتضمن المطالب العربية] تتخذ كل الوسائل الممكنة للدفاع عن كيان فلسطين". أما قمة بيروت1956 التي عقدت في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في تلك السنة فقد نص أول قراراتها على أنه "إذا رفضت بريطانيا وفرنسا الامتثال لقرارات الأمم المتحدة وامتنعتا عن سحب قواتهما من الأراضي المصرية فورًا وبدون قيد أو شرط، وكذلك إذا خالفت إسرائيل قرارات الأمم المتحدة وامتنعت عن سحب قواتها إلى ما وراء خطوط الهدنة دون قيد أو شرط، وإذا تسبب عن موقف أي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل تأزم جديد من شأنه أن يؤدي إلى استئناف الأعمال العسكرية اعتبرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مسئولة بالتضامن عن استمرار الاعتداء، وحينئذ تباشر كل من الدول الممثلة في هذا المؤتمر -كل فيما خصها، وعملاً بحق الدفاع المشروع عن النفس- تطبيق أحكام المادة الحادية والأربعين من ميثاق الأمم المتحدة واتخاذ التدابير الفعالة التي تسمح بها أقصى إمكاناتها، وفقًا لالتزاماتها بمقتضى المادة الثانية من معاهدة الدفاع العربي المشترك". ويلاحظ أن هذا التهديد لم يُختبر جديًا لأن انسحاب القوات المعتدية تم بين ديسمبر/كانون الأول1956 ومارس/آذار1957، كما تلاحظ أيضًا عمومية القرار الذي يتحدث عن "اتخاذ التدابير الفعالة التي تسمح بها أقصى إمكاناتها" علمًا بأن نص المادة الثانية من معاهدة الدفاع العربي المشترك التي أحال إليها القرار يتحدث صراحة عن "استخدام القوة المسلحة".
وبعد هاتين الحالتين (1946 و1956) دخل النظام العربي الرسمي في مرحلة مواجهة مع إسرائيل تضمنت محاولات جادة لاستخدام الآلية العسكرية ضدها (قمم1964 و1965) ثم دعمًا ماليًا للخيار العسكري العربي (1967 و1978) وحديثًا لفظيًا عن تنسيق عسكري وقيادة عسكرية عربية مشتركة (1979 و1980) وصولاً إلى تبني النظام العربي الرسمي لخيار التسوية مع إسرائيل (قمة فاس1982) الأمر الذي أسقط تمامًا أي حديث عن الآلية العسكرية في مواجهة إسرائيل سواء على الصعيد الفعلي أو اللفظي.
غير أن الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) كانت هي المناسبة الأساسية التي شهدت استمرارًا لممارسة التهديد العربي اللفظي غير المباشر باللجوء إلى الآلية العسكرية لحماية الأمن القومي. وقد اتخذت قمة عمان1980 –وهي أول قمة عربية تعقد بعد نشوب الحرب- موقفًا بالغ الحياد إزاءها، غير أن القمة التالية في فاس1982 شهدت تغيرًا في الموقف العربي من الحرب إزاء التطورات التي طرأت عليها، فأعلنت استعداد الدول العربية لتنفيذ الالتزامات المترتبة عليها بموجب المادة السادسة لميثاق الجامعة والمادة الثانية لمعاهدة الدفاع العربي المشترك في حالة عدم استجابة إيران لنصوص قرارهم. ثم كررت القمم العربية التالية في الدار البيضاء (1985) وعمان (1987) والجزائر (1988) موقف قمة فاس1982 من منظور استعداد الدول العربية لتنفيذ التزاماتها بموجب ميثاق الجامعة ومعاهدة الدفاع العربي المشترك وإن كانت درجة اهتمام تلك القمم بالحرب قد تفاوتت، فبلغ الاهتمام ذروته في قمة عمان1987 بينما عاد ليتضاءل نسبيًا في قمة الجزائر1988 التي أعادت الصراع العربي-الإسرائيلي إلى صدارة اهتماماتها في سياق دعم الانتفاضة الفلسطينية التي كانت قد تفجرت في ديسمبر/كانون الأول1987.
وعلى أية حال فإن ذلك التهديد اللفظي غير المباشر باللجوء إلى الأداة العسكرية لم يترجم أبدًا إلى سلوك فعلي، ويلاحظ في هذا السياق أن الدعم العسكري والمالي أو غير ذلك من صور الدعم الذي قدم للعراق عربيًا جاء بمبادرات قطرية وليس وفق خطة عربية مشتركة، كما أن إنهاء العراق للعمليات العسكرية في الحرب في1988 لصالحه جاء في التحليل الأخير بعمل عراقي منفرد وليس استنادًا إلى تدخل عسكري عربي جماعي. وعليه فإن آلية التهديد باللجوء إلى عمل عسكري لصد تهديدات أو مخاطر تحيط بالأمن القومي العربي لم يقدر لها أن تتحول أبدًا إلى عمل عسكري فعلي.
وكانت قمة بغداد1990 هي آخر قمة استخدمت آلية التهديد اللفظي غير المباشر باللجوء إلى القوة العسكرية وذلك بمناسبة معالجة التهديدات التي كان يتعرض لها العراق في ذلك الوقت وكذلك التهديدات الأمريكية لليبيا، وإن كان البيان الختامي للقمة لم يتضمن في الحالتين أكثر من الإشارة إلى الالتزام بمعاهدة الدفاع العربي المشترك دون نص صريح على استعداد الدول العربية لتنفيذ التزاماتها بموجب المادة الثانية من المعاهدة على نحو ما جاء في قرارات القمم العربية وبياناتها الختامية بخصوص الحرب العراقية-الإيرانية.
نصل أخيرًا إلى النقلة التي حدثت في النظام العربي من التصدي للتهديدات والمخاطر المحيطة بالأمن القومي بآليات عربية –بغض النظر عن مدى فعاليتها- إلى إشراك قوات أجنبية في عمليات "حماية الأمن القومي العربي"، فقد قررت قمة القاهرة التي انعقدت في 10أغسطس/آب1990 في أعقاب الغزو العراقي للكويت "تأييد الإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى إعمالاً لحق الدفاع الشرعي وفقًا لأحكام المادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ولقرار مجلس الأمن رقم 661 بتاريخ 9/8/1990 على أن يتم وقف هذه الإجراءات فور الانسحاب الكامل للقوات العراقية من الكويت وعودة السلطة الشرعية للكويت" كما قررت القمة "الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى بنقل قوات عربية لمساندة قواتها المسلحة دفاعًا عن أراضيها وسلامتها الإقليمية ضد أي عدوان خارجي".
ولما كانت الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى قد تضمنت "دعوة" أو "قبول" وجود قوات أجنبية على أراضيها للمشاركة في درء المخاطر المحدقة بأمنها فإنه يصعب في واقع الأمر قبول وضع قرار قمة القاهرة1990 في سياق المادة الثانية من معاهدة الدفاع العربي المشترك التي يُفهم من نصها وروحها بوضوح أن المقصود بها عمل عربي، كما يلاحظ أن ما نصت عليه قرارات قمة القاهرة1990 بخصوص وقف الإجراءات (التي اتخذتها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى) فور الانسحاب الكامل للقوات العراقية من الكويت وعودة السلطة الشرعية إليها لم يتم تنفيذه، إذ تحول التدخل العسكري المؤقت لإخراج القوات العراقية من الكويت إلى ترتيبات قانونية عسكرية دائمة بين دول الخليج العربية ودول أجنبية أهمها الولايات المتحدة. وبصفة عامة لم تحدث بعد الغزو العراقي للكويت في1990 واقعة مماثلة يمكن مقارنة سلوك النظام العربي الرسمي إزاءها بسلوكه في1990.



4-الآليات الاقتصادية
تضمنت الآليات الاقتصادية التي تبناها النظام العربي الرسمي لحماية أمنه القومي عددًا من الآليات الفرعية لعل أهمها آلية الدعم المالي الموجه لأغراض تتعلق بهذه الحماية، واستخدام سلاح النفط في الاتجاه نفسه، وتبني أسلوب المقاطعة الاقتصادية.
دشنت قمة أنشاص1946 آلية الدعم المالي بقرارها السابع الذي أشار إلى إجماع ملوك وأمراء ورؤساء الدول المجتمعة "على ضرورة مساعدة عرب فلسطين بالمال لأغراض الدعاية وحفظ الأراضي بيد العرب وغير ذلك من الأغراض التي تعمل على تقوية الكيان العربي في فلسطين، على أن لا يقل ما تتبرع به كل دولة سنويًا عن المبلغ الذي أقرت دول الأمم المتحدة دفعه سنويًا لمؤسسة الإسعاف الدولية (أونروا) أي بنسبة واحد بالمائة من الدخل القومي"، ويلاحظ أن القرار جاء محددًا من حيث هدفه وتوزيع أعبائه، غير أنه لا توجد معلومات بشأن متابعته، والأهم من ذلك أنه لم يحقق الغرض منه، فقد ضاع أكثر من نصف فلسطين بعد حوالي سنتين من انعقاد القمة.
وفي قمة القاهرة1964 حددت ميزانية المشروعات العاجلة لاستثمار المياه العربية لمواجهة المشروعات الإسرائيلية المضادة بستة ملايين ومائتين وخمسين ألف جنيه إسترليني وتقرر أن تسددها الدول وفق نسبة حصتها في ميزانية الأمانة العامة لجامعة الدول العربية "مع مراعاة مقدرة وإمكانيات كل دولة"، بما يفتح الباب لتغيير في هذه النسب، أما مشروعات الاستثمار الآجلة فحددت تكلفتها بحوالي 65مليون جنيه إسترليني، وقررت القمة تمويلها عن طريق القروض باعتبارها مشروعات إغاثية، ولم تحدد ماهية هذه القروض ومصادرها.
وفي قمة الإسكندرية1964 اعتمد مشروع خزان المخيبة بسعة 200مليون متر مكعب جزءًا من المشروع الفوري، وحددت ميزانيته بعشرة ملايين ومائتين وخمسين ألف جنيه إسترليني تحمل العراق والسعودية والجمهورية العربية المتحدة والكويت 80% منها بالتساوي وتحمل الأردن والجزائر وسوريا ولبنان وليبيا باقي التكلفة حسب أنصبة كل منها في ميزانية الجامعة.
ومن الواضح أن الدول كانت تلتزم بسداد حصصها بدليل أن قمة الدار البيضاء(1965) قد أرجأت النظر في المبالغ الإضافية المطلوبة إلى الدورة المقبلة للقمة "حتى يتم صرف المبالغ المتوفرة لدى الهيئة (هيئة استغلال مياه نهر الأردن وروافده التي أنشئت بقرار من قمة القاهرة1964) في المرحلة الحالية".
واجهت قمة الخرطوم (1967) موقفًا جديدًا وهو الهزيمة العربية الفادحة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وقد سبق تناول قراراتها المتعلقة بالدعم المالي للمجهود الحربي لدول المواجهة في إطار الحديث عن الآليات العسكرية، كذلك سبق في السياق نفسه تناول مؤتمر القمة العربي في الرباط في 23/12/1969 الذي لم تكتمل أعماله بسبب الخلاف حول زيادة الدعم المالي للمجهود الحربي لدول المواجهة. ويلاحظ أن قمة الجزائر التي انعقدت في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول1973 لم تأت بجديد في آلية الدعم المالي، حيث أصدرت قرارات "عامة" بضرورة "دعم وتأمين الصمود في الأراضي العربية المحتلة" و"قيام الدول العربية بإعادة تعمير ما دمرته الحرب" وذلك دون أي تحديد لمبالغ تدفع أو دول معينة تلتزم بسداد هذا المبالغ.
أما قمة الرباط1974 فقد اتخذت قرارات سبق تناولها في سياق تحليل الآليات العسكرية تتعلق بالاحتياجات المالية لدول المواجهة، واتخذت قمة1978 قرارات تتعلق بالدعم المالي للمجهود الحربي لدول المواجهة سبق تحليلها في سياق الآليات العسكرية أيضًا، وحملت قمة تونس1979 مزيدًا من المؤشرات علي بداية التآكل في آليات الدعم المالي حيث قررت تقديم مساعدات مالية إلي الفلسطينيين في الجنوب اللبناني دعما لصمودهم علي أن تتولي منظمة التحرير الفلسطينية بحث ذلك ثنائيا مع الدول العربية. أي أن ثمة تراجعا كاملا عن فكرة تحديد المبالغ ومسئولية سدادها، و ترك الأمر برمته لآليات ثنائية بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الدول العربية.
ازدادت المؤشرات وضوحًا علي تآكل آلية الدعم المالي في قمة عمان1980، إذ اتضح من قرارات القمة أن بعض الدول قد توقف عن سداد التزاماته اعتبارًا من عام1979، وهي التزامات قرر عدد من الدول الأخرى تحملها، غير أن هذه الدول تراجعت لاحقًا عن هذا الموقف على أساس أنه ليس من المواقف السليمة أن تقر الجامعة مبدأ قيام الدول العربية بتعويض بعض الدول الأخرى في تسديد ما تتعهد به هذه الدول من التزامات احتراما للتعهد والإيفاء به".
كذلك استمر في القمة الاتجاه إلي التعميم في قضية الدعم المالي حيث قررت القمة إنشاء صندوق مالي للتعويض وإعادة ترميم ما دمرته الحرب في لبنان من مخيمات فلسطينية ومساكن ولمساعدة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وتركت القمة لمجلس الجامعة علي مستوى وزراء الخارجية وضع نظام الصندوق وطريقة عمله، بما يعني تخفيض مستوي الاهتمام بالمسألة من مستوى القمة إلي المستوى الوزاري.
اكتفت قمة الدار البيضاء (1985) بتأكيد الالتزام بدعم صمود الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وقمة عمان (1987) بتقديم "الدعم والمساعدة المادية والمعنوية للنضال البطولي المستمر الذي يخوضه الشعب الفلسطيني"، ومع تفجر الانتفاضة الفلسطينية في ديسمبر/كانون الأول1987 وتركيز قمة الجزائر (1988) علي مساندتها عادت سمة التحديد للحديث عن الدعم المالي، فقررت القمة تخصيص دعم فوري قدره 128مليون دولار للمؤسسات الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلي دعم شهري قدره 43مليون دولار، لكن القرار لم يتضمن أي توزيع لمسئوليات السداد في هذا الخصوص، وتلت قمة الجزائر قمة الدار البيضاء (1989) التي اكتفت بتقرير "الاستمرار في تقديم كافة أنواع الدعم والمساندة" للانتفاضة الفلسطينية، وهو نفس ما فعلته قمة بغداد (1990) إذ اكتفت بالتشديد "على ضرورة تأمين كل أشكال الدعم المادي والسياسي الرسمي والشعبي التي تكفل استمرار الانتفاضة و تطويرها".
غير أن تفجر انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول2000 أعاد المسألة بقوة إلي قمة القاهرة2000، حيث قررت القمة "استجابة لاقتراح المملكة العربية السعودية إنشاء صندوقين يحمل أحدهما اسم "صندوق الأقصى" يخصص له ثمانمائة مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس والحيلولة دون طمسها، وتمكين الشعب الفلسطيني من الفكاك من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، ويحمل الصندوق الثاني اسم "صندوق انتفاضة القدس" برأسمال مقداره مائتي مليون دولار يخصص للإنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين في الانتفاضة وتهيئة السبل لرعاية وتعليم أبنائهم"، وقد قررت السعودية المساهمة بربع المبلغ المخصص للصندوقين، أي ربع مليار دولار.
ثم قررت قمة بيروت (2002) دعمًا إضافيًا لصندوقي الأقصى وانتفاضة القدس مقداره 150مليون دولار، ووضعت أسسًا للدعم المالي لموازنة السلطة الوطنية الفلسطينية لستة شهور، وقررت قمة شرم الشيخ (2003) الالتزام بهذا الدعم لستة شهور تبدأ من أول أبريل/نيسان من العام نفسه وتجدد تلقائيًا وفق الأسس نفسها التي وضعتها قمة بيروت طالما استمر العدوان الإسرائيلي، غير أنه اتضح من قرارات قمة شرم الشيخ (2003) وتونس (2004) والجزائر (2005) والخرطوم (2006) أن ثمة تقاعسًا في سداد الالتزامات المالية بموجب هذه القرارات استدعى دعوة القمة للدول الأعضاء "التي لم تستكمل مساهماتها بشأن دعم ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية وصندوقي الأقصى وانتفاضة القدس وفقًا لقرارات قمة بيروت تحويل تلك المساهمات". وقررت قمة تونس (2004) توجيه الشكر للدول التي بادرت بتقديم الدعم الإضافي المقرر في قمة بيروت (2002) دون تحديد لها بالاسم وحث باقي الدول على الإسراع في دفع مساهماتها، وهو قرار تكرر حرفيًا تقريبًا في قمة الجزائر2005 وقمة الخرطوم2006.
من ناحية أخرى بدأت القمم العربية اعتبارًا من قمة شرم الشيخ (2003) تهتم –ربما كرد فعل لعدم سداد عدد من الدول العربية لالتزاماته على نحو ما سبق بيانه- بجهود جمع التبرعات الشعبية دعمًا لصمود الشعب الفلسطيني، وكلفت الأمانة العامة بمواصلة جهودها في هذا الصدد، وقد ثابرت القمم التالية في تونس (2004) والجزائر (2005) والخرطوم (2006) على هذا الاهتمام من حيث الجوهر مع خلاف في بعض التفاصيل الشكلية، غير أن مردود جهود الأمانة في جمع تبرعات شعبية لدعم الصمود الفلسطيني لا يمكنه تعويض قصور الدعم المالي والرسمي العربي.
أما استخدام سلاح النفط فقد عالجه النظام العربي الرسمي من خلال مؤتمرات القمة مرتين الأولى في قمة الخرطوم1967 والثانية في قمة الجزائر1973. فقد قررت قمة الخرطوم (1967) التي عقدت في أعقاب الهزيمة العربية أمام العدوان الإسرائيلي في يونيو/حزيران من ذلك العام أن تخالف توصية مؤتمر وزراء المال والاقتصاد والبترول العرب الذي كان قد أوصى بإمكانية استخدام وقف ضخ النفط كسلاح في المعركة، إذ رأت القمة "أن الضخ نفسه يمكن أن يستخدم كسلاح إيجابي باعتبار البترول طاقة عربية يمكن أن توجه لدعم اقتصاد الدول العربية التي تأثرت مباشرة بالعدوان، ولتمكينها من الصمود في المعركة" وفي هذا الإطار جاء التزام ثلاث من الدول العربية النفطية بتقديم مبالغ الدعم المالي التي سبقت الإشارة إليها.
أما قمة الجزائر1973 والتي عقدت في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول1973 فقد عززت استخدام سلاح النفط الذي كان قد بدأ بالفعل إبان الحرب، فقررت القمة "الاستمرار في استخدام النفط سلاحًا في المعركة على ضوء قرارات وزراء النفط العرب، وربط حظر تصدير النفط لأي دولة بالتزامها بتأييد القضية العربية العادلة".
غير أن استخدام سلاح النفط بهذا المعنى قد توقف في مطلع عام1974 أي بعد أسابيع من انعقاد القمة وذلك بناء على طلب من القيادة المصرية كثمن لعقد اتفاقية فض الاشتباك الأولى بين مصر وإسرائيل في يناير/كانون الثاني1974، وهكذا لم يتح لسلاح النفط أن يختبر من حيث مدى قدرته على إحداث ضغوط على الدول المؤيدة لإسرائيل، فمرة تم تحويله وفق مصطلحات قمة1967 إلى "طاقة إيجابية" تيسر الدعم المالي للدول المتضررة من العدوان، ومرة أخرى تم التوقف عن استخدامه لتيسير التوصل إلى اتفاقية فض الاشتباك الأولى بين مصر وإسرائيل في يناير/كانون الثاني1974، ولم تثر بعد ذلك أبدًا أية إمكانية لاستخدام سلاح النفط من خلال القمم العربية، وهكذا لم يقدر لهذه الآلية بدورها أن يكون لها حظ من النجاح في تحقيق أهداف العرب الاستراتيجية في الصراع العربي-الإسرائيلي.
وأخيرًا مثلت المقاطعة الاقتصادية البعد الثالث في الآليات الاقتصادية لحماية الأمن القومي العربي، وقد بدأت مقاطعة إسرائيل من قبل الدول العربية خارج سياق مؤتمرات القمة العربية‘ إذ أن القرار بشأنها قد اتخذ في عام1945، وأقامت الدول العربية جهازًا مركزيًا للمقاطعة، وقامت كل دولة بإنشاء مكتب "إقليمي" خاص بها يتولي تنفيذ المقاطعة في تلك الدولة، وعلى الرغم من حملات التشكيك في جدوى المقاطعة فإن ثمة مؤشرات تفيد بأنها كانت جيدة التطبيق عالية الفعالية، وليس أدل على ذلك من إصرار إسرائيل على أن تتضمن معاهدات التسوية بينها وبين كل من مصر والأردن نصوصًا قاطعة بإلغاء المقاطعة، كما بذلت الولايات المتحدة منذ توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد في1978 جهودًا هائلة لإجبار الدول العربية التي لم توقع معاهدات صلح مع إسرائيل على إنهاء المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة على الأقل.
لم تبد القمم العربية اهتمامًا بمقاطعة إسرائيل إلا ثلاث مرات كان أولها في قمة بغداد1978 التي عقدت في أعقاب توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، واقتصرت قرارات القمة في هذا الصدد على تأكيد "ضرورة التمسك بأنظمة المقاطعة العربية وإحكام تطبيق بنودها، وإفشال أية محاولة للالتفاف عليها"، وربما يبدو هذا منطقيًا باعتبار أن نظام المقاطعة العربية لإسرائيل كان ينفذ دون عقبات تهدده إلى أن وقعت مصر الاتفاقيتين المذكورتين فثارت الخشية من أن يمثل هذا التطور خرقًا في نظام المقاطعة، ومن هنا لزم تأكيد القمة على التمسك به.
وفي هذا السياق يمكن فهم القرار التفصيلي لقمة بغداد1978 بتطبيق قوانين المقاطعة على الشركات والأفراد المتعاملين في مصر مع إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك تحسبًا لاحتمالات تسلل إسرائيل بشتى الوسائل إلى الوطن العربي من خلال مصر مع تجنب الإضرار بمصالح الشعب العربي في مصر، ومن هنا قرار القمة باستمرار التعامل مع شعب مصر وأفراده عدا المتعاونين بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، كما حرصت القمة تأكيدًا للمعنى ذاته على أن تحث كافة البلدان العربية على الاستمرار في التعامل الطبيعي مع أبناء مصر العاملين في البلدان العربية ورعايتهم وتعزيز انتمائهم القومي للعروبة، كما حث المؤتمر كافة البلدان العربية على الاستمرار في التعامل مع المؤسسات الوطنية المصرية التي يتأكد امتناعها عن التعامل مع إسرائيل، وتشجيعها على العمل والنشاط في البلاد العربية، كما رأت القمة ألا تشمل إجراءات المقاطعة الإنتاج الثقافي والفني لشعب مصر فيما عدا الأعمال الفكرية والثقافية والفنية التي تروج للتعامل مع إسرائيل أو ذات الصلة بمؤسساته. وقد أكدت قمتا تونس (1979) وعمان (1980) موقف مقاطعة النظام المصري على النحو السابق بيانه، كما تضمنت استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك التي تبنتها قمة عمان "دعوة الدول العربية إلى الالتزام الكامل والجدي والفعال بمبادئ المقاطعة العربية وأحكامها واعتبارها من المهام القومية المركزية والسعي لتكوين رأي عام عربي واع بأهميتها، وتحريك أجهزة الإعلام العربي في هذا الاتجاه، وتشديد المقاطعة على نظام السادات".
ومع اتجاه النظام العربي الرسمي إلى قبول مبدأ التسوية مع إسرائيل في مطلع ثمانينات القرن الماضي اختفى الحديث في القمم العربية عن المقاطعة العربية لإسرائيل أو لنظام الحكم في مصر كما اختفى من غيرها، وكانت المرة الوحيدة التي جاء فيها ذكر المقاطعة العربية لإسرائيل بعد ذلك هي قمة بيروت (2002) التي تضمن إعلان بيروت الصادر عنها تأكيد القادة "في ضوء انتكاسة عملية السلام التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل".

ثالثًا- نظرة إلى مستجدات الأمن القومي العربي وسبل مواجهتها:
هكذا أشارت دلالات الخبرة العملية في محصلتها إلى إخفاق النظام العربي عبر الزمن في حماية أمنه القومي ثم تكيفه لاحقًا مع الاختراق الخارجي لهذا الأمن. صحيح أن عددًا من المكاسب الجزئية قد تحقق غير أن التقييم العام يفضي إلى استنتاج مفاده الفشل في إشباع الغايات الاستراتيجية لهذا الأمن. ويبدو هذا الحكم في مجمله منذرًا بخطر داهم بالنظر إلى ما استجد على معادلة الأمن القومي من متغيرات جعلتها أكثر تعقيدًا وأشد هشاشة. ويمكن إجمال أهم هذه المستجدات في تفاقم الخلافات العربية-العربية بشأن قضايا محورية في الأمن القومي العربي (الخلاف المصري-العربي بشأن التسوية مع إسرائيل في سبعينات القرن الماضي) وبروز مصادر تهديد داخلية لهذا الأمن (الغزو العراقي للكويت1990 وتداعياته) وتفاقم الاختراق الخارجي للأمن القومي العربي (الدور الأمريكي اعتبارًا من غزو العراق في2003 بكافة أبعاده العسكرية والسياسية والثقافية وكذلك الدور الإيراني)، وذلك كله في ظل مراوحة مصادر التهديد المألوفة مكانها كما يظهر في جمود التقدم بشأن تحقيق الأهداف العربية في الصراع العربي-الإسرائيلي أو استمرار الانكشاف الغذائي والعجز المائي. وسوف نتناول هذه المستجدات بشيء من التفصيل قبل طرح عدد من الأفكار يمكن أن يدور حولها حوار مفيد باتجاه بلورة استراتيجية سليمة لمواجهة تحديات الأمن القومي العربي.

1-نظرة إلى المستجدات:
-الخلافات العربية-العربية:
يفترض النجاح في إنجاز المهام المتعلقة بالأمن القومي العربي بداهة نجاحًا يسبقه في تحقيق التضامن العربي، وقد التفتت القمم العربية إلى هذه الحقيقة كما سبقت الإشارة بتأكيدها على التضامن العربي في عديد من قراراتها، غير أن الواقع فارق المأمول غير مرة، وارتبطت أهم الحالات في هذا الصدد بواحدة من أخطر القضايا المتصلة بالأمن القومي العربي وهي الصراع العربي-الإسرائيلي، ففي نوفمبر/تشرين الثاني1977 قام الرئيس المصري محمد أنور السادات بزيارته إلى إسرائيل التي مثلت خروجًا على مألوف سلوك النظام العربي في حينه إزاء الصراع العربي-الإسرائيلي، ولذلك لم يكن غريبًا أن قوبلت هذه الزيارة وتداعياتها برفض عربي شبه شامل ترتبت عليه قطيعة دبلوماسية رسمية بين مصر من جانب والغالبية العظمى للدول العربية من جانب آخر، وتعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية وكافة المنظمات المرتبطة بها ونقل مقارها جميعًا خارج مصر، وترتب على ذلك كله أن فقد الجسد العربي تماسكه في واحدة من أخطر القضايا المرتبطة بالأمن القومي العربي، إن لم تكن أخطرها، فلا هو واصل استخدام الأساليب العسكرية في الصراع بكامل طاقته ولا هو بدأ توجه التسوية من خلال المفاوضات المباشرة مع إسرائيل بإرادة موحدة الأمر الذي أدى من ناحية إلى إسقاط الخيار العسكري تمامًا في إدارة الصراع بالنظر إلى أن معادلات توازن القوى لا تتيح للجيوش العربية رفاهية الدخول منفردة في حروب مع إسرائيل، ومن ناحية أخرى إلى تباطؤ عملية التسوية خاصة فيما يتعلق بعدم امتدادها بفعالية إلى مسارات أخرى غير المسار المصري.
ومما يلفت النظر أن النظام العربي الرسمي قد دشن بدوره توجه التسوية –وإن يكن وفق رؤية مختلفة- في قمة فاس1982، وكان ممكنًا وقد توحدت الرؤى الاستراتيجية بين مصر وباقي الدول العربية أن يتم تجسير الفجوة بين الجانبين اعتبارًا من تلك السنة خاصة وقد تغيرت القيادة السياسية في مصر في1981، وكان واضحًا أن القيادة الجديدة تتبع نهجًا حريصًا على إعادة الالتحام إلى الصفوف المصرية-العربية، غير أن تجسير تلك الفجوة لم يبدأ إلا عندما بدأ الخطر الإيراني يتفاقم في غمار تطورات الحرب العراقية-الإيرانية في1986 مع نجاح القوات الإيرانية في احتلال شبه جزيرة الفاو العراقية، ومن هنا بدأ التفكير الجدي في إعادة العلاقات المصرية-العربية إلى سابق عهدها، فاتخذت قمة عمان1987 قرارها الذي أباح للدول العربية إعادة علاقاتها الدبلوماسية المقطوعة مع مصر اعتبارًا من نهاية1987 وهي عملية لم تكتمل إلا بنهاية1989، كذلك عادت مصر إلى حضور القمم العربية اعتبارًا من قمة الدار البيضاء1989، وكانت هذه مقدمة طبيعية لعودة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى مقرها بالقاهرة في1990 ومعها عدد من المنظمات العربية المتخصصة.
ويلاحظ على أزمة العلاقات العربية-المصرية في العقد الواقع بين سنتي1977 و1987 أنها ضيعت على النظام العربي فرصة العمل الموحد بشأن قضية من أخطر قضايا الأمن القومي العربي، وأن حل هذه الأزمة لم يبدأ في أن يتخذ مسارًا جديًا إلا عندما تفاقم الخطر الإيراني في الحرب مع العراق في1986، وهو ما قد يعني محدودية قدرة النظام العربي على مواجهة أكثر من مصدر تهديد في آن واحد، ذلك أن تفاقم الخطر الإيراني على النحو السابق بيانه أدى إلى قبول النظام العربي لمواقف السياسة المصرية تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي التي كان قد سبق له أن رفضها في السنوات التي بدأت بعام1977، وأخيرًا وليس آخرًا فإن عودة العلاقات المصرية-العربية لم تكن تعني بالضرورة العودة في الوقت نفسه إلى نهج عربي موحد في إدارة الصراع مع إسرائيل، وهي حقيقة يمكن تبينها بسهولة من واقع الممارسات العربية في إدارة الصراع مع إسرائيل، بل يمكن تبينها للأسف داخل الساحتين الفلسطينية واللبنانية ذاتهما حيث تختلف وجهات النظر على نحو بين فيما يتعلق بإدارة الصراع داخل كل من هاتين الساحتين.

-الغزو العراقي للكويت:
مثل الغزو العراقي للكويت في1990 واقعة غير مسبوقة في النظام العربي منذ نشأته في عام1945. قبل ذلك الغزو عرف النظام العربي مطالبات إقليمية من دول تجاه دول أخرى قبيل استقلالها، كما عرف صراعات حدودية عسكرية واسعة النطاق في بعض الأحيان بين عدد من وحداته، لكن المسألة لم تصل في أي وقت من الأوقات إلى الغزو الشامل ثم الضم والإلحاق، وقد كان المغزى الخطير لهذه الواقعة أن أي دولة عربية يمكن أن تُهدد على هذا النحو من قبل دولة عربية أخرى أي من داخل النظام العربي بما يقوض أي أساس للحديث لاحقًا عن أمن قومي عربي، طالما أن أبجديات الحديث عن هذا الأمن تفترض وحدة مصادر التهديد. من ناحية ثالثة فإن المواقف العربية تجاه هذا الغزو قد تنوعت بل وتضاربت على نحو أفضى بالنظام العربي إلى حالة غير مسبوقة من الانقسام جعلته عاجزًا عن مواجهة الأزمة التي أوجدها الغزو، وأخيرًا وليس أخرًا فإن هذا كله قد مهد الطريق للاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت طالما أثبت النظام العربي عجزه في هذا الصدد، وهكذا وافقت قمة القاهرة في أغسطس/آب1990 التي عقدت بعد الغزو بأيام للمرة الأولى في تاريخ القمم العربية على الاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت وللتحسب ضد أي أعمال أخرى قد يأتي بها النظام العراقي في ذلك الوقت، وإن كانت هذه الموافقة قد تمت على نحو غير مباشر بإقرار الإجراءات التي اتخذتها كل من الكويت والسعودية في غمار الأزمة والتي كان مفهومًا أنها تتضمن هذه الاستعانة.
هكذا انقلبت معادلة الأمن القومي العربي رأسًا على عقب من جراء الغزو العراقي للكويت، فمصدر تهديد بقاء –وليس مجرد أمن- دولة عربية كان عربياً، وانقسام النظام العربي في شأن تلك الواقعة بلغ حدًا أفضى إلى تسويغ إدخال مكون أجنبي في معادلة الأمن القومي العربي، وذلك بالإضافة إلى التداعيات اللاحقة لتلك الأزمة وأهمها الانقسامات العربية بعدها، لدرجة أن أطول مدة بين انعقاد قمتين من القمة العربية في القاهرة في يناير/كانون الثاني1964 كانت المدة بين قمة القاهرة في أغسطس/آب1990 التي عقدت لمواجهة الغزو وقمة القاهرة في يونيو/حزيران1996 التي التأمت لمواجهة التطورات التي أعقبت وصول اليمين الإسرائيلي إلى الحكم في مايو/آيار من تلك السنة، وانقلابه على مسيرة التسوية السلمية التي أسست على اتفاقية أوسلو1993. ولأن العراق لم يدع لحضور تلك القمة في1996 يمكن استنتاج أن تداعيات أزمة الغزو على النظام العربي ظلت قائمة على أقل تقدير إلى حين عقد قمة القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول2000 بمناسبة تفجر انتفاضة الأقصى والتي حضرها العراق، وإن كانت أسس مصالحة عراقية-كويتية قد تأخرت حتى قمة بيروت في مارس/آذار2002، أي أن ما يزيد على عقد من الزمان قد مر في ظل انقسام عربي واضح لابد أن تكون له انعكاساته السلبية على قدرة النظام العربي على الوفاء بمتطلبات أمنه القومي. وقد لا يكون من قبيل المبالغة الافتراض بأن آثار هذا الانقسام ظلت باقية ولعبت دورًا في إضعاف قدرة النظام العربي على المواجهة الفاعلة للغزو الأمريكي للعراق في مارس/آذار2003.

-السياسة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس جورج بوش الابن:
عرفت السياسة الأمريكية دومًا بمواقفها المتحيزة لإسرائيل في صراعها مع العرب، وقد جعل هذا من الولايات المتحدة في كثير من الأحيان مصدر تهديد للأمن القومي العربي ولو على نحو غير مباشر، فتأييد إسرائيل يعني دعم قدرتها على العدوان وإضعاف القدرة العربية على صيانة الأمن القومي العربي والدفاع عنه ضد التهديدات الإسرائيلية، غير أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قد أتت بالجديد في هذا الصدد، وبغض النظر عن أية مناقشة للأساس الأيديولوجي للسياسة الخارجية لهذه الإدارة فإن سلوكها الفعلي في مجال السياسة الخارجية عامة وتجاه الوطن العربي بصفة خاصة يكفي للدلالة على الآثار السلبية التي أحدثتها بالنسبة للأمن القومي العربي.
كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول2001 التي وقعت بعد أقل من تسعة شهور على تولي جورج بوش الابن منصب رئيس الولايات المتحدة علامة فارقة في هذا الصدد، فقد أعطت تلك الأحداث المبرر المطلوب لإعلان الحرب على الإرهاب. في البدء كان من المنطقي أن تتجه أنظار الإدارة الأمريكية إلى أفغانستان التي كانت خاضعة آنذاك لنظام حكم طالبان على الأقل بحكم استضافتها لزعيم تنظيم القاعدة الذي نسب إليه تدبير أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، لكن الحرب على الإرهاب استمرت بعد ذلك، وكان هدفها التالي هو العراق بدعوى صلة نظام حكمه في ذلك الوقت بتنظيم القاعدة وامتلاكه لترسانة أسلحة دمار شامل من الخطورة بمكان أن يترك قرار استخدامها بيد نظام شمولي كالنظام العراقي آنذاك. من هنا وقع الغزو الأمريكي للعراق الذي ترتبت عليه نتائج بالغة الخطورة بالنسبة للأمن القومي العربي، فمن ناحية تم تفكيك مؤسسات الدولة العراقية كالجيش على سبيل المثال دون أن تكون لديه القدرة حتى الآن على بناء مؤسسات بديلة فاعلة الأمر الذي أخل بمعادلة التوازن الاستراتيجي بين النظام العربي والدول المحيطة به وفي مقدمتها إسرائيل وإيران، ومن ناحية ثانية حدثت في ظل الاحتلال تطورات بالغة الخطورة تمس العلاقة بين مكونين رئيسيين من مكونات الشعب العراقي وهما شيعة العراق وسنته الأمر الذي أضر بالتماسك المجتمعي إلى حد بعيد في العراق، وهدد وما زال بأن ينتشر خارج حدود العراق لكي يضرب الاستقرار والتماسك داخل عدد من الدول العربية وفيما بينها، ومن ناحية ثالثة أدى الاحتلال إلى أن يعمل العراق كنقطة جذب لعدد من التنظيمات الإرهابية المتطرفة المعادية للولايات المتحدة الأمريكية على النحو الذي أضاف مزيدًا من التعقيد للموقف داخل العراق، وأخيرًا وليس آخرًا فقد مثلت التطورات السابقة كلها فرصة ذهبية لتزايد النفوذ الإيراني في العراق على نحو غير مسبوق في تاريخه المعاصر وهو ما سوف نعود إليه لاحقًا.
لم يقف التأثير السلبي للسياسة الأمريكية عند حدود العراق ولكنه امتد إلى الرؤى الأمريكية لمستقبل المنطقة في إطار "شرق أوسطي"، وليست الشرق أوسطية بالجديدة على التفكير الأمريكي في هذا الصدد، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وصعود الولايات المتحدة الأمريكية والدور الأمريكي في السياسة العالمية لا ترى السياسة الأمريكية لمستقبل هذه المنطقة إطارًا أفضل من الإطار الشرق أوسطي. يشهد بهذا مشروع قيادة الشرق الأوسط في1951 ومشروع جونستون للمياه في1953 وحلف بغداد في1955 ومشروع أيزنهاور في1957 وتعضيد السياسة الأمريكية لأفكار بيريز الشرق أوسطية في تسعينات القرن الماضي. ولا شك أن هذا النزوع الشرق أوسطي يخفي وراءه تخوفًا أمريكيًا من أن تتجسد الرابطة العربية يومًا في قوة تلعب دورًا مؤثرًا في التوازنات الإقليمية وربما العالمية على نحو غير موات للمصالح الأمريكية كما يشهد بذلك عدد من السوابق.
وقد شهد شهر فبراير/شباط2004 مولد مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي وإن كانت تأتي في سياق التوجه الأمريكي السابق بيانه إلا أنها مع ذلك قد انفردت عن سابقاتها من مبادرات بسمات خطيرة نركز على اثنتين منها تتعلق الأولى بالتدخل في الشئون الداخلية للدول العربية وترتبط الثانية بحديث الهوية. ذلك أن مبادرة الشرق الأوسط الكبير كانت المبادرة الشرق أوسطية الأولى التي تبدي رأيًا في النظم السياسية العربية القائمة وتعتبرها مسئولة عن تصاعد موجة الإرهاب التي تغذيها عناصر منتمية للمنطقة، إذ أن استبداد هذه النظم من وجهة النظر الأمريكية لابد وأن يولد من مشاعر الإحباط ما يفضي بتلك العناصر إلى نزوع إرهابي واضح كذلك الذي تجسد في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية في المنطقة تغذي مشاعر الإحباط ذاتها، كما أن النظم التعليمية "المتطرفة" السائدة لدى بلدان المنطقة تزكي بدورها مشاعر العداء تجاه الآخر، وتقوض من إمكانيات التعايش معه. من هنا كان من شأن وضع هذه المبادرة موضع التطبيق أن يقضي أولاً على النظام العربي كإطار لتفاعلات الدول العربية لحساب إطار أوسع يضم دولاً أخرى كإسرائيل وتركيا وباكستان وأفغانستان...إلخ، وأن يتضمن ثانيًا تدخلاً خارجيًا في الشئون الداخلية للبلدان العربية بما في ذلك التدخل في محتوى المقررات الدراسية في النظم التعليمية لهذه البلدان، وهو ما توجد مؤشرات على أنه تم بالفعل في عدد من الحالات، وإن لم توجد دراسات موثوق بها عن حجم هذا التدخل ومدى انتشاره. من هنا فإن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن لم تقتصر تأثيراتها الضارة على تفكيك بلد عربي بوزن العراق أو تهديد أمن الدول المجاورة له من جراء تداعيات هذا التفكيك أو تغير معادلة التوازن في المنطقة لصالح إيران وإنما امتدت إلى محاولة التأثير في الهوية العربية-الإسلامية التي هي خط الدفاع الأخير ضد تهديدات الأمن القومي العربي.

- المعضلة الإيرانية:
مثلت إيران دومًا معضلة بالنسبة للأمن القومي العربي. في عهد الشاه كانت هناك مشكلة الطموحات الإقليمية وتنامي القوة العسكرية الإيرانية في ظل علاقة عضوية مع الولايات المتحدة الأمريكية ناهيك عن التعاون الإيراني-الإسرائيلي، وفي أعقاب نجاح الثورة الإيرانية في فبراير/شباط1979 سادت موجة من التفاؤل الحذر بأن الطابع "الإسلامي" للثورة سوف يساعد على تجسير الفجوة بين الطرفين العربي والإيراني في قضايا كثيرة، غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، فسرعان ما اتضح أن هذه الثورة قد ورثت رؤية الشاه لمصالح إيران الوطنية (كما يظهر من استمرار الموقف من قضية الجزر الإماراتية وتسمية الخليج العربي) وأضافت إليها مقتضيات السلوك كقوة ثورية بازغة كما يبدو من سياسات تصدير الثورة إلى الجيران ومحاولات التلاعب باستقرارهم الداخلي، وهو ما أفضى بعد مدة وجيزة إلى نشوب أطول حرب نظامية شهدتها المنطقة في تاريخها المعاصر بين العراق وإيران (1980-1988)، وقد أدى هذا إلى إرباك السياسات المتعلقة بالأمن القومي العربي إلى حد بعيد بعد أن تعددت مصادر التهديد الإقليمي ولم تعد وقفًا على الخطر الإسرائيلي.
غير أن الثورة الإيرانية من ناحية أخرى كان لها موقفها الإيجابي من الحقوق العربية في الصراع مع إسرائيل، وهو ما اعتبر قوة مضافة للعرب في هذا الصراع، ومن هنا معضلة العلاقة مع إيران وتكييفها كمصدر لتهديد الأمن القومي العربي أو تعزيزه، وفي الآونة الأخيرة شهدت هذه المعضلة مزيدًا من التعقيد بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق والملف النووي الإيراني، فقد قدم الاحتلال الأمريكي للعراق وما سببه من فوضى فيه فرصة ذهبية لإيران كي تزيد نفوذها على مجريات الأمور في العراق، الأمر الذي زاد من المخاوف بشأن دور إقليمي مهيمن لإيران في منطقة الخليج من جانب والنظام العربي ككل من جانب آخر، وأضاف الملف النووي الإيراني سببًا آخر لتعقد معضلة العلاقات العربية-الإيرانية، فنجاح إيران في امتلاك قدرة نووية من شأنه أن يجعل معادلة توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط أكثر توازنًا ومن ثم فإنه قد يساعد على تحييد القوة الإسرائيلية، غير أن مخاطر الهيمنة الإيرانية على الخليج إن امتلكت مثل هذه المقدرة النووية في ظل المشروع الإيراني للاضطلاع بدور قيادي مهيمن في المنطقة ككل ناهيك عن مخاطر اندلاع صراع مسلح في المنطقة بسبب المشروع النووي الإيراني وكذلك التهديدات البيئية التي يمثلها وبالذات إذا اندلع مثل هذا الصراع أبقت معظم الأطراف العربية في حيرة من أمره بشأن إدارة العلاقات مع إيران ما بين متشدد لا يرى في إيران إلا خطرًا داهمًا على الأمن القومي العربي ومطالب بالتعاون معها في مواجهة مصادر تهديد إقليمية مشتركة كإسرائيل أو مصادر تهديد عالمية كالسياسات الأمريكية الراهنة، وهي معضلة تستوجب حوارًا عربيًا-عربيًا جادًا وعلى كل المستويات سعيًا لبلورة استراتيجية سليمة للتعامل مع إيران باتجاه تعظيم المكاسب التي يمكن أن تترتب على التعاون معها والوصول إلى الحد الأدنى من المخاطر المترتبة على نجاح مشروعها الإقليمي.

2- نحو استراتيجية للمواجهة:
يحمد لقمة الرياض مارس/آذار2007 أنها استشعرت خطر تفاقم مصادر تهديد الأمن القومي العربي السابق بيانها، فخصت الأمن القومي العربي لأول مرة في تاريخ القمم العربية بقرار مستقل أكدت فيه على أن قضايا هذا الأمن تستدعي المعالجة من خلال منظور شامل ومتعدد الجوانب يأخذ في الاعتبار مصادر وأشكال التهديد السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية سواء ما يرد منها من الخارج أو من داخل البلدان العربية.
كما نص قرار القمة على "تشكيل مجموعة عمل مفتوحة العضوية على مستوى الخبراء المتخصصين لدراسة وتحديد طبيعة الأخطار والتحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه الأمة العربية، وإعداد مقترحات للتنسيق بين مختلف الآليات القائمة في إطار جامعة الدول العربية المتعلقة بالأمن القومي العربي، ووسائل تطوير وتفعيل المعاهدات وتنفيذ الاتفاقيات والقرارات ذات الصلة، وإعداد مقترحات عملية لتطوير أشكال التعاون والتكامل بين الدول العربية في الميادين ذات الصلة بالأمن القومي العربي، والاعتماد على شبكة المراكز العربية المتخصصة في البحوث والدراسات الاستراتيجية"، وذلك على أن تعرض نتائج عمل المجموعة على اجتماع خاص لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية لاتخاذ القرار المناسب بشأنه تمهيدًا لعرضها على الدورة العادية128، وأن يقدم الأمين العام تقريرًا بشأن الدراسات التي تمت والتوصيات النابعة منها إلى القمة القادمة.
معنى ما سبق أننا نقف للمرة الأولى إزاء نهج جاد للتعامل مع قضية الأمن القومي العربي من خلال نظرة شاملة، ويحتاج نجاح مثل هذا النهج إلى استراتيجية واضحة تحظى بإجماع عربي تكون بمثابة خطة العمل العامة والشاملة لمواجهة التحديات التي تحيط بالأمن القومي العربي. ويمكن أن تتكون هذه الاستراتيجية من شقين متكاملين يتعلق أحدهما بالتوجهات والثاني بالآليات وفيما يلي بعض الأفكار الموجزة في هذا الصدد كمحاور للنقاش.

- التوجهات:
-نحو بلورة لنظرية الأمن القومي العربي:
لا يقصد بهذا أي عمل ذي طابع أكاديمي، وإنما المقصود به أن يكون هناك أولاً إيمان بأن النظام العربي يمثل جماعة أمنية واحدة وإلا ما أمكن الحديث عن أمن قومي عربي، وقد ثارت شكوك حقيقية بشأن هذا المفهوم في سياق تطورات معينة كالانقسام المصري-العربي بشأن التسوية مع إسرائيل في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، أو بسبب واقعة الغزو العراقي للكويت في1990 والانقسام العربي بشأنها، غير أن الأحداث اللاحقة قد أكدت من جديد أن النظام العربي يشكل جماعة أمنية واحدة ولنأخذ تطورات الحرب العراقية-الإيرانية على سبيل المثال وانعكاساتها على جيران العراق المباشرين وباقي أعضاء النظام العربي، كذلك فإن الانقسام الظاهري بين سنة العراق وشيعته (وهو في واقع الأمر انقسام بين قوى التطرف على الجانبين) يهدد بالانتشار خارج حدود العراق وتقويض التماسك والاستقرار على الأقل في جوار العراق المباشر إن لم يكن في النظام العربي ككل، وامتداد النفوذ الإيراني في العراق يهدد باقي دول الخليج العربية بل يعمل باتجاه تهميش أدوار عربية أخرى خارج منطقة الخليج...وهكذا.
ومن العناصر المهمة أيضًا في أية بلورة لنظرية الأمن القومي العربي ضرورة الاتفاق على أن هذا الأمر لا يمكن أن يأتي على حساب أية دولة من الدول العربية، كذلك فإن أية دولة عربية في سعيها لتحقيق أمنها لا ينبغي لها أن تضر بأمن غيرها من الدول العربية، والأمر نفسه ينسحب على أمن الأقاليم الفرعية للنظام بمعنى أن الأمن القومي العربي لا يمكن أن يأتي على حساب أمن الخليج على سبيل المثال وبالطريقة نفسها فإن تحقيق دول الخليج العربية لأمن الإقليم الذي تنتمي إليه لا يمكن أن يأتي على حساب الأمن القومي العربي. ذلك مبدأ قد يكون سهلاً في صياغته لكنه قد يصادف في التطبيق صعوبات معينة يتعين أن يكون الإيمان بفكرة الجماعة الأمنية العربية الواحدة إطارًا مناسبًا للتغلب عليها.

- الموقف من الاحتلال الأجنبي:
يتعرض أكثر من بلد عربي في الوقت الراهن لاحتلال أجنبي أو على الأقل لتدخل عسكري غير مشروع في شئونه الداخلية أو التهديد بهذا التدخل. وإذا كانت الدول العربية قد سكتت لظروف معينة على هذه الحالة أو تلك من حالات الاحتلال الأجنبي، أو ثابرت على نهج معتدل في مواجهة لم يفض إلى أية نتيجة، فقد آن الأوان لإطلاق تصور عربي شامل يهدف إلى مراجعة كافة المواقف العربية السابقة وينطلق من الرفض التام للاحتلال الأجنبي واعتباره عاملاً أساسيًا من عوامل تدهور الأمن القومي العربي، وإذا كانت قوى سياسية معنية قد راهنت على أن يكون للاحتلال الأجنبي دور ما في الإصلاح السياسي الداخلي نتيجة وجود نظم استبدادية لم يكن ثمة سبيل من وجهة نظر هذه القوى لإسقاطها بفعل عوامل داخلية فإن التجربة الفعلية –بغض النظر عن صحة وجهة النظر السابقة- قد أثبتت أن تداعيات الاحتلال الأجنبي لا تقل خطورة عن الآثار السلبية لوجود النظم الاستبدادية إن لم تزد عنها خطورة بكثير.
ويدخل في الموقف من الاحتلال مراجعة النهج الذي اتبع في السابق في صدد التخلص منه، وعلى سبيل المثال فإن سياسات التسوية المتبعة من قبل الجانب العربي فيما يتعلق بإدارة الصراع مع إسرائيل باتت بحاجة إلى مراجعة ملحة، ولذلك فقد أحسنت قمة الرياض صنعًا بالنص في نهاية قراراها الخاص بتفعيل مبادرة السلام العربية على "تكليف مجلس الجامعة على المستوى الوزاري بمتابعة تقييم الوضع بالنسبة لجهود السلام الحالية ومدى فعاليتها وإقرار الخطوات القادمة للتحرك في ضوء هذا التقييم". وإذا كان القول ممكنًا بأن الخبرة العربية في إدارة الصراع مع إسرائيل تشير إلى أن النهج العسكري لم يكن كافيًا وحده وينسحب الأمر نفسه على نهج التسوية القائم على اعتبار السلام خيارًا استراتيجيًا وحيدًا، فإنه قد يكون من المناسب إطلاق حوار هادف وشامل حول بناء استراتيجية عربية جديدة للمواجهة مع إسرائيل وغيرها من حالات الاحتلال أو التدخل العسكري تنطلق من أهداف عربية متفق عليها وتجمع في السعي لتحقيق هذه الأهداف كافة الوسائل الممكنة بما في ذلك حق مقاومة الاحتلال الذي يجيزه القانون الدولي والقرارات الدولية.

-تعزيز جهود الإصلاح الداخلي:
لا شك أن الإصلاح الداخلي بات مطلبًا ملحًا في كافة الأقطار العربية كي تكون قادرة على مواكبة وتيرة التطورات السريعة في النظام العالمي الراهن وكذلك على الصعيد الإقليمي ذلك أنه لا قدرة خارجية على الفعل المؤثر ما لم تستند إلى وضع داخلي صلب، وليس من طريقة لتعزيز الجبهة الداخلية أفضل من وضع جهود الإصلاح موضع التطبيق. يزيد من إلحاح هذه المسألة أن ثمة قوى سياسية معينة وعناصر من النخبة المثقفة في الوطن العربي قد دأبت على تسويغ التدخل الخارجي في الشئون الداخلية للدول وصولاً إلى الاحتلال الصريح بحجة أن هذا التدخل بات أمرًا لا مفر منه نظرًا لاستحالة إنجاز مهمة الإصلاح استنادًا إلى قوى الداخل وحدها، ومن ثم أصبحت مفاهيم "كالتدخل" و"الإصلاح" و"الاحتلال" مترابطة بالضرورة من وجهة نظرهم إذا أريد الانتصار لقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتظهر التجارب القليلة التي تم فيها وضع هذه الفكرة موضع التطبيق مدى التداعيات الخطيرة والأضرار الفادحة التي ترتبت على التسليم بهذه الأفكار، ومع ذلك فسوف تبقى مطروحة إذا تعثرت جهود الإصلاح الداخلي في الدول العربية، ولذلك بات ملحًا أن تعطى دفعة حقيقية لهذه الجهود سواء للحاجة إليها في ذاتها أو لأنها تمثل السبيل الوحيد لتحصين الجبهات الداخلية في البلدان العربية ضد الاختراق الخارجي الذي يستتر خلف غايات نبيلة كتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي.

-تعزيز الهوية العربية:
يعلم المتربصون بالأمة وأمنها أن هويتها هي خط الدفاع الأخير عن أمنها. قد يكسب الخصوم معارك عسكرية أو سياسية أو اقتصادية تبدو في حينها حاسمة لكن النهوض يبقى ممكنًا ما دامت الهوية قائمة، وما انتصار الشعوب العربية في حروب تحررها ضد المستعمر الأجنبي في أعقاب الحرب العالمية الثانية وما النقلة التي حدثت في النظام العربي بين هزيمة1967 وإنجاز1973 في صراعه مع إسرائيل بأمور قابلة للتفسير إلا في ضوء التمسك بالهوية، ولذلك كان تقويض الهوية العربية هدفًا دائمًا للسلوك الاستعماري في أقطار الوطن العربي في مرحلة الاحتلال، وإذا كان المستعمر قد نجح في بعض المواضع في تحقيق أهدافه فإن الشعوب العربية قد نجحت بدورها بصفة عامة في الحفاظ على هويتها على الرغم من كل السياسات الاستعمارية التي كانت ترمي إلى تذويبها.
غير أن الهجمة ضد الهوية العربية قد بلغت في الآونة الأخيرة حدًا ينذر بالخطر . كانت هناك أولاً مخاطر العولمة وتداعياتها المحتملة على مسألة الهوية بصفة عامة. وفي هذا الإطار يمكن جزئيًا تفسير انتشار مؤسسات التعليم الأجنبية، والتعليم بلغات أجنبية بصفة عامة في الوطن العربي، وهو انتشار ذو مردودات سلبية بالنسبة للهوية العربية فلا يوجد نظام تعليمي خلو من القيم ومن ثم فإن منظومة القيم العربية باتت مهددة بمنظومات قيمية أخرى خاصة وقد تنوعت انتماءات مؤسسات التعليم الأجنبية في الوطن العربي. لا يعني هذا بطبيعة الحال أن كافة مؤسسات التعليم هذه تهدف عامدة بالضرورة إلى النيل من الهوية العربية، أو أن هذا الإضرار بالهوية سوف يكون نتيجة حتمية لعملها، لكن المحصلة النهائية لانتشار مؤسسات التعليم الأجنبية في الوطن العربي تشير على الأقل إلى نذر خطر بالنسبة للهوية العربية، وقد زاد من هذا انتشار التعليم باللغات الأجنبية في الجامعات العربية مع عدم الوصول دائمًا إلى مستوى مؤسسات التعليم الأجنبية الأمر الذي يهدد بتخريج أجيال من الدارسين ذوي الأقدام غير الراسخة في أي من الثقافات العربية أو الأجنبية. ويجب أن يكون واضحًا أن ثمة فارقًا كبيرًا بين إتقان اللغات الأجنبية وبين التعلم بهذه اللغات والأخير تحديدًا هو المقصود عند الحديث عن تهديد الهوية العربية.
لكن الهجمة على الهوية العربية أخذت أبعادًا أكثر خطورة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول2001 فقد بلورت الإدارة الأمريكية في أعقاب تلك الأحداث رؤية مفادها أن المنطقة العربية صارت مزرعة لتفريخ الإرهاب والإرهابيين سواء كنتيجة للاستبداد السياسي الذي يسود نظم الحكم فيها أو الأوضاع الاقتصادية السيئة في معظم بلدانها أو –وهو ما يعنينا في هذا السياق- كرد فعل لنظم تعليمية متخلفة تسود بلدان المنطقة تحض على كراهية الآخر ولا تشجع على التسامح معه. ومن هنا تضمنت مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي أعلنت من قبل الإدارة الأمريكية في فبراير/شباط2004 بعدًا أساسيًا يتعلق بتطوير التعليم تظهر قراءته منذ الوهلة الأولى أن المقصود به هو "تطويع التعليم" وليس تطويره، بمعنى نزع منظومة القيم السائدة في نظم التعليم العربية القائمة وإحلال منظومة أخرى محلها جديرة بأن تساعد على تقويض أركان الظاهرة الإرهابية في المنطقة من وجهة النظر الأمريكية، وثمة مؤشرات خطيرة –وإن لم توجد معلومات قاطعة في كثير من الأحيان- على أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها قد اتبعوا القول بالعمل، وأن محاولات جادة من المؤكد أن بعضها قد نجح جرت لتغيير محتوى نظم التعليم العربية في الاتجاه الذي يتواءم وتوجهات إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.
لذلك كله بدا من المهم للغاية أن يتضمن إعلان قمة الرياض (2007) الإشارة إلى عزم قادة الدول العربية على "العمل الجاد لتحصين الهوية العربية، ودعم مقوماتها ومرتكزاتها، وترسيخ الانتماء لها في قلوب الأطفال والناشئة والشباب وعقولهم، باعتبار أن العروبة ليست مفهومًا عرقيًا عنصريًا، بل هي هوية ثقافية موحدة تلعب اللغة العربية دور المعبر عنها والحافظ لتراثها، وإطار حضاري مشترك قائم على القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، يثريه التعدد والتنوع، والانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى، ومواكبة التطورات العلمية والتقنية المتسارعة، دون الذوبان أو التفتت أو فقدان التمايز".

-إعطاء دفعة قوية للتعليم والبحث العلمي:
لم يعد مقبولاً أن يبقى مستوى التعليم والبحث العلمي في الوطن العربي على ما هو عليه الآن بالمعايير العالمية، ففي التعليم المتطور والبحث العلمي المواكب لأرفع المستويات العالمية يكمن واحد من المخارج الرئيسية من الأزمات التي تحدق بالأمة العربية وأمنها القومي، فالتعليم المتطور يجعل الوطن قادرًا على الوفاء بكافة المهام المتعلقة بنهضة الأمة وقدرتها على حماية ذاتها، والبحث العلمي المرتبط بقضايا الأمة كفيل بأن يواجه بعض المعضلات التي يعاني منها الأمن القومي العربي كالانكشاف الاستراتيجي بسبب استمرار عمليات الانتشار النووي عالميًا وإقليميًا دونما قدرة على المواجهة الفاعلة حتى الآن من جانب النظام العربي، وكذلك مواجهة الانكشاف الغذائي من خلال أبحاث الهندسة الوراثية والزراعة بالمياه المالحة على سبيل المثال، وليست هذه سوى أمثلة قليلة من مجالات كثيرة يمكن أن يكون للتعليم والبحث العلمي فيها دور قيادي في حل الكثير من معضلات الأمن القومي العربي.
وما يشجع على تعزيز هذا التوجه أن الأمة العربية غنية بأبنائها العلماء الذين لا يقتصر عطاؤهم على الوطن العربي فحسب وإنما ينتشرون في معظم البلدان المتقدمة ويشغلون فيها مواقع رفيعة تؤكد جدارتهم بحيث يبدو أن المطلوب أساسًا لتحقيق هذه الدفعة لجهود التعليم والبحث العلمي في الوطن العربي هو زيادة الإنفاق عليهما كنسبة من الدخل القومي بحيث يصل إلى المستويات العالمية.

-الآليات المقترحة:
- تفعيل الآليات الرسمية القائمة:
لا يعقل أن يواجه الأمن القومي العربي كل هذه التحديات في الوقت الراهن دون أن يكون هناك تفعيل لآليات جادة موجودة بالفعل في منظومة العمل العربي المشترك. ويمكن في هذا الصدد تفعيل مجلس الدفاع العربي المشترك ومجلس السلم والأمن العربي وانعقاد القمم الاستثنائية (وفقًا لبروتوكول دورية القمة في2000) أو التشاورية (وفقًا لقمة الرياض2007). وكذلك المنظمات العربية المتخصصة.
وليس المقصود بتفعيل مجلس الدفاع العربي المشترك أن يدعى لاجتماع طارئ لإعداد خطط من المعلوم أن الظروف العربية والإقليمية والعالمية القائمة لن تكون مواتية لتنفيذها، وإنما المطلوب الآن هو مجرد الانعقاد الدوري حتى ولو تم ذلك وفقًا لجدول أعمال روتيني، فمن المهم للغاية أن يرى وزراء الدفاع العرب بعضهم بعضًا وأن يتبادلوا التفكير فيما يحيط بهم وبالبلدان العربية الشقيقة لهم، وأن يتدارسوا الحلول المقترحة للتصدي للتحديات الراهنة، وقد يتخذون نتيجة لاجتماعاتهم الدورية هذه خطوات متواضعة ولكن عائدها سوف يظهر في المدى المتوسط والطويل. قد يقررون على سبيل المثال تعزيز جهود التدريب المشترك وإجراء المناورات العربية-العربية ووضع لبنات صناعة عسكرية عربية مشتركة وتعزيز استضافة الدارسين العرب في المؤسسات الأكاديمية العربية...إلخ. وتظهر التجربة العملية أن القواسم المشتركة بين العسكريين العرب أكثر مما يتصوره الكثيرون، ومن المهم تنميتها حتى ولو تكن ستؤثر على القرار العربي في المدى القصير، وقد يأتي اليوم نتيجة تبلور تقاليد العمل العربي العسكري المشترك الذي يجد القادة العسكريون العرب أنفسهم قادرين على اتخاذ قرارات مفيدة في بعض الأزمات العربية الطاحنة قد تتضمن المشاركة بقوات حفظ للسلام أو حتى ما يتجاوز ذلك.
كذلك فإن أمام مجلس السلم والأمن العربي فرصة أن يبدأ قويًا فاعلاً بتمكينه من إنجاز كافة المهام المنوطة به من إنشاء بنك حقيقي للمعلومات سوف يكون خير عون في التنبؤ بالأزمات العربية وغيرها وإدارتها، وتفعيل لجنة الحكماء وإعطائها دورًا هامًا في تهدئة النزاعات العربية-العربية وتسويتها وتقديم مقترحات لحلها، ومن الأهمية بمكان أن يتسع نشاط المجلس ليشمل "منتدى للأمن القومي العربي" يتبادل فيه حكماء العرب الأفكار بشأن كافة القضايا ذات الصلة بالأمن القومي العربي سواء كانت عربية أو إقليمية أو عالمية، ولن تكون الخلاصات التي ينتهي إليها هذا المنتدى ملزمة لصانع القرار العربي دون شك ولكنها بالتأكيد سوف تكون خير عون له في التوصل إلى قراراته على الصعيدين العربي والعالمي.
ومن الأهمية بمكان إعادة دراسة الوثائق المنشئة للمجلسين (الدفاع العربي المشترك والسلم والأمن العربي) لتحديد نقاط التداخل في الاختصاصات واقتراح آليات التنسيق بما يعزز دوريهمًا معاً.
من ناحية ثالثة لا يجب أن يكون مقبولاً أن تتكرر سابقة عدم انعقاد قمم استثنائية في أعقاب أحداث عربية جسيمة كاحتلال العراق2003 أو العدوان على لبنان2006، فهذه القمم هي القادرة وحدها على مواجهة تلك الأحداث، وعدم انعقادها يشير دون شك إلى وجود خلل ما في منظومة المواجهة السليمة لتحديات الأمن القومي العربي.
أما المنظمات العربية المتخصصة فإن نشاط بعضها على الأقل يصب في صميم تحقيق التوجهات الأساسية لتعزيز الأمن القومي العربي: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في مجال التعليم والبحث العلمي والهيئة العربية للطاقة الذرية في مجال بناء قدرة نووية عربية والمنظمة العربية للتنمية الزراعية في مجال الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء...إلخ. ومن الأهمية بمكان أن يوكل إلى هذه المنظمات عدد من المهام الاستراتيجية مع قيام الأمانة العامة بدور المبادرة والتنسيق والمتابعة.

-إقامة نماذج طليعية لتحقيق الأمن القومي العربي:
في المدى القصير لن يكون ممكنًا إحداث نقلات نوعية في مستوى أداء النظام العربي بالنسبة لأمنه القومي، أو اختراقات مؤثرة في المعضلات المحيطة بهذا الأمن لكن الممكن قد يكون إنجاز نماذج ريادية في هذا الصدد كمشروع ناجح لتكامل صناعي عسكري بين عدد قليل من الدول العربية، أو تكامل غذائي بالطريقة نفسها، أو تركيز الجهود العربية على إنجاز هدف بعيد كبناء قدرة نووية عربية سلمية، أو إقامة مدرسة نموذجية للمستقبل برعاية عربية في كل قطر عربي وجامعة عربية نموذجية ومركز عربي نموذجي للبحث العلمي أو مبادرة عربية رائدة للنهوض بالتعليم والبحث العلمي، أو إنشاء قوة تدخل عسكرية عربية تقوم بمهام ذات صلة بالحفاظ على الأمن القومي العربي بناء على دعوة دولة من الدول العربية..إلخ. وسوف يكون من شأن نجاح هذه النماذج أن يتسع نطاقها سواء من حيث الأنشطة التي تشملها أو الدول التي تنضم إليها تباعًا فيما يذكر إلى حد كبير بتجربة الاتحاد الأوروبي الأمر الذي يؤمل معه أن يتحقق بالتدريج نوع من التكامل المفيد للأمن القومي العربي.

- تعزيز الجسور مع المجتمع المدني العربي:
أصبحت مشاركة منظمات المجتمع المدني العربي في أنشطة منظومة العمل العربي المشترك من المبادئ المستقرة في المرحلة الراهنة لتطوير هذا العمل. وفي مجال الأمن القومي العربي تحديدًا برز دور مراكز البحث الاستراتيجي الذي نص عليه قرار قمة الرياض2007. وتستطيع هذه المراكز أن تزود المؤسسات المعنية بالأمن القومي العربي بمعين لا ينضب من التحليلات والخطط والأفكار بما يتجاوز بكثير دور لجنة الحكماء التي نص عليها قرار إنشاء مجلس السلم والأمن العربي، ويمكن لهذه المراكز أن تلعب دورًا رئيسيًا في منتدى الأمن القومي العربي بما تقدمه من رؤى وما تشارك فيه من حوارات، ولا مانع من إقامة روابط مؤسسية مع عدد من المراكز المتميزة في هذا الصدد أو على الأقل عقد اجتماعات دورية لها في إطار المؤسسات ذات الصلة بالأمن القومي العربي لتبادل الرؤى والأفكار.

-مشكلة التمويل:
لا يمكن لأي آلية من الآليات السابقة أن تتم على النحو الأمثل دون تكلفة إضافية، ومن المعلوم أن منظومة العمل العربي المشترك تعاني من مشكلة مزمنة في التمويل، والأكثر من هذا أن ثمة اتجاهًا لتثبيت السقف المالي لأنشطة هذه المنظومة بكل فروعها بما يعنيه ذلك من تقليص فعلي لنشاطها نتيجة اعتبارات التضخم على الأقل، ناهيك عن العجز التام في كثير من الأحيان عن إيجاد أي ترتيب تنظيمي جديد يمكن أن تكون له تكلفة مادية أو تمويل مهام طارئة لها أهمية حيوية.
ولقد أثبتت الخبرة أن تمويل منظومة العمل العربي المشترك –كما هو الحال في غيرها- من خلال الاعتماد على التمويل الذاتي أو المنح والتبرعات ليس مضمون النجاح، بالإضافة إلى أن درجة نجاحه تختلف من حالة لأخرى، كما أن التمويل الذاتي ليس سهلاً في كل الأحوال، ولذلك فإن تنفيذ أية خطة طموحة للنهوض بمستوى الوفاء بمتطلبات الأمن القومي العربي يحتاج نظرة صريحة وجديدة لمسألة التمويل في مؤسسات العمل العربي المشترك.

-تنويع شبكة العلاقات العربية والإقليمية والعالمية:
لا يمكن فصل الأمن القومي العربي عن بيئته الإقليمية والعالمية. صحيح أن بعض عناصر هذه البيئة –وربما معظمها- يمكن أن يكون غير موات أو حتى مقوضًا لاعتبارات الأمن القومي العربي، لكن إقامة منظومة فاعلة لهذا الأمن لا يمكن أن تتم دون محاولة بناء شبكة فاعلة من علاقات التعاون الإقليمية والدولية مع الأصدقاء والأصدقاء المحتملين، ومن المهم في هذا الصدد أن يدور حوار علمي وسياسي حول أفضل السبل للتعامل مع كل من إيران وتركيا اللتين لا يمكن القول بأنهما حليفتان للعرب، وفي الوقت نفسه فإن العرب لا يملكون رفاهية إسقاطهما من الاعتبار عند التفكير في أمنهم القومي خاصة في ظل وجود ولو حد أدنى من القواسم المشتركة معهما بعكس إسرائيل، وربما يكون من المرغوب فيه في هذا السياق تنمية العلاقات مع دول الجوار الأفريقي سواء من خلال الاتحاد الأفريقي أو تجمع دول الساحل والصحراء أو أي إطار آخر ملائم حماية للعمق الأفريقي للأمن القومي العربي.
وعلى الصعيد العالمي لا يمكن بطبيعة الحال إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية من الاعتبار في علاقاتها مع العرب، غير أن دورها في الأمن القومي العربي سلبي بلا شك، وهنا قد يكون من المناسب بلورة آلية ثلاثية الأبعاد للتعامل مع هذا الوضع: بعدها الأول يتمثل في تطوير سياسة عربية تتمايز عن السياسة الأمريكية المتبعة في المنطقة وتملك القدرة على الاختلاف الواضح معها –دون أن يعني ذلك صدامًا بالضرورة- عندما يكون مؤكدًا أن هذه السياسة تصيب الأمن القومي العربي بضرر بالغ. أما البعد الثاني فينصب على ضرورة مد الجسور مع النخب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية والقوى السياسية فيها بصفة عامة بغض النظر عن موقعها من السلطة، فلا يعقل ألا يكون هناك حوار عربي الآن (منتصف2007) مع الحزب الديمقراطي الذي يسيطر على الأغلبية في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه، والذي يتوقع أن يأتي منه –أي الحزب الديمقراطي- الرئيس الأمريكي القادم بعد حوالي سنة ونصف، ومن المؤكد أنه قد آن الأوان للنظر في أمر مد جسور قوية كذلك مع الأمريكيين العرب لمصلحة الطرفين. أما البعد الثالث فيتمثل في تنويع شبكة العلاقات العالمية للعرب بما يخدم متطلبات أمنهم القومي ويتضمن ذلك تعزيز العلاقات العربية مع أوروبا والصين وروسيا واليابان والهند وبلدان أمريكا اللاتينية.
* * *
في دراسة الأمن القومي العربي تكشف السجلات الرسمية للنظام العربي إذن عن العديد من الوثائق والقرارات ذات الصلة التي كان من شأن تفعيلها أن تتحقق إنجازات كبرى في مجال الحفاظ على الأمن القومي العربي وتعزيزه، غير أن سجل الإنجاز كما رأينا محدود للغاية في الوقت الذي تتفاقم فيه المخاطر والتهديدات يومًا بعد يوم، وليس ثمة مخرج من هذا الوضع غير المقبول إلا بإدارة أوسع حوار ممكن حول البيئة المتغيرة للأمن القومي العربي وتوجهاته الأساسية وآليات تحقيقه.

saif.m 15-07-2022 09:10 PM

رد: بحث: الأمن القومي العربي دروس الخبرة الماضية ومعضلات الوضع الراهن
 
مذكرات تخرج
خلفيات اهداء word
موقع جاهزة
تحميل ماستر حقوق pdf
في القانون العام الاقتصادي
حول الأرشيف pdf
في الإرشاد والتوجيه pdf
في الأرشيف pdf
حول العنف المدرسي pdf
في الدراسة أسلوبية pdf
في تعليمية اللغة العربية pdf
مذكرة تخرج حول يوغرطة
حول كاتب ياسين
وورد
ورسائل ماجستير في الادب العربي
مذكرة تخرج واقع الاتصال في المؤسسات الجزائرية pdf
جامعة ورقلة
اعلام واتصال
مذكرة تخرج حول وظيفة التموين pdf
مذكرة تخرج حول وظيفة الإنتاج pdf
مذكرة تخرج حول وظيفة التسويق
مذكرة تخرج إعلام واتصال pdf
مذكرة تخرج اعلام واتصال
واجهات word
واجهات مذكرات تخرج
واجهة مذكرات تخرج
واجهات وورد
في المحاسبة والمالية pdf
معهد علوم وتقنيات النشاطات البدنية والرياضية المسيلة
تحميل في الاعلام والاتصال pdf
في علم النفس العمل والتنظيم pdf
ماستر علم اجتماع جريمة وانحراف pdf
مذكرة تخرج حول هندسة التكوين
مذكرة تخرج حول هجومات الشمال القسنطيني pdf
ماستر هندسة مدنية
عناوين هندسة طرائق
هندسة معمارية
عناوين هندسة معمارية
في هندسة الطرائق
هندسة كهربائية
هندسة ميكانيكية
هندسة مدنية
ليسانس هندسة طرائق
ليسانس هندسة مدنية
نشاط بدني مكيف
مذكرة تخرج نموذج
حول نظرية الإدارة العلمية pdf
ماستر نقد حديث ومعاصر
مذكرة تخرج حول نوميديا
مذكرة تخرج حول نظم المعلومات pdf
مذكرة تخرج حول نظام المعلومات pdf
مذكرة تخرج حول نظريات التعلم pdf
مذكرة تخرج حول نظرية المحاكاة
مذكرة تخرج حول نظرية ترتيب الأولويات
نماذج اهداء مذكرات تخرج
نماذج ليسانس
نماذج فارغة
نماذج مذكرات تخرج
نماذج ماستر لغة انجليزية
نماذج تقني سامي في المحاسبة
نماذج pdf
نماذج ماستر
نماذج اعلام و اتصال
نماذج doc
ماستر
معهد التكوين
ماستر أدب عربي جامعة بسكرة
ماستر أدب عربي جامعة قسنطينة
ماستر اتصال تنظيمي pdf
ماستر فنون تشكيلية
ماستر تسيير عمومي pdf
ماستر تعليمية اللغات
ماستر لسانيات عامة pdf
مواقع للبحث عن مذكرات تخرج
مواضيع ليسانس حقوق قانون خاص

مواضيع مذكرات تخرج
مواضيع ماستر اقتصاد نقدي و بنكي
مواضيع ماستر محاسبة وتدقيق
مواضيع تقني سامي في تسيير الموارد البشرية
مواقع لتحميل مذكرات تخرج
محرك بحث مذكرات تخرج
مواضيع ماستر ادارة اعمال
ليسانس
ليسانس علوم اقتصادية pdf
ليسانس تخصص تجارة دولية pdf
ليسانس في علم النفس العمل والتنظيم pdf
ليسانس علم النفس العيادي
لغة انجليزية pdf
ليسانس تخصص تسيير موارد بشرية pdf
ليسانس حقوق قانون خاص
ليسانس تخصص إدارة أعمال pdf
ليسانس إعلام
تحميل مذكرات تخرج
جاهزة للتحميل
ليسانس لسانيات عامة pdf
تحميل ليسانس حقوق pdf
عناوين ليسانس تخصص اتصال
عناوين ليسانس لسانيات عامة pdf
ليسانس في اللسانيات التطبيقية pdf
كلية العلوم الاقتصادية
كيمياء صناعية
كهروتقني
تخصص كيمياء pdf
مذكرة تخرج دراسة كتاب
كيفية تحميل مذكرات تخرج
ليسانس كهروتقني
ليسانس اقتصاد كمي
حول كوفيد 19
حول فيروس كورونا
عناوين ليسانس اقتصاد كمي
عناوين ماستر اقتصاد كمي
ماستر اقتصاد كمي
قاعدة معطيات تسيير مخزون
قانون خاص
قالمة
قانون عام
قانون اعمال
قاعدة المعطيات pdf
قانون اعمال جامعة التكوين المتواصل pdf
مذكرة تخرج قانون أعمال جامعة التكوين المتواصل pdf
مذكرة تخرج قراءة في كتاب
مذكرة تخرج حول قاضي التحقيق pdf
قوالب مذكرات تخرج
عناوين تقني سامي قاعدة المعطيات
تخصص قاعدة المعطيات pdf
عناوين ماستر أدب عربي قديم
عناوين ماستر حقوق قانون جنائي
عناوين ماستر قانون مدني
قانون أعمال doc
في الأسلوبية pdf
في الترجمة pdf
في القانون الدولي العام pdf
في علم النفس المدرسي pdf
في علم النفس pdf
في التحرير الإداري pdf
في اللسانيات التطبيقية pdf
في الأرطفونيا pdf
تقني سامي في تسيير المخزونات pdf
في العلاقات العامة pdf
مذكرة تخرج غرفة الاتهام
جامعة غرداية
مذكرة تخرج حول غرفة الاتهام
عن السكرتارية pdf
علم النفس العيادي
عن التوظيف
علوم طبيعية
علم الاجتماع
علم النفس المدرسي
عن التوحد
علم النفس التربوي الاردن
علوم اقتصادية
عن الطفولة
عناوين في اللسانيات التطبيقية pdf
عناوين ماستر علوم اقتصادية
عناوين في علم الاجتماع الاتصال pdf
عناوين في المحاسبة والتسيير
عناوين تخصص محاسبة
عناوين تقني سامي محاسبة ومالية
عناوين في الترجمة
عناوين تخصص محاسبة تقني سامي
مذكرة تخرج حول ظاهرة التسول
مذكرة تخرج حول ظاهرة الطلاق
مذكرة تخرج حول ظاهرة التنمر
مذكرة تخرج حول ظاهرة الهجرة غير الشرعية
مذكرة تخرج حول ظاهرة اجتماعية
طلبة المدرسة العليا للقضاء
مذكرة تخرج طبوغرافيا pdf
مذكرة تخرج طبوغرافيا تقني سامي
مذكرة تخرج طالب
مذكرة تخرج طريقة
شبه طبي بالجزائر pdf
حول طرق التدريس
مذكرة تخرج على طريقة imrad
مذكرة تخرج حول طرق التدريس pdf
شبه طبي
عناوين شبه طبي
تخصص علوم طبيعية
مذكرة تخرج ضرائب
حول ضغوط العمل
مذكرة تخرج حول ضغط الدم pdf
مذكرة تخرج العنف ضد المرأة pdf
مذكرة تخرج حول ضغط الدم
صيانة أنظمة الإعلام الآلي
مذكرة تخرج حول صعوبات التعلم pdf
مذكرة تخرج حول صيانة الحاسوب
عناوين ماستر صحافة مكتوبة
حول صعوبات التعلم pdf

حول صعوبات التعلم
ماستر صحافة مكتوبة
ماستر تسويق صناعي
صحافة مكتوبة pdf
صيانة صناعية
حول صندوق النقد الدولي
حول صحافة المواطن
مذكرة تخرج شكر وتقدير
مذكرة تخرج حول شركة المساهمة
مذكرة تخرج حول شركة نفطال
مذكرة تخرج لنيل شهادة ليسانس في الحقوق
مذكرة تخرج لنيل شهادة تقني سامي في تسيير المخزونات
شكر وتقدير مذكرات تخرج
شكر مذكرات تخرج
ماستر شريعة وقانون
ماستر أدب شعبي
عناوين تخصص شريعة وقانون
تقني سامي في الاعلام الالي تخصص شبكات
لنيل شهادة تقني سامي في تسيير الموارد البشرية
حول شركات التامين
سنة ثالثة ليسانس علم الاجتماع
سنة ثالثة ليسانس
سمعي بصري pdf
سكرتارية
سابقة
سكرتارية pdf
سنة ثالثة اتصال
سنة ثالثة ادب عربي
سنة ثالثة ليسانس تسويق
سنة ثالثة قانون خاص
تحميل تقني سامي في تسيير الموارد البشرية
عناوين تقني سامي تسيير موارد بشرية
عناوين ماستر سمعي بصري
ماستر سمعي بصري pdf
عناوين تقني سامي في المحاسبة والتسيير
مذكرة تخرج بوفلفل زيد
مذكرة تخرج حول زيت الزيتون
مذكرة تخرج جامعة زيان عاشور
مذكرة تخرج حول زواج القاصر
رياضيات
مذكرة تخرج رسام مسقط في الهندسة المعمارية pdf
حول روضة الأطفال pdf
مذكرة تخرج حول رواية ذاكرة الجسد
مذكرة تخرج حول رواية ابن الفقير
مذكرة تخرج حول رواية ريح الجنوب
مذكرة تخرج حول رياض الأطفال
مذكرة تخرج حول رواية الدار الكبيرة
مذكرة تخرج مشرف رئيسي للتربية
مذكرة تخرج اختبار رسم الشجرة pdf
حول رياض الأطفال
ماستر تدريب رياضي pdf
مربي رئيسي للشباب
عناوين ماستر تدريب رياضي
عناوين ماستر رياضة
تدريب رياضي
مواضيع رياضيات
ماستر رياضيات
ليسانس تخصص تدريب رياضي doc
حول ذوي الاحتياجات الخاصة pdf
مذكرة تخرج حول ذوي الاحتياجات الخاصة
مذكرة تخرج الشركة ذات المسؤولية المحدودة
دكتوراه
دراسات نقدية
دكتوراه في علم النفس التربوي
دكتوراه حول الدافعية للانجاز
دراسة حالة اتصالات الجزائر
دكتوراه في العلوم الاقتصادية pdf
دور تكنولوجيا الإعلام والإتصال في تحسين جودة الخدمة
دكتوراه في علم النفس العيادي
دراسات ادبية
دراسات لغوية
حول متلازمة داون pdf
عناوين ماستر دولة ومؤسسات
ماجستير علاقات دولية pdf
عناوين ليسانس تخصص دراسات نقدية
تحميل دكتوراه
عناوين تخصص دولة عثمانية
عناوين ليسانس تجارة دولية
عناوين ليسانس دراسات لغوية
تخصص تجارة دولية pdf
مذكرة تخرج حول خطوات البحث العلمي pdf
خلفيات اهداء doc
خلفيات مذكرات تخرج
خلفيات اهداء مذكرات تخرج
خاتمة مذكرات تخرج
جامعة خميس مليانة
عناوين ماستر تسويق خدمات
ليسانس قانون خاص
ماستر تسويق خدمات
حول تكنولوجيا المعلومات pdf
حول الصدمة النفسية pdf
حول الحكاية الشعبية
حول الاتصالات السلكية واللاسلكية
حول الرواية الجزائرية pdf
حول البنوك الإسلامية pdf
حول الميزة التنافسية pdf
حول الإستراتيجية الاتصالية
جاهزة
جميع التخصصات
جامعة سيدي بلعباس
جامعة سكيكدة

جامعة سطيف 2
جامعة الوادي
جامعة وهران 2
جامعة وهران
جامعة تيزي وزو كلية الحقوق مذكرات تخرج
جدول مذكرات تخرج
أدب عربي جاهزة pdf
عناوين اتصال جماهيري 2020
عناوين ماستر تخصص جباية
مذكرة تخرج ثانوي
مذكرة تخرج ثانوية
مدير ثانوية
حول ثقافة المؤسسة
عناوين مدير ثانوية
تخصص محاسبة وجباية pdf
تخصص اتصال
تقني سامي
تخصص تمريض
تسيير التقنيات الحضرية pdf
تسيير الموارد البشرية
تخصص تأمينات
تخصص اتصال وعلاقات عامة pdf
تحميل word
تحميل ماستر أدب عربي pdf
تحميل pdf
تحميل تخصص تاريخ pdf
تحميل ماستر لغة انجليزية pdf
تحميل خلفيات اهداء word
باللغة الانجليزية pdf
باللغة الفرنسية
باللغة الانجليزية
بصيغة الوورد
بيولوجيا
بالفرنسية pdf
بالانجليزية pdf
بيولوجيا جامعة سطيف
بيئة ونظافة
بطريقة imrad
بحث عن مذكرات تخرج
بناء الشخصية مذكرات تخرج
بحث مذكرات تخرج
بحث حول عناوين مذكرات تخرج
حول الفيس بوك pdf
المدرسة العليا للأساتذة بوزريعة
ادب عربي
انجليزية pdf
اعلام الي
امانة مديرية
اعلام واتصال pdf
التكوين المهني
اتصال
اتصال وعلاقات عامة
اهداء مذكرات تخرج
افضل مواقع للبحث عن مذكرات تخرج
اهداءات ماستر
اهداء word
العلاج السلوكي pdf مذكرات تخرج
06
02
01
03
جامعة وهران 1
2021
2020
مذكرة تخرج 2020
مذكرة تخرج 2
ماستر 2 محاسبة مراقبة وتدقيق
ماستر 2 اتصال وعلاقات عامة
ماستر 2 ادارة اعمال
عناوين ماستر علوم اقتصادية 2020
عناوين ماستر محاسبة وتدقيق 2015
ماستر محاسبة وتدقيق 2017
ماستر محاسبة وتدقيق 2019
عناوين ماستر محاسبة 2017
حول الصفقات العمومية 2016
عناوين ماستر علوم اقتصادية 2021
علاقات عامة
جامعة الجزائر 3


--------------------------------------------------------------------
مواضيع سابقة لمسابقة الدكتوراه
بحثي - منصة خاصة بالبحوث الجاهزة وخطط البحوث
--------------------------------------------------------------------



الساعة الآن 05:25 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى