منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   أقلام مشرقة (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=97)
-   -   مقتطفات من حياته...صيد صفاء (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=136892)

صفاء ص 04-02-2010 06:04 PM

مقتطفات من حياته...صيد صفاء
 
مقتطفات من حياته
********************
ضمّته كأنّما تضمّ عائدا من السّفر. و الدمع ينهمل من عينيها الذابلتين ذبول أحلام كل سكان تلك المنطقة الحزينة قالت له و طيبتها تمنعها أن تصارحه بأنّ الخيبة ستغتاله كما اغتالت أخاه قبل سنتين:
-عليك أن تعود إلى المنزل حيا.
قالتها له بارتجاف كأنما تخاف أن يعود إليها جثّة كما عاد أخوه بعد أن تمّ رفضه في العمل بحجّة أنه من أبناء'….'
ابتعد عنها و هو يجاهد الدمع أن لا ينهمل على وجنتيه و قال بصوت لا يكاد يسمع:
-لا سبيل لجدال القدر إن هو أراد شيئا.
ثمّ خرج قاصدا عنوان خيبته الأولى التي ستحفر أحداثها في دفتر مذكراته إلى الأبد.دخل المبنى و وضع ملفّه أمام السكرتيرة التي رحّبت به كما يرحب بالملوك كيف لا و هو صاحب بدلة سوداء زادته هيبة عندما امتزجت بنظرته التي توحي بأنه من سادة القوم الفقهاء الذين أنجبهم رحم هذه البلاد الغالية، و لكن ابتسامتها سرعان ما انطفأت عندما علمت أنّه من أبناء منطقة'….' فرمت الملف على المكتب و لما استفسر و هو يعلم الإجابة قالت له بوقاحة لم يشهد لها مثيل:
-أبناء'….' ما فيهمش لمان.
بُهت أمام هذا الموقف و فكّر في صفعها و إرجاع كرامته لكن مروءته منعته أن ينزل إلى مستواها فانصرف يجرّ آلامه ...
لا يريد أن يكلّم لا صديقا و لا غريبا بل إنّه كان لا يريد أن تلامس الشمس بشرته لولا أنّ الضّرورة أجبرت جسده أن يعانقها…
****
دخل البيت فوجد أمّه في استقباله تطمئن على حاله و ليس إن قُبل في العمل أم لا لأنها كانت تعلم الإجابة كما كان يعلم…
ارتمى إلى حضنها يريد أن يحتمي يدفئه من عواصف الأيام التي جعلت من 'الحقرة' عنوانا لها فلم يكن موقفها الرّفض بل راحت تسقيه ماء آمالها كي لا يستسلم أمام أوّل رصاصة أهداها إياه القدر و قالت له بابتسامة تخفي وراءها ثقة بالله:
-صغيري بين الأمل و الحلم جسر من الواقع علينا مروره لنصل.
قبّل يديها:
-وبين الإنسان و الإنسان درهم.
سكت قليلا ثمّ واصل:
-عندما يصبح المال العملة الأولى للعيش يزول الأمل و يفنى الحلم فتتعرض بذلك ممتلكات للضياع و حقوق للسّلب فتلاقي الحياة كل فقير بوجه عبوس فتُجَنَدُ الأصابع و الألسن لاتهامك و تُفتح أبواب السجون على مصراعيها لاستقبالك....الفناء لكل من يجعل من النقود تأشيرة لدخول عالم الكرامة و...
وضعت يدها على فمه:
-لا تستسلم أمام أوّل صفعة من القدر،خذ من الحياة العبر و اعتبر.الحياة حلوة بمرارتها يا بني.بعد كل ليل يأت الصّبح و بعد كلّ دمعة ابتسامة.
ابتسم ابتسامة ساخرة:
-وبعد كلّ حياة موت.
لم تجد من سبيل لإقناعه فهو جزائري و الجزائري بطبعه لا يتخلّى عن موقفه إلاّ بإرادته فخرجت من الغرفة و لنقل البيت لأنّ مأواها و ابنها و زوجها الذي أنهكه المرض غرفة سقفها من الأحزان التي لاتحمي لا من الحر و لا من القرّ.
***
استيقظ والده على دمعة لامست وجهه عندما قبّله و قال بصوت مختنق:
-ما بك؟
وضع محمّد يديه على عيني أبيه:
-أرجوك أن تغمض عينيك لأني لا أريدهما أن تحترقا بشمس آلامي مثلما احترق باقي جسدك بآلام عبد القادر،نم و إن احتجتك سأوقظك.
ثمّ خرج و في طريقه و جد الجارة عائشة التي سلّمت عليه و سألته:
-هل وجدت عملا؟
أجابها:
-وهل في هيئتي ما يدلّ على ذلك؟
احمرّ وجهها و سكن الدمع عينيها:
-كنت أريد أن تبشّرني بعد خيبتني.
سألها:
-هل حصل شيء؟
أجابته:
-تركت وفاء في البيت تندب حظها العاثر لأنّها لم تجد عملا أيضا.
قال لها و الدمع قد غزا عينيه:
-على الأقل هي امرأة.
أجابته:
-مصيركم التسول و ربما الهجرة أما النساء فمصيرهن العنوسة.
ابتسمت بثقل ثم واصلت:
أتعرف يا محمّد أنّي قد مسحت فكرة الزّواج من رأسها؟
-لماذا؟
-لأنّي لم أكن أريدها أن تقف مذهولة أمام الواقع.
أتى سامي ابن الجارة عائشة:
-أهلا محمّد،عمّ تتحدّثان؟
أجابه محمّد بسؤال:
-هل لنا أن نتحدّث عن غير الآلام؟
و كأنّه لم يسمع السّؤال أو لا يريد أن يسمعه قال:
-الجو حار هنا،فلنذهب إلى مكان آخر.
ابتسمت عائشة:
-فلنذهب إلى بيتنا،هيا يا محمّد.
رمى دمعته على الأرض ثم قال:
-غدا آتي إلى منزلكم.
ثمّ انصرف دون أن يبادلهما بنظرة...
***
أسند ظهره إلى الشجرة العجوز و أخذ ينظر إلى الطبيعة العذراء حوله يسألها أن تهبه قليلا من هدوئها و هو كذلك إذ يرى و فاء أمامه تقول:
-لماذا أنت هنا؟
نظر إليها بابتسامة يتيمة:
-هنا قبر أحزاني،أم أنك لا تعلمين؟
أخذت نفسا عميقا:
-عندما كنتُ في السّادسة من عمري و أنتَ في الثانية كنت أحضرك إلى هنا و أحكي لك عن آلامي فتضحك ببراءة لظنك أني أداعبك...
قاطعها:
-وما فائدة الحديث عن هذا الآن؟
أجابته بابتسامة استعارتها منه:
-لأعلمك أنّ هذه ليست أوّل سخرية من القدر.
سكتت قليلا ثمّ واصلت:
-لم نكن نشعر بذلك أو ربما كنا نتجاهل لست أدري كيف أقولها.أليس غريبا أن تجد طفلة في السّادسة تحكي عن آلامها لطفل صغير بينما قريناتها يداعبن الدمّى؟...كنت دوما أضمّك إلى حضني و أقول لك:
-محمّد أنت من ستخرجنا من وحل أحزاننا لأنّك وحدك الأشقر في هذه المنطقة و عندما سمعني شقيقك المرحوم عبد القادر ذات مرّة قال لي:
-سيكون أخي بطلا.
أجبته:
-نعم...نعم.
سمعنا أبي نقول ذلك فأتى و أخذك مني و قبّل جبينك ثمّ نظر إلينا:
-محمّد غدوة يولّي سيد الرّجال و قولوا قالها مسعود.
مسح محمّد الدموع عن عينيه ثمّ قال:
-خيّبتكم.
اقتربت منه مبتسمة:
-بالعكس خبر نجاحك في الدّراسة سرّ أبي كثيرا و سيزداد سروره عندما يعلم أنك ستكافح من أجل الحصول على وظيفة.
وقف من مكانه:
-لنذهب إلى بيتكم،لا بدّ أنّ خالتي عائشة غضبت عندما رفضتُ دعوتها.
ابتسمت وفاء:
-لن نذهب حتى تطرد الدّمع عن عينيك،لأنّ الرّجل عندما يبكي يطفئ عزيمتنا.
***
جلست عائشة على الحصير بحيث تقابل محمّد:
-ماذا ستفعل بعد أن رُفضت في عملك؟
ابتسم:
-ننتظر الفرج.
ابتسمت وفاء:
-لا يا أمّي،محمّد سيمارس أيّ مهنة بإمكانها أن تكون مصدر الرزق الحلال.أليس كذلك يا محمّد؟
أجابها:
-الأيّام وحدها ستجيبك،أما أنا فأريد قهوة.
ذهبت إلى المطبخ دون تردّد و بحنان الأخت على أخيها اقتربت منه تحمل صينية القهوة. قالت:
-تفضّل،اشربها بالعافية و الهناء.لم تخبرن عن حال والدك فأنا لم أذهب إلى بيتكم اليوم.
أخذ نفسا عميقا:
-يريد أن يصبح تحت التراب و جسده العاشق الولهان للحياة يمنعه،أبي لا يريد أن ير أكثر مما رأى في هذه الحياة القاسية.
سأله سامي:
-هل علم بأنك لم تحصل على مهنة؟
ضحك:
-و هل ظنّ يوما أني سأجد مهنة؟أبي رجل يرى الحياة بحجمها الطبيعي و لا يمكن لعاطفته أن تستسلم أمام الأحلام.
وضعت عائشة قطعة الخبز على المائدة المستديرة ثمّ قالت:
-ما زلتم شبابا و الحياة أمامكم طويلة.
وقف محمّد و اتجه نحو الباب مسرعا لأنّه ملّ أن تُرتل هذه الكلمات التي قادته إلى الخيبة على مسمعه،ملّ أن ينكسر كلّ بيت من الأحلام و الآمال يبنيه،ملّ و ملّ و ملّ...
وقبل أن يخرج قال لها:
-قولي هذا الكلام لرجل يأكل المال و ليس لحقير يأكل التراب.
اقتربت منه وفاء:
-ليس الفقير حقيرا يا محمّد.
خرج دون أن يبادلها بنظرة.
***
سنة مضت على وفاة والده،مصيبة انقضت و أيّام ولَّت و عالم جديد بعيدا عن مسقط رأسه أقبل...
انسلخ من شهادته الجامعية و أصبح نجّارا في ولاية الجسور المعلّقة،الكلّ يأت إليه يطلب منه أن يبدع له شيئا من الخشب.اتسعت شهرته بعد وقت طويل جدا كافح فيه الانتقاد و *المزيرية* و النّوم في أرصفة الطّرق حتى دعاه شيخ طاعن في السن أن يشاركه عمله.
و كأن به يعلم أنّ أجله قد اقترب، كتب الورشة الصغيرة باسم محمّد و أهداها إياه قبل رحيله إلى العالم الآخر كي يكمل رسالته في الحياة. لم تكن النجارة مشروعه الوحيد بل كان أديبا مدفونا تحت الخجل و الخوف من الرّفض و مكفّنا بكثير من الأحلام التي لا يريد أن يخضع لسلطانها.
ألّف ثلاثية غلب عليها الحزن و الانتفاضة العاطفية كان أروعها حين عنون روايته الأولى ب*صوت الفقير* و الثانية ب*الواجب المقدّس*أمّا الثالثة فب*مجزرة الأحلام* استغرق في كتابة كلّ رواية سنتين ما عدا الأولى فقد كتبها في سنة لأنها بكلّ بساطة تحكي ظروف حيّه الفقير الذي انفضّ الناس من حوله و أهله الذين لا ذنب لهم في الحياة سوى أنّهم خلقوا هناك.
****
كان يقرأ الجريدة عندما سمع صوتا ليس بغريب عنه يحييه:
-صباح الخير.
غزت الفرحة وجهه:
-وفاء؟أهلا بك.
ابتسمت:
-كيف حالك؟
أجابها:
-الحمد لله.تفضّلي بالجلوس.
مسح الكرسيّ بطرف مئزره ثمّ نادى على مساعده:
-خليل أحضر القهوة،ثمّ التفت إليها مبتسما:
-كيف أنت؟كيف حال أمّي؟
أجابته:
-الحمد لله كلّنا بخير لا ينقصنا شيء غيرك.
جالت بعينيها أرجاء الورشة فلمحت كتابا على المكتب فقالت له:
-ألديك وقت لتطالع؟
أجابها مبتسما:
-لديّ وقت لكلّ شيء.
اتجهت نحو المكتب بفضول كعادتها و فتحته:
-ألا يكفيك الحزن لتقرأ عن آلام الآخرين؟
و كأنه لم يسمعها نادى على خليل أن يسرع في إحضار القهوة و عاد على هيئته الأولى يقرأ الجريدة غير آبه بما تفعله.
ضحكت وفاء و اقتربت منه:
-محمّد،أأنت من كتب هذا؟
رمى الجريدة على الطاولة:
-أين وجدته؟
احمرّ وجهها:
-في درج المكتب.أيغضبك هذا؟
-لا...و لكن.
سألته:
-أتخفي عن أختك إبداعاتك يا محمّد؟
أجابها:
-هي مجرّد كلمات.
-ألم تفكّر في نشرها؟
دخل خليل يحمل صينية القهوة:
-هو خائف من الفشل يا آنسة و أظنّ أنك قادرة على مساعدته.
نظر إليه محمّد ليسكت و لكنّه واصل:
-لست أديبا و لكن لديّ ذوق في الأدب،وكلّ ما كتبه جد رائع.
سكت قليلا ثمّ واصل:
-وحدك تستطيعين مساعدته.
احمرّ وجه محمّد:
-خليل أظن أنّ لديك عملا.
ثم حمل الجريدة و أخذ يطالعها كأنما لم يحدث شيء و في غفلته تلك أسرعت وفاء بوضع السجلات في محفظتها ثمّ أخذت منه الجريدة بابتسامة:
-أتمنى أن تواصل اجتهادك.
نظر إليها:
-ليس كلّ من يحمل قلما أديبا،ما رأيته مجرّد مذكّرات يكتبها شابّ نفاه الزّمن إلى عالم الأشباح.
وقف من مكانه:
كلنا نكتب و لكن لسنا كلّنا كتابا و ...
قاطعته:
أنت عشت نبذ المجتمع و بالتأكيد ستكون سفير الأشقياء في الأرض.
ضحكَ:
لم أكن أعلم أنك تشاهدين المسلسلات.
ابتسمت:
أشاهد عبراتك المنهملة على وجنتيك منذ طفولتك فأحلم أن أراها دموع فرح،أشاهدك دوما كيف تحاول لملمة شتات كلماتك فلا تقدر،شاهدت الكثير لكني لم أشاهد محمّد الأديب الذي يدفن نفسه تحت الخوف.
أخذت نفسا عميقا ثمّ واصلت:
- بعبارة أخرى أنت جبان.
ثمّ خرجت من الورشة و تركته وحيدا في بحر حيرته أيتبع خطواتها ؟و إن فعل،ماذا سيقول لها؟هل يأخذ منها جريدته؟أم يسألها إلى أين تذهب؟أيصارحها بأنه يريد نشر إبداعاته و قلة خبرته في الميدان تمنعه؟
أخيرا قرّر تغيير ملابسه و الخروج في نزهة قصيرة تنسيه بعض تعبه و قبل أن يفعل اقترب منه خليل:
-أبي توفّي مذ كنت طفلا في الخامسة.
التفت إليه محمّد:
-أليس علي والدك؟
أجابه:
-هو الرجل الذي رباني.
سكت محمّد قليلا ثمّ قال:
-فلنغيّر ملابسنا ثمّ نذهب إلى المقهى و هناك سترتّل عليَّ قصّتك.
***
وصلا إلى المقهى جلسا في زاويتها المشبوهة.
قبل أن يتكلّم أخذ نفسا عميقا من سيجارته ثمّ قال:
-قد تسخر من ما سأقوله لك يا محمّد و لكني سأتكلّم لأني مللت السكوت.
وضع محمّد يديه على الطاولة:
-الأغبياء من يسخرون من آلام الآخرين،تحدّث فإنّ الأصدقاء لبعضهم.
-أريد معرفة مكان أمّي.
تعجّب محمّد:
-و لكنك أخبرتني أنها ميتة.
ابتسم:
-تجبرنا الظروف على الكذب.علي هو عمّي الذي أخذني من أمي بعد وفاة أبي لأنه لا ينجب أمّا أمي فقد غادرت المدينة رفقة أختاي دون رجعة،لم تسأل عني يوما و تركتني في حضن رجل و امرأة كانا الأجدر بتربيتي.
مسح الدموع عن عينه و سكت...
لم يجد محمّد كلمة يعزيه بها غير:
-واصل،أنا أسمع و أعي.
-أفكّر دائما في بناء حياتي و لكن شبح أمي و أختاي يطاردني في كلّ مكان.كيف يعيشون؟ماذا يأكلون؟هل هم بخير أم لا؟أم...
قاطعه محمّد:
-أنت غبي.
-لماذا تقول هذا الكلام؟
ابتسم محمّد:
-تعطّل نهر الزمن من أجل أناس سلّموك لحزن لا ينقطع.من الغباء أن تهدّم مستقبلك و أنت شابّ يافع مثقّف يملك كثيرا من المؤهلات لأن يكون جنرال النجاح و سيد التحديات الصّعبة.
أطفأ سيجارته:
-أنا مثلك تماما،غبي و جبان.
ضحك محمّد:
-لن أجادلك،و لكني سأقول لك كلمة واحدة.
ابتسم خليل:
-ما هي؟
وقف محمّد من مكانه:
-من يبيعك بعشرة دنانير بعه بدينار و إن عاد إليك بعد إذ سموتَ و نجحت عد إليه كأن شيئا لم يكن،فأغبياء أولئك الذين يأسرون أنفسهم في البحث عن حقيقة لا تبحث عنهم.
وقف خليل:
-و ما أدراني أنّ الحقيقة أيضا تبحث عني؟
سأله محمّد:
-هل غيّر عمك مسكنه بعد رحيل أمّك؟ طبعا لا و إن كانت تريد السؤال عنك كانت أتت إليك و ربما ما كانت لتتنازل عنك.
تأفف خليل:
-ما الحل؟
أجابه:
-حاول أن تنس القضية و اعمل لغدك لتنجح و ستجد أمّك بين يديك.
-كيف؟
-الناس ينفضّون من حولك عندما تكون ضعيفا و لكن عندما تقف و تسمو يأتون إليك مهلّلين مكبّرين.
ضحك خليل:
-سأحاول.
-لا تحاول،بل توكّل و افعل.
***
جلست وفاء على الأريكة و قالت:
-منزلك رائع يا فتاة،لم تخبريني بهذا عندما كنت أتصل بك.
ابتسمت:
-خفت أن تحسديني.
ضحكت:
-سارة هل لدى أبيك أصدقاء يعملون في دور النّشر؟
جلست بجانبها:
-نعم،هل لديك مؤلّف تريدين نشره؟
أجابتها:
-لا و لكن...
-ماذا؟
فتحت حقيبتها و أخرجت منها السجلاّت:
-أنا لم أقرأ إلاّ قليلا من رواية صوت الفقير هذه،أعجبتني و فكرت في نشرها.
ابتسمت سارة:
-لم أفهم،من كتب هذه الرواية؟أو هذه الروايات.
-إنهّ محمّد،هو لا يعلم بهذا.
احمرّ وجه سارّة:
-لا يمكن أن تقومي بنشرها دون علمه،هذا مناف تماما للقانون.
-أظنه لن يغضب.
-هذه ليست إجابة.
تأففت وفاء:
-لو يعلم أني قمت بأخذ السجلات...
وقفت سارّة:
-ما زلت متهورة كعادتك،أظنّ أنّ عليك الاتصال به و دعوته إلى منزلنا للتشاور و إعطاء موقف صريح تجاه هذا الموضوع.
-و زوجك؟
ابتسمت:
-سأخبره الآن،إنّه في غرفته يطالع كتابا لست أدر ما عنوانه.
-ألن يغضب؟
قبّلت جبينها:
-بالعكس فهو إنسان خلوق متذوّق للأدب و أضمن لك أنّه سيقوم بالتشهير له إعلاميا.
وقفت وفاء:
-شوّقتني يا فتاة.
-اتصلي به بينما أخبر سمير بالأمر.
انصرفت سارّة إلى الطابق العلوي و بقيت هي تنظر إلى الأرض و الدمع يكاد يغزو عينيها ثمّ اتصلت به:
-محمّد،أتمنى أن تأت إلى العنوان التالي*.....*أرجوك أن تسرع.
ثمّ رمت نقالها بجانبها و قالت بصوت لا يكاد يُسمع:
-أخيرا سأهديك بسمة كما أهديتني الأمل يا أخي الصّغير.
جاءت سارة و زوجها فوجداها قد بدأت تغرق في الدموع...
اقتربت منها سارّة:
-حبيبتي ما بك؟
-أخي سيكون بإذن الله فخرا لحيّنا الحقير.
ضمّتها سارة إلى حضنها:
-بإذن الله سيكون و كم هم كثيرون أولئك الذين فرّج الله همومهم و خلّدوا أسماءهم في التاريخ.
***
رنّ جرس الباب فأسرع سمير إليه:
-أهلا بالأخ محمّد.
تسمّر محمّد في مكانه،ثمّ قال و الكلمات تتبعثر:
-أ...أ...هل...وفاء هنا؟
ابتسم سمير:
-نعم هي بالداخل،تفضّل.
دخل المنزل و نظره مثبّت على الأرض،فليس من عادته أن يتأمّل بيوت الآخرين و عندما وجد وفاء أمامه قال:
-لماذا استدعيتني إلى هنا؟
أرادت أن تقول له:لأهديك بسمة.
لكنّ لسانها صام عن الكلام فنابت عنه مقلتاها و صوت سارّة إذ قالت:
-لتضعك أمام الواقع.
ابتسم:
-سيدتي أنا لم أفهم.
أشار إليه سمير أن يجلس ففعل و بقي يقلّب رأسه بين وجهوهم حتى قالت له سارّة:
-إذا وافقت على نشر ثلاثيتك تصبح أديبا.
وقف من مكانه:
-وفاء،هل؟
أجابته:
-نعم،أحضرت كلّّ ما كتبت و عرضته عليها لتساعدك في إيجاد السبيل لإسماع صوتك.
أكمل سمير:
-وفاء أرادت مساعدتك على بلوغ القمّة التي تحلم بها والدتك.
التفت إليها:
-من سيقرأ حروف رجل حقير داسته عجلات الأيّام؟لست مستعدا للمغامرة في تجربة كهذه.
انهملت العبرات على وجنتي وفاء التي تعلم مدى قسوة هذه الكلمة على محمّد فضمّتها سارّة إلى حضنها و قالت لها بصوت لا يكاد يُسمع:
-لا تحبطي عزيمته.
ثمّ قالت:
-محمّد،زوجي سمير صحافي له مكانته و بإمكانه مساعدتك و أبي لديه خبرة واسعة في هذا المجال.
قال:
-آسف،و لكنك لم تجيبيني عن سؤالي.
أجابه سمير:
-الناس يحبون كلّ ما هو عفوي و نابع من القلب،صدّقني هم يحبّون الكلمات البسيطة المعبّرة و الهادفة.
قال:
-نحن نعيش الواقع و ليس الأفلام.
أجابه:
-الأفلامُ استنبطت من الواقع و الواقع وحده يبق المرجع الأساس في كلّ مشهد تتأثّر به أنت و غيرك.
كأبيه..
يرى الحياة بحجمها الطبيعي و لا يسمح لنفسه بالانزلاق وراء أحلام تقوده إلى السّراب،لم تكن طفولته اليتيمة لتربيه على الحلم بالشهرة و التشبّث به. لملم كلماته وصاغها في سؤال:
-ما فائدة أن أصبح أديبا؟ما الذي سأجنيه؟أنا هكذا بألف خير و ع...
قاطعته وفاء باكية:
-و لكن أبناء حيّك ليسوا بخير،بالأمس فقط توفيت رضيعة زهراء و بالتالي تكون قد فقدت صغيرتها الثالثة و أنا التي علّقت عليك كلّ أحلامي،أترضى أن تراني أُطرد من كلّ مكان بسبب مقرّ سكاني و فقري؟ أترضى أن يعاني أولئك الأطفال الذين ضنوّا لوهلة أنّك تحبّهم ما عانيته أنت؟أم أنّ كلّ ما كنت تقوله عن الأخوة و الاجتهاد في سبيل الوطن و الأجيال القادمة يبقى مجرّد كلام؟أيرضيك أن تتألّم أُمًُ...
وضعتْ يدها على قلبه و أمله في الحياة،أمّه التي كافحت و مازالت تكافح من أجل بسمته .فقال دون وعي:
-افعلوا ما تريدون،أنا موافق.
ثمّ اتجه مسرعا نحو الباب...
***
أمله المدفون تحقّق و حلم كلّ أبناء حيّه تجسّد وبسمة وفاء عادت بعد أن وجدت لشهادتها في فائدة فقد دعاهاإلى ترجمة روايته* محرقة الأحلام* إلى الفرنسية* لتشاركه نجاحه بعد أن كانت السّبب فيه ففعلت
*Le massacre des rêves* و وجدت روايته في فرنسا الصدى و أصبحت
محلّ إعجاب و تقدير من طرف الذين ما زالت في قلوبهم الرّحمة...
بالأمس كتبوا عن ثلاثيته في الجرائد و اليوم دعوه للقناة التلفزية الوطنية و عندما سأله الصّحفي في سؤال هامشي:
-ما أكثر شيء يحيّرك في هذه الحياة؟
أجابه:
-الناس عند الحاجة يركعون للمال دون الرّبّ الذي خلق المال.
سأله:
-لمن تهدي حروفك؟
أجابه دون تردّد:
-إلى صديق هجرته أمّه و إلى أب بكى لأنّه لم يكف حاجة ابنه و إلى أمّ سهرت اللّيل تندب حظّها و أخت كنت أحبّ إليها من أخيها وحيّ فقير كان وراء نشأتي...
باختصار إلى كلّ من نهره الزّمن و نفاه البشر أهدي أعمالي المتواضعة التي أرادت إيصال صوتهم التّعبان...
ثمّ ختم كلامه بقوله:
في وجهة نظري،الفقير وحده يبقى الأحق بأن يكون بطل الرّوايات و ليس الحسناوات و ذوو المال لأنّه وحده من لا يجد لصوته صدى...
انتهت يوم4-2-2010

محمد عدة الغليزاني 09-02-2010 09:29 AM

رد: مقتطفات من حياته...صيد صفاء
 
الله الله حرام عليك أختي صفاء
تسقطين دمعنا في الصباح الباكر

أقول مؤثرة قبل أن أقول جميلة
و متقنة قبل ان أقول رائعة

مفرداتها و اسلوبها عامة سهل و بسيط يتقبله العقل
و يحسه القلب دون دخول الاستعانة بالذهن
و هذا ما ميزها لان الاديب الموهوب المتمكن هو من يصنع لنا بيتا فاخرا من العيدان
أما من يشيد قصرا بالرخام و سبائك الذهب فلم توجد هذه الأمور إلا لصنع القصور

واصلي بهذا الاسلوب و لا تحرمينا من ابداعك
انا ارى فيك أديبة ستبلغ مناها إن بقيت هكذا اي دون استعمال الرخام و سبائك الذهب

أختاه دعواتي و منايّ و احتراماتي

صفاء ص 09-02-2010 04:15 PM

رد: مقتطفات من حياته...صيد صفاء
 
الأخ محمّد الغليزاني شكرا لك على هذه الكلمات الطّيبة التي قدّرتني أكثر من قدري و تمنياتي بأن نوفق جميعا لما يحبّ الله و يرضاه.

إخلاص 09-02-2010 06:03 PM

رد: مقتطفات من حياته...صيد صفاء
 
صغيري بين الأمل و الحلم جسر من الواقع علينا مروره لنصل.
وستصلين صغيرتي إلى قمّة الإبداع لا محالة و ليس لديّ أدنى شك في ذلك
رائع ما سطرته لنا حروفك الذّهبيّة هنا
وُفّقتِ في إختيار الأبطال
و وُفّقتِ أكثر في السّرد بتعبير سهل ممتع
أوصل الفكرة مباشرة
واصلي حبيبتي ففي إنتظارك غد مشرق
قبلاتي

الشيخ الزواوي 09-02-2010 06:42 PM

رد: مقتطفات من حياته...صيد صفاء
 
في وجهة نظري،الفقير وحده يبقى الأحق بأن يكون بطل الرّوايات و ليس الحسناوات و ذوو المال لأنّه وحده من لا يجد لصوته صدى...

تريني انضر الى الشمس عند بزوغها فكلما يخيب ضني القى نورك من يلامس فكري
و يوقدني من ياسي

بنيتي حبيبتي قرة عيني اوصيك لا تتوقفي ولا تستكيني

قد تصدك عواصف و اعاصير
قد تلقين نفسك امام جدار كبير
لا تياسي و استمري و اكتبي فسلاحك ينع
من يابى الرد عليك فتيقني انه لخطك يتمتع

icon30


imene racha 09-02-2010 08:42 PM

رد: مقتطفات من حياته...صيد صفاء
 
يا الله مادا اقول...فعلا رائعة و مميزة الى ابعد حد
اسلوب مميز في الطرح...و حبكة متقتة و مترابطة
تسلسل سلس و موضوعي ...افكار مطروحة بطريقة
بسيطة لكنها معبرة و موحية...
اما صلب الرواية و ما تناولته فهو يعبر عن ذكائك و قوتك الادبية و نضج تفكيرك اختي....رائع ما خطته اناملك هناااا....
ستكونين اديبة مميزة جدا ...فانت تملكين ما يجب
"الموهبة بالفطرة"....اتمنى لك كل التوفيق و النجاح
تقبلي مروري اختي صفاااء
احترامي و تقديري

صفاء ص 10-02-2010 04:20 PM

رد: مقتطفات من حياته...صيد صفاء
 
ليس لي أمام تعليقاتكم الرّائعة سوى أن أقول شكرا...شكرا...و ألف شكر لأني لم أكن أتوقّع أن يستجيب أحد لما كتبتُ أو يقدّم تعليقا رائعا كاللذي كتبتموه...بارك الله فيكم.http://http://t0.gstatic.com/images?...bsbook.com.gif


الساعة الآن 10:25 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى