منتديات الشروق أونلاين - ليس الفتى من يقول كانت جميلة بوحيرد،إن الفتى من يقول ها أنذا

علّقت كغيري من الجزائرين حول الرسالة التي وجهتها جميلة بوحيرد المجاهدة السابقة في حرب التحرير1954-1962 إلى الرئيس المعين بوتفليقة ،و قرأت الرسالة بمفهومي الخاص، وأتمنى أن أجد من يُصوبني من الساسة أو من الذين عايشوها ماقبل وأثناء أوبعد الثورة.

إعتمدت في قرائتي لرسالتها ،من خلال بعض المعلومات حتى ولو كانت شحّيحة ، لكنها كافية لمعرفة محتوى الرسالة .
جميلة بوحيرد كانت تعيش هذه الوضعية منذ أن اعتلى بوتفليقة قصر المرادية ،ولأنها رفضت مساندته سنة 1999والسير في قطاره والتجارة، أصابها ما أصابها، ليست وحدها فحسب ،بل معها كل الذين رفضوا الإملاءات من أجل دراهم معدودة أو كراسي زائلة .

كانت رسالة جميلة موجهة إلى الشعب الجزائري ، وطالما أنا من بين أفراد هذا الشعب ،من واجبي كمواطن جزائري معني بهذا النداء ،أن أدلي برأيي. فالإنتهازيون والفاشلون سياسيا و المتربصون ،وجدوا مثل هذه الهدية المجانية قبل الإحتفال ببعض الأعياد، وسارعوا لاستغلال هذا الحدث بالنفخ تارة، وبالتمييع أو بالتباكي على الأطلال تارة أخرى ،وقد أحببت أن أضع بين أيديكم هذه الأسئلة ، والأجوبة عنها كفيلة بمعرفة محتوى الرسالة، أو لربما ستقودنا لمعرفة أشياء وخبايا أخرى.

مالذي جعل جميلة بوحيرد تنطق في رسالتها بعباراة مملوءة بالإستياء تجاه أعلى هرم في السلطة وفي هذا الوقت بالذات، خاصة وأن الجزائريين صغيرهم وكبيرهم التفّوا حول موقف واحد ضدّ الإساءة إلى الرموز الثورية ،التي قام بها بعض اللقطاء الإعلاميين المصريين ،تجاه شهداء الثورة التحريرية واتهام الشعب برمته بتهم احتار لها الحيوان والجماد؟

مالذي جعلها تشكوا حالها على العام وكأنها تئن وتصرخ وتستغيث،وخزينة الدولة ملآنة بملايير الدولارات حسب المدّاحين ،وأن هذه الخزينة لم تتأثر حتى بالأزمة الإقتصادية العالمية ، أتعجز دولة عن معالجة جميلة وتخصص48 طائرة مجانا لنقل المناصرين إلى السودان؟

مالذي جعلها ترفض المساعدات التي عُرضت عليها من بعض الأمراء والملوك حسبما نشرت بعض الصحف ، أو تتوجه للعلاج بدولة عربية ،أو في مستشفى عين النعجة بالجزائر الذي يزخر بطاقات وإمكانيات هي نفسها موجودة بأوربا إذا كان الأمر ماديا ؟أو يتعلق بالتاريخ والشرف الجزائري والبطولة ،وتختار لنفسها العلاج في مستشفيات فرنسا التي حكمت عليها بالإعدام يوما أو تتزوج فرنسيا ؟

مالذي جعل الشارع يتعاطف معها في حين أن هناك الكثير من الذين جاهدوا معها يموتون في صمت مُطبق ولابواكي لهم ، بل هناك من أبناء الشهداء والمجاهدين من قُتل شرّ قتلة، ومن خُطف ،ومن مازال إلى اليوم يعيش لوعة المنفى من رفقائها في السلاح، وممنوعون من الدخول إلى الوطن الذي ساهموا في تحريريه يوما وطلبهم الوحيد هو أن يموتوا في هذا الوطن مع عامة المسلمين لاأن يموتوا على أسرة الكفار؟

مالذي جعل جميلة تنفضُ هذا الغبار الذي كسى هذه الحقبة بمجرد هذه الرسالة ،وهي التي سكتت حينا من الدهر، حين قتل أكثر من 250000 ألف قتيل وفتحت المحتشدات ،وأحرقت المدارس، وهُدّمت بعض الصوامع، وبُقر بطون أمّهات ،وسُحل الشيوخ والأطفال ، وقد قتل رمز من رموز الثورة على الهواء وهو محمد بوضياف ،ولم نسمع لها رأيا فهل خافت الموت في جزائر الإستقلال ،الذي كانت تتحداه في جزائر خلال الإستعمار؟

ومالذي جعلها تنشر رسالتها في وقت يستعد مجلس الأمة لتجديد أعضائه خاصة وأن من بينهم من شاركها حرب التحرير ويأخذ مبلغ 30 مليون مقابل تمرير الصفقات؟

الحلال بين والحرام كذلك ، لكن المشتبهات وجدت في المراهقين طريقها ،وأعطت فرصة ثمينة للمتباكين على نصر لم يصنعوه، لتحقيق شهرة، أو دفع تهمة ،أو لفت انتباه أو تحقيق أرباح ...ولأن الفتى هو من يقول هاأنذا، ليس من يقول جميلة ،آثرالبعض التخفي برمز جميلة بوحيرد لاستغلال صورتها في الإعلام ،للأنتقام من التاريخ وتفتيت ذلك التلاحم الوطني الذي ظهر بعد فوز الفريق الوطني.

إن الرجل الفاشل الذي يقتدي بامرأة ويسيئ إلى قادة صنعوا تاريخا ومجدا، أن يدخل في جُبّ بئر ،خير له من أن يعيش فوق هذه الأرض.

إن الرجل الذي يتحدث عن بطولة امرأة وهو جبان، لايستطيع أن يجهر بالحق أو أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر، لهو من المخنثين فكريا والمعاقين حضاريا.
إن الرجل الذي يبني تاريخه من الأفلام والمسلسلات، يعيش في عالم الهلوسة ولاعلاقة له بتاريخ أو حاضر الجزائر، والأحرى به أن يؤلف أو أن يكتب عن الرسوم الكاريكاتورية خير له من الحديث في مثل هذه المواضيع.

إن الجبان الذي يتخفى بامرأة ويختزل البطولة فيها بمجرد كتابة رسالة ،ويتناسى تضحيات جسام قدمها هذا الشعب عبر مرّ العصور لهو إنسان مُرائي لاعلاقة له بالحق وإنما يبحث على أن يحمده الناس...

إن الرجل هو من يصنع تاريخه لا من يتاجر بتاريخ الناس ، وإن الفتى هو من يقول ها أنذا لامن يقول كانت جميلة بوحيرد.

نشر في عرب تايمز