منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   منتدى القصة القصيرة (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=63)
-   -   الاعتقــــــــــــــــــــــــــــــال (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=388522)

أبو المجد مصطفى 11-05-2020 11:27 AM

الاعتقــــــــــــــــــــــــــــــال
 
استيقظ على وجع جديد و فشل بغيض و نكسة حزينة.
- باااااااااااااااااااااااااااااااااااااااف – تلقى لطمة قوية مباشرة على عينه .
تخيل أنوارا ملونة تحوم حول عينيه من اثر اللطمة.
مع كل لطمة جديدة كان يفقد ما تبقى من كرامته و رجولته و رباطة جأشه...
و صاح ضابط الشرطة مثل ثور هائج هرب للتو من الحرث :
- المدعو مبروك. تقني سامي في مصلحة البريد. متزوج و لك ثلاثة ابناء. ليس لك سوابق قضائية صحيح؟؟-
- أجل حضرة الضابط – أجاب الشاب متألما و هو يمسك عينه اليمنى .
شعر أن كتلة من اللهب تحترق وسط قرنية عينه.
- لمصلحة أي جهة قمت بتعليق منشورات تحرض على الاضراب ؟؟؟-
هرش مبروك جمجمته المرهقة بآلاف الأفكار و الذكريات و النكسات . و فكر قليلا...
منذ أسبوع حين كان عائدا من مصلحة البريد استوقفه بيان معلق على حائط في شارع "الاستقلال" في وسط المدينة...مكتوب عليه بخط عريض و مرتبك قليلا " اشعار بإضراب عام ".
كان الوقت قبيل مغيب الشمس. و بمجرد أن قرأ الحروف الأولى. توقفت في المكان دورية الشرطة و احتملوه عنوة و انصرفوا كأن شيئا لم يحدث.
سبعة ايام كاملة و هو يتلقى نفس اللكمات و نفس الأسئلة و نفس الاهانات. حتى سئم الحياة و كره نفسه و تمنى الالتحاق بالاموات وسط المقابر.
في الزنزانة و مع شروق شمس كل يوم كان مبروك يحس بأنه ينحدر نحو هاوية سحيقة...
لكن الكارثة العظمى حين يصلون أطرافه و لسانه بأسلاك الكهرباء ليتمدد التيار الكهربائي في أوصاله و جسده و يعبث به كما يشاء و لا يتوقف العذاب حتى تتدفق الدماء من منخريه.
في الليلة المنصرمة أرسلوا اليه في الزنزانة وجبة عشاء "فاخرة".
رغيف يابس و مرق دسم يسبح فيه صرصور قذر.
- باااااااااااااااف – تلقى مبروك ضربة اخرى و زمجر الضابط مرة اخرى:
- أتلوذ بالصمت كلما سألتك ايها الوغد؟؟-
- لقد أجبتكم للمرة الألف أنه لا علاقة لي بالمنشور. كنت أقرأ البيان مثل أي مواطن عادي –
صاح الضابط و هو يلوح بالسوط في الفضاء :
- لا تتفوه بكلمة الوطن يا خائن . أمثالك يبيعون البلاد بحفنة من الدولارات –
أرسلوه مرة اخرى الى زنزانته ليؤنس وحشة الصراصير و الجرذان.
أسلم مبروك جسده المثخن بالجراح و الرضوض و الكدمات الى أرض مترعة بالرطوبة و البرد.
و شعر كأنه رجع للتو من جبهة القتال ضد العدو.
في الزنزانات المجاورة كان ينصت الى أنين المعتقلين مثله بدون سبب. و فكر :
- لو أن الحكومة تنفق هذا الجهد في اعتقال الرجال في حرب ضد عدو حقيقي لكان الأمر هينا و مفهوما –
و فكر مبروك في زوجته و اولاده و وظيفته و رفاق المقهى و ذرف دموعا حارة رغما عنه.
منذ سبعة أيام و هو يحيا مثل كلاب البرية .كأنه في كوكب آخر منقطع عن كوكب الأرض. لا اخبار و لا حرية و لا كرامة و لا انسانية...
يوميات رهيبة و مفعمة باللكمات و الشتم و الاستنطاق و تيار الكهرباء.... و اشياء اخرى.
و عندما يستسلم للاجهاد و التعب يحملوه أخيرا ليعانق بلاط الزنزانة البارد.
لم يحفل مبروك يوما بالسياسة و أصحابها . لقد كان بينه و بين اهل السياسة خمسون سنة ضوئية...
بل كان يصفهم مازحا بـ " الفاسدين و المرتشين".
مبروك لا يملك في جيبه بطاقة انتخاب . و ليس له انتماء حزبي و لا نقابي. و لم يدلي بصوته في الانتخابات قط.
كان ينفق ساعات النهار بين مصلحة البريد و السوق و مقهى الحي حيث يجتمع بالرفاق و يلعبون " الدومينو " أو يتحدثون عن النسوة و الرياضة و لا شيء غير ذلك.
في صباح اليوم الثامن أقبل حارس الزنزانة نحو مبروك و رافقه الى مكتب الضابط.
مبروك كان يعلم علم اليقين. أن هذا اليوم سوف يكون شبيها بالأمس و ربما أسوأ.
لم يكن يدري من أين جاؤوا بذلك الضابط البغيض...لقد كان بذيئا و شرسا و غليظ القلب و كأنه تدرب على يدي الصهاينة.
هش ضابط الشرطة للقاء السجين و سلم عليه بحرارة قائلا:
- مرحبا بضيفنا الكبير مبروك –
وقف مبروك ذاهلا أمام هذا التحول الجذري الذي طرأ على الضابط. و فكر :
- يجب علي أن أكون حذرا من ألاعيب الشرطة و دهاءهم –
و قطع عليه الشرطي خيط التفكير و همس في سمعه:
- تفضل بالجلوس يا مبروك –
و أمر له بقدح دافيء من الشاي و أشعل له سيجارة و قال بنبرة المنتصر في معركة:
- عزيزي مبروك لقد تمكنت الشرطة من القبض على شبكة المحرضين على الاضراب. و بعد تحريات معمقة تبين لنا أنه لا علاقة لك بالموضوع. يمكنك أن تخرج الى الحرية و تلتحق ببيتك -:15::15::15:

أَنْفَاسُ الإِيمَانْ 12-05-2020 09:31 PM

رد: الاعتقــــــــــــــــــــــــــــــال
 
ساخرة جدا... تلك العبارة الأخيرة..
غير أني تساءلت بأسى:
- كم عدد أولئك الذين تشابهت أيامهم في السجن إلى الأبد ظلما؟


(قصة حزينة، نبشت في القلب جراحا..)
،،
أجدت رص الكلمات هنا بلغة سلسة رائعة،
فسلم اليراع

Mavi gül 12-05-2020 09:38 PM

رد: الاعتقــــــــــــــــــــــــــــــال
 
لم اجد ما أقوله سوى الله يفرج على كل المظلومين وأحرار الأراء .. ذكرتني ف صديق لي هو من الابطال وصوته ذا حنجرة وعقل ذا رزانة منذ بداية الحراك وهم وراءه لاتفه الاسباب تم سجنه عدة مرات وخرج قبل شهر وقبل أمس أعادو ارسال استدعاء لحضوره الى مركز الامن الغرفة 16 بسبب انه مجموعة من البلطجية قد هددوه و حاولو اقتحام بيته ف ظهر ف اللايف الخاص به ليشكو هذا الظلم الذي يعانيه .
لاسف هذا واقعنا من سنّ صوت الحق قُطع لسانه

أبوهبة 12-05-2020 11:08 PM

رد: الاعتقــــــــــــــــــــــــــــــال
 


السلام عليكم
بداية نشكركم على هذا الطرح القيم ,إلا أنه إختلط عليا الفهم هل شخصية أسي مبروك عاشت في فترة الإستعمار أم اليوم ؟ أنا الذي أعرفه اليوم هناك من السراق يرغبون حياة في السجن على الخارج كما نسمع هناك من أنجح البكالوريا وهو في السجن وغيرها من النمادج التي تدل على أن الوضع عادي والحقوق مكفولة.
لهذا أنا أستغرب أنه حدث كل هذا التعذيب وهو في السجن في يومنا هذا وشكرا.

Ayate.dz 13-05-2020 12:27 AM

رد: الاعتقــــــــــــــــــــــــــــــال
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تبا لهم..عن ماذا يعتذرون؟ عن الضرب أم التعذيب والإهانة أم سجنه خطئا ، ؟ ذنبهم لا يغتفر ..
شكرا لك أخي على هذه القصة المؤثرة ..

تحياتي../


الساعة الآن 11:51 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى