السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومع حلول رمضان تصوم الجوارح.
إلاّ تدراس العلم فذلك يكثر ويزاد.
فتعالى نعود
إلى السلف الصالح في فهم العربية وبيانها.
والغرض من وراء ذلك كله تقريب العربية إلى آل " الشروق " الأحبة.
ليعرفوا أنّ الضادَ هي لغة الدين والتراث، بل إنها من الدين، ولا يفهم القرآن والسنة و ما حوته كنوز الفقه الإسلامي الضخم، إلاّ على فهم العربية وإتقانها.
وما غايتنا إلى تقريب فهم أساليب الكلام وهو ما أردناه، وذلك الجهد الذي بذلناه.
نسأل الله العون والمغفرة.
فكونوا مع الموعد.
تحياتي

وعلى بركة الله معكم أبدأ
إنها الفطنة التي ينجو بها صاحبها.
كما جاء في الأثر ومصادر الخبر.
أن الخوارجَ فرقةٌ خرجت على عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وكرّم الله وجهه، وحاربته لأنه قَبل بالتحكيم.
وقالوا:
لا حكم إلاّ لله.
فقال رضي الله عنه:
كلمة حقٍّ أريد بها باطلٌ.
فذهب ذلك مثلاً.
ثم أمتدّ حرب الخوارج إلى وضد الأمويين، وكانت حروبًا شديدة ومتواصلة، فكما كان من خلفاء بني أميّة إذا ظفروا بهؤلاء الخوارج نكّلوا بهم وقتلوهم.
وحدث ذات مرة أن وقع أحد هؤلاء الخوارج في يد هشام بن عبد الملك ( على أرجح الاقوال)، فحدث ما هو آتٍ ذكره:
قال عتبان بن أصيلة الخارجي يهجو بني أمية:
فإن كان منكم مروانُ وابنه ** وعمرٌو ومنكم هاشمٌ وحبيبُ.
فمِنّا حُصين والبطين وقَعْنبٌ ** ومنّا أميرُ المؤمنين شبيبُ
فلمّا ظفر به هشام قال: أنتَ القائل:
ومنّا أميـرُ المؤمنين شبيبُ؟
فقال: لم أقل إلاّ:
ومنّا أميـرَ المؤمنين شبيبُ
فخلّ سبيله.
ترى فما الفرق بين:
ومنّا أميـرُ المؤمنين شبيبُ
و
ومنّا أميـرَ المؤمنين شبيبُ؟
مع العلم أن بينهما فرقٌ شاسع، وبون واسعٌ
وفي المداخلة القادمة نلتقي ــ على كل خير ــ لتدارس شرحها وبيان مغزاها.
تحياتي

وكما وعدتُ.
قد قيلَ: انجز حرٌّ ما وعد.
لا علينا.
فإليكم ما تعلمناه، على يد من خبروا العربية وعقلوها.
فإن قرأنا برفع أمير
وقلنا هكذا:
ومنّا أميـرُ المؤمنين شبيبُ
فيكون المعنى
" ومنّا أميرٌ للمؤمنين هو شبيبُ " كما أن من بني أمية أميرًا.
أمّا قوله:
بنصب " أمير "
وقلنا هكذا:
ومنّا أميـرَ المؤمنين شبيبُ
على أنه منادى مضاف حُذفت منه أداة النداء، فيكون المعنى:
" ومنّا يا أمير المؤمنين ـــ وهو هنا هشام ـــ رجل شجاع هو شبيب.
وعليه، ففي رواية الرفع إثبات الإمارة لشبيب، وفي رواية النصب إثبات الإمارة لهشام بن عبد الملك.
ولفهم الأمور أكثر، فأمير بالرفع مبتدأ مؤخر، وبالنصب منادى مضاف.
وسكت الكلام.
وإلى مدارسة عربية أخرى.

إيّاك والأصمعيَّ بالشعر إن ناظرَ
الأصمعي وما أدراكم من الأصمعيّ؟
فهل أتاكم نبأهُ؟
قالوا عنه:
هو عبد الملك بن قُريب الأصمعي البصري ذلك اللغوي المشهور، أحد أئمة العلم واللغة والأخبار والنوادر، وأحد الحفّاظِ المكثرين، نادم الخلفاء والوزراء وأدّب أولادهم.
يقال أنه في مرة من المرات وهو بمجلس الخليفة هارون الرشيد قال لأبي حمزة الكسائي:
ما معنى قول الراعي الشاعر:
قتلوا ابن عفّانَ الخليفة محرمًا ** ودعا فلم أرَ مثله مخذولاَ.
قال الكسائي:
كان محرمًا بالحجّ، قال الأصمعي:
فقول الشاعر :
قتلوا كِسرى بليلٍ محرمًا ** فتولّى لم يُمتّع بكفن
أ تُراه هل كان هو محرمًا بالحجّ؟
فقال هارون الرشيد للكسائي: يا عليُّ، إذا جاءك الشعر فإيّاك والأصمعيَّ.
ترى كيف يكون كسرى " محرمًا "؟
فنقّبوا.. ففي عربيّتنا الخبر اليقين.
وفي مداخلة أخرى بإذن الله أعود.

ما أجمل الرجوع إلى مضارب ضادنا، وإناخة " عيسنا.
فيطيب المقام.
فقد جبِلتُ أنني لا أعتمد على ما قيل حرفيًّا، بل أن علّمني من علّمني أنني اعتمد على مدى فهمي مما تعلّمته، ثم أخرج بنصٍّ جديد يكون لي.
وعليه
فإن نظر المرء الى البيتِ الأول:
قتلوا ابن عفّانَ الخليفة محرمًا ** ودعا فلم أرَ مثله مخذولاَ.
فالإشارة هنا إلى حادثة قتل الصحابي والخليفة / عثمان بن عفّان رضي الله عنه،
والقتلة لم يحترموا حرمة إسلامه وصحبته للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولم يرتكب رضي الله عنه ما يوجب القتل، ولكنه مات شهيدًا، مع أن بعض أهل المدينة من الصحابة قد هبوا لنصرته، ولكنه أبى.
وكما تقول الروايات، أن " الثوار " قد أحاطوا بداره ومنعوا حتى الماء عنه، فقتلوه وهو يتلو القرآن ممسكًا المصحف.
فظن الكسائي أن المقصود من البيت هنا أن عثمان رضي الله عنه كان محرمًا بالحج، وذلك من الاصطلاح الشرعي لكلمة " محرمًا "
بينما يرى أهل اللغة أن " المحرم " في الدلالة اللغوية هو من له حُرمة وذمة، بينما لكلمة " المحرم " في الاصطلاح الشرعي هو لبس ملابس الإحرام لأداء مناسك العمرة أو الحج.
ومن هنا نظر الكسائي الى كلمة " محرمًا " بمعناها الشرعي، مع أن من المتعارف عليه أن سيدنا عثمان رضي الله عنه لم يكن محرمًا بالحج.
فما كان من الأصمعي أنه أتى ببيت ذُكر فيه إحرام كسرى الذي يقول:
قتلوا كِسرى بليلٍ محرمًا ** فتولّى لم يُمتّع بكفن
وأن من المتعارف عليه، والمتأكد منه أن كسرى كان كافرًا مجوسيًّا لم يعرف حجًّا ولا عمرة، فكيف يكون محرمًا؟
فالإحرام هنا القصد منه ما كان له من حرمة وعهد في رقاب أصحابه ورعيّته.
وهكذا تكون المناظرة.
وكم هي عربيتنا بحر لجيّ فعلى المرء الغوص فيه.
تحياتي