منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   منتدى القصة القصيرة (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=63)
-   -   علامة خصوصية (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=363927)

أَنْفَاسُ الإِيمَانْ 26-03-2017 11:47 AM

علامة خصوصية
 
زَرع بذرة تحت غطاء رأسه وانكفأ يسقيها بقناعته الجديدة: الصمت رَحمة.
رحمة مادامت تنأى به عن أصوات الاستهزاء وأجراس السخرية، عن شيء يضحكهم... شيء لم يختره بنفسه يوما.. شيء ما يزال يهتز على طرف لسانه لتتراقص حروف كلماته متلعثمة:
- ع ع ع ع عــادي.
اقتنع أنّ عافية الشعور تكمن في تحنّطه، في ألّا يكترث، في أن يكف عن الاهتمام بما يصب في غير مجراه.. في أن يتلبّد مختصرا إجاباته بـ : عادي.
يومها.. بدا صباح القرية كأي صباح عادي، إلى أن طرق الخبر أبوابهم.
- الشرطة أمام داره!
تسارعوا نحو الحدث، تجمهروا حول بيته، ثمة ملف يستحق المتابعة هنا، ثمة ما يستدعي الغيبة هذا الصباح.
قال البعض: "صمته المهيب مؤخرا كان يُخطّط لشيء". تمتمت بعض العجائز: يا له من مسكين، قال جاره: المظاهر خداعة فعلا، وردّ عليه آخر: كنتُ أحس بأنه يُخفي شيئا.
أما هُو فتعثَّر طويلا بمِيمِه، حاول أن يفهم ما يجري:
- م م م م ماذا فعلت؟
زجّوه في سيارة الشرطة بعد أن أحكموا تقييده، وقبالة طاولة مستديرة صرخ المحقق في وجهه:
- عليك أن تعترف.
- بريء، كريم، انعزالي، بارد وطيّب حدَّ السذاجة.
هذا ما يعرفه عن نفسه وما لا يمكن أن يكون جوابه المنتَظر من المحقق.
كانت الصدمة تُطوّق شعوره وتضيف عُقدا جديدة للسانه الثقيل، لا يعرف كيف وصل إلى هنا ولا بأيِّ تُهمة. وهذا الثائر في وجهه يطرح أسئلة تبدو واضحة لكنه لا يفهمها. يحتاج لأن يستوعب الحدث ولأن تطيعه الأحرف لمرة واحدة ليجاري سرعة كلامهم، لكن الكلمات تموت عند حافة النطق وتتكور أسفل شعور الدَّهشة .
- لـَ لـَ لـَ لم أفعل شيئا.
طالعه المحقق بملامح غاضبة وأسداه لطمة على وجهه:
- منذ متى وأنت معهم؟
- م م م ....
- كم عددكم؟
- أ أ أ أنا وَحيد أبوي.
كانت اجابة ساذجة استفزت غضب المحقق ليلقّنه ضربة أخرى على بطنه في الوقت الذي اقترب أحدهم من هذا الغاضب وهمس في أذنه: صوته المتهدّج دليل خوفه.. سيعترف قريبا.
- الأحد الفارط ، الساعة الثانية زوالا.. بمن اتصلت في الهاتف؟
أخذ يسترجع أحداث أَحَدِه الماضي، يتجاوز الساعات إلى الساعة الثانية متَذكرا رجلا عابرا في الشارع طلب إليه استعمال هاتفه المحمول ليُجري اتصالا عاجلا بأحدهم.
يترجم هذا المشهد بصوته الهزاز، في حين يتهامس المحقق وصاحبه خُفية: ارتباكه مبالغ فيه.. حتى أنه لا يقدّم جملة واحدة مترابطة .. لاشك أنه يُؤَلّف الكذب.
يواصلان حملة الضرب والأسئلة، ويواصل هو إجاباته المتقطعة التي تزيد من حدّة ثورتهم عليه.
بعد ساعة أخرى يقتنع أن ما من سبيل للدفاع أو التبرير، وأنه قد تورّط باتصال هاتفي صادر منه لرقمِ إرهابِي تحت المراقبة، ويكتفي بالصمت.
يقدّم المحقق أمْرا بفَض جلسة التحقيق وتحويله إلى الإقامة في السجن، قبل أن تقع عيناه على البطاقة الشخصية للمتهم الذي يقابله ويقرأ:
- علامة خصوصية: معاق.
يتفطّن أخيرا ويسأل:
- هل لديك مشكلة في النطق؟
ويُجيبه بهزة رأس مُوافقة: نَ نَ نَعم.
يفتتحون التحقيق مجددا بآذان أكثر إنصاتا و وروح أكثر صبرا قبل أن ينتهي المطاف أخيرا ببراءته وإخلاء سبيله.
يمضي نحو بيته مُتفكرا في ذاته وقناعاته، فيستقبلونه عند مدخل القرية مُهلّلين:
- كنّا واثقين من براءتك.
ويجيبهم هذه المرة بقهقهة صاخبة متمتما لنفسه: التضاحك مُتعة.


أنفاس الإيمان

عبد المالك سعيد 26-03-2017 12:28 PM

رد: علامة خصوصية
 
حال التسرع وما يفعله في الناس قصة رائعة اختاه بارك الله فيك

Karim Ibn Karim 26-03-2017 03:09 PM

رد: علامة خصوصية
 
السلام عليكم
رائع جداااا
ان تعودي الينا بقصص و من الواقع المعاش

سرد رائع للاحداث
كم انت بارعة

يا ليتك تعودي الينا بنشاطك المعتاد

تحياتي

أبو المجد مصطفى 26-03-2017 09:18 PM

رد: علامة خصوصية
 
رائعة هذه القصة.
تحمل معاني راقية جدا.
هنيئا لك

شروقية جديدة 17-08-2017 10:08 PM

رد: علامة خصوصية
 
راءعة انت يافراشة كعادتك


الساعة الآن 03:20 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى