منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   قسم الحوار الديني (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=241)
-   -   من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية.. (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=218273)

بنالعياط 29-10-2012 05:32 PM

من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
في القرن 6هـ

فتى الشرذوري :

بتحريم الاشتقال بالمنطق..
و بأن من يشتغل بالمنطق يستحوذ عليه الشيطان..


....رح ضحيتها علماء كثرون منهم



من هذ الفتوة

____قتل الطبري
____و صلب الحلاج
____و سجن المعري
____و ذبح إبن حيان
____و نفي إبن المنمر

****
****
___و قطع أواصل أبن المفقع
___و جعدي مات مذبوح
___و أبن الخطيب مات مخنوقا
___و حرقت كتب الغزالي
___و أبن رشـــــد

****
****
___و الاصفهاني
___و الفرابي
الرازي:

من الماجوس ضال مضل ..
أتفق العلماء على كفره وزندقته


___و الخوازمي:

صحيح عليه حق ...
لكن العلوم الشرعية في غني عنه..
و عن الحق الذي ياتي به..

____و الجاحظ:

سيئ المخبر ..
ردي الاعتقاد ..
من أهل البدع و الظلالات ..
زنديق كذاب على الله ورسوله.
.

____و إبن الهيثم :

ملحد من الملاحدة ..
مارق من الدين..
سفيها زنديقا..
كأمثاله من الفلاسفة ..

****
****

____و المعري:

من أشهر الزنادقة ..
منحل من الدين..

___و الطاوسي:

نصرا للشرك و الاحاد و الكفر








بنالعياط 29-10-2012 06:08 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
محاولة لفلسفة ثورات 2011 العربية


طارق حجي
الحوار المتمدن-العدد: 3319 - 2011 / 3 / 28 - 20:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية



** يتضمن هذا المقال الترجمة العربية للكلمة التى ألقاها كاتب هذا المقال يوم الثلاثاء 15 مارس 2011 بمجلس النواب الإيطالي بروما وبدعوة من رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الإيطالي : =====================
عرف المسلمون إزدهاراً معرفياً وفكرياً (وثقافيا) كبيرا خلال القرون الأربعة التى تلت القرن السابع الميلادي . فخلال تلك الحقبة ترجمت مئات الكتب اليونانية القديمة سيما في مجال العلوم والمنطق والفلسفة . وكنتيجة لهذا الحراك المعرفي فقد حشدت المجتمعات الناطقة بالعربية بعشرات المدارس الفكرية والقراءات المختلفة للدين الاسلامي ، وبمحاذة ذلك زخماً من الحراك العلمي في مجالات شتى من مجالات العلوم الطبيعية والرياضيات . إلا ان الحياة الفكرية كانت تشهد (على الدوام) صراعا بين تيار محافظ كان يعلي من قيمة النص ويجل فهم السلف بل يصبغ على هذا السلف قيمة كبرى (السلف الصالح !؟!) .وقد جسَّد هذا التيار الفقهاء السنيون الذين جاءوا من بعد أبي حنيفة النعمان مؤسس علم أصول الفقه السني ، وكان كل واحد من الفقهاء الكبار أشد محافظة من سلفه. فابن حنبل أشد محافظة من محمد ابن ادريس الشافعي ، والشافعي أشد محافظة من مالك . ومالك أشد محافظة من أبي حنيفة . أما المفكرون الذين أولوا عناية كبيرة للفلسفة والمنطق فقد كانوا أكثر تحرراً (عقلياً) . وكان من أعلامهم مفكرو المعتزلة وابن سينا والفارابي ثم قمة العقلانية في هذا الزمان ابن رشد الأندلسي . واذا كانت القرون الثلاثة من بداية القرن التاسع الميلادي قد شهدت أوار حرب (ضروس) بين مدرسة المحافظين ( أهل النص والنقل) وأصحاب العقول الأكثر تحرراً ( أهل المنطق والفلسفة والعقل ) ، فأن القرنين الحادي عشر والثاني عشر (الميلاديين) قد شهدا إنتصاراً شبه كلي للمحافظين . وتجسد هذا الإنتصار في ميل السلطة السياسية (ميلا شديدا) لجانب مدرسة المحافظين وما صاحب ذلك من هجوم شديد على مدرسة العقل والتي كانت بشكل من الأشكال مستمدة من روح الفلسفة اليونانية. وترجمت هذا الإنتصار الكامل (لأهل النقل على أهل العقل)عشرات الفتاوى التي كان جوهرها أن من تمنطق فقد تزندق . ولعل أهم فتاوى هذا الإتجاه العارم فتوى الشرذوري ( في القرن الثاني عشر الميلادي ) وهي الفتوى التي قامت بتحريم الإشتغال بالمنطق بل وبأن من يشتغل بالمنطق يستحوذ عليه الشيطان. في تلك الآونة بلغ إنتصار مدرسة النقل على مدرسة العقل ذروته في قيام فقهاء مسلمين بتكفير أعلام مثل الفارابي وابن سينا وابن رشد ، وهو توجه شاركت فيه السلطة السياسية مشاركة عبرت عنها أمور كثيرة مثل مناصرة المعتصم العمياء للحنابلة وتمكينه لهم من خصومهم الحنابلة ، والذى وصل لحد ذبح الحنابلة للمعتزلة جهارا نهارا فى أزقة دمشق ، وواقعة إحراق مؤلفات ابن رشد في قرطبة بأمر وتحت نظر الحاكم !



ومع نهاية القرن الثاني عشر الميلادي كانت مدرسة العقل قد تلقت ضربات قاتلة مما أدى إلى دخول المجتمعات الناطقة بالعربية للقرن السادس عشر وهي بلا عقل نقدي بشكل شبه مطلق وإكتفاء علماء هذه الشعوب بمهمة واحدة هي مهمة الشرح على المتون . وهي ما يمكن أن نصفه ببداية دخول هذه المجتمعات لقرون من السبات العقلي كان من المنطقي ان تقع أثنائها عملية إستعمار الأوروبيين لهذه المجتمعات الغارقة في السبات العقلي العميق.



وفي ذات الوقت الذي كان فيه المحافظون (النقليون) يرسخون إنتصارهم على أهل العقل والفكر المتحرر والتفلسف والتمنطق ، فقد كانت شعوب أوربا تشهد عملية (جدلية) مضادة ومعاكسة جوهرها تمكن أهل العقل الحر من إنهاء هيمنة وسيطرة المحافظين على مقادير المجتمعات الأوربية. وبإنتصار مدرسة العقل الحر في أوروبا كان من الطبيعي ان يؤدي المناخ العام المتحرر لنهضة علمية في مجالات شتى تؤدي لأمور مثل إكتشاف البارود والذي أدى لإنتصار الأوروبيين على غيرهم بما في ذلك الشعوب الناطقة باللغة العربية. وهو مايسر للأوروبيين أن يستعمروا الشعوب الناطقة بالعربية.



وهكذا فانه يمكننا القول بأن الأستعمار لم يكن بداية مشاكلنا وتخلفنا وتراجعنا ( كما يقرر كثيرون في واقعنا ) ، وإنما كان الإستعمار نتيجة طبيعية للعملية الجدلية التي كانت تقع عندنا ( أي عند الشعوب الناطقة بالعربية ) وعندهم ( أي عند الأوروبيين ) . وعليه ، فأن القول بأننا كنا متخلفين لأننا كنا مستعمرين ( بفتح الميم الثانية) وهو قول مضحود. فالصواب هو أننا صرنا مستعمرين ( بفتح الميم الثانية ) لأننا كنا متخلفين ، وقد كنا متخلفيين بسب إنتصار مدرسة المحافظين على مدرسة العقل والتفلسف والتمنطق في حياتنا المعرفية والعقلية ( والثقافية بالمصطلح المعاصر).



وبعد حقبة الإستعمار جاء الإستقلال . ولما كان الإستقلال لم يتحقق نتيجة لحراك معرفي وعقلي وثقافي وإنما لحراك سياسي ووطني ، فقد أعقب الاستقلال أَيلولة الأمور في المجتمعات الناطقة بالعربية إما لنظم ملكية قرو- سطية ( تعد إمتدادا لنظام القبلية العربية ) أو لجمهوريات سيطر فيها على مقاليد الحكم ضباط ربما يندر وجود نظير لهم في ضآلة وضحالة التعليم وإنعدام التكوين الثقافي ( وفي حالات غير قليلة: إتسامهم بفساد شخصي وعائلي غير مسبوق في التاريخ الأنساني).

وبعد نصف قرن ( تقريباً ) من إستقلال الشعوب الناطقة بالعربية جاءت المفاجأة الكبرى وهي إندلاع الثورة لتلك النظم التي آلت إليها مقاليد أمور المجتمعات الناطقة بالعربية في مرحلة ما بعد الاستقلال من جهة لم تكن تحطر على بال (أي) أحد . فالثورة التي توقع كثيرون ان تجئ إما من معدمي العشوئيات أو ممن سيطرت الأصولية الأسلامية على عقولهم ، فاجأت الدنيا كلها بمجيئها على يد أبناء وبنات الطبقة الوسطى من المتعلمين الذين أتاحت لهم تكنولوجيا العصر ( وبالتحديد : وسائط تكنولوجيا المعلومات والإتصالات ) ان يعرفوا معنى المواطنة وان يدركوا مسئوليات الحكام في المجتمعات المعاصرة.

وبينما يمكن القول بأن هناك خلاص (نظري) للنظم الملكية العربية يتمثل في تحولها بملكيات دستورية ، فان الجمهوريات العربية لا يوجد لها خلاص إلا بما عبر عنها الهتاف الجماهيري الرائع "الشعب يريد إسقاط النظام" . فقيادات الجمهوريات العربية (وبسبب النوعية بالغة الرداءة لحكامها وكلهم من الجهلة غير المتعلمين ومعدومي الثقافة، ناهيك عن اتسامهم جميعاً بفساد شخصي وعائلي لا مثيل له في تاريخ الإجرام ) هي قيادات غير قابلة للإصلاح على الإطلاق ومن المحتم أن تخلع (كما خلع التونسيون بن علي وكما خلع المصريون حسني مبارك)، ومن اللازم ان تحاكم وتحاسب تلك القيادات المخربة والفاسدة لتكون عبرة للحكام القادمين . ومن غرائب الأمور في المجتمعات العربية ان من كانوا يطلق عليهم شيوخ النفط إنما كانوا أكثر تعقلاً (نسبيا) فى سائر الأمور من عساكر النفط ( ليبيا والعراق والجزائر مثلاً ) والذين فاقت جرائمهم بوجه عام ولصوصيتهم بوجه خاص ما تعجز العقول عن تخيله.

ان ما حدث في تونس ومصر ثم ما يحدث الآن في العديد من البلدان الناطقة العربية لا يمكن فهمه بشكل صحيح الا من خلال تلك النظرة التاريخية - الجدلية التي وصفتها فى هذا المقال للحالة العقلية للمجتمعات الناطقة بالعربية خلال القرون الأربعة عشر الماضية.

بنالعياط

عمر القبي 29-10-2012 06:09 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
شفت سبحان الله هذي فتوة واش دارت الحمد لله وجدنا من ينورنا.

الأمازيغي52 29-10-2012 06:29 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
أجدت يا (بنا لعياط ) في تبيان نظرة السلفية تجاه علماء الإسلام ، وما ذكرته سبق لي أن قرأت الكثير منه على لسان أحد السلفية الوهابية ( ناصر الفهد) في كتابه [ حقيقة الحضارة الإسلامية ] وهي نظرة مؤسفة حقا مشوهة لجهد علماء الإسلام ، فالحاكم عند المسلمين يراوح نفسه بين مناصرة الفكر المعتزلي أحيانا مثل المأمون ومناصرة الفكر المتشدد السلفي الحنبلي والتيمي في كثير الأحيان .
موضوع يحتاج إلى أناة في المناقشة والتوضيح في دين كثير من آياته محفزة للعقل والألباب محتكمة للمنطق .

بنالعياط 29-10-2012 06:39 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
الطبري



تعرض الطبري لمحنة شديدة في أواخر حياته بسبب التعصب المذهبي، فلقد وقعت ضغائن ومشاحنات بين ابن جرير الطبري ورأس الحنابلة في بغداد أبي بكر بن داود أفضت إلى اضطهاد الحنابلة لابن جرير، وكان المذهب الحنبلي في هذه الفترة هو المسيطر على العراق عامةً وبغدادَ خاصةً، وتعصب العوامّ على ابن جرير ورموه بالتشيّع وغالوا في ذلك. حتى منعوا الناس من الاجتماع به، وخلطوا بينه وبين أحد علماء الشيعة واسمه متشابه مع ابن جرير، وهو «محمد بن جرير بن رستم» وكنيته أيضًا أبو جعفر، ولقد نبه الذهبي على هذا الخلط في تأريخه وفي كتابه سير أعلام النبلاء. ظل ابن جرير محاصرًا في بيته حتى تُوفّي. وكان جامع البيان في تفسير القرآن

أبرز مؤلفاته هي : كتاب التفسير وتأريخ الأمم والملوك

بنالعياط 29-10-2012 06:46 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
صلب الحلاّج (857 – 922)

فارس ملكي



لم يعرف تاريخ التصوّف الإسلامي شخصيّة مثيرة للجدل مثل شخصيّة الحسين بن منصور الحلاّج. كَفّره البعض فيما قدّسه آخرون ونسبوا إليه الخوارق. في هذا المقال، نلقي الضوء على شخصيّة فذّة، اختلف حولها أهل الفقه والدين، لكنّها مهمّة بالنسبة إلينا، نظرًا للتشابه القائم بين موت الحلاّج على الصليب وموت المسيح.

ولد الحسين بن منصور العام 857 م في بلاد فارس، فيما العصر العبّاسي يشهد صراعًا محمومًا بين المذاهب والتيارات الدينيّة والسياسيّة. عاش في خلوات الصوفيّة، ثمّ طاف البلدان داعيًا إلى الزهد، ليعود ويستقرّ في بغداد.

لُقّب بالحلاّج لكشفه أسرار القلوب (حلاّج الأسرار) ومنهم من قال بسبب مهنة أبيه في حَلج القطن. كتب الكثير، وفي شتّى المواضيع، لكنّه لم يبقَ سوى القليل من كتاباته، تمكّن المستشرق الكبير لويس ماسينيون من جمعها، بعد أن كرّس أكثر من خمسين عامًا يبحث في سيرة حياة هذا المتصوّف المميّز، ومقارنًا بينها وبين حياة المسيح يسوع، بخاصّة في موته على الصليب، ومستنتجًا أنّ حياة الحلاّج وأقواله قريبة من المفهوم المسيحي للألم والفداء والحياة والحبّ الإلهي، لذلك قال عنه أنّه "مسيحيّ بالشوق".

حذا آخرون حذو ماسينيون، فسمّاه جان شوفالييه "مسيح الإسلام" (1)، وأطلق روجيه أرنالديز على دعوته تسمية "دين الصليب"(2) ، وبات من الصعب على كلّ من تأمّل في سيرة حياته ومماته ألا يلاحظ أوجه الشبه بينه وبين المسيح.

لم يتّخذ الحلاّج التقيّة منهجًا له في حياته الروحيّة والسياسيّة، بل تكلّم بكلّ جرأة، وعانى ما لم يعانه أحد من المتصوفة، فاتّهم واضطهد وسُجن، وعُرض مصلوبًا مرّة أولى لمدّة ثلاثة أيّام، ثمّ بقي ثماني سنوات محبوسًا في بغداد، يقودوه من سجن إلى آخر، إلى أن انتهت حياته في 26 آذار العام 922، بعد أن تمّ جلده، وقُطّعت أعضاؤه، ثمّ صُلب وقُطع رأسه وحُرق جسمه كلّه .

لم يهب الحلاّج الموت، وظلّ متماسكًا وقويًا، وبدا كأنّه ينتظره، لا حبًّا بالموت، وإنّما ترسيخًا لدعوته الصوفيّة، ومبدئه القائم على التضحية والمحبّة(3). إنّ أساس المحبّة عند الحلاّج هو التضحية، لذلك وجب على الذي يحبّ الآخر أن يضحي من أجله. وكان قد "تنبأ" بموته صلبًا لَمّا قال: "وإن قُتلتُ أو صُلبتُ أو قُطّعت يداي ورجلاي ما رجعتُ عن دعواي"(4).

لم يأت الحلاّج ليدين، إنّما ليقدّم نفسه ضحيّة عن الآخرين ومن أجل خلاصهم، كما قال:
"تُهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي"(5).
فعلى الصليب أهدى الحلاّج "مهجته ودمه"، وعلى الصليب أيضًا طلب المغفرة لقاتليه، لمّا قال:
"قد اجتمعوا لقتلي تعصّبًا لدينك، وتقرّبًا إليك، فاغفر لهم، فإنّك لو كشفتَ لهم ما كشفتَ لي لَما فعلوا ما فعلوا"(6).
وكلام الحلاّج على الصليب يذكّر بما قاله المسيح يسوع على الصليب:
"يا أبت اغفر لهم، لأنّهم لا يعلمون ما يفعلون"(7).

كان الحلاّج على قناعة ذاتيّة في أنّ صلبه وعذابه هما من مشيئة ربّه، وقد خاطبه قائلاً:
"فاعفُ عن الخلق ولا تعفُ عنّي، وارحمهم ولا ترحمني، فلا أخاصمك لنفسي، ولا أسائلك بحقّي، فافعل بي ما تريد"(8).
ودعاؤه هذا يماثل في جوهره ما قاله المسيح لأبيه السماويّ: "يا أبت، إن أمكن الأمر، فلتبتعد عنّي هذه الكأس، ولكن لا كما أنا أشاء، بل كما أنت تشاء"(9).

حين جيء بالحلاّج ليصلب، ورأى الخشب والمسامير "ضحك كثيرًا حتّى دمعت عيناه"(10)، ثمّ التفت إلى القوم طالبًا سجادة ليفرشوها له، فصلّى ركعتين وتلا آيات من القرآن. ومع أنّه قال:
"ففي دين الصليب يكون موتي، ولا البطحا أريد ولا المدينة"، لكنّ الباحثون في سيرته، بمن فيهم ماسينيون، تبنّوا التأويل الإسلامي لهذا البيت الذي يقول بأنّ مراد الحلاّج هو بأنّه يموت على دين نفسه، فإنّه هو الصليب، وكأنّه قال أنا أموت على دين الإسلام، وأشار إلى أنّه يموت مصلوبًا(11).

قيل له وهو مصلوب: قل لا إله إلاّ الله. فقال: إنّ بيتًا أنت ساكنه غير محتاج إلى السرج(12).

هكذا أحبّ الحلاّج ربّه حبًّا صرفًا منزهًا عن أيّة غاية، لا طمعًا في الجنّة ولا خوفًا من الجحيم، ومثله مثل رابعة العدَويّة(13) حين قالت:
"ربّي، إذا كنت أعبدك خوفًا من النار فاحرقني بالجحيم، وإذا كنت أعبدك طمعًا في الجنّة فاحرمنيها، أمّا إذا كنت أعبدك من أجلك فحسب، فلا تحرمني يا إلهي وجهك الكريم"(14).
ولا عجب أن يتبنّى التقليد المسيحي هذا الدعاء، ليستعمله في فعل الندامة بصيغته المختصرة، الذي يقوله التائب بعد استقباله الحلّة من الكاهن المعرّف.

عاش الحلاّج حياة كلّها عذاب وقهر، ولكنّه عاشها بملء إرادته ورضاه، وتوّجها بالموت صلبًا وتقطيعًا وحرقًا، فقال عنه جلال الدين الرومي(15): "لقد بلغ الحلاّج قمّة الكمال والبطولة كالنسر في طرفة عين".

وأهمّ ما في الحلاّج، بالنسبة إلينا، هو ما اكتشفه المستشرق ماسينيون عن وجود بعض ملامح المسيح يسوع، ليس فقط في موته على الصليب، بل في أقواله في التضحية والفداء والمحبّة التي لو لم نعرف صاحبها لكنّا قلنا بأنّها تعود حتمًا إلى أحد الآباء القدّيسين. هذا ما تظهره أيضًا هذه الصلاة التي قالها الحلاّج في سجنه، ليلة إعدامه، ونقلها خادمه الأمين، الذي كان معه في السجن ذاته، والتي تعيد إلى أذهاننا ما قاله المسيح يسوع في صلاته الكهنوتيّة(16):

نحن شواهدك نلوذ بسنى عزّتك لتبدي ما شئتَ من شأنك ومشيئتك،
وأنتَ الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ،
تتجلّى لِما تشاء مثل تجلّيك في مشيئتك كأحسن الصورة،
والصورة فيها الروح الناطقة بالعلم والبيان والقدرة،
ثمّ أَوعزتَ إلى شاهدك الآني في ذاتكَ الهوى اليسير،
كيف أنت إذا مثلت بذاتي، عند عقيب كرّاتي، ودعوتَ إلى ذاتي بذاتي،
وأبديتَ حقائق علومي ومعجزاتي،
صاعدًا في معارجي إلى عروش أزليّاتي، عند القول من برّياتي،
إنّي احتُضرتُ وقُتلتُ وصُلبتُ وأُحرقتُ واحتملتُ سافياتي الذاريات ولججت بي الجاريات،
وإنّ ذرّة مِن يَنجوج(17) مكان هاكول متجلّياتي، لأعظم من الراسيات(18).



الحواشي:

1- Jean Chevalier, Le soufisme ou l’ivresse de Dieu dans la tradition de l’islam, éd. CELT, Paris, 1974.
2- Roger Arnaldez, Hallaj ou la religion de la croix, éd. Plon, Paris, 1964.
3- ديوان الحلاّج، أعدّه وقدّم له عبده وازن، دار الجديد، بيروت، 1998.
4- كتاب الطواسين، لأبي المغيث الحسين بن منصور الحلاّج البيضاوي البغدادي، إعتنى بنشره وتصحيحه وتعليق الحواشي عليه لويس ماسينيون، منشورات أسمار، باريس، 2008، ص 51-52.
5- ديوان الحلاّج، اعتنى بنشره وتصحيحه وتعليق الحواشي عليه لويس ماسينيون، منشورات أسمار، باريس، 2008، ص 137.
6- أخبار الحلاّج أو مناجيات الحلاّج، نشر وتحقيق لويس ماسينيون وبول كراوس، منشورات أسمار، باريس، 2008، ص 8.
7- إنجيل لوقا 23 : 34
8- أخبار الحلاّج، مرجع سابق، ص 68
9- إنجيل متى 26 : 39
10- أخبار الحلاّج، مرجع سابق، ص 7
11- أخبار الحلاّج، مرجع سابق، ص 82-83
12- تاريخ مختصر الدول، للعلاّمة غريعوريوس الملطي المعروف بابن العبري، دار المشرق، لبنان، طبعة رابعة، 2007، ص 156.
13- متصوّفة من البصرة، أدخلت على التصوّف فكرة الحبّ الإلهي بدلاً من الخوف والرهبة. توفيت العام 752 م.
14- العاشقة المتصوفة، رابعة العدوية، وداد السكاكيني، دار طلاس، دمشق، 1989، ص 84-85.
15- شاعر فارسي من كبار الصوفيين وصاحب الطريقة المولويّة (1207-1273).
16- راجع إنجيل يوحنا 17 : 5.
17- اليَنجوج هو العود الذي يُتبخّر به.
18- كتاب الطواسين، مرجع سابق، ص 202-205.

بنالعياط 29-10-2012 07:20 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
أبو العلاء المعري
اسم المصنف أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان، أبو العلاء المعري، التنوخي
تاريخ الوفاة 449
ترجمة المصنف المعرّيّ، أبو العلاء (363 - 449هـ، 973 - 1057م).

أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان المعري، التنوخي. شاعر ومؤلف عربي كبير، كنيته أبو العلاء، ولقب نفسه برهين المحبسين. المحبس الأول فقد البصر والثاني ملازمته داره واعتزاله الناس. ولد بمعرة النعمان وهي مدينة شامية، يرى بعض المؤرخين أنها منسوبة للنعمان بن عدي، ويرى آخرون نسبتها للنعمان بن بشير الأنصاري والي حمص وقنسرين أيام معاوية ويزيد ثم أيام عبدالملك، لأنه أول من بنى بيتًا بها، وكان قد مر بها فمات ابن له فدفنه وأقام عليه. فيكون معناها الشدة، فيقال معرة النعمان أي شدته أو حزنه.

حياته

أسرته. في هذه المدينة استقرت أسرة المعري التي ترجع بأصولها إلى قبيلة عربية مشهورة هي تنوخ التي ينتهي نسبها إلى قضاعة ثم إلى يعرب بن قحطان. وسميت بذلك لأنها تنخت بالشام قديمًا أي أقامت، وقد عمر المعرة منهم بطن لبني ساطع الجمال وهو النعمان بن عدي ولقب "بالساطع" لجماله وبهائه وكان جوادًا شجاعًا. وبيت أبي العلاء في بني سليمان بن داود بن المطهر وفيهم العلم والرئاسة يقول ابن العديم "وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها من بني سليمان". وتولى أجداد أبي العلاء قضاء المعرة وضم إليها جده أبوالحسن سليمان قضاء حمص أيضًا، وعرف بالفضل وكرم النفس، ومات سنة 290 هـ، فولي بعده ابنه أبوبكر محمد بن سليمان عم أبي العلاء الذي قصده الشعراء بالمدح. يقول الصنوبري فيه:
بأبي يا ابن سليمان لقد سدت تنوخا ... وهم السادة شبانًا لعمري وشيوخا
فلما مات ولي القضاء بعده أخوه عبدالله بن سليمان والد أبي العلاء، واختلف في سنة وفاته، وله من الولد، غير أبي العلاء، أبو المجد محمد بن عبدالله وأبو الهيثم عبدالواحد ابن عبدالله، وكانا شاعرين وخلّفا طائفة من الأولاد تولوا القضاء. واستمر مجد الأسرة حتى أواخر القرن السادس الهجري.

وجدته لأبيه هي أم سلمة بنت أبي سعيد الحسن بن إسحاق المعري، كانت تروي الحديث وعُدّت من شيوخ أبي العلاء الذين سمع الحديث عنهم.

وأمه من بيت معروف من بيوتات حلب الشهباء. وجده لأمه هو محمد بن سبيكة. وخالاه هما أبوالقاسم علي وأبو طاهر المشرف، وكانا من ذوي الشرف والمروءة والكرم، ومن أرباب الأسفار طلبًا للمجد والجاه. يقول أبو العلاء في رثاء أمه:
وكم لك من أب وسم الليالي ... على جبهاتها سمة اللئام
مضى وتَعرُّف الأعلام فيه ... غني الوسم عن ألف ولام

ويقول في خاله علي:
كأن بني سبيكة فوق طير ... يجوبون العزائز والنجادا
أبالإسكندر الملك اقتديتم ... فما تضعون في بلد وسادا

وكانت صلته بهم طيبة، كما كانوا به بررة يعينونه ويصلونه. وخاله أبو طاهر هذا هو الذي أعانه على رحلة بغداد، ولذا كان يكثر من ذكرهم، وله معهم مراسلات ومنها قصيدة بعث بها إلى خاله أبي القاسم علي، وكان قد سافر إلى المغرب فطالت غيبته:
تفدِّيك النفوس ولاتفادى ... فأدن الوصل أو أطل البعادا

وكان المعري شديد التعلق بأمه يتحدث عنها بعاطفة مشبوبة متقدة، ولما رحل إلى بغداد كان حنينه إليها متصلاً وطيفها لا يفارقه، وتصحبه الهواجس والظنون، وبقي طوال عمره يذكرها ولم ينسها على مر الأعوام. يقول ـ وهو شيخ ـ لابن أخيه القاضي أبي عبدالله محمد:
أعبد الله ما أُسدي جميلاً ... نظير جميل فعلك مثل أمي
سقتني درها ورعت وباتت ... تعوذني وتقرأ أو تُسمي

نشأته. أصيب في آخر العام الثالث من عمره بالجدري فعمي في الرابعة من عمره، ولم يبق من ذكريات ما رآه إلا اللون الأحمر. قال: " لا أعرف من الألوان إلا الأحمر، لأني ألبست في الجدري ثوبًا مصبوغًا بالعصفر، لا أعقل غير ذلك".

بدأ أبوالعلاء صغيرًا في تلقي العلم على أبيه، وأول ما بدأ به علوم اللسان والدين على دأب الناس في ذلك العصر، وتُلمح الفائدة التي جناها من هذه الدروس إذ بدأ يقرض الشعر وله إحدى عشرة سنة ثم ارتحل إلى حلب ليسمع اللغة والآداب من علمائها تلاميذ ابن خالويه. وكانت حلب في ذلك العصر إحدى حواضر العالم الإسلامي الكبرى تضم جمعًا من العلماء ممن استدعاهم سيف الدولة إبان عنفوان دولته، ولم تذهب نهضتها بموته بل استمرت بعده. وفي حلب شهر تبريز المعري وروايته للأدب والشعر. فقد روي أنه صحّح رواية شيخه ابن سعد لبيت المتنبي:
أو موضعًا في فناء ناحية ... تحمل في التاج هامة العاقدْ
فقال أبوالعلاء:
أو موضعًا في فتان ناجية
ولم يقبل شيخه ذلك حتى مضى إلى نسخة عراقية للديوان فوجده كما قال أبوالعلاء. تلقى أبوالعلاء دروسًا في السنة عن يحيى بن مسعر. ومن حلب توجه إلى أنطاكية، وكانت بها مكتبة عامرة تشتمل على نفائس من الكتب فحفظ منها ما شاء الله أن يحفظ، ثم سافر إلى طرابلس الشام ومر في طريقه باللاذقية، ويقال إنه درس النصرانية واليهودية جميعًا.

ولما وصل أبو العلاء إلى طرابلس وجد بها مكتبة كبيرة ـ وقفها أهل اليسار ـ درس منها ثم عاد إلى المعرة. تردد في طور لاحق في مكتبات بغداد ودور العلم بها. كان استعداده للعلم عظيمًا وذكاؤه ملتهبًا. روى الثعالبي عن أبي الحسن المصيصي الشاعر قوله: " لقيت بمعرة النعمان عجبًا من العجب، رأيت أعمى شاعرًا ظريفًا يلعب بالشطرنج والنرد ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء، وسمعته يقول: "أنا أحمد الله على العمى، كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء البغضاء".

أشار ابن العديم إلى قوة حفظ أبي العلاء برواية حكاية عن ابن منقذ ذكر فيها أنه يقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة فيحفظهما، ولم يعلم له من شيوخ بعد سن العشرين، وذكر هو نفسه أنه لم يحتج إليهم بعدها.

وفاة أبيه. اختلف المؤرخون في السنة التي مات فيها أبوه، فيذكر ياقوت أنه توفي سنة 377هـ بحمص، وبهذه الرواية يأخذ بعضهم ويبني عليها رأيه في نبوغ أبي العلاء الباكر وعبقريته الفذة. ويقول ابن العديم: إنه توفي سنة 395هـ بمعرة النعمان. ويؤيد جمع من الدارسين روايته لأسباب منها أنه كان يذكر أسانيد رواياته، وأغلب رواته من بني سليمان أو من تلاميذ المعري ومعاصريه، ويذكر طرق الرواية قراءة أو سماعًا أو مكاتبة، هذا فضلاً عن تخصصه واقتصاره على أخبار أبي العلاء بخلاف ياقوت في كتابه الجامع المانع. ومنها أن القصيدة التي رثى بها أباه شديدة الأسر محكمة التركيب فيها درجة من النضج الفني والفكري يصعب أن يتصف به ابن أربع عشرة سنة، وقد وصفت بأنها من عيون الشعر في الديباجة والأغراض والمعاني. وقد خلفت وفاة والده جراحًا غائرة وأسى عميقًا في نفسه لعظم عطاء الوالد البر الذي كان اعتماد أبي العلاء عليه كبيرًا في كثير من شؤونه، فأحس بعده بأنه مهيض الجناح ضائع أو شبه ضائع، وهذا الحدث أمده بكثير من الآراء التي عظمت عنده من سوء رأيه في الحياة ويقينه بفسادها.

رحلته إلى بغداد. كان أبوالعلاء فقيرًا، وكان لايتكسب بشعره، وكان له ثروة ضئيلة لا تتجاوز ثلاثين دينارًا في السنة جعل نصفها لخادمه. ويرى بعضهم أن الذي منعه من التكسب أمران: أولهما أن عزة النفس التي ورثها عن أسرته تمنعه من إراقة ماء وجهه، وتصده عن ذل السؤال، وثانيهما فطرته السليمة ودراسته الفلسفية اللتان صانتاه من الابتذال وصوغ الأكاذيب في الأمراء. والكذب عنده بشع قبيح، ثم إن المال الذي يأخذه عن طريق التكسب مال حرام استحل ظلمًا وأولى به شيخ كبير وعجوز فانية وأرملة مهيضة الجناح وأطفال زغب.

كانت أمه تمانع في سفره أول الأمر، ولكنه أقنعها فأذنت له، وأعد له خاله أبو طاهر سفينة انحدر بها إلى الفرات حتى بلغ القادسية، وهناك لقيه عمال السلطان فاغتصبوا سفينته واضطروه إلى أن يسلك طريقًا مخوفة إلى بغداد، وعند وصوله نظم قصيدة قدمها إلى أبي حامد الأسفراييني واصفًا سفره وجور عمال السلطان طالبًا مودة أبي حامد ومساعدته في رد سفينته. ويتظرف فيها واصفًا سفره البري باصطلاح الفقهاء:
ورب ظهر وصلناها على عجل ... بعصرها من بعيد الورد لمّاع
بضربتين لطهر الوجه واحدة ... وللذراعين أخرى ذات إسراع
وكم قصرنا صلاة غير نافلة ... في مهمه كصلاة الكسف شعشاع

ولا يذكر المؤرخون أسبابًا لرحلته تلك سوى أنها للسياحة وطلب العلم والحرص على الشهرة بمدينة السلام، وربما أشاروا من طرف خفي إلى فقره وطلبه الغنى. ولكن القفطي والذهبي ينصان على أن عامل حلب كان قد عارض أبا العلاء في وقف له، فارتحل إلى بغداد شاكيًا متظلمًا. وقد يكون الاضطراب السياسي في الشام آنذاك أحد الأسباب التي أخرجته وبغضت إليه المعرة فتركها ليقيم ببغداد. وكانت أجزاء كبيرة من الشام قد خضعت للعبيديين وهم من الشيعة الباطنية وكان المعري مبغضًا لهم غاية البغض، فيرجح بعض الدارسين أن خروجه قد يكون بسبب تحكم هؤلاء في المعرة في السنة التي خرج فيها.

أما المعري فينفي أن يكون خروجه طلبًا لدنيا أو التماسًا لرزق:
أنبئكم أني على العهد سالم ... ووجهي لما يبتذل بسؤال
وأني تيممت العراق لغير ما ... تيممه غيلان عند بلال

وكرر هذا في رسائله لأهل المعرة ولخاله، وذكر أن أهل بغداد بذلوا له الأموال ليبقى بينهم، ولكن وجدوه "غير جذل بالصفات ولاهش إلى معروف الأقوام".

كما نفى نفيًا قاطعًا أن يكون خروجه ليستزيد من العلم: "ومنذ فارقت العشرين من العمر ما حدثت نفسي باجتداء العلم من عراقي ولا شامي. وانصرفت وماء وجهي في سقاء غير سرب، لم أرق قطرة منه في طلب أدب ولا مال. "مع أنه كان أمرًا مألوفًا في عصره أن يرحل الرجل ليستكثر من لقاء الشيوخ وكانت بغداد مما يقصد إليها الشعراء واللغويون والفقهاء والمحدثون. وقد صرح أبو العلاء بسبب سفره في بعض رسائله أنه أتاها قاصدًا دار الكتب بها، وكان يسميها دار العلم. ويذكر أنه لما دخل بغداد طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائنها. وأنه حضر إلى خزانة الكتب التي بيد عبدالسلام البصري وعرض عليه أسماءها فلم يستغرب شيئًا لم يره من قبل بدور العلم بطرابلس إلا ديوان تيم اللات فاستعاره.

كان خروج المعري إلى بغداد في أواخر سنة 398هـ ودخلها في أوائل سنة 399هـ، ولم يأت بغداد مغمورًا بل سبقته شهرته إليها، ولكن أهل العاصمة الكبرى لم يكونوا ليسلموا بعبقرية الوافد قبل امتحانه. وقد أعدوا له امتحانًا عسيرًا اجتازه بنجاح، ذكره ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار: "احضروا دستور الخراج الذي في الديوان، وجعلوا يوردون عليه ما فيه مياومة وهو يسمع إلى أن فرغوا، فابتدأ أبو العلاء وسرد عليهم كل ما أوردوه له". وأقروا له بالحفظ والعلم، والشعر معًا إذ قرأوا عليه ديوان سقط الزند.

حضر المعري كثيرًا من مجالس العلماء ببغداد واشترك في دروسهم ومناظراتهم فكان يحضر مجمع سابور بن أردشير وفيه يقول:
وغنت لنا في دار سابور قينة ... من الورق مطراب الأصائل ميهال

ويحضر مجمع عبدالسلام البصري يوم الجمعة ويقول فيه:
تهيج أشواقي عروبة أنها ... إليك ذوتني عن حضور بمجمع

ويحضر دروس الشريف المرتضي، وكانت علاقته أول الأمر حسنة متينة بالشريفين المرتضي والرضي وأسرتهما، ورثى والدهما الشريف الطاهر بقصيدة مرتجلة، وكانا يجلانه ويرفعان منزلته، ثم تغير المرتضي عليه. كما كان يحضر المجالس الشعرية بمسجد المنصور حيث يلقي الشعراء قصائدهم.

ورغم هذا الحضور وتلك المشاركات العلمية الاجتماعية الحافلة إلا أن المقام لم يطب له ببغداد، وحدث له من الحوادث ما آلمه وزهده فيها. من تلك الحوادث ما يروى من أنه عثر يوم إنشاده المرثية في الشريف الطاهر برجل لا يعرفه، فقال له الرجل إلى أين يا كلب؟ فأجابه: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسمًا. وأشد من هذا وقعًا على نفسه موقف الشريف المرتضي منه لما جرى ذكر المتنبي في مجلسه، وكان المرتضي يكرهه ويتعصب عليه ويتتبع عيوبه، فقال المعري: "لو لم يكن له إلا قوله: "لك يا منازل في القلوب منازل". لكفاه، فغضب المرتضي وأمر بإخراجه فسحب برجله وأخرج، ثم قال المرتضي لجلسائه: أتدرون لم اختار الأعمى هذه القصيدة دون غيرها من غرر المتنبي؟ قالوا: لا. قال: إنما عرض بقوله:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل

وحاول المعري حضور مجلس إمام النحو ببغداد أبي الحسن علي بن عيسى الربعي، ولما قصده واستأذن عليه قال أبو الحسن: ليصعد الاصطبل، وتعني الأعمى بلغة الشام، فانصرف من فوره مغضبًا، ثم قرر المعري الانسحاب من بغداد، وما كان هينًا على البغداديين مفارقته فكانوا لرحيله كارهين ولفراقه محزونين وودعوه باكين. وودعهم بقصيدته المشهورة:
نبي من الغربان ليس على شرع ... يخبرنا أن الشعوب إلى الصدع

ويذكر أبو العلاء سببين لرحيله هما فقره ومرض أمه.
أثارني عنكم أمران والدة ... لم ألقها وثراء عاد مسفوتا

ويقال إن من أسباب خروجه أن فقهاء بغداد تعرضوا له في بيتين هما:
يد بخمس مئين عسجد وديب ... ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار

ولما عزمو على أخذه بهما خرج من بغداد طريدًا منهزمًا ورجع إلى المعرة ولزم منزله فكان لا يخرج منه. ولايذكر معاصروه شيئًا من هذا ولا المعري نفسه، الذي كان يقظًا في تسجيل ما يمر به من أحداث. بل إن إحدى رسائله تشهد بعكس هذا إذ يقول فيها: "يحسن الله جزاء البغداديين فقد وصفوني بما لا أستحق، وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم، وعرضوا أموالهم عرض الجد".

ويذكر بعضهم أنه فارق بغداد كارهًا لها، زاهدًا فيها، ولكن رسائله تبين أنه أحبها حبًا جمًا وفارقها مكرهًا، وكان يتمنى المقام بها وكأن مقامه بها كان يقتضيه أن يبذل ما لا يستطيع بذله من خلقه وعزته وأنفته، وما كان باستطاعته تغيير طبعه وقد شب عن الطوق. وتبين التائية شيئًا من عاطفته تجاه بغداد:
يا عارضًا راح تحدوه بوارقه ... للكرخ سلمت من غيث ونجيتا
لنا ببغداد من نهوى تحيته ... فإن تحملتها عنا فحييتا
يا ابن المحسن ما أنسيت مكرمة ... فاذكر مودتنا إن كنت أنسيتا
سقيًا لدجلة والدنيا مفرقة ... حتى يعود اجتماع النجم تشتيتًا

وله من قصيدة أخرى:
متى سألت بغداد عني وأهلها ... فإني عن أهل العواصم سآل

وتظهر على لسانه فلتات في ذم أهل بغداد في اللزوميات، لعلها أثر من آثار ما لقي من أذى فيها، أو لعلها صدى لسوء رأيه في الناس جميعًا إبان عزلته.

خرج أبوالعلاء من بغداد لست ليال بقين من رمضان عام 400هـ، وحدد طريق عودته من بغداد إلى الموصل وميافارقين، ثم نزل بالحسنية ووصل بعدها إلى آمد، وقد مر في طريقه بطرف حلب ولم يدخلها تنفيذًا لقرار العزلة.

عزلته. توفيت أمه وهو في الطريق من بغداد راجعًا، فرثاها بقصيدتين وكثير من النثر، وأضاف موتها إلى فواجعه ما ملأ نفسه ظلامًا وحبًا في العزلة التي اختارها، وظل يذكرها طوال عمره ولا يرى عزاء إلا في لحاقه بها حيث يؤنسه أن يدفن إلى جوارها.
على أن قلبي آنس أن يقال لي ... إلى آل هذا القبر يدفنك الآل

فبعد عودته من بغداد قرر أن يعتزل الناس جميعًا وسمى نفسه رهين المحبسين، وعبر عن ثلاثة سجون يعيشها بقوله:
أراني في الثلاثة من سجوني ... فلا تسأل عن الخبر النبيث
لفقدي ناظري ولزوم بيتي ... وكون النفس في الجسم الخبيث

وكان في طبعه ميل إلى العزلة كما وصف نفسه بأنه "وحشي الغريزة إنسي الولادة". وتضافرت أسباب حملته على اتخاذ قرار العزلة؛ فمنها الأحداث المؤلمة التي مرت به من فقد أبيه وأمه وما يلقى من أذى أحيانًا من بعض الناس، ويجعل بعضهم من أسباب عزلته ـ إضافة إلى ما سبق ـ سببين رئيسيين، أولهما: ذهاب بصره الذي جعله يجهل كثيرًا من آداب الناس في عاداتهم، وكان شديد الحياء عزيز النفس يكره أن يخطئ في ما ألف الناس فيكون موضع السخرية والاستهزاء أو الرحمة أو الشفقة. وثانيهما فشله في الإقامة في بغداد حيث يلقى العلماء والفلاسفة، ومن ثم اضطراره إلى لزوم المعرة وهي خلو من العلماء، فكأن معاشرته للبغداديين قد بغضت إليه معاشرة الناس.

قرر أبو العلاء الانقطاع عن الدنيا ومفارقة لذائذها، فكان يصوم النهار ويسرد الصيام سردًا لا يفطر إلا العيدين، ويقيم الليل ولا يأكل اللحوم والبيض والألبان ولايتزوج، وكان يكتفي بما يخرج من الأرض من بقل وفاكهة:
يقنعني بَلْسَن يمارس لي ... فإن أتتني حلاوة فبلس

والبلس من البقل العدس أو الفول، والبلس التين. وعبر عن تحريم ما ذكر في قوله:
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالمًا ... ولا تبغ قوتًا من غريض الذبائح
ولاتفجعن الطير وهي غوافل ... بما وضعت فالظلم شر القبائح
ودع ضَرَبَ النحل الذي بكرت له ... كواسب من أزهار نبت صحائح

ويكتفي من الثياب بما يستره من خشنها، ومن الفراش بحصير من بردي أو لباد، وكان يكلف نفسه أمورًا شاقة زيادة في مجاهدتها مثل الاغتسال شتاءً بالماء البارد:
مضى كانون ما استعملت فيه ... حميم الماء فاقدم يا شباط

وقد التزم بقرار عزلته فلم يخرج من داره تسعًا وأربعين سنة إلا مرة واحدة مكرهًا بعد ما ألح عليه أهل بلدته طالبين شفاعته لدى الأمير أسد الدولة صالح بن مرداس، وذلك أن امرأة دخلت جامع المعرة صارخة تستعدي المصلين على أصحاب ماخور قصدوها بسوء، فنفر إليها الناس وهدموا الماخور ونهبوا ما فيه. وكان أسد الدولة في نواحي صيدا فأسرع إلى هناك وعسكر بظاهر المعرة وحاصرها وشرع في قتالها واعتقل سبعين من أعيانها، فلما ضاق الأمر بالمعريين لجأوا إلى أبي العلاء فخرج وقابل صالحًا واستشفع لديه فقال له: قد وهبتها لك يا أبا العلاء، وقد ذكر أبو العلاء الحادثة في قصيدة:
أتت جامع يوم العروبة جامعًا ... تقص على الشهاد بالمصر أمرها
فلو لم يقوموا ناصرين لصوتها ... لخلت سماء الله تمطر جمرها

والتزم بقرار عزلته من جهة ثانية مدة من الزمان، أي أنه لم يفتح داره لأحد من الناس. قال ابن العديم: "أقام مدة طويلة في منزله مختفيًا لا يدخل عليه أحد. ثم إن الناس تسببوا إليه وألحوا في طلب الشفاعة لديه من أقاربه الأدنين". ثم إنه استجاب لتوسلات المتوسلين ففتح داره لطلاب العلم من كل صقع وصوب، وصارت داره جامعة يؤمها الزائرون من شتى البقاع، وأخذ الناس يفدون إليه، وكاتبه العلماء والوزراء وأهل الأقدار.

كتابه وتلاميذه. قال ابن فضل العمري: "أخذ عنه خلق لا يعلمهم إلا الله،كلهم قضاة وخطباء وأهل تبحر واستفادوا منه، ولم يذكره أحد منهم بطعن ولم ينسب حديثه إلى ضعف أو وهن". ومن أشهر تلاميذه أبو زكريا الخطيب التبريزي وعلي بن المحسن بن علي التنوخي القاضي. وله كتاب يملي عليهم مصنفاته، منهم أبو محمد عبدالله بن محمد القاضي ابن أخيه، وكان برًا بعمه وفيه يقول أبو العلاء:
وقاضٍ لا ينام الليل عني ... وطول نهاره بين الخصوم

وأبو الحسن علي بن محمد أخو عبدالله، وأبو نصر زيد ابن عبدالواحد، وجعفر بن أحمد بن صالح التنوخي، وإبراهيم بن علي بن الخطيب، وأبو الحسن علي بن عبدالله ابن أبي هاشم المقرئ. وكان يذكرهم بالخير في شعره ونثره.

وفاته. عمر أبو العلاء طويلاً وأصابته الشيخوخة بالوهن ووصفها بقوله:
"الآن علت السن، وضعف الجسم، وتقارب الخطو، وساء الخلق". ولكنها إن أصابت جسمه فما أصابت عقله وصفاءه وقريحته وتوقدها وحافظته وقوتها، فما نسي شيئًا مما حصَّل. وفي اليوم العاشر من ربيع الأول سنة 449هـ اعتل أبو العلاء وعاده الطبيب المشهور أبو الحسن مختار بن بطلان، وكان ممن يتردد عليه للزيارة والسماع أثناء مقامه بديار الشام، ووصف له كأسًا من شراب أتاه به ابن أخيه القاضي فامتنع عن شرابه وأنشد:
تعللني لتسقيني فذرني ... لعلي أستريح وتستريحُ
كما وصفوا له لحم الدجاج فلما وضعوه بين يديه لمسه بيده فجزع وقال:
"استضعفوك فوصفوك هلا وصفوا شبل الأسد". وتوفي بعد ثلاثة أيام وأوصى أن يُكتب على قبره:
هذا جناه أبي عليَّ ... وما جنيت على أحد

ووقف على قبره أربعة وثمانون شاعرًا يرثونه، ومن أشهر ما قيل فيه رثاء تلميذه أبي الحسن علي بن همام:
إن كنت لم ترق الدماء زهادة ... فلقد أرقت اليوم من جفني دمًا

شخصية المعري
أخلاقه. كان المعري رغم عزلته ذا صلة حسنة بالناس. وكان مع فقره كريمًا ذا مروءة يعين طلاب الحاجات وينفق على من يقصده من الطلاب يهدي ويُهدى إليه، ويكرم زائريه. ومن مروءته وكرمه أنه لم يقبل من تلميذه الخطيب التبريزي ذهبًا كان قد دفعه إليه ثمنًا لإقامته عنده. لم يرده إليه في حينه حتى لا يؤذي نفسه ويوقعه في مشقة الحرج، ولكنه احتفظ له به حتى تجهز قافلاً فودعه ورد إليه ما دفع.

وكان رقيق القلب رحيمًا عطوفًا على الضعفاء حتى شملت رقة قلبه الحيوان فلا يذبح ولا يروع بولده وبيضه. وكان وفيًا لأصدقائه وأهله. وتفيض رسائله إلى أهل بغداد والمعرة وإلى أخواله بهذا الوفاء. ومن أهم خصاله الحياء الذي يكلفه ضروبًا من المشقة والأذى، وكثيرًا ما كتب كتبًا ورسائل لأناس طلبوا منه ذلك، وكتب يستشفع لأناس عند الأمراء، وهو كاره لذلك ولكنه لفرط حيائه لا يستطيع لهم ردًا. وكان سيئ الظن بالناس يعتقد فيهم الشرور والأسواء ويمقت فيهم خصال الكذب والنفاق والرياء. وانتهى أخيرًا إلى أن الإنسان شرير بطبعه، وأن الفساد غريزة فيه ولا يُرجى برؤه من أدوائه:
إن مازت الناس أخلاق يقاس بها ... فإنهم عند سوء الطبع أسواء

عماه وأثره في شخصيته. يبدو من شعر المعري إحساسه الشديد بهذه العاهة التي أصابته:
ومابي طرق للمسير ولا السرى ... لأني ضرير لا تضيء لي الطرق

وقوله:
ويا أسيرة حجليها أرى سفهًا ... حمل الحلي لمن أعيا عن النظر

وقد دفعه عماه إلى تحدي الصعاب والرغبة في التكيف واكتساب العلم والمعرفة والتفوق فيهما على البصراء. ويتبدى تحديه هذا في لعبه النرد والشطرنج، ولكن هذه العاهة رغم تكيفه معها واكتسابه صفات تعويضية، أورثته شعورًا عميقًا بالألم والحزن ملأ شعره بالزفرات الحارة مما يدل على مالها من أثر شديد على نفسه.

اتهامه بالزندقة. اتهم المعري بالزندقة والإلحاد من بعض معاصريه، ولا شك أنه كان يناقش في مجالسه قضايا الفلسفة ويشرح للطلاب أشعاره ويفسر لهم ما صعب منها. وربما قاده الشرح إلى الحديث عن مختلف الآراء الفلسفية التي لا يرتضيها عامة الناس. يضاف إلى هذا تبتله وتركه الزواج وامتناعه عن اللحم وما أشبه ذلك، وفيه ما فيه من مجانبة لسنن الدين ولحوق بفلسفات برهمية هندية. وقد استند متهموه إلى ما في رسالة الغفران من أخبار الزنادقة وأشعارهم. أما أشعاره فيبين في بعضها الشك والإنكار.

ولكنه وجد من يدافع عنه نافيًا هذه التهمة. ومن هؤلاء القفطي وابن العديم، وسمى الأخير كتابه: كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري وقال في مقدمته متحدثًا عن حساده وشانئيه: "رموه بالإلحاد والتعطيل، والعدول عن سواء السبيل، فمنهم من وضع على لسانه أقوال ملحدة ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده فجعلوا محاسنه عيوبًا وحسناته ذنوبًا وعقله حمقًا وزهده فسقًا، ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام".

ومن أحسن الشهادات في حقه شهادة الإمام الذهبي المتوفي سنة 747هـ، 1346م، حيث قال: "وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر والأدب الباهر والمعرفة بالنسب وأيام العرب. وله في التوحيد وإثبات النبوة وما يحض على الزهد وإحياء طرق الفتوة والمروءة، شعر كثير والمشكل منه فله ـ على زعمه ـ تفسير".

مؤلفاته النثرية
أشهر مؤلفاته. ألف أبو العلاء مصنفات جمة ضاع أكثرها ولم يصل إلينا منها إلا النزر اليسير. يقول القفطي والذهبي إن أكثر كتبه باد ولم يخرج من المعرة، وحرقها الصليبيون فيما حرقوا من المعرة، وأحصيا له من الكتب خمسة وخمسين كتابًا في أربعة آلاف كراسة، تشمل الشعر والنثر فقد ذكر له كتاب اسمه استغفر واستغفري فيه عشرة آلاف بيت ضاع مع ما ضاع. ويذكر الرحالة الفارسي ناصر خسرو أن أبا العلاء نظم مائة ألف بيت من الشعر وذلك سنة 438هـ قبل موته بإحدى عشرة سنة. وعد ياقوت من مصنفاته اثنين وسبعين مصنفًا. وبقي من شعره ثلاثة دواوين: سقط الزند، والدرعيات، وهو ديوان صغير طبع ملحقًا بالسقط، واللزوميات.

ومن أشهر مؤلفاته النثرية رسالة الغفران التي أملاها ردًا على رسالة الأديب الحلبي علي بن منصور بن القارح، وكانت أكثر كتبه يؤلفها ردًا على طلب طالب وكان بعض الأمراء يسألونه أن يصنف لهم. ومن ذلك:

كتاب تضمين الرأي، وهو عظات وعبر وحث على تقوى الله يُختم كل فصل منها بآية؛ وتاج الحرة، وهو خاص بوعظ النساء ومقداره أربعمائة كراسة، كما يقول ابن العديم؛ سجع الحمائم، في العظة والحث على الزهد أيضًا؛ اللامع العزيزي، في تفسير شعر المتنبي؛ جامع الأوزان في العروض والقوافي؛ الصاهل والشاحج، ولسان الصاهل والشاحج والقائف، وهذه الثلاثة ألفها للأمير عزيز الدولة شجاع بن فاتك والي حلب من قبل المصريين؛ الفصول والغايات؛ شرف السيف؛ معجز أحمد، في شرح شعر المتنبي؛ ذكرى حبيب في شعر أبي تمام؛ عبث الوليد، في شرح شعر البحتري؛ رسالة الملائكة، وغيرها كثير. لكن آخر ما أملى من الكتب كتابا المختصر الفتحي وعون الجُمل، ألفهما لابن كاتبه الشيخ أبي الحسن علي بن عبدالله بن أبي هاشم. وكان المعري شديد الاهتمام بكتبه وعلمه وأدبه يجمعها ويفسرها ويدافع عنها. شرح ديوانه سقط الزند بكتاب ضوء السقط، كما شرح اللزوميات بكتابين ودافع عنها بثالث. وشرح الفصول والغايات بكتابين، وشرح الرسائل بكتاب سماه خادم الرسائل. وهذا الجهد ـ فضلاً عن عنايته بها ـ يدل على غزارة علمه وثقته بنفسه، كما يدل على خوفه من التأويل والكذب عليه. وتدل أسماء كتبه على ذوق رفيع.

نثر المعري. بقي من نثره رسالة الغفران ورسالة الملائكة، وهي صغيرة، وأجزاء من الفصول والغايات وطائفة من الرسائل كان يوجهها إلى أصدقائه. ويمتاز نثره بالغريب وكثرة الغموض واللجوء إلى السجع مثل أهل عصره. وقد طرق في نثره موضوعات مختلفة مثل المدح والعزاء والوصف.

رسالة الغفران. كتبها المعري ردًا على رسالة بعث بها إليه ابن القارح، وهو صديق له من حلب عنوانها في تقبل الشرع وذم من ترك الوقوف عنده، وهي رسالة طويلة ـ أي رسالة الغفران ـ وفيها يمازح المعري صديقه ويعبث به ويشير من طرف خفي إلى أنه كان مشككًا غير قوي الإيمان. وفيها يطوف ابن القارح في الجنة وتظهر فيها مقدرة المعري اللغوية كما تبدو فيها مقدرته على السخرية والنقد

الفصول والغايات. صورة أخرى للزوميات، فقد أورد فيه كثيرًا من الآراء التي أوردها هناك، وألفه المعري تقربًا إلى الله وتمجيدًا وتسبيحًا له قال: "علم ربنا ما علم.. أني ألفت الكلم، آمل رضاه المسلم وأتقي سخطه المؤلم"، وقد التزم أن يختم كل فصل بكلمة يلتزم آخرها في جملة من الفصول، ثم رتب هذه الكلمات على حروف المعجم كلها فيلتزم الهمزة في بعض الغايات ثم الباء إلى آخر الحروف. وتكون الغاية ساكنة قبلها ألف، وأحيانًا يلتزم حرفًا قبل الألف، ويلتزم السجع أحيانًا ويضيف إليه قيدًا آخر بحيث يلتزم حرفين أو أكثر على نحو ما فعل في اللزوميات، وقد يضيف إلى السجع التزامًا آخر فيجري السجع على حروف المعجم. وتطول الفصول وتقصر بلا ضابط معين، وتكون مستقلة أحيانًا ومرتبطة ببعضها أحيانًا أخرى.

وكان الشائع المشهور أنه ألف هذه الفصول متأثرًا ببلاغة القرآن الذي هو المثل الأعلى للبلاغة والبيان، وما وجد أديب وشاعر إلا فتن بأسلوب القرآن.

شعر المعري
مكانته الشعرية ورأي النقاد فيه كان القدماء، إلا أقلهم، يعترفون بشاعرية المعري، ويعرفون تقدمه، وينشد الناس أشعاره ويتظرف بها الظرفاء. أما المحدثون فمنهم من جعل المعري فيلسوفًا وجرده من الشعر، وعده آخرون شاعرًا مجردًا من الفلسفة، وجمع له فريق ثالث بين الحسنيين.

فبينما يرى بعضهم فيه شاعرًا فيلسوفًا حقًا لم يعهد المسلمون في قديمهم وحديثهم فيلسوفًا مثله؛ يرى آخرون أن ليس له مذهب فلسفي، بل له اتجاهات تخل بالمنهج الفلسفي إخلالاً واضحًا، فهو رجل وجدان، دقيق الحس، عميق الإدراك، صادق التعبير، جريء التعرض للمعاني والخواطر. بينما جعله فريق ثالث مع سقراط والقديس أوغسطين والغزالي وتوما الأكويني وشوبنهاور في طبقة واحدة، فضلاً عن من عده فيلسوفًا له نظراته في الفلسفة أو مجددًا لأصول الفلسفة أو هو الفيلسوف الأكبر.

ولكن أكثر النقاد يرونه شاعرًا إنسانيًا متأملاً في المحل الأرفع بين شعراء العربية، له مقام فريد لامن حيث أسلوبه وفنه فحسب، ولكن من حيث روحه ونظرته إلى الحياة والأحياء من حوله.

كما أدلى المستشرقون بدلوهم في هذا الشأن، فعدوه شاعرًا عالميًا سبق زمانه بآرائه العقلية والأخلاقية والسياسية والدينية.

دواوينه. بقي من شعر المعري ثلاثة دواوين: سقط الزند والدرعيات واللزوميات.

سقط الزند. يضم أكثر شعر صباه وشيئًا من شعر الكهولة. وقد رتبه أبو العلاء ووضع له مقدمة. ويظهر في شعر صباه المبالغة والتكلف والمحاكاة. وكلما تقدم به العمر اكتسب شعره صفات تجعله متفردًا. فتبدو فيه ظاهرة استعمال الاصطلاحات والإشارات العلمية، كما في قصيدة توديع بغداد. أما الشعر الذي نظمه في كهولته ففيه نضج في الفكر وإتقان للمعاني وبعد عن الضرورات والمبالغات. ويلجأ فيه للقوافي الصعبة ويطيل فيها مثل الطائية التي بعث بها إلى خازن دار العلم ببغداد. وفي هذا الديوان تأثر واضح بالمتنبي، وكان به مغرمًا ولأشعاره دارسًا، وبينهما صفات مشتركة أهمها التفوق والنبوغ والشعور بالامتياز والطموح والشعور بفساد الحياة والأحياء في عصريهما. ويأتي تباينهما من اختلاف طباع كليهما وظروفه. فبينما آثر المتنبي الحرب والثورة وسيلة للإصلاح آثر المعري النقد السلبي والاعتزال وتصوير القبائح والسخرية منها، وهذا الذي جعل له التفرد والأصالة. ويحوي ديوانه أغراضًا مختلفة كثيرة من أهمها:

المدح. لم يمدح أبو العلاء أميرًا طلبًا لنواله، وقد سطر في مقدمة هذا الديوان: "ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدحت طلبًا للثواب، وإنما كان بغرض الرياضة وامتحان القريحة" وسلوك الطريق التي سلكها الشعراء قبله، وإن كان له مدائح نظمها في أناس من أصحابه، أو أجاب بها نفرًا من الشعراء أرسلوا إليه قصائد. ولهذا السبب جاء مدحه مختلفًا عن مدائح من سبقوه. فليس هو محتاجًا لأن يتزلف الممدوح أو يسبغ عليه صفات مبالغة. ومن هذا النوع النونية التي بعث بها إلى الشريف أبي إبراهيم العلوي، وكان قد بعث إليه بقصيدة:
غير مستحسن وصال الغواني ... بعد سبعين حجة وثماني

يقول أبو العلاء:
عللاني فإن بيض الأماني ... فنيت، والظلام ليس بفان

الفخر. جعلت نفسية أبي العلاء الزاهدة وحياته المنعزلة التي عاشها للفخر حظًا ضئيلاً في صناعته الشعرية، فلم تظهر فيه الأنا المتضخمة، ولم يبتل بالحساد لأنه ترك للناس ما يمكن أن يزاحموه عليه من حطام الدنيا، ووجدنا له قليلاً من الفخر في صباه يعبر عن عنفوان هذه المرحلة من العمر وجنوحها. ومن أشهر ما قاله في الفخر قصيدته:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل ... عفاف وإقدام وحزم ونائل

وفيها البيت المشهور:
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل

وهذه القصيدة علامة من علامات المتنبي حتى يكاد القارئ يظن أنها ضلت طريقها من ديوان أبي الطيب إلى سقط الزند. ثم إن المعري ترك الفخر في آخر عمره.

الوصف. يحاول المعري وصف الأشياء المحسوسة، ويزين لفظه حتى يعوض ما يحس به من نقص تجاه وصف المبصرين، ولعله كان يعمد إلى الوصف الحسي ليثبت أنه لا يقل قدرة عن المبصرين في الوصف. ومن جميل شعره في الوصف قوله:
رب ليل كأنه الصبح في الحسن ... وإن كان أسود الطيلسان
ليلتي هذه عروس من الزنج ... عليها قلائد من جمان
هرب النوم من جفوني فيها ... هرب الأمن عن فؤاد الجبان
وكأن الهلال يهوى الثريا ... فهما للوداع معتنقان
وسهيل كوجنة الحب في اللون ... وقلب المحب في الخفقان

الغزل. في ديوانه مقطوعات غزلية رقيقة. ولم ينقل المؤرخون عنه أنه أحب فتاة بعينها في صباه، ويراه بعضهم ضريرًا زاهدًا محزونًا لا سبيل للحب إلى قلبه، ويرتفع شعره القليل في الغزل عن أن يكون رياضة كما قال في المديح أو محاولة لإكمال الديوان بالموضوعات التي استنها الأوائل ففي بعضه لوعة حقيقية، وغناء واله مشوق:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر ... لعل بالجزع أعوانًا على السهر
وإن بخلت عن الأحياء كلهم ... فاسق المواطر حيًا من بني مطر
ويا أسيرة حجليها أرى سفهًا ... حمل الحلي لمن أعيا عن النظر
ما سرت إلا وطيف منك يتبعني ... سرى أمامي وتأويبًا على أثري

الرثاء. رثى أبو العلاء أباه وأمه وطائفة من الناس، وفي ديوانه سبع مراث، وفي أغلبها حزن وتفجع لأنها أحزان شخصية وليست تعزية. وأجود ماله في الرثاء الدالية التي أبَّن بها أبا حمزة الفقيه الحنفي، يقول عنها طه حسين: "نعتقد أن العرب لم ينظموا في جاهليتهم وإسلامهم ولا في بداوتهم وحضارتهم قصيدة تبلغ مبلغ هذه القصيدة في حسن الرثاء" ومنها:
غير مجد في ملتي واعتقادي ... نوح باك ولا ترنم شاد
وشبيه صوت النعي إذا قيس ... بصوت البشير في كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت ... على فرع غصنها المياد
إن حزنًا في ساعة الموت ... أضعاف سرور في ساعة الميلاد

الهجاء. لم ينظم المعري في هذا الغرض من أغراض الشعر بمعناه التقليدي المعروف، بمعنى أن يتجه الشاعر إلى شخص، فيثلبه ويذمه. فليس للمعري عدو ليفعل به هذا. ولكنه تتبع عيوب البشر عامة ونقائصهم فأظهرها في لهجة قاسية متجنبًا الفحش والإقذاع، وليس غرضه الإساءة والتشهير، بل الرحمة والإصلاح. ولا نجد هذا الموضوع في سقط الزند بل في اللزوميات، ويعده النقاد ضربًا من ضروب السخرية، وإن كان القدماء عدوه هجاء. وقد انتقد المعري ظواهر متعددة في مجتمعه، منها الادّعاء باسم الدين والرياء، وخص بنقده الواعظ المنافق:
يحرم فيكم الصهباء صرفًا ... ويشربها على عمد مساء
إذا فعل الفتى ما عنه ينهى ... فمن جهتين لا جهة أساء

الدرعيات. قصائد وصف بها الدرع، طبعت ملحقة بسقط الزند. والغريب أن المعري يصف فيها شيئًا من عدة الحرب وهي الدروع مع أنه لم يخض غمار معركة ولا استعد لها. وقد افتن في وصفها، فمرة يصفها على لسان رجل أسَنَّ فترك لبسها، أو على لسان رجل رهنها، وجعل وصفها مرة محاورة بين درع وسيف، ووصفها على لسان رجل يبيع درعًا أو رجل خانه آخر في درع أو على لسان امرأة توصي ابنها بلبس الدرع والانشغال بها عن الزواج. والدرعيات موضوع جديد في الشعر العربي يدل على براعة وأصالة. ويجعلها النقاد مقابلة للطرديات (شعر الصيد) عند الشعراء الآخرين، كما يراها آخرون محاولة من المعري لتحقيق قوله:
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل

ومن أشهر هذه الدرعيات:
عليك السابغات فإنهنه ... يدافعن الصوارم والأسنه
ومن شهد الوغى وعليه درع ... تلقاها بنفس مطمئنه

اللزوميات. سميت كذلك لأنه التزم فيها حرفًا قبل حرف الرَّوِيِّ. وإذا تأملناها وجدنا فيها مشابهة من سجونه التي اختارها. فإن القافية والتزام رويها سجن للشاعر فلم يرض المعري حتى يجعل لنفسه سجنًا آخر هو الحرف الذي التزمه.

لم يكن المعري أول من ابتكر هذا الفن، فلكثير عزة تائية التزم فيها اللام قبل التاء ومطلعها:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلّتِ

ولغيره مقطوعات قليلة فيها هذا الالتزام، ولكن الجديد في صنع المعري أنه نظم ديوانًا كاملاً على هذا النمط حاويًا جميع حروف المعجم فجاء عملاً يحمل بصماته مقترنًا باسمه، وظل ديوانه هذا نسيج وحده، ولم يستطع شاعر أن يحذو حذوه إلا في المقطوعات المحدودة. وقد قدم له المعري قائلاً: "وقد تكلفت في هذا التأليف ثلاث كلف: الأولى أن ينتظم حروف المعجم عن آخرها، والثانية أن يجيء رويه بالحركات الثلاث وبالسكون، والثالثة أنه لُزم مع كل روي فيه شيء لا يلزم". وفوق هذا لم يضعه قصدًا للبراعة اللفظية والمقدرة اللغوية فحسب، وإنما قصد به إلى معان فلسفية، كذلك جاء من أحد عشر ألف بيت في مائة وثلاثة عشر فصلاً. وقد جاء الديوان مثقلاً بالغريب واستعمال المصطلحات، وجاءت القيود المتراكمة هذه على حساب الوحدة المعنوية في المقطوعات أحيانًا إذ يركز فيها على وحدة القوافي.

ويرى بعض النقاد أن المقطوعة أو القصيدة في اللزوميات تطول وتقصُر تبعًا لصعوبة القافية وسهولتها، فقد تساعده القافية السهلة فيمتد نفسه الشعري، فيكثر من الأبيات وإن استوفى المعنى المراد، وقد ينقطع نفسه عند البيتين والأبيات القليلة، وإن كان في المعنى متسع لأن القافية تضطره إلى ذلك. ومثال واحد من الديوان يكفي للرد على هذا القول وهو اللزومية:
نوائب، إن جلت، تجلت سريعة ... وإما توالت في الزمان تولت

وهي خمسة أبيات، وكان يمكن أن تطول جدًا، إذ قافيتها سهلة. ومن أمثلة إثقال الأبيات بالعلوم والمصطلحات قوله:
مالي غدوت كقاف رؤبة قيدت ... في الدهر لم يطلق لها إجراؤها
أعللت علة قال وهي قديمة ... أعيا الأطبة كلهم إبراؤها

ويقول:
فصحيحة الأوزان زادتها القوى ... حرفا فبان لسامع نكراؤها

ويقول:
ووجدت دنيانا تشابه طامثا ... لا تستقيم لناكح أقراؤها

أثر علمه وثقافته في شعره
يعد عصر المعري عصرًا ذهبيًا في نضج العلوم وانتشارها على اختلاف مشاربها، فالعلوم الشرعية وعلوم القرآن من تفسير وقراءات وإعجاز، وعلوم الأدب والنقد ثم الفلسفات المنقولة كانت قد استوت على سوقها، وكان للمعري مشاركات جادة فيها، وهو مع هذا يتواضع ويضع من شخصه وعلمه:
ماذا تريدون لا مال تيسر لي ... فيستماح ولا علم فيقتبس
أتسألون جهولاً أن يفيدكم ... وتحلبون سفيًا ضرعها يبس

علم اللغة. كان علمه باللغة والنحو والأدب هو الغاية القصوى حتى قيل إن المعري بالمشرق وابن سيده بالمغرب ليس لهما في زمانهما ثالث في اللغة. وذكر التبريزي أنه لا يعرف كلمة نطقت بها العرب ولم يعرفها أبو العلاء. وكان المعري حريصًا على إظهار علمه باللغة يرصع شعره ونثره بالغريب النادر، ويدل على باهر علمه باللغة وحذقه لها تحويله لقافيتي بيتي النمر بن تولب وقد عرض لهما في رسالة الغفران:
ألم بصحبتي وهم هجوع ... خيال طارق من أم حصن
لها ما تشتهي عسلاً مصفى ... متى شاءت وحُوَّارَى بسمن

ويستطرد إلى حكاية وقعت بين خلف الأحمر وأصحابه، فإنه سألهم لو أنه وضع أم حفص موضع أم حصن ماكنتم تقولون في البيت الثاني؟ فسكتوا، فقال خلف: وحُوَّارى بلمص واللمص الفالوذ. فذكر خلفٌ تغييرًا واحدًا وعجز أصحابه عنه. فيأتي أبو العلاء ويظهر مقدرته اللغوية. ويفرع على هذه الحكاية مغيرًا حرف الروي على كل حروف المعجم ويشرح الألفاظ الغريبة التي جاء بها. وكان مع الشرح يشير إلى الخلافات اللغوية، ويورد الشواهد ويفرق بين الاستعمال الحقيقي والمجازي. ومن وسائله في الإفصاح عن التمكن اللغوي إتيانه باللفظ ثم يفسره أو ينفي عن سامعه ما قد يتبادر إلى ذهنه من معناه مثبتًا معنى آخر:
نوديتُ ألويتَ فانزلْ لا يرادُ أتى ... لوى الرملِ بل للنيتِ إلواءُ

ويكثر عنده لذلك الجناس والتورية والطباق والاستعارة، ولها صلة قوية بالتفنن اللغوي. ومن أمثلة ذلك في التشبيه:
سبحان من برأ النجوم كأنها ... درٌّ طفا من فوق بحر مائج

وفي الاستعارة:
ركبنا على الأعمار والدهر لجة ... فما صبرت للموج تلك السفائن

وفي الكناية:
ولو وطئت في سيرها جفن نائم ... بأخفافها لم ينتبه من منامه

وفي الجناس:
وفوائد الأسفار في الدنيا ... تفوق فوائد الأسفار

والأسفار الأولى جمع سَفَر وهو الرحيل، أما الأسفار الثانية فجمع سِفْر وهو الكتاب.

وفي التورية:
وحرف كنون تحت راء ولم يكن ... بدال يؤم الرسم غيره النقط

وفي الطباق:
غير مجد في ملتي واعتقادي ... نوح باك ولا ترنم شاد

ومن أبرع ما وجد عنده، استغلاله المعارف النحوية واللغوية للتعبير عن الآراء الفلسفية والملاحظات المتفكرة في الحياة والأحياء:
والمرء كان، ومثل كان وجدته ... حَالَيْه في الإلغاء والإعمال
والباء مثل الباء ... يخفض للدناءة أو يجر

يقصد بالباء الأولى الجماع. كما يستخدم أيضًا مصطلحات البلاغة:
تجانست البرايا في معان ... ولم يجلب مودتها الجناس

العروض والقافية. وللمعري معرفة بالعروض نادرة، وقد ألف كتابًا فصل فيه ضروب الشعر وقوافيه ومثل لها من نظمه. ويدل على اهتمامه بذلك نثره المعلومات العروضية في كل تآليفه. ونجد في شعره لفتات عروضية مثل:
وإن الطويل نجيب القريض ... أخوه المديد ولم ينجب

أو:
وقد يخطئ الرأي امرؤ وهو حازم ... كما اختل في وزن القريض عبيد

أو:
وأكرمني على عيبي رجال ... كما رُوي القريض على الزحاف

التاريخ والقصص. ولعل المعري هو أول من اهتم بالأساطير وفلسفها لتدل على ما يريد الإفصاح عنه من آراء. وقد أشار إلى معارفه التاريخية بقوله:
ما مر في هذه الدنيا بنو زمن ... إلا وعندي من أخبارهم طرف

وقد اهتم بالقصص الديني وغير الديني كقوله:
مثلما فاتت الصلاة سليمان ... فأنحى على رقاب الجياد

أو قوله:
ومن لصخر بن عمرو أن قصته ... صخر وخنساءه في السرب خنساء

وهو معنى عميق يجعل فيه صخر بن عمرو في قصة الخنساء المشهورة رمزًا للجسد ابن الدهر، والخنساء رمزًا للنفس شقيقة الجسد ترتاع لفراقه وتتحسر عليه.

فلسفة المعري
تأثر المعري بمختلف الفلسفات التي سادت في عصره وأضاف إليها تجربته الشخصية وآراءه التي استقاها واختارها لنفسه. وأكثر آرائه الفلسفية حوتها اللزوميات. وكان يرى قدم المادة الكونية والزمان، وهذا أثر من أثار أرسطو، كما كان يرى خلودها وبقاءها:
نرد إلى الأصول وكل حي ... له في الأربع القُدُم انتساب

ولكنه لا يثبت على هذا الرأي فيعبر في مواضع أخرى عن فناء المادة الكونية وحدوثها:
وليس اعتقادي خلود النجوم ... ولا مذهبي قدم العالم

ويؤمن بتناهي الأبعاد وهذا متصل بقدم العالم:
ولو طار جبريل بقية عمره ... من الدهر ما استطاع الخروج من الدهر

رأيه في الأديان. آمن المعري بالله إيمانًا فطريًا وعقليًا يجعله لا يرتاب في وجود الخالق:
أثبت لي خالقًا حكيمًا ... ولست من معشر نُفَاة

بل إن صلته بربه قوية وأعز عنده من الدر والياقوت:
وشاهدٌ خالقي أن الصلاة له ... أجل عنديَ من دري وياقوتي

والإيمان العقلي من آثار المعتزلة، ولما كان العقل المجرد قاصرًا عن النفاذ إلى جوهر الدين وليس كل شيء يدرك به، جاء اضطرابه في مسألة النبوات، والبعث بعد الموت الذي يبدو ـ من اللزوميات ـ إنكاره له أو اضطرابه فيه:
إن الشرائع ألقت بيننا إحنًا ... وأورثتنا أفانين العداوات

وينكر أمورًا غيبية كإنكار الجن والملائكة:
قد عشت عمرًا طويلاً ما علمت به ... حسًا يحس لجني ولا ملك

رأيه في الجبر والاختيار. يبدو المعري مؤمنًا بالجبر إيمانًا قويًا غالبًا عليه:
ما باختياري ميلادي ولا هرمي ... ولا حياتي فهل لي بعد تخيير

وفي مواضع أخرى يثبت عكس هذا:
تعالى الذي صاغ النجوم بقدرة ... عن القول أضحى فاعل السوء مجبرًا

ويبدو أنه انتهى إلى أن لا جبر مطلق ولا اختيار مطلق، بل المرء متأرجح بينهما، فالعبد هو الذي يسعى ويطلب الأسباب باختياره ليصل إلى ما قدر الله مثل الذي يأخذ النار بيده فتحترق. فله حرية الأخذ أو الترك ويستلزم الأخذ جبرية الاحتراق:
إذا قضى الله أمرًا جاء مبتدرًا ... وكل ما أنت لاقيه بتسبيب

رأيه في الدنيا. أكثر آراء المعري صراحة هي تلك التي قالها في الدنيا، وكان يكنيها أم دفر وهو من أكثر من ذمها وكرهها، وبسبب ذلك كره الوجود وآثر العدم. وتمنى لو أنه لم يولد بل ويتمنى الموت لكل وليد لأنه سيقاسي الشرور:

فليت وليدًا مات ساعة وضعه ... ولم يرتضع من أمه النفساء
ومن ثم كره الزواج ولم يتزوج.

ومن آرائه الاجتماعية أنه كان يبغض انقسام الناس إلى أغنياء وفقراء، ولذلك حث على أداء الزكاة وحمدها:
وقد رفق الذي أوصى أناسًا ... بعشر في الزكاة ونصف عشر

ونادى بالمساواة:
لا يفخرن الهاشمي ... على امرئ من آل بربر

فلسفة الزهد. وكان فيها متأثرًا بأبيقور حين يقرر أن زهده كان زهد اضطرار لا زهد اختيار:
وقال الفارسون حليف زهد ... وأخطأت الظنون بما فرسنه
ولم أعرض عن اللذات إلا ... لأن خيارها عني خَنَسْنَهّْ

فهو زاهد لأنه عجز عن تحقيق آماله، وقد راض هذه الآمال فامتنعت عليه فطلقها وهو ساخط لأنه عجز، وقد كان صريحًا في التعبير عن حبه الغريزي للذائذ، ولكن عقله كان يقف بالمرصاد للغرائز ويبين مساوئها حتى استطاع التحكم فيها نهائيًا ولكن بعد جهاد طويل:
نهاني عقلي عن أمور كثيرة ... و

بنالعياط 29-10-2012 07:35 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
*من هو بن حيان***
هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي ، طبيب عربي، عاش في العراق بالكوفة وبغداد، وهو أول من اشتغل بالكيماء القديمة ونبغ فيها، حتى إن العرب سمَّوا الكيمياء عامة "صنعة جابر"، إشارة إلى أن "جابر بن حيان" هو أول من زاولها، وكشف عن مفردها ومركِّبها، وتناول في كتاباته الفلزات وأكاسيدها وأملاحها، وأحماض النتريك والكبريتيك والخليك، وعالج القلويات وحضَّرها ونقَّاها بالبلورة والتقطير، والترشيح والتصعيد.
إن جابر بن حيان هو الذي وضع الأسس العلمية للكيمياء الحديثة والمعاصرة ، وشهد بذلك كثير من علماء الغرب .
فقال عنه Berthelot برتيلو :"إن لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق" .
وقال عنه الفيلسوف الإنكليزي (باكون) : (إن جابر بن حيان هو أول من علم علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء)
ويقول ماكس مايرهوف : يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوربا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوربية.
لقد عمد جابر بن حيان إلى التجربة في بحوثه ، وآمن بها إيمانا عميقا .
وكان يوصي تلاميذه بقوله :"وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب، لأن من لايعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان. فعليك يابني بالتجربة لتصل إلى المعرفة".
**أصل كلمة كيمياء : ***
يذكر بعض المؤرخين أن العلماء المسلمين الذين اشتغلوا بعلم الكيمياء منذ عهد جابر بن حيان اشتقوا لفظ( الكيمياء) من نفس لغتهم العربية .
وأصل كلمة كيمياء في اللغات الأجنبية هو ( الكمي ـــ Alchemy ) . وتدل أداة التعريف ( الـ) على الأصل العربي ولاشك . ويقول نفر من المؤرخين أن كلمة ( كمي ) من أسماء مصر القديمة وتعني الأرض السوداء .
وهناك فئة تقول بأن الكلمة أصلها يوناني قديم وعن الأصل نقل جابر وأمثاله من العلماء العرب والمسلمين ومعنى الكلمة اليونانية هو صهر المعادن وصبها . وكانت صناعة المعادن آنئذ جزءاً لا يتجزأ من عمل علماء الكيمياء والمشتغلين بهذا الفن بصفة عامة .
**علماء المسلمين حرروا علم الكيمياء من الخرافة ***
بدأت الكيمياء خرافية تستند على الأساطير البالية ، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة . وذلك لأن العلماء في الحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديث والرصاص والقصدير من نوع واحد ، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة و الجفاف والرطوبة الكامنة فيها وهي أعراض متغيرة ( نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة ، النار و الهواء و الماء والتراب)، لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير .
ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر .
فعلم الكيمياء مر بحقبة من الزمن سادتها الخرافات و الشعوذة ولكن علماء العرب المسلمين هم الذي حرروها من ذلك الضجيج الفاسد الذي لا يعتمد على علم ، بل كان مصدرها الوهم والبلبلة .
وبالفعل تأثر بعض العلماء العرب و المسلمين الأوائل كجابر بن حيان و أبو بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين من اليونان . لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها ؛ أدت هذه الدراسة إلى وضع وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية .
فمحاولة معرفة مدى صحة نظرية العناصر الأربعة ساعدت علماء العرب والمسلمين في الوقوف على عدد كبير جداً من المواد الكيماوية ، وكذلك معرفة بعض التفاعلات الكيماوية , لذا إلى علماء المسلمين يرجع الفضل في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطة مثل : التقطير- التسامي- الترشيح - التبلور - التكسيد
**مكتشفات ابن حيان في مجال الكيمياء***
كانت أهم الإسهامات العلمية لجابر في الكيمياء إدخال البحث التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي Alkali، وماء الفضة.
وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر، وماء الذهب، والبوتاس، وزيت الزاج ( حمض الكبريتيك ).
كما أنه تناول في كتاباته الفلزات، وأكسيدها، وأملاحها، وأحماض النتريك والكبريتيك، وعمليات التقطير، والترشيح، والتصعيد.
ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها ، فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية.
وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن، وتحضير الفولاذ، وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود، وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.
وشرح بالتفصيل كيفية تحضير الزرنيخ ، والأنتيمون ، وتنقية المعادن وصبغ الأقمشة.
و اكتشف أن الشب يساعد على تثبيت الألوان ، كما أنه صنع ورقاً غير قابل للاحتراق ، وحضر أيضاً نوعاً من الطلاء يمنع الحديد من الصدأ .
كما أن جابر هو أول من استعمل الموازين الحساسة ، والأوزان المتناهية في الدقة في تجاربه العلمية .
واكتشف "الصودا الكاوية" أو القطرون ، و هو أول من استحضر ماء الذهب والفضة بخلطهما بحامض الكبريت وحامض النتريك ، و أول من أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحلّ بواسطة الأحماض ، وهي الطريقة السائدة إلى يومنا هذا.
وأول من اكتشف حمض النتريك و حمض الهيدروكلوريك ، و أدخل تحسينات على طرق التبخير والتصفية والإنصهار والتبلور والتقطير.
**مؤلفاته :***
جاء في "الأعلام" للزركلي أن جابراً له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين واثنين وثلاثين وخمسمائة كتاب، لكن ضاع أكثرها. وقد ترجمت بعض كتب جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678م ، وفي سنة 1928م أعاد هوليارد صياغتها، وقدم لها بمقدمة وافية ، وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعدة قرون .
من أهم هذه الكتب :
1 - كتاب " السموم ودفع مضارها " : كتاب في خمسة فصول تبحث أسماء السموم و أنواعها وتأثيراتها المختلفة على الإنسان والحيوان. والعلامات والعلاج والحذر من السموم وفيه قسم السموم إلى سموم حيوانية ونباتية وحجرية كالزئبق والزرنيخ والزاج. وهذا الكتاب يعتبر همزة وصل بين الطب والكيمياء.
2 - نهاية الاتقان: وهو مؤلف رائد في الكيمياء.
3 - أصول الكيمياء
3 - استقصاءات المعلم
4 - الموازين الصغير
5 - كتاب الرسائل السبعين : ويشمل سبعين مقالة حول أهم تجاربه في الكيمياء والنتائج التي توصل إليها ويمكن اعتباره خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره.
توفي جابر بن حيان حوالي عام 199 هـ ، الموافق 815 م على اختلاف بين المؤرخين .
فهل بعد اطلاعنا على ماقدمه هذا العالم الجليل للعالم ، نعرف كم خسر العالم كل العالم بانحطاط المسلمين في عصرنا الحاضر ، وهل من همة لشبابنا كي نصل حاضرنا بماضينا ليكون مستقبلنا زاهراً بإذن الله ، هذا هو أملنا ولا يتحقق الأمل إلا بالعمل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

بنالعياط 29-10-2012 07:40 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
إبن المنمر

أبو الحسن علي بن محمد بن المنمر الطرابلسي

أبو الحسن علي بن محمد بن المنمر الطرابلسي* وكتابه الكافي
مظهر السُّنة ، وقامع البدعة في طرابلس الغرب

الدكتور: حمزة أبوفارس
أعده ه وقدم له: رمضان أبوغالية
28/9/2005

--------------------------------------------------------------------------------


عرفنا في بلدتنا - مسلاته - سيدي المنير، الشاطيء الجميل الذي نسب إليه بمنطقة غنيمة والذي دفن بجواره أما هو فكل ما عرفناه عنه أنه من أولياء الله الصالحين وها أنا اليوم أنقل هذا المقال، الذي كتبه فضيلة الدكتور المحقق حمزة أبوفارس، معذرةً إلى هذا العالم الجليل ابن المنمر (الإسم الصحيح) الذي دفن هناك ومخطوطه الوحيد من كتابه الكافي يقبع هنا في مكتبة تشستر بيتي* في دبلن عاصمة أيرلندا. ولست أعجب أن تطالعنا هذه السبائك الذهبية من تراثنا المدفون والذي بدأت أقلام ليبية جادة بنبشه واستخراج الدرر الكامنة فيه لتصحح مفهوما شاع ردحاً من الزمن أن هذا البلد لم يكن سواء صحراء قاحلة خلت من العلماء والشعراء والأدباء.

********

إن التعريف بكتاب من تراثنا المخطوط الذي لم يرالنوربعد وهو كتاب الكافي في الفرائض لعالم من علماء بلادنا -ليبيا ولد في طرابلس وعاش بها ومات فيها أيضاً وكان له الأثر الكبير في الأحداث التي مرت بها البلاد في زمنه على جانب كبير من الأهمية.

وما كنت أريد أن إلا كتابة أسطر قليلة في التعريف بالمؤلف، لكني عندما قرأت ما كتب عن حياة هذا الرجل آثرت أن يكون لكتابتي عن حياته النصيب الأكبر وذلكة لأسباب:

أولها : أنه على الرغم من أن الأستاذ علي مصطفى المصراتي قد كتب حوالي عشر صفحات عن هذا العالم فيها متعة أدبية تتخللها ترجمة لهذا الرجل شبه كاملة إلا أنه قد سبقه قلمه في ثلاثة مواضع بعضها أطال فيها النفس ورتب عليها أموراً لا صلة لابن المنمر بها حسب ما وصلت إليه في بحثي هذا، فأردت التنبيه إلى هذه المواضع.

وثانيها : أن هذا العالم يعرف بابن المنمر وبابن المنتصر فظن بعضهم أنهما عالمان.

وثالثها : أن في دوره السياسي والديني خلافاً وارتباكاً مصدرهما ما ذكرته في السبب السابق وغير ذلك مما سأتناوله أثناء الكلام عن دوره السياسي وتااريخ وفاته، ولم أقصد من كتابتي هذه إلا الإسهام حسب جهدي في نشر العلم والتنبيه على أهمية التعريف بعلماء هذا البلد الذين هضمت حقوقهم كتب التراجم، وضرورة البحث عن مؤلفاتهم داخل ليبيا وخارجها لنشرها محققةً وحينئذ نكون قد أسهمنا في كشف اللثام عن أجزاء من حياتنا الثقافية في العصور المختلفة.

مولده ونشأته :
ولد ابن المنمر بمدينة طرابلس سنة 348 هـ. ولا نعرف شيئاً عن أسرته ولا عن سكنه إلا ما ذكره التجاني من أن بيته يقع في وسط البلد بمقربة من الجامع الأعظم بقرب بيت أبي إسحاق الإجدابي، وهو مزاحم لمسجد أبي فرج الذي سمي باسم الفقيه ابي مسلم مؤمن بن فرج الهواري الطرابلسي لأنه كان يقريء به. ولا ندري إن كان هذا المنزل الذي كان يسكنه أبواه من قبل أم انتقل إليه أبو الحسن بعد أن بلغ أشده.

تعليمه وشيوخه :
حفظ أبو الحسن بن المنمر القرآن في صغره في طرابلس ثم اتجه ينهل من معين العلوم الشرعية واللغوية.

شيوخه في طرابلس :
لم تذكر لنا المصادر التي بين أيدينا من أسماء العلماء الطرابلسيين الذين أخذ عنهم ابن المنمر إلا واحداً وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن زكريا بن الخصيب الطرابلسي، المعروف بابن زكرون. سمع من الجيزي وابن الجارود وأبي العرب. انتفع به أهل طرابلس، وعليه تفقه ابن المنمر. تآليفه كثيرة في الفقه والفرائض والشروط كان فقيهاً صالحاً زاهداً. توفي سنة 370 هـ.

رحلاته وشيوخه خارج طرابلس :
ثم ذهب ابن المنمر إلى القيروان، ولا نعرف بالتحديد تاريخ رحلته إلى القيروان ولكنه كان قبل سنة 385 هـ. إذ قد ذهب إلى مصر وأخذ عن الجوهري المتوفى سنة 385 هـ كما سنعرف فيما بعد، كما أنه لايمكن أن يكون ذهابه إلى القيروان بعد سنة 386 هـ لأنه أخذ عن ابن أبي زيد القيرواني وهذا توفي سنة 386 هـ، إذاً من المرجح أنه سافر إلى القيروان بعد أن توفي شيخه ابن زكرون سنة 370هـ.

شيوخه في القيروان :
وفي القيروان أخذ عن شيخين من ائمة المالكية هما :
1- أبو محمد عبدالله بن أبي زيد عبد الرحمن القيرواني النفراوي، أشهر فقهاء المالكية في المائة الرابعة، كان واسع العلم كثير الحفظ والرواية. تفقه بفقهاء بلده، وسمع من شيوخها، سمع منه خلق كثير. تآليفه كثيرة مشهورة منها: الرسالة، والنوادر والمختصر. توفي سنة 386 هـ.
2- أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بالقابسي. كان واسع الرواية عالماً بالحديث. سمع منه ابن المنمر. تآليفه كثيرة منها: الممهد، والمنقد من شبه التأويل والمنبه، وكتاب المعلمين. توفي بالقيروان سنة 403 هـ.

شيوخه في مصر :
ثم ذهب ابن المنمر إلى مصر –لعله في طريقه إلى الحج– فسمع –فيما نقل إلينا- من شيخين هما:
1- أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالله الجوهري. فقيه مالكي كثير الحديث، من شيوخ الفسطاط. ألف كتاب مسند الموطأ، ومسند ما ليس في الموطأ. توفي سنة 385 أو 381 هـ.
2- محمد بن أحمد بن عبيد بن محمد بن عبدالله بن موسى، أبوعبدالله الوشاء المصري الفقيه المالكي، توفي سنة 397 هـ.

شيوخه في مكة المكرمة :
ثم سافر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وكان ذلك سنة 389 هـ. ولقي بمكة أحد العلماء المحدثين فأخذ عنه وسمع منه وهو:
أبو الحسن أحمد بن عبدالله بن حميد بن رزيق البغدادي. كان من الثقات الأثبات. روى عن المحاملي ومحمد بن مخلد. وسمع منه ابن المنمر بمكة. توفي سنة 391 هـ.

هذا هو الصواب في اسم هذا الشيخ (رزيق) براء ثم زاي معجمة كما وردت في ترتيب المدارك وقد تصحفت إلى زريق بزاي معجمة ثم راء مهملة في رحلة التجاني المطبوعة، ولابد أن التصحيف من نفس المخطوطة؛ لأن الذين نقلوا عم التجاني نقلوا الإسم مصحفاً، وهذا الذي حدث في المنهل العذب وأعلام ليبيا ونفحات النسرين، لكنهم لم يزيدوا عن قولهم: لقي أحمد بن زريق البغدادي، أما الأستاذ علي مصطفى المصراتي في كتابه أعلام من طرابلس فقد فهم من هذه العبارة أن ابن المنمر أخذ في مكة عن الشاعر الأديب ابن زريق البغدادي، وانطلق الأستاذ المصراتي يصف جلسات بن المنمر أمام أستاذه الشاعر الأديب ابن زريق في ظلال الكعبة صاغياً منصتاً راوياً لشعره ولقصيدته المشهورة، وينقل الأستاذ المصراتي بعض أبياتها متخيلاً أن ابن المنمر ينطبق عليه ما ينطبق على على ابن زريق إلخ كلامه.

ويجعل الأستاذ المصراتي ابن المنمر قد استكمل الظرف قياساً على ما قيل قديماً: "ومن تختم بالعقيق، وقرأ لأبي عمرو وحفظ قصيدة ابن زريق فقد استكمل الظرف " والحقيقة أن أن ابن المنمر قد استكمل الظرف، لا بتختمه بالعقيق ولا بحفظه قصيدة ابن زريق، وإنما بتعلمه وتطبيقه لها علماً وعملاً، ولم يجلس في ظلال الكعبة ليسمع بعض الشعراء يتغنى بأشعاره ليعود لبلاده ظريفاً يلتف حوله بعض الشباب يستمتعون بما يردده، وإنما جلس بجانب الكعبة في حلقة درس في الحديث والفقه رجع على إثره إلى طرابلس يحرك الناس ضد الباطل بدروسه قولاً وتطبيقاً كما سنعرف فيما بعد في كلامنا عن الحالة السياسية في عهده وموقفه منها.

لكن هذه الأوصاف جاءت من تصحيف كلمة رزيق إلى زريق كما عرفنا في بداية كلامنا.

وقد تبع الدكتور أحمد مختار عمر الأستاذ المصراتي فجعل ابن المنمر تلميذاً لابن زريق الشاعر، وقال إن ابن المنمر زج بنفسه في حلقات أهل الفكر والأدب ورواة الشعر. وقد علمنا مصدر الخطأ في هذا كله.

تلاميذه :
رجع ابن المنمر إلى بلده طرابلس فجلس يبث علمه، وجاء الطلبة من كل صوب يسمعون منه، ناهيك عن طلبة طرابلس، ومن هؤلاء:

1- أبو القاسم عبد الرحمن بن محرز القيرواني. له تعليق على المدونة، وكتاب القصد والإيجاز. توفي حوالي سنة 450هـ.

2- أبو يعقوب يوسف بن عبد الرحمن بن عبدالله بن حماد المجريطي، وهو ثقة خير فاضل، سمع الناس منه. توفي بمجريط سنة 473 هـ. وكان مولده سنة 395 هـ.


الحالة السياسية والفكرية في طرابلس
في عهد ابن المنمر وموقفه منها

ولد ابن المنمر كما عرفنا سنة 348 هـ أي في عهد الدولة الفاطمية، وشب فوجد بلاده محكومةً من قبل المعز بن المنصور الفاطمي:

ولما رحل المعز إلى مصر سنة 362 هـ ولى عبدالله بن يخلف على طرابلس وبرقة، وكان مقره في طرابلس.

فلما مات المعز في مصر سنة 365 هـ، تولى بعده العزيز بالله، فطلب منه بلكين بن زيري الصنهاجي أن يضيف ولاية طرابلس إلى أعماله ففعل، وحينئذ تولى طرابلس يحي بن خليفة الملياني، ولم تطل ولايته، فتولاها من بعده عوصلة بن بكار الصنهاجي.
وفي سنة 373 هـ توفي يوسف بن بلكين زيري، فتولى بعده ابنه المنصور، ثم توفي المنصور سنة 385 هـ فتولى بعده ابنه باديس. ثم تولى الحاكم بأمر الله، فعقد ليانس الصقلي على طرابلس سنة 390هـ، ثم استولى فلفول بن سعيد بن خزرون على طرابلس، وبعث بالطاعة إلى الحاكم بأمر الله سنة 391هـ. واستبد فلفول بطرابلس، وحدثت فتنة كبيرة بينه وبين باديس، واستغاث الأول بمصر، فلم يصله شيء، فبعث بطاعته إلى المهدي محمد بن عبد الجبار بقرطبة، واستغاثه أيضاً فأغاثه، ولكن فلفول مات قبل وصول المدد سنة 400 هـ فاجتمعت زناته فولت أخاه ورو بن خزرون، وزحف باديس إلى طرابلس واستولى عليها، وتركها ورو، ثم طلب هذا الأخير الأمان من باديس، فأمنه على أن يخرج من طرابلس.

وولى باديس محمد بن الحسن على طرابلس، وما لبث ورو أن عاد للهجوم عليها من جديد بمن معه من زناته، ودارت حرب بين الفريقين، فبعث باديس إلى خزرونبن سعيد وغيره من الأمراء ليحاربوا ورو، ووقعت بين الفريقين معركة لحق أثناءها أصحاب خزرون بأخيه ورو، وكثرت الفتن بطرابلس، واشتد فساد باديس فانتقم ممن عنده من زناته بسبب مساعدتهم عدوه.

وفي سنة 405 هـ بعث ورو بطاعته إلى باديس لكنه ( أي ورو ) ما لبث أن هلك وانقسم قومه على ابنه خليفة وأخيه خزرون، وأفلح محمد بن الحسن، عامل طرابلس، في الوقيعة بينهم. ثم اجتمعت كلمة أكثرهم على خليفة، فحارب خزرون وغلبه، وبعث بطاعته إلى باديس، ولحق خزرون بن سعيد بمصر.

وفي السنة نفسها توفي باديس، وتولى بعده أمر إفريقيا إبنه المعز، وقلده الحاكم بأمر الله. واستبدل المعز بمحمد بن الحسن عامل طرابلس أخاه عبدالله بن الحسن. وتوفي الحاكم بأمر الله سنة 411 هـ وقبل وفاته توالى هجوم خليفة بن ورو على طرابلس من سنة 406 هـ إلى سنة 414 هـ حين قتل محمد بن الحسن، فنقض أخوه عبدالله، عامل طرابلس، عهده مع المعز، وأمكن خليفة بن ورو وقومه من طرابلس فقتلوا الصنهاجيين واستولوا عليها، وخاطب خليفة هذا الظاهر بن الحاكم بأن يحفظ عهده على طرابلس فأجابه إلى ذلك.

ثم قدم سعيد بن خزرون من مصر إثر وقوع الفتنة بين الترك والمغاربة في مصر. وقدم معه أخوه المنتصر إلى طرابلس، فأقاما بنواحيها، ثم تولى سعيد حكم طرابلس بمساعدة من الزناتيين، وفر ابن عمه خليفة بن ورو، وظل سعيد حاكماً لها حتى قتل فتولى ولايتها خزرون بن خليفة، ولم يمكث هذا الأخير إلا قليلاً حتى زحف عليه المنتصر بن خزرون وافتكها منه وأوقع بمن ساعد خزرون من العلماء والأهالي الأذى الكثير.

أما فيما يتعلق بالناحية الفكرية في عصر ابن المنمر فإننا نعرف أنه فبل أن يستولي الشيعة على الحكم في المنطقة كان غالبية سكانها على مذهب أهل السنة والجماعة، وفي الفروع على مذهب مالك، رضي الله عنه‘ ويكفي أن نعلم أن علي بن زياد الذي سمع من مالك موطأه، وككان له فضل إدخاله إلى هذه المنطقة قد ولد بطرابلس. واستمر الأمر كذلك إلى أن استولى الفاطميون على الحكم.

وبما أن الحالة الثقافية لايمكن فصلها عن الحالة السياسية على الدوام، فما أن تمكن العبيديون الروافض من الحكم في طرابلس حتى تحركوا بقوة للتمكين لمذهبهم، ونشر مبادئهم، فهل استطاعوا ذلك بسهولة.

أجبر بنو عبيد أهل طرابلس، كغيرهم من مناطق نفوذهم، على قطع صلاة الضحى وتراويح رمضان وإضافة " حي على خير العمل " في الأذان، مع ذلك فإن قلوبهم مطمئنة بالإيمان بمذهب أهل السنة والجماعة يطبقون مذهبهم إمامهم مالك في خاصتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

وكان ابن المنمر امتداداً لسلسة العلماء في طرابلس الذين كان آخرهم، قبل ابن المنمر، شيخه ابن ( زكرون ) وهؤلاء العلماء يمثلون الفكر والثقافة في هذا البلد.

كان أبو الحسن بن المنمر من أهل السنة، وفقيهاً مالكياً، وقد أتيحت لهذا الرجل كما عرفنا رحلات علمية إلى القيروان، ثم إلى مصر ومكة، وعاد إلى طرابلس وقد جمع بين العلم والعمل، والعمل هو الذي ميزه وحفظ اسمه في التاريخ من بين علماء وقته، فإن العلماء في كل وقت كثيرون، وقليل منهم هم العاملون، وكان ابن المنمر من هذه القلة، فقد جلس في أحد مجالس طرابلس يلقي الدروس في شتى العلوم، وكان إلى جانب ذلك آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر عاملاً بالسنن مزيلاً للبدع، فجرته هذه الصفات إلى أمرين:
الأول : أن ابن المنمر كان له أثر كبير في تسيير الحياة الثقافية والسياسية في بلده، وذلك بما اكتسبه من حب واحترام وطاعة من أهل بلده، فعلى الرغم من هيمنة الفاطميين وأتباعهم من الناحية السياسية وما بذلوه من جهد لتغيير ثقافة البلد إلا أن صمود ابن المنمر في وجه هذا التغيير جعلهم يفشلون فشلاً ذريعاً، وحافظ المجتمع على ثقافته.

والذي يوضح أن ابن المنمر كان بهذه المكانة من التأثير في الحالة السياسية أنه لما أمر الأهالي أن يفتحوا المدينة لخزرون ابن خليفة بعد مقتل سعيد فعلوا ذلك ولما ظفر به المنتصر بن خزرون سلبه ونفاه، لكنه لم يجرؤ على قتله ؛ لأنه قدر أن قتله سيثير عليه الناس.

الثاني : هو أن امتلاء العبيديين وأشياعهم على ابن المنمر غيضاً جعلهم يتربصون به. بسبب ما كان يدعو إليه من التشبت بمذهب أهل السنة وتطبيق فروع المالكية متى أمكنه ذلك.

محنته ووفاته :
قال التجاني متحدثاً عن محنة ابن المنمر: "فلم يزل بها (أي طرابلس) إلى سنة ثلاثين وأربعمائة، فخرج منها لمحنة جرت عليه، فتوجه إلى موضع يعرف بغنيمة، قرية من قرى مسلاته فسكن بها إلى أن توفي هناك سنة اثنين وثلاثين ( وأربعمائة )، وقبره الان على الطريق بها. وكان سبب محنة الفقيه أبي الحسن أن سعيد بن خزرون لما قتلته زغبة سنة تسع وعشرين وأربعمائة، فتح أبوالحسن بن المنمرمدينة طرابلس لخزرون بن خليفة، فدخلها وأقام بها شهراً، ثم لما تم شهر ربيع الأول من سنة ثلاثين وصل المنتصر بن خزرون، وكانت معه عساكر زناته، ففر خزرون بن خليفة من طرابلس مختفياً وترك له البلد، فدخله المنتصر، وأوقع بأبي الحسن مكروهاً عظيماً ونفاه من البلد، واستباح جميع أملاكه، وعذب كثيراً من أقاربه بسببه.

مؤلفاته :
توفي ابن المنمر لكنه أبقى ذكره حياً وذلك بما تركه من مؤلفات تدرس بعده وتتناقلها الأجيال بالسند إلى المؤلف، فما هي المؤلفات التي خلفها مترجمنا.

يذكر مترجموه أنه صنف كتباً في الحساب والأزمنة والفرائض، لكنهم لم يسموا تلك المؤلفات باستثاء كتابه في الفرائض فإنه يعرف بالكافي. ويفهم من كلام المترجمين أن الكافي هو أهم كتبه؛ لأن العلماء الذين كانوا يمرون بطرابلس يحرصون على قراءة هذا الكتاب على مؤلفه في حياته ثم على تلاميذه أو تلاميذ تلاميذه بعد مماته.


كتاب الكافي

موضوعه : ألف ابن المنمر كتاب الكافي في علم الفرائض، وهو يشتمل على علم المواريث الثلاثة: الفقه، الحساب، العمل.

أهميته :
هذا الكتاب مهم في بابه لأنه :

أولاً : اشتمل على ما يقارب المائة والخمسين ورقة أي حوالي ثلاثمائة صفحة، ولذا فهو يعتبر كتاباً ضخماً.

ثانياً : مصدر قديم لهذا العلم؛ إذ لانعرف مصدراً أقدم منه فيما وصل إلينا من مؤلفات خصوصاً في المذهب المالكي.

ثالثاً : كان عمدةً في بابه حتى في حياة المؤلف، فقد كان الناس-كما قلنا- يحرصون على سماعه. وتتضح أهميته بما وصفه به مترجموا ابن المنمر، ولنسمع ما يقوله عياض: "وكان فقيهاً فرضياً، له في الفرائض كتاب مشهور، سماه الكافي" وكفى بهذه الشهادة من إمام من أئمة المالكية.

ومما يدل على شهرة الرجل وكتابه الكافي مجيء بعض التلاميذ ومكوثهم زمناً يأخذون عن الشيخ أبي الحسن العلم، وخصوصاً الفرائض.

وقد بقي الكتاب مشهوراً معروفاً حتى بعد وفاة مؤلفه، ويقرأه المشايخ في مجالس العلم.

نسخه :
كنت قبل سنوات أظن أن الكتاب مفقود كبقية كتب ابن المنمر، لكني علمت فيما بوجودنسخة منه في مكتبة تشستربيتي في أيرلندا، لعل الله ييسر لي تحقيقها ونشرها قريباً.

وهذه النسخة هي الوحيدة فيما أعلم، تحتوي على مائة وأربعين ورقةً عدد أسطر كل صفحة 18. مقاسها12.7 x17.8. بها نقص قليل من أولهاوأول الموجود منها:

" إنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يارسول الله كيف نصلي عليك؟.."، ثم تكلم المؤلف في فضل المدينة فعقد لذلك باباً في أول الكتاب فقال :" باب ما جاء في فضل المدينة وعالمها.."

ثم تحدث عن المواريث : "باب الوجوه التي يجب فيها الميراث..."

وينتهي الكتاب بباب الخنثى المشكل وآخره: "والله تعالى الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه تسليماً كثيراً. آخر الكتاب".

وهذه النسخة بخط النسخ كتبها محمدبن عيسى المغربي، وقد فرغ منها في 14 من رجب سنة 901هـ. وفي آخرها مقابلة على أصل صحيح.

وكتاب الكافي، حسب هذه النسخة،مقسم إلى كتب، وكلما تم كتاب ختم وبديء بالكتاب الذي بعده.

وقد جاء اسم المؤلف مصرحاً بهفي نهاية الكتاب الثاني، فقد جاء في الورقة 55:
"تم الكتاب الثاني من كتاب الكافي في الفرائض والحساب على مذهب مالك بن أنس رحمه الله.. مجموع من الموطأ.. مما عني بجمعه وتأليفه أبو الحسن علي بن محمد الطرابلسي. فيه أصول الفرائض، والعمل في العول ووجوه الاختصار في الحساب والعمل في المناسخة".

مصادره :
اعتمد ابن المنمر في كتابه الكافي كما صرح به في بعض المواضع على أمهات الفقه المالكي كالموطأ والمدونة والعتبية وغيرها من كتب أصحاب مالك. وهذا يزيد أهمية الكتاب ويميزه عن غيره من الكتب، ويجعله جديراً بالتحقيق والنشر.


--------------------------------------------------------------------------------

* نشرت هذه الدراسة في مجلة العلوم الإنسانية الصادرة عن كلية الآداب والتربية بجامعة ناصر بزليتن. العدد الثاني 1991 م.
*يعمل الدكتور حمزة أبوفارس على تحقيقه في هذه الفترة على أمل طبعه قريباً.
* أنظر مقال ابن المنمر في دبلن المنشور في صحيفة ليبيا اليوم، في شؤؤن تاريخية.

المصادر والمراجع
1- أعلام من طرابلس : علي مصطفى المصراتي- الدار الجماهيرية للنشر والتزيع والإعلان
2- أعلام ليبيا: الطاهر أحمد الزاوي- مكتبة الفرجاني- طرابلس- ليبيا- الطبعة الثانية 1971 م
3- تاريخ ابن خلدون: عبدالرحمن بن خلدون ( الجزء السابع) مؤسسة جمال للطباعة والنشر- بيروت 1970م
4- تاريخ ليبيا الإسلامي: الدكتور عبد اللطيف البرغوثي- منشورات الجامعة الليبية 1973 م
5- تاريخ الفتح العربي في ليبيا : الطاهر أحمد الزاوي- دار الفتح بيروت ودار الثرات – ليبيا الطبعة الثالثة 6- ترتيب المدارك: القاضي عياض اليحصبي ( الجزء السابع ) تحقيق سعيد أحمد أعراب- طبعة وزارة الأوقاف المغربية 1982 م.
7- الديباج المذهب : إبراهيم بن فرحون – دار الكتب العلمية – بيروت- تصوير بالأوفست لطبعة القاهرة 1353 هـ
8- رحلة التجاني : عبدالله بن محمد التجاني – تحقيق حسن حسني عبد الوهاب – الدار العربية للكتاب – ليبيا – تونس – 1981 م.
9- شجرة النور الزكية : محمد بن محمد مخلوف- دار الكتاب العربي – بيروت تصوير بالأوفست للطبعة السلفية.
10- شذرات الذهب : ابنالعماد الحنبلي- دار الأفاق الجديدة –بيروت.
11- المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب : أحمد النائب الأنصاري – مكتبة الفرجاني- طرابلس – ليبيا
12- مجلة كلية الآداب والتربية: بنغازي- المجلد الأول 1958 م.
13- نزهة الأنظار ( الرحلة الوثيلانية ) الحسين بن محمد الورثيلاني – دار الكتاب العربي – بيروت
14- نفحات النسرين : أحمد النائب الأنصاري- تحقيق : علي مصطفى المصراتي – المكتب التجاري – بيروت – الطبعة الأولى 1963م.
15- النشاط الثقافي في ليبيا : الدكتور أحمد مختار عمر – منشورات الجامعة الليبية طرابلس 1971م.
16- ولاة طرابلس : الطاهر أحمد الزاوي – دار الفتح للطباعة والنشر- بيروت – والسيد أحمد الرماح بوشنة- ليبيا – الطبعة الأولى 1970 م.

بنالعياط 29-10-2012 07:45 PM

رد: من اسباب الانحطاط الاسلامي...فتوة سلفية..
 
بن المقفع

(106 - 142 هـ)(724 م ـ 759 م) (بالفارسية:ابن مقفع‎ - أبو مٰحَمَّد عبد الله روزبه بن دادویه) وهو مفكّر فارسي زرادشتي اعتنق الإسلام, وعاصر كلاً من الخلافة الأموية والعباسية.

درس الفارسية وتعلّم العربية في كتب الأدباء واشترك في سوق المربد. نقل من البهلوية إلى العربية كليلة ودمنة. وله في الكتب المنقولة الأدب الصغير والأدب الكبير فيه كلام عن السلطان وعلاقته بالرعية وعلاقة الرعية به والأدب الصغير حول تهذيب النفس وترويضها على الأعمال الصالحة ومن أعماله أيضاً مقدمة كليلة ودمنة.
محتويات

1 سيرة
2 صفاته
3 سبب مقتله
4 ابن المقفّع بين فكّي التاريخ
5 المصادر
6 مؤلفات
7 أشهر اقواله
8 مراجع

سيرة

هو عبد الله بن المقفع، فارسي الأصل، وُلِد في قرية بفارس اسمها (جور) كان اسمه روزبه پور دادویه (روزبه بن دادوية)، وكنيته "أبا عمرو"، فلما أسلم تسمى بعبدالله وتكنى بأبى محمد ولقب أبوه بالمقفع لأن الحجاج بن يوسف الثقفى عاقبه فضربه على يديه حتى تقفعتا (أى تورمتا واعوجت أصابعهما ثم شلتا).
صفاته

اشتهر (عبد الله بن المقفع) بذكائه وكرمه وأخلاقه الحميدة ونستطيع أن نعرف عنه صدقه من خلال كتاباته وحبه للأصدقاء حتى قال:"ابذل لصديقك دمك ومالك" وذات مرة سُئل ابن المقفّع عن الأدب والأخلاق فقيل له: "من أدّبك"؟ فقال: "إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبَيْته". وقد اتهمه حساده بفساد دينه، وربما كان الاتهام واحد من أسباب مقتله، ولا نجد في شيء من كتاباته ما يؤكد صدق هذا الاتهام.

جمع بين الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية، فنال من كل هذه الثقافات نصيبًا وافرًا من الفصاحة والبلاغة والأدب، ولا يخفى هذا الأثر الطيِّب إذا تصفّحتَ مؤلفًا من مؤلفاته، فتنهال عليك الحكمة من بين الأسطر، وتنعم بالأسلوب السلس، والذوق الرفيع

كان حافظا للجميل فمن أهم اقواله :"اذا أسديت جميلاً إلى إنسان فحذار ان تذكره وإذا اسدى إنسان اليك جميلاً فحذار ان تنساه " والعديد والعديد من الصفات الرائعه
سبب مقتله

في ظل الدولة العباسية اتصل ابن المقفّع بعيسى بن علي عم السفاح والمنصور واستمر يعمل في خدمته حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل المنصور.

والأرجح أن سبب مقتله يعود إلى المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ابن المقفع ليوقّع عليه أبو جعفر المنصور، أماناً لعبد الله بن عليّ عم المنصور. وكان ابن المقفع قد أفرط في الاحتياط عند كتابة هذا الميثاق بين الرجلين (عبد الله بن علي والمنصور) حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده. ومما جاء في كتاب الأمان: إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت "نساؤه طوالق، وكان الناس في حلّ من بيعته"، مما أغاظ المنصور فقال: "أما من أحد يكفينيه"؟ وكان سفيان بن معاوية يبيّت لابن المقفع الحقد، فطلبه، ولما حضر فيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور ويكرهه على أكل جسده مشويًا حتى مات.
ابن المقفّع بين فكّي التاريخ

دافع عنه غير واحد من المؤرخين، ودحضوا عنه تهمة الزندقة التي اتهمها به أعداءه، منهم وائل حافظ خلف في تصديره لكتاب الأدب الصغير، وفي كتابه "خواطر حول كتاب كليلة ودمنة"، حيث قال في الكتاب الأول : ((كان عبد الله بن المقفع مجوسيًّا من أهل فارس، وكان يسمى روزبه بن داذويه، وأسلم على يد عيسى بن علي عم السفاح والمنصور، وأطلقوا على أبيه : المقفع – بفتح الفاء - ؛ لأن الحجاج بن يوسف الثقفي كان قد استعمله على الخراج، فخان، فعاقبه حتى تقفعت يداه. وقيل : بل هو المقفع – بكسر الفاء - ؛ نُسب إلى بيع القفاع وهي من الجريد كالمقاطف بلا آذان. وقد مات مقتولاً، واختلفوا في سبب مقتله والطريقة التي قُتل بها وفي سنة وفاته أيضًا، ومهما يكن من أمر فإنا لا نسلم أبدًا لمن قال: إنه قُتل على الزندقة ! واستدل بما أورده العلامة ابن كثير في "البداية والنهاية" [1] عن المهدي قال : ((ما وجد كتاب زندقة إلا وأصله من ابن المقفع، ومطيع بن إياس، ويحيى بن زياد)) قالوا : ونسي الجاحظ، وهو رابعهم !!)) ا.هـ ونقول: أما "فلانٌ" وأمثالُه مِنَ الحَوَاقِّ فعسى، وأما ابن المقفع فلا ؛ فَكُتُبُهُ بين أيدينا تكاد تنطق قائلة : ((وايم الله ! إنَّّ صاحبي لبريء مما نُسب إليه)) !. وليت شعري كيف ساغ لفلان وفلان وفلان ممن ترجموا للرجل أن يجزموا بذلك، وكلهم قد صَفِرَت يَدُهُ من البرهان؟ إنْ هي إلا تهمة تناقلوها بدون بيان. وقِدْمًا اتهموا أبا العلاء المعري بذلك حتى قيض الله له مِن جهابذة المتأخرىن مَن أثبت بالدليل الساطع والبرهان القاطع براءته. فتبصروا رحمكم الله)) انتهى كلامه. [2]

وكان ابن المقفّع صاحب علم واسع، وعرف الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية. وإذا كان ابن المقفّع اظهر عيوب النُّظُم الإدارية في عصره وفضّل النظم الإدارية الفارسية، فالحقيقة إن العرب كانوا بعيدين عن النظم الإدارية. فبعد قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول، أخذ الفاروق عمر بن الخطاب الكثير من النظم الإدارية عن الفرس، واستطاع بهذا بناء دولة قوية. وكان لهذا أثره الكبير في تطوّر الدولة العربية.

قتل ابن المقفّع وهو في مقتبل العمر، ولم يتجاوز السادسة والثلاثين عند موته. إلا انه خلّف لنا من الآثار الكثيرة ما يشهد على سعة عقله وعبقريته، وانه صاحب المدرسة الرائدة في النثر.

عرف ابن المقفع بكرهه للنساء وخوفه من مكائدهن وقد وصفهن بالطعام لاياكله الإنسان الا إذا جاع والطعام سريع الفساد! وقد كان وسيم الملامح.
المصادر

^ [ (ج10/ ص78) ط/ مكتبة الصفا ]
^ مقدمة "الأدب الصغير" لابن المقفع، قرأه وعلق عليه : وائل حافظ خلف، حاشية ص5-6، ط/ دار الأمل بالإسكندرية.

مؤلفات

بعض مؤلفات ابن المقفّع نقل من الفارسية واليونانية والهندية. ومن مؤلفاته:

- الدرة الثمينة والجوهرة المكنونة.
- مزدك.
- باري ترمينياس.
- أيين نامة ـ في عادات الفرس.
- التاج ـ في سيرة أنو شروان.
- أيساغوجي ـ المدخل.
-ميلية سامي ووشتاتي حسام وعمراني نوفل
- الأدب الصغير. نشره "طاهر الجزائري"، ثم نُشر بتحقيق "أحمد زكي باشا" سنة 1911 م، وصدر حديثًا بتحقيق "وائل حافظ خلف" سنة 2011 م.
- رسالة الصحابة.
- كليلة ودمنة ـ نقله عن الهندية. (ترجمة)
- الادب الكبير

بقي ابن المقفّع وبقيت الكتب التي كتبها أو نقلها عن الفارسية أو الهندية والبنغالية أو اليونانية مرجعا لأنّ الكتب الأصلية ضاعت.
أشهر اقواله

علينا أولا أن نشير إلى أن ابن المقفع قد نقل رهطا كبيرا من الحكم عن الفارسية ومآثر العرب وكل ما وجده من أقوال ذات أثر عظيم في نفس البشر كحكم الفلاسفة اليونان مثلا. ولابد على كل من يريد أن يقرأ حكم بليغ العرب أن يرجع إلى كتبه المعروفة: كليلة ودمنة، الأدب الصغير والأدب الكبير، الدرة اليتيمة ورسالة الصحابة. ولابأس أن نأتي لا تدري أيهما أصوبُ فانظر أيهُما أقربُ إلى هواك فخالفه، فإن أكثر الصواب في خلاف الهوى. وليجتمع في قلبك الافتقارُ إلى الناس والاستغناء عنهم، وليكن افتقارك إليهم في لين كلمتك لهم، وحسن بشرك بهم. وليكن استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك، وبقاء عزك.

وقال: اعلم أن لسانك أداةٌ مُصلتةٌ، يتغالبُ عليه عقلُك وغضبُك وهواك وجهلك. فكُل غالبٍ مستمتعٌ به، وصارفه في محبته، فإذا غلب عليه عقلك فهو لك، وإن غلب عليه شيءٌ من أشباه ما سميتُ لك فهو لعدوك. فإن استطعتَ أن تحتفظ به وتصونهُ فلا يكونَ إلا لك، ولا يستولي عليه أو يشاركك فيه عدوك، فافعل.

وقال: إذا نابت أخاك إحدى النوائب من زوال نعمة أو نزول بلية، فاعلم أنك قد ابتليتَ معه: إما بالمؤاساة فتشاركه في البلية، وإما بالخذلان فتحتملُ العارَ فالتمس المخرجَ عند أشباه ذلك، وآثر مروءتك على ما سواها. فإن نزلت الجائحةُ التي تأبى نفسك مشاركةَ أخيك فيها فأجمل، فلعلّ الإجمال يسعك، لقلة الإجمال في الناس. وإذا أصاب أخاك فضلٌ فإنه ليس في دنوك منه، وابتغائك مودته، وتواضعك له مذلةٌ. فاغتنم ذلك، واعمل به.
مراجع

^ [ (ج10/ ص78) ط/ مكتبة الصفا ]
^ مقدمة "الأدب الصغير" لابن المقفع، قرأه وعلق عليه : وائل حافظ خلف، حاشية ص5-6، ط/ دار الأمل بالإسكندري


الساعة الآن 01:13 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى