رد الاعتداء على السنة النبوية
14-07-2018, 11:07 AM
رد الاعتداء على السنة النبوية
محمد بن سعيد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَقَد قَالَ السُّيُوطِيُّ –رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي:(مِفتَاحِ الجَنَّة):
«اعْلَمُوا -يَرْحَمُكُمْ اللَّه- أَنَّ مِنَ الْعِلمِ كَهَيئَةِ الدَّوَاء, وَمِنَ الآرَاءِ كَهَيئَةِ الْخَلَاء؛ لَا تُذكَرُ إِلَّا عِنْدَ دَاعِيَةِ الضَّرُورَة، وَإِنَّ مِمَّا فَاحَ رِيحُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَكَانَ دَارِسًا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُنْذُ أزمانٍ، أَنَّ قَائِلًا رَافِضِيًّا زِندِيقًا أَكثَرَ فِي كَلَامِهِ أَنَّ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ وَالْأَحَادِيثَ المَروِيَّةَ -زَادهَا اللَّهُ عُلوًّا وَشَرَفًا- لَا يُحْتَجُّ بهَا، وَأَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْقُرْآنِ خَاصَّة، وَأَورَدَ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثًا وَهُوَ: «مَا جَاءَكُم عَنِّي مِنْ حَدِيثٍ فَاعرِضُوهُ عَلَى الْقُرْآن، فَإِنْ وَجَدْتُم لَهُ أَصلًا فَخُذُوا بِهِ وَإِلَّا فَردُّوهُ».
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّه- فَقُلتُ لَهُ: مَا رَوَى هَذَا أَحَدٌ يَثبُتُ حَدِيثُهُ فِي شَيْءٍ صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ, وَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ عَن رَجُلٍ مَجْهُولٍ، وَنَحنُ لَا نَقبَلُ مِثلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي شَيْءٍ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ فِي عَرْضِ الحَدِيثِ عَلَى الْقُرْآنِ: بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ يَنعَكِسُ عَلَى نَفسِهِ بِالْبُطْلَانِ، فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ دَلَالَةٌ عَلَى عَرضِ الحَدِيثِ عَلَى الْقُرْآنِ.
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هَكَذَا سَمِعْتُ هَذَا الْكَلَامَ بجُمْلَتِهِ مِنْهُ, وَسَمِعَهُ مِنْهُ خَلائِقُ غَيْرِي، فَمِنهُم مَنْ لَا يُلقِي لِذَلِكَ بَالًا, وَمِنْهُم مَنْ لَا يَعرِفُ أَصلَ هَذَا الْكَلَامِ وَلَا مِنْ أَيْن جَاءَ, فَأَرَدْتُ أَنْ أُوَضِّحَ لِلنَّاسِ أَصلَ ذَلِكَ، وَأُبيِّنَ بُطْلَانَهُ، وَأَنَّهُ مِنْ أَعظَمِ المَهَالِك.
وَأَصلُ هَذَا الرَّأْيِ الْفَاسِدِ -وَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ لَا يُحْتَجُّ بِهَا, وَأَنَّ السُّنَّةَ لَا قِيمَةَ لهَا-: أَنَّ الزَّنَادِقَةَ وَطَائِفَةً مِنْ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ ذَهَبُوا إِلَى إِنْكَارِ الِاحْتِجَاجِ بِالسُّنَّةِ وَالاقتِصَارِ عَلَى الْقُرآنِ, وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُختَلِفُو الْمَقَاصِدِ، فَمِنْهُم: مَنْ كَانَ يعْتَقِدُ أَنَّ النُّبُوَّةَ لِعَلِيٍّ, وَأَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَخطَأَ فِي نُزُولِهِ على سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صلى الله عليه وسلم -تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا-، وَمِنْهُم: مَنْ أَقَرَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنُّبُوَّةِ، وَلَكِنْ قَالَ: إِنَّ الخِلَافَةَ كَانَت حَقًّا لِعَلِيٍّ, فَلَمَّا عَدَلَ بِهَا الصَّحَابَةُ عَنهُ إِلَى أَبِي بِكرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ-؛ قَالَ هَؤُلَاءِ المَخْذُولُونَ -لَعَنَهُمُ اللَّهُ- ، وَاللَّعنُ مِنَ السُّيُوطِيِّ –رَحِمَهُ اللَّهُ- كَفَرُوا حَيْثُ جَارُوا وَعَدَلُوا بِالْحَقِّ عَنْ مُسْتَحقِّه.
-وَالضَّمِيرُ فِي قَولِهِ: كَفَرُوا؛ يَعُودُ إِلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُم-
بَلْ إِنَّ هَؤلَاءِ الزَّنَادِقَةَ كَفَّرُوا -لَعَنَهُمُ اللَّهُ- عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ- أَيْضًا؛ لِعَدَمِ طَلَبِهِ حَقَّهُ, فَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ رَدَّ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا عِندَهُم بِزَعمِهِم مِنْ رِوَايَةِ قَومٍ كُفَّارٍ -فَإنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون-.
وَهَذِهِ آرَاءٌ مَا كُنْتُ أَسْتَحِلُّ حِكَايَتَهَا لَوْلَا مَا دَعَت إِلَيهِ الضَّرُورَةُ؛ مِنْ بَيَانِ أَصْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ الْفَاسِدِ الَّذِي كَانَ النَّاسُ فِي رَاحَةٍ مِنْهُ مِنْ أَعْصَارٍ».
فَأَصْلُ إِنكَارِ السُّنَّة، وَأَصْلُ الحَمْلِ عَلَى الصَّحَابَةِ –رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُم-؛ هُوَ: أَصلُ هَؤلَاءِ الزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ كَفَّرُوا الأَصحَابَ –رِضوَانُ اللَّهِ عَلَيهِم-, فَهَؤلَاءِ فِي هَذَا العَصرِ يَعُودُونَ إِلَى أُولئِك, وَقَدْ كَانَ أَهلُ هَذَا الرَّأْيِ مَوجُودِينَ بِكَثْرَةٍ فِي زَمَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَمَنْ بَعْدَهُم، وَتَصَدَّى الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَصْحَابُهُم فِي دُرُوسِهِم وَمُنَاظَرَاتِهِم وَتَصَانِيفِهِم لِلرَّدِّ عَلَيْهِم, فَهَذا أَمْرٌ قَدِيمٌ.
وَكُلُّ مَا تَسْمَعُهُ فِي الطَّعنِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, وَكُلُّ مَا تَسْمَعُهُ مِنَ الطَّعنِ فِي الصَّحَابَةِ –رَضِيَ اللهُ عَنهُم- وَالسَّلَفِ مِنَ الأَئمَّة إِلَى عَصرِنَا هَذَا, كُلُّ هَذَا لَيسَ فِيهِ مِنْ شَيءٍ جَدِيدٍ؛ وَإِنَّمَا هِيَ: رِمَمٌ لِأَجسَادٍ جَيَّفَت فِي قُبُورِهَا, فَجَاءَ أَقوَامٌ لَا يَقَعُونَ إِلَّا عَلَى القَذَرِ كَالذُّبَاب؛ فَاسْتَخْرَجُوا تِلكَ الرِّمَمَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَنفُخُوا فِيهَا بِزَعْمِهِم الحَيَاةَ مِنْ جَدِيدٍ وَهَيهَاتَ هَيهَات!!؟.
وَمَا مِنْ شُبهَةٍ يُرَدِّدُهَا هَؤلَاءِ إِلَّا وَقَد رَدَّ عَلَيهَا العُلَمَاءُ مِنْ قَدِيمٍ, فَإِنَّهُم لَمْ يَأتُوا بِشَيءٍ سِوَى جِدَّةِ العَرْضِ؛ لِأَنَّهُم يَتَكَلَّمُونَ الآنَ لِلعَامَّةِ, وَهَذِهِ الأُمُورُ التِي مَرَّت مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالرَّدِ عَلَيهَا كَانَت مَحصُورَةً فِي نِطَاقِهَا, وَلِذَلِكَ يَسْأَلُ السَّائِلُ بِحَقٍّ:
لمَاذَا تُعرَضُ هَذِهِ الشُّبُهَاتُ عَلَى العَامَّةِ!!؟.
لمَاذَا يَتَعَرَّضُ الشَّعْبُ لِلطَّعنِ فِي عَقِيدَتِه، وَفِي مُسَلَّمَاتِهِ، وَفِي مُسْتَقَرَّاتِهِ العَقَدِيَّةِ وَالعِلمِيَّةِ وَالعِبَادِيَّة!!؟.
وَلمَاذَا يُطْلَقُ هَؤلَاءِ عَلَى تُراثِ الأُمَّةِ المَرحُومَةِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُزَيِّفُوهُ وَأَنْ يَطعَنُوا فِيهِ، لِكَيْ يُحَوِّلُوا المُسلِمِينَ الذِينَ لَا يَستَطِيعُونَ الرَّدَّ عَلَى الشُّبهَةِ بِاللِّسَانَ؛ إِلَى الرَّدِّ عَلَيهَا بِالسِّلَاحِ وَالدِّمَاء!!؟، لمَاذَا!!؟.
لمَاذَا يُحوِّلُونَ الشَّعبَ المُسلِمَ إِلَى شَعبٍ مُتَطَرِّفٍ!!؟.
لِأَنَّهُم يُهَاجِمُونَ ثَوابِتَهُ وَيَعتَدُونَ عَلَى عَقِيدَتِهِ بِغَيرِ مَا اسْتِحقَاق!!؟.
فَأُقسِمُ بِالَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بِلَا عَمَدٍ: إِنَّ التُّرَاثَ الَّذِي يُهَاجِمُونَهُ؛ لَا يَستَطِيعُ الوَاحِدُ مِنهُم أَنْ يَقرَأَ مِنهُ صَفْحَةً مِنْ غَيرِ مَا عِدَّةِ عَشَرَاتٍ مِنَ الأَخطَاءِ!!؟.
وَأَتَحَدَّاهُم؛ وَسَآتِي بِصَفحَةٍ مَشكُولَةٍ قَد ضُبِطَت بِالشَّكْلِ, وَأَتَحَدَّاهُم فِي مَلَإٍ عَلَنِيٍّ تَشهَدُهُ الدُّنيَا؛ أَنْ يَقرَأَ الوَاحِدُ مِنهُم صَفحَةً وَاحِدَةً مِنَ التُّرَاثِ الَّذِي يُهَاجِمُهُ هَؤلَاء!!؟.
مَن هَؤلَاءِ!!؟، هَؤلَاءِ كَالذُّبَابِ لَيسَت لَهُم قِيمَةٌ, يَعتَدُونَ عَلَى مُسَلَّمَاتِ الأُمَّةِ وَعَلَى عَقِيدَتِهَا؛ فَيَتَطَرَّفُ أَصْحَابُ الغَيْرَةِ وَالحَمَاسَةِ مِنْ هَذَا الشَّبَابِ المُسلِم, الَّذِي يَجِدُ هَذَا الاعْتِدَاءَ الصَّارِخَ عَلَى عَقِيدَتِهِ وَتُرَاثِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَأَصْحَابِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الأَئمَّةِ بِبِذَاءَةٍ وَحَقَارَةٍ مِنْ أَقوَامٍ لَا قِيمَةَ لَهُم وَلَا وَزَن!!؟.
وَمَعلُومٌ عِندَ العُقَلَاءِ فِي الدُّنيَا كُلِّهَا: أَنَّ مَنْ تَصَدَّى لِنَقْدِ عِلْمٍ مِنَ العُلُومِ؛ يَنبَغِي أَنْ يَمْتَلِكَ أَدَواتِ النَّقْدِ, وَأَنْ يَحُوزَ تِلْكَ الأَدَواتِ حِيَازَةً صَحِيحَةً, فَإِذَا كَانَ هَؤلَاءِ لَا يَسْتَطِيعُ الوَاحِدُ مِنهُم أَنْ يُعْرِبَ جُملَةً وَاضِحَةً فِي إِعرَابِهَا فَضْلًا عَن أَنْ يَفهَمَهَا!!؟، وَهَذِهِ اللُّغَةُ الشَّرِيفَةُ لَا تُفهَمُ إِلَّا بِإِعرَابِهَا, وَهِي -أَي: هَذِهِ اللُّغَةُ الشَّرِيفَةُ- لَيسَت كَكُلِّ لُغَاتِ الأَرض, فَإِنَّ كُلَّ اللُّغَات إِنَّمَا تُقْرَأُ لِتُفهَم؛ وَلُغَتُنَا تُفْهَمُ لِتُقرَأ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّقدِيمِ وَالتَّأخِيرِ, وَلِمَا فِيهَا مِنَ الكِنَايَةِ وَالتَّورِيَةِ وَمَا أَشْبَه مِنْ أَمثَالِ هَذِهِ الأُمُورِ التِي تَمَيَّزَت بِهَا, فَكُلُّ لُغَاتِ الأَرضِ إِنَّمَا تُقْرَأُ لِتُفهَم, وَأَمَّا لُغَتُنَا الفَرِيدَةُ العَجِيبَةُ؛ فَإِنَّهَا تُفْهَمُ لِتُقرَأ.
يَعنَي: لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فَاهِمًا لِمَعنَى مَا تَقْرَؤُهُ؛ حَتَّى تَقرَأَهُ قِرَاءَةً صَحِيحَةً.
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28], فَتَعْلَمُ أَنَّ الخَشْيَةَ مِنَ العُلَمَاءِ, وَقَدْ وَقَعَ الفَاعِلُ مُؤَخَّرًا وَتَقَدَّمَ المَفعُولُ.
﴿وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: 124], لَا بُدَّ أَنْ تَفهَمَ أَوَّلًا أَنَّ الَّذِي ابْتَلَى إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ –جَلَّ وَعَلَا- وَإِنْ تَقَدَّمَ المَفعُولُ المُبْتَلَى, فَلَا بُدَّ مِنْ فَهمِهَا أَوَّلًا.
مَاذَا يَفهَمُ هَؤلَاءِ فِي لُغَةِ التُّرَاثِ الَّذِي يَنقُدُونَهُ, بَلْ هُمْ لَا يَنْقُدُونَهُ؛ هُمْ يَنسِفُونَهُ، يَقُولُ: دَعْ هَذَا فِي سَلَّةِ المُهمَلَات!!؟،
قَالَ السُّيُوطِيُّ –رَحِمَهُ اللَّهُ-:«قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ –رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي «الرِّسَالَةِ» وَنَقَلَهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي «الْمَدْخَل»: قَدْ وَضَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ دِينِهِ وَفَرْضِهِ وَكِتَابِهِ الْمَوضِعَ الَّذِي أَبَانَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- أَنَّهُ جَعَلَهُ عَلَمًا لِدِينِهِ؛ بِمَا افْتَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ وَحَرَّمَ مِنْ مَعْصِيَتِه, وَأَبَانَ مِنْ فَضِيلَتِهِ؛ بِمَا قَرَنَ بَينَ الْإِيمَانِ بِرَسُولِهِ مَعَ الْإِيمَانِ بِهِ، فَقَالَ -تبَارَكَ وَتَعَالَى-: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: 171], وَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النور: 62], فَجَعَلَ كَمَالَ ابْتِدَاءِ الْإِيمَانِ الَّذِي مَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ ثمَّ بِرَسُولِهِ مَعَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ وَحْيِهِ وَاتِّبَاعَ سُنَنِ رَسُولِهِ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]، مَعَ آيٍ سِوَاهَا ذَكَرَ فِيهِنَّ الْكِتَابَ وَالْحِكمَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ –رَحِمَهُ اللَّهُ-: فَذَكَرَ اللَّهُ الْكِتَابَ وَهُوَ الْقُرْآن، وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ، فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ: الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾: وَهُوَ الوَحيُ المُنَزَّلُ عَلَيهِ مِنَ اللَّهِ –جَلَّ وَعَلَا- وَحْيًا أَوَّلًا, وَيُعَلِّمُهُمُ ﴿الحِكْمَةَ﴾، وَهِيَ السُّنَّةُ، وَهِيَ الوَحيُ الثَّانِي الَّذِي أُوحِيَ إِلَيهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59].
فَقَالَ بَعضُ أَهلِ الْعِلْم: أُولُوا الْأَمْرِ: أُمَرَاءُ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُم﴾: أَيْ: فَإِنْ اخْتَلَفْتُم فِي شَيْءٍ, -وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم- هُمْ وَأُمَرَاؤُهُم الَّذِين أُمِرُوا بِطَاعَتِهِم، ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾: يَعْنِي -وَاللَّهُ أَعْلَم- إِلَى مَا قَالَ اللَّهُ وَالرَّسُول.
ثمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَعْلَمَهُم أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَاعَتُهُ، فَقَالَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
وَاحْتَجَّ أَيْضًا فِي فَرْضِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ بِقَولِهِ تَعالَى: ﴿لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
وَبِقَولِهِ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: 7], إِلَى غَيرِهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي دَلَّتَ عَلَى اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَلُزُومِ طَاعَتِهِ, فَلَا يَسَعُ أَحَدًا رَدُّ أَمرِهِ لِفَرْضِ اللَّهِ طَاعَةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ».
يتبع إن شاء الله.