ريا عبيد: سقوط لبنان المسيحي
06-05-2009, 07:51 PM
سقوط لبنان المسيحي
ريا عبيد


كمال ديب، دكتور في الإقتصاد من أصل لبناني يعمل خبيرا في كند ا. هذا البعد الجغرافي عن لبنان انعكس في كتابه من خلال موضوعية ومهنية عالية في سرد الأحداث وترتيبها مع إنحياز واضح لكل ما هو إنساني وجرأة لقول الحقيقة ولو على حساب الطائفة والمجتمع الذين ينتمي إليهما .
الكتاب بحث تاريخي مدعوم بوثائق ودراسات جدية ودقيقة ولا يعود فقط كما يظهر على الغلاف إلى ما قبل لبنان الكبير بل إلى ما قبل حروب القرن التاسع عشر الأهلية والكتاب وإن إتسم بعلمية وحيادية لا لبس فيهما إلا أنه لم يبق في إطار البحث النظري الخالص فقد ورد فيه مجمل ما قد يخطر في بال من سمع أو قرأ وأراد معرفة المزيد عن لبنان ولكن ضمن سياق متكامل.لقد قام كمال ذيب بمراجعة جذرية للأفكار والمسلمات عند جميع أطراف الصراع أثناء الحروب التي مر بها لبنان أو أثناء فترات السلم والصراع الدائم على السلطة.لم يبق كمال ديب في الإطار النظري لأنه بعد طرحه للمسائل بأبعادها الإجتماعية والديمغرافية وحتى الأخلاقية أضاف ما يصح تسميته بخارطة طريق موجهة إلى جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين للبحث عن خيارات مشتركة وحلول مستقبلية لتدارك ما قد تؤول إليه الامور مبديا خشيته من زوال هذا الكيان المميز.
الفكرة اللبنانية ما زالت حية ومتداولة للآن أي بداية القرن الحادي والعشرين والدليل على ذلك ان لبنان ما زال موجودا بحدوده المعهودة فلم يقسم أويضم في وحدة جغرافية إقليمية أوعربية أوسع،حتى بعد أكثر من 30 سنة على إنهيار لبنان المسيحي.مسألة نهائية الكيان أصبحت مدونة في الدستور منذ الطائف وبرضى تام من الشريك المسلم هذه المرة،إذن لا خوف على لبنان الجغرافي بل الخوف على لبنان العقد الإجتماعي الفريد الذي عجزت معظم الدول العربية عن إبتكار فكرة شبيهة تلتقي عليها الاغلبية مع الاقليات كما لم يحصل في مصر وسوريا والعراق والاردن.
بعد تسوية الدوحة أصبح الكاتب يخشى على لبنان من صراعات مستقبلية محتملة تؤدي إلى تسويات قد تكون نحو مزيد من الإضعاف لدورالمسيحيين في السلطة،ففي الدوحة جاء رئيس الجمهورية نتيجة تسوية تحت عنوان الرئيس التوافقي أي الذي وافق عليه الفريقان اللذان يقتسمان المسيحيين ولأنه توافقي فهو سيعمل على التوفيق بين هذين الفريقين اللذين أتيا به. يعتقد الكاتب إذا إستمر تدهور دور المسيحيين في الحياة السياسية اللبنانية وهجرتهم،فسوف يظهر في العام 2014 رئيسا إما محسوبا على السنة وإما محسوبا على الشيعة، بعدها يخوض الطرفان نزاعا إستنادا إلى غلبة عددية متقاربة وأقلية عددية مسيحية وصلت إلى اقل من30 % لنصل إلى رئيس إما سنيا وإما شيعيا حسب الطرف الغالب في الصراع الذي سوف تدخل فيه عوامل وأطراف داخلية وخارجية كما هي الحال عادة في النزاعات اللبنانية.
بناء عليه يصبح الدور المسيحي الفعال ضرورة لحفظ لبنان والحفاظ عليه سواء اكان متمثلا بدور قوي لرئيس الجمهورية أمام المسيحيين والمسلمين أو بأدوار فعالة لقوى سياسية تمثل المسيحيين وتستند إلى دورهم التاريخي وحضورهم النوعي لا العددي كما هي حال الطائفة الدرزية وزعيمها وليد جنبلاط،وإلا تحول مسيحيو لبنان (كما هي حالهم في البلدان العربية الأخرى) إلى مجرد أفراد لا يصل أحدهم إلى موقع مميز إلا للحاجة الماسة إليه ولفراغ لم يملء بغيره.
ويستدرك الكاتب أن ليس ثمة ترابط بين إنحسار الدور المسيحي وبين التمدد الإسلامي في لبنان،فالصحوة الاسلامية ناشطة في جميع أنحاء الوطن العربي والإسلامي وليس على حساب تضاءل الوجود المسيحي في الشرق،فالإرهاب في العراق يقتل ويهجر المسيحيين والمسلمين على حد سواء.لذلك يرى الكاتب أن ضياع لبنان المتعدد ذي الطابع المسيحي والوجه العربي هو خسارة للعالم العربي والاسلامي .لقد كان لبنان بعد 11ايلول 2001 النموذج الوحيد الذي تسلح به الإعلام العربي لمواجهة الإعلام الغربي القاسي بحقهم ....أنظروا ها هنا دولة عربية تعيش فيها 18 طائفة مسيحية وإسلامية .
يخلص الدكتور كمال ديب إلى ان ثقافة المسيحيين المشرقيين هي جزء اساسي من الحضارة العربية والإسلامية ولكن ذلك لا يمنع انهم بتراثهم المسيحي يشتركون بالكثير من المبادىء مع الغرب المسيحي لذلك فهم لايريدون ان يفرض عليهم الاسلام الاصولي نظام حياة ونظام حكم كما لايقبلون أن يجعلهم الغرب اذنابا وعملاء ساعة يشاء وأن الحوار الاسلامي المسيحي ليس بين غرب مسيحي وشرق مسلم كما ارادوا في الغرب،هو بين كنيسة شرقية ومسجد شرقي.والصراع الدائر حاليا هو بين الشرق والغرب وليس بين المسيحية والاسلام.انطلاقا من ذلك يصبح لبنان،نموذج العيش المشترك والحرية والديمقراطية ولقاء الثقافات والمعتقدات : ضرورة للعروبة والاسلام فيظهر الاسلام بذلك ديانة منفتحة ومتسامحة بعكس محاولات التشويه الجارية في الغرب.
هذا الجسر العتيق
سقوط لبنان المسيحي 1920-1020
دار النهار- بيروت
ريا عبيد