عبادة الأحرار لأبي فهر محمود شاكر رحمه الله
05-07-2012, 11:05 AM
حديث رمضان :
"...فتأمَّلْ معنى الصيام من حيث نظرتَ إليه: هو عتق النفس الإنسانية من كل رقٍّ: من رقِّ الحياة ومطالبها ومن رقِّ الأبدان وحاجاتِها في مآكلها ومشاربها، من رقِّ النفس وشهواتها، ومن رقِّ العقول ونوازعِها، ومن رقِّ المخاوف حاضرها وغائبها، حتى تشعر بالحرية الخالصة، حرية الوجود، وحرية الإرادة، وحرية العمل. فتحرير النفس المسلمة هو غايةُ الصيام الذي كُتِب عليها فرضًا وتأتيه تطوعًا. ولتعلمَ هذه النفس الحرة أنّ الله -الذي استخلفها في الأرض، لتقيمَ فيها الحق، ولتقضي فيها بالحق، ولتعمل فيها بالحق- لا يرضى لها أن تذلَّ لأعظم حاجات البدن، لأنها أقوى منها، ولا لأعتى مطالب الحياة، لأنها أسمى منها، ولا لأطغى قوى الأرض، لأنها أعزُّ سلطانًا منها. وأراد الله أن يكرِّم هذه العبادات فأوحى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس عن ربه إذ قال:(الصوم لي). فلا رياء فيه؛ لأنه جُرِّد لله فلا يُراد به إلا وجه الله، فاستأثر به اللهُ دون سائر العبادات، فهو الذي يقبله عن عبده، وهو الذي يجزي به كما يشاء.
وقد دلَّنا الله سبحانه على طرفٍ من هذا المعنى إذْ جعل الصيامَ معادلا لتحريرِ الرقبة في ثلاثة أحكام من كتابه: إذْ جعل على من قتل مؤمنًا خطأ تحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ الله"[النساء:92]. وجعل على الذين يُظاهِرون من نسائهم ثم يعودون لِمَا قالوا تحرير رقبة من قبل أن يتماسّا "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا"[المجادلة:4]. وجعل كفّارةَ اليمين تحرير رقبة "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام"[البقرة:196], فانظُرْ لِمَ كتب اللهُ على مَنِ ارتكب شيئًا من هذه الخطايا الثلاث: أنْ يُحرِّر رقبة مؤمنة من رقِّ الاستعباد، فإن لم يجدها فعليه أن يعمل على تحرير نفسه من رقِّ مطالب الحياة، ورقِّ ضرورات البدن، ورقِّ شهوات النفس، فالصيام كما ترى هو عبادة الأحرار، وهو تهذيب الأحرار وهو ثقافة الأحرار.
ولو حرص كل مسلمٍ على أن يستوعِبَ بالصيام معاني الحرية، وأسباب الحرية، ومقاليد الحرية، وأنف لدينِه ولنفسه أن تكون حكمة صيامِه متعلقةً بالأحشاء والأمعاء والبطون في بذل طعام أو حرمان من طعام, لرأينا الأرضَ المسلمة لا يكاد يستقرُّ فيها ظلم، لأن للنفوس المسلمة بطشًا هو أكبر من الظلم، بطش النفوس التي لا تخشى إلا الله، ولا يملك رقَّها إلا خالق السموات والأرض وما بينهما. ولرأينا الأرض المسلمة لا يستولى عليها الاستعمار؛ لأن النفوس المسلمة تستطيع أن تهجر كل لذة، وتخرج من كل سلطان، وتستطيع أن تجوع وتعرَى، وأن تتألم وتتوجع صابرة صادقة مهاجرة في سبيل الحقِّ الأعلى، وفي سبيل الحرية التي ثقفها بها صيامها، وفي سبيل إعتاق الملايين المستعبدة في الأرض بغير حق وبغير سلطان. واستطاع كل مسلم أن يكون صرخة في الأرض تلهب القلوب، وتدعوها إلى خلع كل شرك يقود إليه الخوف من الظلم، ويفضل إليه حب الحياة وحب الترف وحب النعمة، وهي أعوان الاستعمار على الناس.
ويوم يعرف المسلمون صيامهم حق معرفته، ويوم يجعلونه مدرسة لتحرير نفوسهم من كل ضرورة وكل نقيصة، فحقٌّ على الله يومئذ أن ينصر هذه الفئة الصائمة عن حاجات أبدانها وشهوات نفوسها، الطالبة لما عند ربها من كرامته، التي كرَّم بها بني آدم، إذ خلقهم في الدنيا سواء أحرار، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وفعل الخيرات.
ويومئذ ينصرهم على عدوهم، ويستخلفهم في الأرض مرة أخرى لينظر كيف يعملون".(1)
---------------------
جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر.
عن منتدى تبسة
"...فتأمَّلْ معنى الصيام من حيث نظرتَ إليه: هو عتق النفس الإنسانية من كل رقٍّ: من رقِّ الحياة ومطالبها ومن رقِّ الأبدان وحاجاتِها في مآكلها ومشاربها، من رقِّ النفس وشهواتها، ومن رقِّ العقول ونوازعِها، ومن رقِّ المخاوف حاضرها وغائبها، حتى تشعر بالحرية الخالصة، حرية الوجود، وحرية الإرادة، وحرية العمل. فتحرير النفس المسلمة هو غايةُ الصيام الذي كُتِب عليها فرضًا وتأتيه تطوعًا. ولتعلمَ هذه النفس الحرة أنّ الله -الذي استخلفها في الأرض، لتقيمَ فيها الحق، ولتقضي فيها بالحق، ولتعمل فيها بالحق- لا يرضى لها أن تذلَّ لأعظم حاجات البدن، لأنها أقوى منها، ولا لأعتى مطالب الحياة، لأنها أسمى منها، ولا لأطغى قوى الأرض، لأنها أعزُّ سلطانًا منها. وأراد الله أن يكرِّم هذه العبادات فأوحى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس عن ربه إذ قال:(الصوم لي). فلا رياء فيه؛ لأنه جُرِّد لله فلا يُراد به إلا وجه الله، فاستأثر به اللهُ دون سائر العبادات، فهو الذي يقبله عن عبده، وهو الذي يجزي به كما يشاء.
وقد دلَّنا الله سبحانه على طرفٍ من هذا المعنى إذْ جعل الصيامَ معادلا لتحريرِ الرقبة في ثلاثة أحكام من كتابه: إذْ جعل على من قتل مؤمنًا خطأ تحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ الله"[النساء:92]. وجعل على الذين يُظاهِرون من نسائهم ثم يعودون لِمَا قالوا تحرير رقبة من قبل أن يتماسّا "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا"[المجادلة:4]. وجعل كفّارةَ اليمين تحرير رقبة "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام"[البقرة:196], فانظُرْ لِمَ كتب اللهُ على مَنِ ارتكب شيئًا من هذه الخطايا الثلاث: أنْ يُحرِّر رقبة مؤمنة من رقِّ الاستعباد، فإن لم يجدها فعليه أن يعمل على تحرير نفسه من رقِّ مطالب الحياة، ورقِّ ضرورات البدن، ورقِّ شهوات النفس، فالصيام كما ترى هو عبادة الأحرار، وهو تهذيب الأحرار وهو ثقافة الأحرار.
ولو حرص كل مسلمٍ على أن يستوعِبَ بالصيام معاني الحرية، وأسباب الحرية، ومقاليد الحرية، وأنف لدينِه ولنفسه أن تكون حكمة صيامِه متعلقةً بالأحشاء والأمعاء والبطون في بذل طعام أو حرمان من طعام, لرأينا الأرضَ المسلمة لا يكاد يستقرُّ فيها ظلم، لأن للنفوس المسلمة بطشًا هو أكبر من الظلم، بطش النفوس التي لا تخشى إلا الله، ولا يملك رقَّها إلا خالق السموات والأرض وما بينهما. ولرأينا الأرض المسلمة لا يستولى عليها الاستعمار؛ لأن النفوس المسلمة تستطيع أن تهجر كل لذة، وتخرج من كل سلطان، وتستطيع أن تجوع وتعرَى، وأن تتألم وتتوجع صابرة صادقة مهاجرة في سبيل الحقِّ الأعلى، وفي سبيل الحرية التي ثقفها بها صيامها، وفي سبيل إعتاق الملايين المستعبدة في الأرض بغير حق وبغير سلطان. واستطاع كل مسلم أن يكون صرخة في الأرض تلهب القلوب، وتدعوها إلى خلع كل شرك يقود إليه الخوف من الظلم، ويفضل إليه حب الحياة وحب الترف وحب النعمة، وهي أعوان الاستعمار على الناس.
ويوم يعرف المسلمون صيامهم حق معرفته، ويوم يجعلونه مدرسة لتحرير نفوسهم من كل ضرورة وكل نقيصة، فحقٌّ على الله يومئذ أن ينصر هذه الفئة الصائمة عن حاجات أبدانها وشهوات نفوسها، الطالبة لما عند ربها من كرامته، التي كرَّم بها بني آدم، إذ خلقهم في الدنيا سواء أحرار، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وفعل الخيرات.
ويومئذ ينصرهم على عدوهم، ويستخلفهم في الأرض مرة أخرى لينظر كيف يعملون".(1)
---------------------
جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر.
عن منتدى تبسة
وعند الله تجتمع الخصوم ... [ وداعا ]
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة