أسباب إجابة الدعاء
26-05-2018, 03:17 PM
أسباب إجابة الدعاء
يوسف المطردي
الحمد لله الشاملة رأفته، العامة رحمته، الذي جازى عباده عن ذكرهم بذكرهم، فقال تعالى:﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾، ورغبهم في السؤال والدعاء بأمره، فقال:﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، فأطمع المطيع والعاصي، والداني والقاصي في الانبساط إلى حضرة جلاله برفع الحاجات والأماني بقوله:﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ﴾، والصلاة على محمد سيد أنبيائه وعلى آله وأصحابه خيرة أصفيائه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
إن الدعاء من أعظم العبادات، كما أن المرء لا غنى له عن سؤاله لربه، لكن السؤال الذي يسأله كثير منا: لم ندعوا ولا يستجاب لنا!!؟:
الجواب:
هناك أسباب على المسلم أن يأخذ بها حتى يكون دعاؤه بإذن الله مستجاباً، ولكن قبل أن نذكر تلك الأسباب، لنقف مع أحد العلماء الصالحين وقد سئل ذات السؤال:
مر إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف بسوق البصرة، فاجتمع عليه الناس، فقالوا له: يا أبا إسحاق: ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا!!؟، قال:
" لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه، وادعيتم أنكم تحبون رسول الله، وتركتم سنته، وقرأتم القرآن، فلم تعملوا به، وأكلتم نعمة الله، ولم تؤدوا شكرها، وقلتم: إن الشيطانعدوكم، ووافقتموه، وقلتم: إن النار حق، ولم تهربوا منها، وقلتم: إن الجنة حق، ولم تعملوا لها، وقلتم: إن الموت حق، ولم تستعدوا له، وإذا انتبهتم من النوم: اشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم".[1].
وسيكون كلامنا عن الأمور التي إذا فعلناها: كنا قد أخذنا بالأسباب التي تجعل الدعاء مستجابا عند الله، وهي عدة أمور، وأهمها:
الأمر الأول: أن يترصد لدعائه الأوقات والمواسم المباركة:
• كيوم عرفة من السنة، روى مالك في موطئه عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:((أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ)).
وروى الترمذي في سننه عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
فالدعاء في يوم عرفة أقرب إلى الإجابة.
• رمضان من الأشهر، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ)).
• يوم الجمعة من الأسبوع، روى مالك في موطئيه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: ((فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ شَيْئاً، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، يُقَلِّلُهَا ))، والحديث رواه كذلك البخاري ومسلم وغيرهما.
وروى الإمام أحمد في مسنده بسنده عن أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلاّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ)).
واختلف أهل العلم في تحديد هذه الساعة، فقيل: من إقامة الصلاة إلى الانصراف منها، وقيل: من افتتاح الخطبة إلى الانتهاء من الصلاة، وقيل: من جلوس الخطيب إلى إقامة الصلاة، وقيل: من بعد العصر إلى غروب الشمس، وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحدا إلى غروب الشمس، وهذا القول، والذي هو: أنها بعد العصر رجحه كثير من أهل العلم.
• كذلك من أوقات إجابة الدعاء: ثلث الليل الآخر، قال تعالى:﴿ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾.[الذاريات 18]، روى أبو داود في سننه عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟، قَالَ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ)).
وروى مالك في موطئيه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَك َوَتَعَالَى، كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟))، والحديث رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم.
وقيل إن يعقوب - صلى الله عليه وسلم - إنما قال:﴿ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ} ﴾.[يوسف - 98]، ليدعو في وقت السحر، فقيل إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤمنون خلفه.
• وكذلك من أوقات إجابة الدعاء: أن تدعو أثناء استيقاظك في الليل، روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ)).
(مَنْ تَعَارَّ): أَيِ: انْتَبَهَ مِنَ النَّوْمِ، وَقِيلَ: تَقَلَّبَ فِي فِرَاشِهِ.
• كذلك من أوقات إجابة الدعاء: أدبار الصلوات المكتوبات، قال مجاهد: إن الصلاة جعلت في خير الساعات، فعليكم بالدعاء خلف الصلوات.
روى الترمذي في سننه بسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟، قَالَ: ((جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ)).
• كذلك من أوقات إجابة الدعاء: بين الآذان والإقامة، روى أبو داود في سننه بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ)).
وعند السجود، روى مسلم في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ))، وروى مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ، فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ)).
• كذلك من أوقات إجابة الدعاء: عند الآذان، روى الإمام أحمد في مسنده بسنده عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ))، روى الحاكم في مستدركه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَالَ: قَلَّ مَا تُرَدَّانِ، الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، أَوْ عِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا))، وفي رواية: ((وتحت المطر)).
• كذلك من أوقات إجابة الدعاء: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، روى الحاكم في مستدركه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَالَ: قَلَّ مَا تُرَدَّانِ، الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، أَوْ عِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا))، وفي رواية: ((وتحت المطر)).
يتبع إن شاء الله.