اعترافات مسؤول
06-09-2011, 05:49 PM
اعترافات مسؤول
غريبة طبائع الناس يا صديقي، غريبة أفكارهم وأوهامهم، ظنونهم، وتوقعاتهم، غريبة مفاهيمهم، وخيالاتهم، وهمهماتهم،
الناس لا يرحمون، لا ينصفون، لا يقدّرون، لا يعدلون، لا يفتؤون يتكلّمون، ينبشون الماضي، يثرثرون، يترصدّون، يختلقون، يبثون السموم، ويتصوّرون. يتصورون أنني أحد سلاطين العصور السالفة، أمتلك خزائن قارون، وأنعم بعيش هارون، أقلّب خاتم سليمان، فيأتيني هرولة الإنس والجان.
يتخيّلون أنني أقطف نجوم السماء أمتلك القصور والحدائق الغنّاء، أغفو على سرير ذهبي، يهتزّ من تحته الماء، وأغرق في بحور السعادة وأنهار الثراء.
يظنّون أنني أمتلك أسطول سيارات، وأنني أرتدي الملابس الباهظة، واستحّم بالعطور الفاخرة، وأطير على متن أرقى الطائرات، لأوقّع العقود وأجري الصفقات، وأغرف سراً الملذّات والمسرّات.
يتوهمّون إن الكافيار والقريدس والسلمون طعامي، وأن النبيذ المعتق شرابي، والسيجار الكوبي رفيق أصابعي.
يتوقعّون أنني محاط بسرب من الخدم والحشم والمرافقين، والمصوّرين والصحفيين، وأن أبواب السماء، قد فتحت على مصاريعها، منذ أن كنتُ في رحم أمي جنيناً!!
يفكّرون يا صاحبي، وتأخذهم الأفكار إلى أبعد من كل هذا وذاك، فأنا بنظرهم السبع الضاري الذي يختلس اللقمة من أفواههم، ويبتلع جهدهم وعرق جبينهم، ويستولي على حقوقهم ومنافعهم، وكأنني لم أقضِ حياتي رهين خدمتهم، وسجين متطلّباتهم، وراعي مصالحَهم، وحامي ديارهم، وأملاكهم وأموالهم!
يجهلون أنني حين أصدر قراراً، أو أوقع على قرار أو إنذار، يصيبني الضياع، ويلفنّي الدوار، لأنهم سيحرّفونه، ويرفضونه ويلعنونني، ظناً منهم أن القرار قراري، والفكرة المطروحة من بنات أفكاري.
تاهت روحي، تشتتت ذاتي، تمزّقت إرباً شخصيتي، عبثاً أحاول التوفيق بين تصرفاتي ورغباتي، فينتهي بي المطاف إلى فصل ذاتي عن ذاتي!!
الناس لا يعلمون أنني أزفر آهات القلق، وأتنفس شهقات الأرق، لأنني مزروع في جوف الاتهام، مسكون في أحشاء المخاوف والأوهام، متهم مظلوم بإشاعة الآثام!!
يجهلون أنني أعاني من ارتفاع في الضغط، واحتشاء في عضلة القلب، وقرحة في المعدة، وضعف في المفاصل، وكسل في الكلية، فما بالك بمشّقة الأعمال وهموم السلطة، وما تجرّه من تعب جسدي، ووهن عقلي، وانهيار عصبي، يجهلون أنني لولا الطبيب المداوي، لفقدتُ منذ زمن وزني، ووجودي وامتدادي!!
يجهلون أنني أفقد مع كل يوم جزءاًً من ذاتي ، فأبتلع من العقاقير والمسكّنات ما يعينني على لملمة شتاتي، استجدي القوة تارة، والضعف أخرى، حسب المفاجآت ، والمتطلبات، والمستجدّات!!
الناس لا يدركون، أن هوة ضخمة، تفصل بيني وبين أسرتي، وأنني بسبب وظيفتي، نسيت ملامح زوجتي، ولولا متاعب الأولاد وهمومهم، لنسيت كامل مسؤوليتي.
آه يا صديقي، لقد تذكرّت الأولاد والأحفاد، هؤلاء الذين أصبحوا مبعث همي، ومصدر غميّ، ووسيلة قهري وسمّي، لاستهتارهم ورعونتهم، وتماديهم في استغلال منصبي واسمي!!
الناس لا يعرفون، أنني أجلس خلف السائق، مرتعد الحواصل والمفاصل، خوفاً من عيون الحسّاد، والعواذل، وأقرأ الفاتحة على روحي بضع مرات، خوفاً من معتوه يسرّ أعدائي، ويشفي غليل حسّادي.
الناس يجهلون أنني أرتعد خوفاً كلما دخلت مكتبي، وأتراجع للوراء بضعة أمتار، فيما إذا فتحت خزانة ملفاتي، أو فتحت درج طاولتي، لعلّ يداً خبيثة امتّدت على حين غفلة، لتمحي من الوجود اسمي ومركزي ومقعدي!!
الناس لا يدرون أنني أرتعش إذا ما رنّ الهاتف، خوفاً من خبر مقيت، يزحف عبر الأسلاك الشائكة، ليغيّر كينونتي، ومسير حياتي، وألتزم الصمت المطبق خوفاً من رَصْد كلماتي، مثلما ترصد الكاميرا الخفيّة اتصالاتي وتنقُّلاتي!!
أما الأصدقاء، هؤلاء الذين أثقلتهم المجاملة، وكثرة الإطراء، فقد أصبحوا والنفاق سواء يلسعونني بالرياء، وذبذبات جوفاء بلهاء، يمتدحون ما أفتقده من صفات ومؤهلات، يوقرونني حتى الهجاء، ثم يختفون في الظلماء، إلى حين السؤال والاستجداء.
هذا هو حالي على الرغم من السلطة والجاه والمال، أيامي وحدة وانعزال، والليالي أمراض، وأوهام واعتلال، ما يشقيني أن العمر مضى على السراب والرمال، وأن سجل الخلود الذي قصدت دخوله، ما هو إلا ضرب من ضروب المحال.
ناهيك عن قول الشاعر الذي يراودني ويقلق راحتي:
ألا كل شيء ما خلا الله باطلٌ
وكل نعيمٍ لا محالةَ زائل.
اعترافات مسؤول :
نادرة بركات الحفار
غريبة طبائع الناس يا صديقي، غريبة أفكارهم وأوهامهم، ظنونهم، وتوقعاتهم، غريبة مفاهيمهم، وخيالاتهم، وهمهماتهم،
الناس لا يرحمون، لا ينصفون، لا يقدّرون، لا يعدلون، لا يفتؤون يتكلّمون، ينبشون الماضي، يثرثرون، يترصدّون، يختلقون، يبثون السموم، ويتصوّرون. يتصورون أنني أحد سلاطين العصور السالفة، أمتلك خزائن قارون، وأنعم بعيش هارون، أقلّب خاتم سليمان، فيأتيني هرولة الإنس والجان.
يتخيّلون أنني أقطف نجوم السماء أمتلك القصور والحدائق الغنّاء، أغفو على سرير ذهبي، يهتزّ من تحته الماء، وأغرق في بحور السعادة وأنهار الثراء.
يظنّون أنني أمتلك أسطول سيارات، وأنني أرتدي الملابس الباهظة، واستحّم بالعطور الفاخرة، وأطير على متن أرقى الطائرات، لأوقّع العقود وأجري الصفقات، وأغرف سراً الملذّات والمسرّات.
يتوهمّون إن الكافيار والقريدس والسلمون طعامي، وأن النبيذ المعتق شرابي، والسيجار الكوبي رفيق أصابعي.
يتوقعّون أنني محاط بسرب من الخدم والحشم والمرافقين، والمصوّرين والصحفيين، وأن أبواب السماء، قد فتحت على مصاريعها، منذ أن كنتُ في رحم أمي جنيناً!!
يفكّرون يا صاحبي، وتأخذهم الأفكار إلى أبعد من كل هذا وذاك، فأنا بنظرهم السبع الضاري الذي يختلس اللقمة من أفواههم، ويبتلع جهدهم وعرق جبينهم، ويستولي على حقوقهم ومنافعهم، وكأنني لم أقضِ حياتي رهين خدمتهم، وسجين متطلّباتهم، وراعي مصالحَهم، وحامي ديارهم، وأملاكهم وأموالهم!
يجهلون أنني حين أصدر قراراً، أو أوقع على قرار أو إنذار، يصيبني الضياع، ويلفنّي الدوار، لأنهم سيحرّفونه، ويرفضونه ويلعنونني، ظناً منهم أن القرار قراري، والفكرة المطروحة من بنات أفكاري.
تاهت روحي، تشتتت ذاتي، تمزّقت إرباً شخصيتي، عبثاً أحاول التوفيق بين تصرفاتي ورغباتي، فينتهي بي المطاف إلى فصل ذاتي عن ذاتي!!
الناس لا يعلمون أنني أزفر آهات القلق، وأتنفس شهقات الأرق، لأنني مزروع في جوف الاتهام، مسكون في أحشاء المخاوف والأوهام، متهم مظلوم بإشاعة الآثام!!
يجهلون أنني أعاني من ارتفاع في الضغط، واحتشاء في عضلة القلب، وقرحة في المعدة، وضعف في المفاصل، وكسل في الكلية، فما بالك بمشّقة الأعمال وهموم السلطة، وما تجرّه من تعب جسدي، ووهن عقلي، وانهيار عصبي، يجهلون أنني لولا الطبيب المداوي، لفقدتُ منذ زمن وزني، ووجودي وامتدادي!!
يجهلون أنني أفقد مع كل يوم جزءاًً من ذاتي ، فأبتلع من العقاقير والمسكّنات ما يعينني على لملمة شتاتي، استجدي القوة تارة، والضعف أخرى، حسب المفاجآت ، والمتطلبات، والمستجدّات!!
الناس لا يدركون، أن هوة ضخمة، تفصل بيني وبين أسرتي، وأنني بسبب وظيفتي، نسيت ملامح زوجتي، ولولا متاعب الأولاد وهمومهم، لنسيت كامل مسؤوليتي.
آه يا صديقي، لقد تذكرّت الأولاد والأحفاد، هؤلاء الذين أصبحوا مبعث همي، ومصدر غميّ، ووسيلة قهري وسمّي، لاستهتارهم ورعونتهم، وتماديهم في استغلال منصبي واسمي!!
الناس لا يعرفون، أنني أجلس خلف السائق، مرتعد الحواصل والمفاصل، خوفاً من عيون الحسّاد، والعواذل، وأقرأ الفاتحة على روحي بضع مرات، خوفاً من معتوه يسرّ أعدائي، ويشفي غليل حسّادي.
الناس يجهلون أنني أرتعد خوفاً كلما دخلت مكتبي، وأتراجع للوراء بضعة أمتار، فيما إذا فتحت خزانة ملفاتي، أو فتحت درج طاولتي، لعلّ يداً خبيثة امتّدت على حين غفلة، لتمحي من الوجود اسمي ومركزي ومقعدي!!
الناس لا يدرون أنني أرتعش إذا ما رنّ الهاتف، خوفاً من خبر مقيت، يزحف عبر الأسلاك الشائكة، ليغيّر كينونتي، ومسير حياتي، وألتزم الصمت المطبق خوفاً من رَصْد كلماتي، مثلما ترصد الكاميرا الخفيّة اتصالاتي وتنقُّلاتي!!
أما الأصدقاء، هؤلاء الذين أثقلتهم المجاملة، وكثرة الإطراء، فقد أصبحوا والنفاق سواء يلسعونني بالرياء، وذبذبات جوفاء بلهاء، يمتدحون ما أفتقده من صفات ومؤهلات، يوقرونني حتى الهجاء، ثم يختفون في الظلماء، إلى حين السؤال والاستجداء.
هذا هو حالي على الرغم من السلطة والجاه والمال، أيامي وحدة وانعزال، والليالي أمراض، وأوهام واعتلال، ما يشقيني أن العمر مضى على السراب والرمال، وأن سجل الخلود الذي قصدت دخوله، ما هو إلا ضرب من ضروب المحال.
ناهيك عن قول الشاعر الذي يراودني ويقلق راحتي:
ألا كل شيء ما خلا الله باطلٌ
وكل نعيمٍ لا محالةَ زائل.
اعترافات مسؤول :
نادرة بركات الحفار
من مواضيعي
0 20 نصيحة هامة لمجتازي شهادة الباكلوريا
0 " الزيارات" أو " الوعدات " بين دعوات المقاطعة ووجوب الاستمرار الحضاري
0 اطلاق مشروع الحماية الاجتماعية
0 قصيد مسيّس ..
0 شجن الفراق ..
0 التوزيع السنوي لمادة اللغة العربية
0 " الزيارات" أو " الوعدات " بين دعوات المقاطعة ووجوب الاستمرار الحضاري
0 اطلاق مشروع الحماية الاجتماعية
0 قصيد مسيّس ..
0 شجن الفراق ..
0 التوزيع السنوي لمادة اللغة العربية
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف جزائري ; 14-09-2011 الساعة 08:00 PM