ناشيونال إنترست: التحركات الروسية فرصة واشنطن للتركيز على الدبلوماسية في سوريا
22-09-2015, 01:34 AM

رأت صحيفة "ناشونال إنترست" الأمريكية، في مقال تحليلي نشرته على موقعها الإلكتروني، أن التحركات الروسية الأخيرة تُعد فرصة مناسبة لسياسية الولايات المتحدة تجاه سوريا لكي تبتعد عن المحاولات العقيمة لهندسة نتيجة عسكرية معينة على أرض الواقع، مشيرة إلى أنه من الأفضل أن تتجه إلى المزيد من التركيز على الدبلوماسية المتعددة الأطراف الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.

يبدأ المقال بالإشارة إلى أن ازدياد الانخراط الروسي في سوريا في الآونة الأخيرة يجب النظر إليه باعتباره فرصة أكثر من كونه تهديداً أو شيئاً يحتاج إلى المواجهة، وعلى الرغم من أن هذا النشاط الروسي ما هو إلا امتداد للعلاقة الطويلة مع النظام السوري، فإنه أيضاً يعتبر متغيراً يدفع إلى إعادة تفكير إدارة أوباما في النزاع السوري التي تدرك – كما يعلم الجميع – أن المسار الحالي لهذه الحرب الأهلية لا يبشر بالخير رغم الخلافات حول تحديد ما يجب القيام به لحل هذا الوضع المأساوي.

إسرائيل وحزب الله
ويلفت المقال إلى أن المبدأ المهم في أي مراجعة سياسية للأزمة يتمثل في أن الآثار غير المرغوبة الناتجة عن هذه الحرب لن يتم تحسينها إلا بإرساء السلام في سوريا، أو كلما اقترب السوريون والمجتمع الدولي من تأسيس شيء يؤدى إلى السلام في نهاية المطاف، حيث إن استمرار الحرب – بغض النظر عن أي نتيجة سوف تسفر عنها – هو مصدر معظم المشاكل التي تستحق القلق بشأنها.

وتحدد الصحيفة ثلاثة أنواع رئيسية من المشاكل الناتجة عن استمرار الحرب الأهلية في سوريا، أولها احتمالية انتشار الحرب وعدم الاستقرار في المناطق المحيطية بالحدود السورية، وعلى سبيل المثال تزايد فرصة حدوث حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وثانيها زيادة التطرف العنيف من قبل تنظيم داعش الإرهابي وغيره من الجماعات الإرهابية المتطرفة التي كانت الأزمة السورية سبباً مباشراً في اتساع نشاطها خارج العراق، أما ثالثها فيتجسد فيما تمثله أزمة اللاجئين الفارين من ويلات هذه الحرب إلى أوروبا، وهي قضية تنشغل بها الولايات المتحدة أيضاً.

وتضيف الصحيفة: "إن التركيز اللازم لإخماد الحرب – بدلاً من محاولة استمالة نتائج ذلك على خطر التصعيد – يتطلب الابتعاد عن بعض الحلول التي سادت خلال المناقشات إزاء سوريا، ومنها القول المأثور بأن (الأسد يجب أن يرحل)، ذلك أن الأنواع المتعددة من المشاكل الموجودة حالياً لم تنتج فقط من وجود نظام بشار الأسد، وإنما ظهرت نتيجة الحرب التي انبثقت عن المواجهة بين النظام ومعارضيه".

وفي الوقت نفسه، تعترف الصحيفة أن نظام بشار الأسد مسؤول عن امتداد النزاع المسلح عبر الحدود الدولية، وكان سبباً أيضاً في توسع داعش خارج العراق، ويتحمل مسؤولية هجرة اللاجئين، بيد أنه على الرغم من أن معظم المهاجرين من سوريا يكرهون نظام بشار الأسد، فإنه لم يمثل بالنسبة إليهم سوى خطراً مادياً، وكانت الحرب هي الحافز الذي دفع أعداد كبيرة منهم للقيام برحلات محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا.

خصال دنيئة
وتلفت الصحيفة إلى أن نظام الأسد لديه العديد من الصفات غير المرغوب فيها إضافة إلى الخصال الدنيئة، بيد أن الكثير من الأنظمة الأخرى في جميع أنحاء العالم ترتكب الأشياء نفسها، ومثل هذه الدناءة – برأي الصحيفة – لا تُعد سبباً كافياً بمفردها لتصعيد حرب داخلية في محاولة للتأثير على النتيجة.

وتقول الصحيفة: "يجب أن نلاحظ أن بعضاً من أكثر الأمور الدنيئة التي يرتكبها هذا النظام هي جزء من الحرب نفسها، ولم تسبق الحرب؛ إذ لم يقوم النظام بقصف المدنيين من دون تمييز قبل الحرب".

وتنوه الصحيفة إلى أن إسرائيل كانت تتمتع بعقود من الاستقرار النسبي على طول جبهة الجولان مع نظام بشار الأسد – الذي وصفته بأنه "الشيطان الذي يعرفه الإسرائيليون جيداً" – مشيرة إلى أن الحرب في سوريا وفقدان سيطرة نظام الأسد على أجزاء من جبهة الجولات هي الأشياء التي أثارت لدى إسرائيل العديد من القضايا الأمنية العاجلة المرتبطة بسوريا.

الآمال الزائفة للربيع العربي
وبحسب الصحيفة، فإن التعلق بفكرة حتمية "رحيل نظام الأسد" نشأت لدى المحافظين الجدد والليبراليين، باعتبار أن الديمقراطية هي الطريق الوحيد الذي ينتج عنه تحريك الوعاء السياسي. وتم تطبيق هذا التفكير على وجه الخصوص في الشرق الأوسط بسبب الآمال الزائفة لمشروع المحافظين الجديد المعروف باسم "حرب العراق"، وتعقدت الأمور بسبب الآمال العريضة لنتائج "الربيع العربي".

وعلى الرغم من الحكم الاستبدادي لنظام بشار الأسد، فإن انهيار هذا النظام وما سينتج عنه من فراغ سياسي وإداري سيجعل الوضع الراهن أكثر فوضوية مما هو عليه الآن، وترجح الصحيفة أن هذه الحقيقة وراء التصريحات الأخيرة لإدارة أوباما التي لا تتخلى فيها عن معادلة حتمية رحيل بشار الأسد، وإنما تجعل توقيت رحيله قابل للتفاوض.

وتشدد الصحيفة على أن المعارضة المعتدلة ليس لديها من النفوذ والتسليح ما يمكنها من أن تكون نواة لقوة قادرة على هزيمة كل من تنظيم داعش الإرهابي وقوات نظام بشار الأسد.

وتقترح الصحيفة أنه يجب التخلي عن النمط التقليدي للتفكير بأن التحركات الروسية الأخيرة في سوريا غير مفيدة وتفسيرها على أنها امتداد للنفوذ الروسي في الخارج الذي يحتاج إلى المواجهة، وتصفه بأنه من عادات الحرب الباردة القديمة، وينطوي على كل الأمور الأخرى المتعلقة بروسيا.

وترى الصحيفة أن الظروف الراهنة في الشرق الأوسط تختلف كثيراً عن تلك التي كانت سائدة في أوقات الحرب الباردة؛ إذ أن روسيا لم تعد تلك الدولة العظمى، ولا توجد منافسة أيديولوجية عالمية مع موسكو، ويتضاءل الوجود الروسي في سوريا بالمقارنة مع الولايات المتحدة وموقفها العسكري في منطقة الشرق الأوسط.

النفوذ الروسي
ولا تتجاهل الصحيفة الكثير من التكهنات التي أُثيرت حول دوافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتحركات الأخيرة في سوريا، لاسيما أن الدوافع الروسية لا تنسجم بالكامل مع مصالح الولايات المتحدة، بيد أن الوضع في سوريا يفرض على الولايات المتحدة أن تكون منفتحة إلى التنسيق مع روسيا للمساعدة على تحقيق احتمالات أقرب لتخفيف الفوضى في سوريا.

وتلفت الصحيفة أن تحركات روسيا في سوريا وما تتحمله من تكاليف يعني أن موسكو – من أجل الحد من التكلفة الباهظة – سيكون في صالحها استقرار سوريا وإخماد هذا الصراع عاجلاً وليس آجلا، وهناك تداعيات أخرى للدعم الروسي لبشار الأسد تتمثل في توافر المزيد من النفوذ الروسي على نظام بشار فيما يتعلق بأي خطوات قادمة نحو السلام.

وتختتم الصحيفة أن التحركات الروسية الأخيرة تُعد فرصة مناسبة لسياسية الولايات المتحدة تجاه سوريا لكي تبتعد عن المحاولات العقيمة لهندسة نتيجة عسكرية معينة على أرض الواقع، مشيرة إلى أنه من الأفضل أن تتجه إلى المزيد من التركيز على الدبلوماسية المتعددة الأطراف الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وذلك بدلاً من استغلال النزاعات في إشعال المزيد من الحرائق.