ملكة بريطانيا كرمتني وبلدي ''حڤرتني''
29-04-2013, 06:56 PM
العربية الوحيدة التي شغلت منصب عمدة في بريطانيا، الجزائرية، منى حميطوش، لـ "الشروق":
ملكة بريطانيا كرمتني وبلدي ''حڤرتني'' لأني طلبت مساعدة ''الحراڤة''



.. هي المرأة العربية والجزائرية الوحيدة التي كرمتها ملكة بريطانيا ''اليزابيت''، انحنى لمصافحتها ولي العهد البريطاني الأمير '' تشارلز''، العربية الوحيدة التي شغلت منصب عمدة في بريطانيا العظمى، فحققت في عهدتها أعلى نسبة نجاح في التعليم، فتحت باب العمدة والبلدية في عاصمة الضباب للكثير من ''الحراڤة '' الجزائريين، هي منى حميطوش، كرمها البريطانيون ونسيها المسؤولون في هذا البلد. كنت أخال في ذاكرتي أني سألتقي بامرأة مُتحررة في بلد لا يعترف بالخطوط الحمراء، بالكاد تتكلم اللغة العربية، أو أنها ستخاطبني باللغة الفرنسية، كبقية المسؤولين في بلادنا، لكني فوجئت بها وهي تفتح لي الباب، مرتدية ''الجبة العاصمية ''، لا تزال محافظة على لهجتها ''السطايفية '' .. كما لا تزال تكن للوطن والأرض الحنين الأبدي، كل هذا نحاول نقله لقراء "الشروق" في هذا الحوار الحصري.

ربما أول سؤال يتبادر إلى ذهني هو كيف استطعت أن تتوغلي في مجتمع لا يعترف إلا بالعظمة'' الإنجليزية'' بكل ما هو بريطاني .. ويتحفظ على الآخر سيما وإن كان عربيا مسلما؟

عندما وصلت إلى بريطانيا رفقة عائلتي نهاية ''التسعينيات'' بدأت تجربة حياتي في هذا البلد بالمشاركة في تأسيس جمعيّة للجالية الجزائريّة بالمملكة المتّحدة اسمها: "الرابطة الجزائريّة البريطانيّة". وهذه الجمعيّة التي باشرت نشاطاتها سنة (1999)، والتي مازلت أشرف على إدارة شؤونها، كنا نعمل على تقديم الخدمات التعليميّة والتدريبية والقيام بالأنشطة الثقافية لفائدة أعضاء الجالية من نساء ورجال وشبان وشابات.. عرفت الكثير من الجزائريين '' الحراڤة '' منهم والإطارات أيضا''، وأنا بطبعي إنسانة اجتماعية (نخالط كيما نقولوها بالسطايفية)، اتسعت قائمة علاقاتي مع جزائريين وبريطانيين .. وبدأت أومن في داخلي أنه لا شيء ينقصنا حتى نصبح مثل الإنجليز .

.

هذا عن العمل الجمعوي، وماذا عن العمل السياسي الذي حتما بواسطته وصلت إلى منصب العمدة؟

العمل الجمعوي وسع علاقاتي .. لكنها كانت تحتاج إلى غطاء سياسي حتى أدخل كواليس السياسية البريطانية، فأتيحت لي فرصة الانضمام إلى حزب العمّال البريطاني، واخترت هذا الحزب لأني أتذكر في بلدي، أيام الثورة الزراعية، وتقسيم الأرباح والعدالة الاجتماعية، فأنا تربيت في أسرة مجاهدة وفقيرة أيضا.

واخترت حزب العمال البريطاني أيضا، لأنه أكبر الأحزاب وأحرصها على الدفاع عن حقوق الجاليات، والإثنيات الوافدة، وباعتباره أكثر المدافعين عن قيم العدالة الاجتماعيّة والدفاع عن الشرائح الاجتماعية الأقل حظا، وبانضمامي لحزب العمال سرعان ما انفتحت لي بوابة الترشح للانتخابات البلدية في ''إيزلنغتن ''شمال لندن سنة 2006. وعندما عرض علي ذلك .. (قلت في نفسي لما لا جزائرية.. أجدادنا صنعوا ثورة ..''.

وتشاء الفرص أني حقّقت نجاحا غير منتظر، فكنت أول امرأة من العالم العربي تُنتخب في مجلس تأسيسي في تاريخ المملكة المتحدة، وتمكنت من تعزيز هذا الفوز بإعادة انتخابي لعهدة ثانية في في ماي (2010)، وتبع ذلك تشريفي بانتخابي عمدة من طرف مجلس الحكومة المحلية ببلديّة إيزلنغتن.

.

بعد أن أصبحت '' عمدة '' بلندن هل عانيت من مضايقات من قبل '' الإنجليز '' باعتبارك عربية مسلمة؟

كنت أول شخص جزائري وعربي ينال لقب عمدة، وانتخابي عمدة له عدّة دلالات أهمّها أنّ المجتمع البريطانيّ هو فعلا مجتمع منفتح على الأقليات من الوافدين إليه، وهو مجتمع يُتيح فعلا فرص المشاركة السياسية ويتبّع فعلا سياسة تمثيل واسع لمختلف شرائح المجتمع، بالعكس تم اختياري عن قناعة الإنجليز بطبيعتهم يقدرون الآخر وتفانيه في العمل .. وطيلة مدة تواجدي أو عملي لم أتعرض لأية مضايقات بالعكس كل الأبواب فتحت لي .. كلها دون استثناء .

.

.. ماذا يعني لقب ''عمدة '' في بريطانيا. هل للمنصب نفوذ معين؟

هذا اللّقب التشريفي ''العمدة'' هو ثالث منصب أهمية في بريطانيا، فبعد الملكة يأتي ولي العهد ثم يأتي منصب العمدة، يدعى صاحبه رسميّا بلقب "المواطن الأول" أو "المواطنة الأولى" على مستوى دائرة انتخابه، ذلك أن نشاط العمدة ينزع عن صاحبه صفته الحزبيّة ويُلزمه بتمثيل كلّ المقيمين بالدائرة الانتخابيّة والدفاع عن مصالحهم وحمايتها، وموقعي يعني أنّي أعلى سلطة منتخبة بالبلديّة ومسؤولة فعلا عن كلّ السلطات المحليّة وعلى كلّ الأنشطة التي تجري في حدودها.

.

وماذا بعد توليك منصب '' عمدة '' ماذا حققت للشعب البريطاني؟

أصبحت بلديّة ''إيزلنغتن'' نموذجا للتنوع العرقي والإثني والثقافي الذي تتميّز به بريطانيا وخاصّة لندن بالذات، ففي هذه البلدية أكثر من 155 لغة، الأكيد أنّ الجميع يعيش في انسجام كبير، خاصّة بفضل الفرص المتاحة ليتعرّف كلّ منّا على ثقافة وتراث الجاليات الأخرى.

عرفت بلديّة ''إيزلنغتن'' خدمات واسعة للفئات الاجتماعيّة الأقلّ حظّا وللأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصّة، ولعل هذا ما جعلها أول منطقة يحل بها الجزائريون عند مجيئهم لهذا البلد، وهي البلدية التي استقر بها أكبر عدد من التجار الجزائريين في المملكة المتحدة.

والأكثر من ذلك، بلدية ''إزلنغتن '' حققت أعلى نسبة نجاج في التعليم مما جعل ''الملكة '' إليزابيث ''تهنئنا شخصيا وهي أول مرة تنزل وتهنئ عمدة بلدية.

.

وماذا عن الجزائريين، أريد أن تحدثيني عن '' الحراڤة''، هل مثلا كنت تساعدينهم في الحصول على الوثائق؟

.. منذ أن توليت المنصب لم أدر ظهري لأبناء بلدي بالعكس، فهم بمجرد معرفتهم بأني أصبحت عمدة، الكثير من ''الحراڤة'' أصبحوا يتوافدون علي، وطبعا لم أكن أنام دون أن أسعى لحل أزمات '' الحراڤة '' الجزائريين في بريطانيا.

وأنا دائمة ''الزيارة'' لكل الأحياء التي يتواجد بها الجزائريون، بل أحرص على اللقاء بهم.

.

كيف كنت تساعدينهم؟

كنت أمضي أوقاتا طويلة وأنا أكتب رسائل إلى الداخلية والبرلمان لأجل تمكين هؤلاء الشبان، من الحصول على وثائقهم، وبمجرد أن تقع بين يدي وثائق لجزائريين يطلبون المساعدة أو تسوية الوثائق لا أتردد مطلقا .. ولا يهمني من يكونون؟ والحمد لله في حقبتي شهد حصول الجزائريين على أعلى نسبة من الأوراق وتسوية وضعيتهم .. ولا يزال بابي اليوم مفتوحا لكل ''الحراڤة'' الجزائريين بهذا البلد، الكثير منهم أتوجه معهم إلى ممثلي وزارة الداخلية حتى أشهد معهم أنهم مواطنون صالحون ولهم الحق في أوراق تمكنهم من العيش في بريطانيا .

.

هل هذا يعني السيدة منى أنك تساعدين الشباب على ترك بلدهم؟

لا، أبدا، أنا أفعل ذلك لأني أعلم أن بريطانيا بلد يحترم القوانين، فالذين يدخلون لهذا البلد لا يمكن لهم أن يخرجوا منه أو يعملون أي وظيفة قانونية دون وثائق، وكل هذا حتى أسهل لهم الحياة في هذا البلد ودائما أقول لهم لماذا تركتم الوطن. بلدنا جميلة.

.

أخبرتيني أنك التقيت بالملكة إليزابيث، كيف كان اللقاء، وهل أخبرتك بشيء عن الجزائر؟

من أكبر المفاجآت السارة التي عرفتها في حياتي القصيرة بهذا البلد هو ضمّ اسمي إلى قائمة المصف العريق للإمبراطورية البريطانية، وذلك بمناسبة السنة الستين لاعتلاء جلالة الملكة إليزابيث الثانية للعرش، وهو عمري أنا بالضبط.

وقد كنت الأولى التي نالت هذا اللقب بالنسبة للمنحدرين من أصول غير بريطانية، إنّها مفاجأة كبيرة ولم أكن أحلم بها أبدا، إنّه شعور بالغبطة والسرور لا يمكن وصفه، وهذا التشريف أعتزّ به أكثر لأنه جاء بالنسبة لي بعد سنة فقط من انتهاء فترة تشريفي بالحصول على لقب عمدة لإحدى أكبر بلديات مدينة لندن.

وهو تشريف مهم بالنسبة لي باعتباري مواطنة عادية حلّت بهذا البلد منذ عشرين سنة فقط، وتمكّنت أن أتحصل على هذا اللقب، وهذا دليل يؤكد خصائص البلد العريق في ديمقراطيته والذي يتمتّع بنظام متميّز من حيث المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المقيمين على أرضه.

.

هل تشعرين ''بالحڤرة'' أنك في بريطانيا تكرمك الملكة وفي الجزائر ربما لا يتذكرونك؟

سأقول لك شيئا، عندما زار الرئيس بوتفليقة لندن، .. القائمون على الزيارة ''تجاهلوا عزيمتي .. وأنا التي لا يوجد مسؤول بريطاني لا يعرفني .. لكن الحمد لله .. أن البرلمان البريطاني أدخله متى أشاء بصفتي عمدة ففاجأتهم وأنا أتقدم نحو الرئيس .. لكن في كل هذا يؤلمني أن تحتفل بلادي بذكرى الاستقلال ولا يتذكروني، يؤلمني أن أطلب من بلدي مساعدات مالية لـ''الحراڤة''، توافق عليها الحكومة لكنها لا تصلني ... يؤلمني أن أطلب من سلطات بلدي في الجزائر أن يفتحوا ''للحراڤة مقرا لنستقبل انشغالاتهم .. ويديرون لأبنائهم ظهورهم .. يؤلمني كل هذا.

.

وهل تقدمتم للسلطات ببناء مقر لاستقبال طلبات وانشغالات ''الحراڤة '' أو أبناء الجالية في بريطانيا؟

نعم، تقدمنا بعدد كبير من الطلبات، آخرها في عهد حكومة أويحيى، وقد وافق على طلبنا، وحتى على منح أموال ''للحراڤة'' لكن لم يصلنا شيء، وإلى حد الآن لا أزال أستقبل طلبات ''الحراڤة'' في مقر العمدة وأحيانا في الشارع ..