دراسة: "التفاوض مع "طالبان" : أسوأُ الحلول أم إستراتيجية إستقرار لإفغانستان؟"
01-06-2009, 08:41 PM
التفاوض مع "طالبان" : أسوأُ الحلول أم إستراتيجية إستقرار لإفغانستان؟

أنتوني زيتوني




هل يجب أن تتفاوض الولايات المتحدة مع حركة "طالبان" الأفغانية؟ سؤال أساسي يشغل المهتمين وصنّاع القرار في واشنطن . خاصةً منذ إنتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، خلفاً لجورج بوش الذي أسقط حكم الـ"طالبان" في أفغانستان؟.
مبررات هذا السؤال عديدة ، ليس أقلها طلب الرئيس أوباما مراجعة وتقييم الإستراتيجية الأميركية في أفغانستان وباكستان ، باعتبارها الجبهة الرئيسية لمحاربة الإرهاب، صولاً إلى إعلانه زيادة كبيرة في عديد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان، إضافة إلى إعلانه إستراتيجية خاصة شاملة لباكستان وأفغانستان معاً ، انطلاقا من قناعة لدى الإدارة الأميركية الجديدة ،بترابط مشكلة البلدين.
من منطلق قناعة بأن العمليات العسكرية وحدها لن تحل النزاع في أفغانستان، أطلقت الإدارة الأميركية الجديدة (ديناميكية) تفكير جماعية حول أفضل السبل لتحقيق الانتصار في أفغانستان ، وتثبيت ركائز الدولة الأفغانية الفتية لتستعيد مكانتها الدولية .
ففي إطار هذه المراجعة، برز في واشنطن تيارين رئيسيين للتفكير حول موضوع أفغانستان:
أصحاب التيار الأول- ومعظمهم من الوسطيين أو من "التيار الرئيس" كما يسمّونه هنا- يدعون إدارة أوباما للتحدث مع "طالبان" بهدف دمجها في الحياة السياسية الأفغانية، مستلهمين نجاح تجربة العراق ، بقيادة الجنرال ديفيد بترايوس، في إعادة السنّة العرب للمشاركة في الحياة السياسية.
فيما أصحاب التيار الثاني- وجلّهم من اليمين الأميركي المحافظ- لا يجدون مبرراً لمفاوضة "طالبان" المرتبطة عضوياً بتنظيم القاعدة الإرهابي، ولا يمكن الفصل بينهما.
إذن امام دوائر صنع القرار في واشنطن خيارات عديدة ، الأولى تدعو للتفاوض مع " طالبان" وبالتحديد مع "المعتدلين" فيها، إذا كانوا مستعدين لنبذ العنف والإنخراط في الحياة السياسية.
اما الثانية فتشكك في جدوى التحدث مع المتمردين ، وفي نتيجته، كما في مصلحة واشنطن بذلك.
هناك الداعين الى استمرار العمل العسكري حتى تحقيق النصر على "طالبان" التي لا ولن تعترف بالحكومة الأفغانية الحالية، ولن تنخرط في الحياة السياسية ، كما انها تقود حرباً شرسة منذ ثماني سنوات على حكومة الرئيس حامد كرزاي وعلى قوات حلف الأطلسي.
تقريران جديدان حول الحوار مع "طالبان" صدرا هذا الأسبوع في العاصمة الأميركية واشنطن.الأول أعدّه الأستاذ الجامعي دانيال بايمان ، ونشره مركز "بروكنغز" تحت عنوان : التحدث مع المتمردين: دليل للمتسائلين . والتقرير الثاني بعنوان: التصالح مع طالبان؟: نحو إستراتيجية كبرى بديلة في أفغانستان. نشرته "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" للخبير في قضايا جنوب آسيا آشلي تيليس.
يحاول تيليس في تقريره هذا البحث في الموضوع الأفغاني، من باب مراجعة السنوات السبع الماضية من الحرب ، والاستفادة من دروسها لتصحيح وتصويب المسار، وصولاً لاعتماد إستراتيجية أميركية بديلة وشاملة لأفغانستان وباكستان معاً، تؤدي إلى النصر على الإرهابيين هناك ، والأهم إلى بناء دولة أفغانية ديمقراطية ناجحة سياسياً واقتصاديا وإنمائياً.
تيليس ، الذي عمل لسنوات عديدة في وزارة الخارجية وفي مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق جورج بوش. يسعى في تقريره هذا إلى التوفيق بين إستراتيجية بوش في أفغانستان ، وبين الإستراتيجية الجديدة للرئيس أوباما هناك. ليقدم رؤيته البديلة - كما أسماها. تلك الرؤية غير الثورية ، لا تمثل انقلابا على مفاهيم بوش حول الحرب على الإرهاب ، بل تقييماّ لها ، وإعادة تقديمها بحلّة جديدة بعد تشذيبهاً وتطويرها. فما الجديد إذاً في تقرير تيليس؟.
جديد التقرير هو التصدّي للسؤال - الإشكالية: هل يجب أن تتفاوض أميركا مع حركة "طالبان" الأفغانية؟ وما الفائدة من ذلك لكل من لواشنطن وأفغانستان؟ وما هو ثمن ذلك؟ وهل يؤدي الحوار المفترض مع المتمردين إلى الاستقرار في أفغانستان؟ إضافةً لذلك ، يسأل تيليس: مع من سنتفاوض في" طالبان"؟ وهل هناك معتدلون في "طالبان" ؟ وهل يقبل قادة "طالبان" الحوار مع أميركا؟.
يبدأ تيليس تقريره باستعراض الواقع الميداني قائلاً: أن مأزق العمليات العسكرية للتحالف الدولي في أفغانستان أثار ضرورة البحث عن حلول جديدة لهذا الصراع. من بين أكثر الأفكار "الاستفزازية" رواجاً هذه الأيام هو مفهوم تعزيز المصالحة مع حركة "طالبان".
الولايات المتحدة الأميركية هزمت حركة "طالبان" التي حكمت أفغانستان لسنوات، وجعلت منها ملاذاً آمناً للإرهابيين الذين نفذوا هجمات11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن. ثم يضيف بأنه بعد الملل لعدة سنوات من القتال ، يعتقد كثيرون في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية حاليا، أن حل مشاكل عدم الاستقرار في أفغانستان ، قد يحتم التفاوض على السلام مع متمردي "طالبان"، وإنهاء الصراع حتى تستطيع القوات الغربية العاملة حاليا في هذا البلد من العودة إلى أوطانها. ليخلص إلى أنه "لا يمكن تصور حلّ أسوأ من هذا حالياً: المصالحة مع "طالبان". هي "حتماً خدعة مضللة لا إستراتيجية استقرار لأفغانستان، إضافة لأنها ستفشل حتماً في الوقت الراهن"، يضيف تيليس. الملا عمر قائد طالبان ، كما مجلس شورى الحركة ، يعتقد بأن نصره على أميركا وحلفائها بات وشيكاً، لذلك يرفض بشدّة الحوار والمصالحة مع أميركا ومع حكومة الرئيس حامد كرزاي ايضاً.
هنا يلتقي تيليس وبايمان الذي كتب في تقريره "أن المتمردين لا يفاوضون إلا حين يدركون أنهم سيخسرون المعركة". كرزاي الخائف من أن يتركه الغرب وحيداً في مواجهة تمرد " طالبان"، لا يرغب باستعجال المصالحة مع المنشقين. لذلك فـ" المصالحة مع طالبان أمر سابق لأوانه وغير ضروري لنجاح الأهداف الغربية في أفغانستان" حسب تعبير تيليس. إضافة لذلك فإن إطلاق مفاوضات غير مرغوب فيها قد يوسع الشرخ الإثني في أفغانستان وسيشعل الحرب الأهلية من جديد، برأي الكاتب الذي يضيف بأن التسرّع في اعتماد هذا الحلّ كأسهل الطرق للخروج من المأزق الأفغاني، سيعتبره المتمردون علامة ضعف و "سيقوي المتمردين ويزيدهم تشدداً. وهو أسوأ خيار ممكن لاستقرار أفغانستان، وسيفشل حتماً". كذلك يذهب بايمان الى أن التفاوض مع المتمردين الأفغان "قد يضعف حكومة الرئيس كرزاي".
الأفغانيون بحاجة ماسة لنجاح أميركا والحلفاء في بلدهم، وهم بأكثريتهم الساحقة لا ينظرون للجيوش الحليفة كقوة إحتلال لبلادهم. أكثرية 82% من المواطنين الأفغان- يقول تيليس- ضد طالبان ولا يريدون عودتها الى الحكم. فيما 4% منهم فقط أيّدوا طالبان، التنبؤ بفشل التحالف الدولي في أفغانستان خطأ فادح ، لإن طالبان لا تسيطر على أفغانستان الأن، ولن يتحقق لها ذلك مستقبلاً، كما ورد في التقرير.
يعلن تيليس بأن الوضع في أفغانستان "حرج ولكن ليس بأي حال ميؤوساً منه". مضيفاً "إن تعديل الإستراتيجية الحالية لمنظمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، يساهم في قهر "طالبان" وتقوية الحكومة الأفغانية ، ويقلل من حوافز بعض العناصر الرئيسية للتمرد ، لمواصلة القتال ، ويجعل استمرارها عديم الفائدة ".
استكمال النصر على طالبان هو المطلوب اليوم وليس مصالحتها " غير الناضجة والسابقة لأوانها، وغير الضرورية الآن" حسب رأي تيليس. وحده " الانتصار العسكري والسياسي في أفغانستان يجعل المصالحة الوطنية ممكنة ".فالتحالف - يضيف التقرير- محكوم بالمعادلة التالية:أي حوار مع المتمردين يجب أن يأتي في نهاية مسار النجاح السياسي والعسكري لا في بدايته، فيما يعتقد بايمان بأن "التحدث مع المتمردين والإستمرار في إستعمال القوة يجب أن يسيرا معاً".
يعتقد الكاتب بأن استقرار أفغانستان يمكن تحقيقه من خلال إجراءات تغيير عسكري وسياسي، وتقويم مستمر للإستراتيجية الأميركية والأطلسية هناك ، وبضخ المزيد من الموارد الأميركية العسكرية وغير العسكرية .إن تصحيح نظام الأوامر، وضبط الأخطاء وتوسيع قدرات قوات الأمن الأفغانية، وزيادة عددها أمور أساسية للنجاح.
إن الالتزام الأميركي الفاعل والطويل الأمد ببناء الدولة الأفغانية الديمقراطية والمستقرّة، القادرة على تأمين الحياة الكريمة لمواطنيها ، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمواطنيها، إضافة لحماية أمنهم الشخصي والأمن القومي لأفغانستان ،هو أفضل طريق للنصر على الإرهاب، وللدفاع عن مصالح الامن القومي الاميركي، كما يصف التقرير الإستراتيجية الأميركية الجديدة، التي أعلنها الرئيس أوباما لأفغانستان وباكستان (Af-Pak) بأنها "جريئة ومسؤولة لكنها غير مكتملة".
محاربة الإرهاب وبناء مؤسسات الدولة الأفغانية أمران متكاملان إستراتيجياً ويجب أن يتحققا معاً . لا يمكن فصلهما أو الاختيار بينهما برأي تيليس. لا تستطيع واشنطن أن تحارب القاعدة في أفغانستان وباكستان من دون خلق نظام فاعل في كابول، كذلك لا يمكن النجاح في أفغانستان من دون مساعدة جدّية من باكستان- يقول الكاتب- الذي يلتقي بالرأي مع زميله دانيال بايمان ، الذي أعلن في تقريره بأن " أي مفاوضات ناجحة مع المتمردين الأفغان تكون فقط بمشاركة باكستان، التي تقدّم لهؤلاء ملاذا آمناً ومساعدات مهمة". كذلك - يقول تيليس - يجب "عدم توقيع شك على بياض لباكستان".
فضل طريق لتأاما فعله الجنرال ديفيد بترايوس بإنشاء مجالس الصحوة في العراق التي أثبتت قدرتها على مواجهة تنظيم "القاعدة" هناك ورفع هيمنته عن المناطق السنية في الانبهار ومناطق أخرى من العراق ، يمثل أحدث مثال على نجاح الدبلوماسية الأميركية بالحوار مع الأعداء. فهل تسمح ظروف أفغانستان وتركيبتها الداخلية لبترايوس أن يحقق نصراً إستراتيجياً جديداً لأميركا هناك؟.