تسجيل الدخول

أنشأ " السي أحمد" مزرعة لتربية الدجاج بجوار المسكن الذي يقطنه "سعيد" .
"سعيد " أب لأربعة أبناء والخامس تحمله زوجته في شهرها الثامن، في الخمسين من عمره تقريبا .
كان يعمل بإحدى الشركات التابعة للقطاع العام قبل أن يتم تسريحه من العمل بعد إغلاقها ، ومنذ ذلك الحين لم يعثر على عمل مستقر، فكان يلجأ للعمل عند الخواص براتب يومي بسيط كمساعد بناء .
مرت عليه فترات طويلة بدون عمل يقبع فيها في بيته يشاهد التلفازأو يجلس بجواره
يقرأ الجريدة ، في حين يذهب أبناءه للمدارس .
تعاني زوجته أثناء حملها من مرض فقر الدم بسبب سوء التغذية ، لكن العين بصيرة واليد قصيرة فكيف له أن يوفر لها ولأبنائه الغذاء الجيد وهو عاطل عن العمل .
في إحدى المرات وهويجلس بجوار بيته مرت بجانبه دجاجة سمينة قادمة من مزرعة "السي أحمد " ، تمشي وتتمايل في مشيتها وهي تتنزه .
ذهب " سعيد" بخياله بعيدا بعد أن وقع عليها بصره ، حيث عائلته تجتمع على مائدة الطعام والدجاجة تبدو شهية وهي تخرج من الفرن لتوها وهم يأكلون في سعادة وهناء ، يحرص هو على زوجته بأكل المزيد ليتغذى جنينها وتشفى من الأنيميا .
بعد أن استيقظ من أحلام اليقضة تلك ، كانت الدجاجة قد غادرت المكان .
في المرة الثانية وهو يهم بالخروج من منزله ، وجدها قد عادت لنزهتها بجوار مسكنه ، فتح الباب على مصراعيه وأشار بحركة من رأسه لزوجته يطلب منها مشاهدتها .
ردت عليه : دجاجة ...ما المشكلة ؟.....عادي ...
وضع سعيد يده على رقبته في إشارة للذبح
ردت زوجته : لاتفعل ...وأشارت بسبابتها نحو السماء تذكره بالمراقبة الإلاهية .
خرج سعيد من منزله غاضبا لاعنا الدجاجة : ألم تجدي غير هذا المكان تتنزهين فيه أيتها اللعينة ؟ وقذفها بإحدى قدميه بعيدا : ابتعدي من هنا ....لاتعودي ثانية
مرّ على هذه الحادثة أسبوعا ، ثم عاودت الدجاجة التنزه بجوارمنزله .
استغل "سعيد" غياب زوجته عن البيت في ذلك اليوم ، وقام بحملها و إدخلها لساحة بيته ثم أخذ سكينا حادة وقال : باسم الله .....
بعد أن انتهى من ذبحها ريّشها ونظفها جيدا وعندما عادت زوجته أمرها بطبخها .
سألت زوجته عن كيفية حصوله على المال الذي مكنّه من شراء هذه الدجاجة الكبيرة فأجابها أنه تدينه من صديق له .
في صباح اليوم التالي سمع طرقا قويا على الباب كادت تخلع من شدته .
سارع "سعيد" لفتحها قبل أن يتم اقتلاعها ،فإذا بالشرطة تقبض عليه تحت صراخ وبكاء زوجته وأبنائه .
ادخل غرفة مظلمة باردة ارتعش منها جسمه الذي يسبح وسط ثيابه من شدة نحافته
بعد لحظات دخل المحقق واشعل نور المصباح الذي كان يهتز كنواس ، يشكل نوره
دائرة حول كرسي يقع في محيطها .
قال المحقق : اجلس
جلس "سعيد" مذهولا ومندهشا لأنه لم يعرف بعد سبب وجوده في هذا المكان .
قال المحقق : اسمك ، متى ولدت ولما أنت هنا ؟
أجاب سعيد : اسمي " سعيد" سمتني أمي رحمها الله ولو علمت بما حل بي بعد وفاتها لعدلت عن تسميتي بهذا الإسم .
ولدت في ليلة عاصفة مخيفة ظلماء، قضت على كل محصولنا الزراعي الذي تعب من أجله أبي بإحدى القرى بالريف .
هاجر أبي إلى المدينة بحثا عن عمل براتب شهري .
أما وقت ميلادي قالت أمي ولدت بين العصر والمغرب ، هي خبيرة بالوقت تعرفه من حركة الظل فتصلي صلاتها في الوقت المحدد لها ، كل صباح كانت تخرج بخرافها ترعى وتعود بعد الضحى لتحلب البقرة وتخبزلنا الكسرة على النار آكل الكسرة وأحتسي اللبن تحت " الدردارة "وفي المساء نذبح إحدى الدجاجات التي ترعى في " المراح " للعشاء وفي نهاية كل أسبوع نقوم بعملية " الوزيعة " حيث يأكل كل أفراد القرية اللحم ..... في قريتنا لايوجد فقراء سيدي .....إيه كانت أيام ......أما سؤالك لما أنا هنا ....المفروض أن تجيبني أنت عليه .
المحقق : تقدم جارك بشكوى ضدك مفادها أنك سرقت دجاجته التي كانت تتنزه كالأميرة بجوار بيتك ، لقد قمت بجريمة شنعاء ذبحتها بلا شفقة ولا رحمة ، والذي زاد الطين بلة أنك قمت بطبخها وأكلها كيف طاوعك قلبك أليس لك ضمير أليست لديك مشاعر ....؟
أجاب سعيد مطأطأ رأسه : والله لم أقصد يا سيدي ...ثم هي التي كانت تتحرش بي وأنا جالس أقرأ جريدتي في رعاية الله .
اقترب "سعيد " من المحقق قائلا : بيني وبينك ..زوجتي حامل وهي مصابة بفقر الدم لدا قمت ب..........
أجابه المحقق : هذا إعتراف ضمني منك بأنك نفذت الجريمة وأنت في كامل قواك العقلية .
أجاب" سعيد " : يا سيدي لما هذا الكلام الكبير ....الواقع لم يعرف بيتي قط هذا المرض المسمى فقر الدم ...هل تذكر عندما كان سعر البرميل من البترول منخفضا كان الموز يترامى في الأسواق...أتذكر أنني اشتريت وقتها كيلو من لحم الخروف ب400 دج فقط ......
وضع يده على كتف المحقق وأردف قائلا : الدواء الذي هو الدواء كنت أجمعه في أكياس وأرميه في سلة المهملات .......أما الخبز فحدث ولا حرج حتى دجاجات " السي أحمد" أكلت من خبزي وأنا أحمله إليه في أكياس كبيرة ودون مقابل .........
أما الآن ومع ارتفاع أسعار النفط ...والتقشف ...الوضع أصبح صعبا ياصديقي ...
صرخ المحقق في وجهه قائلا : لست صديقك .. ابتعد عني .لاتلمسني ....عد لمكانك ...هيا....
مرّ شهر على احتجاز " سعيد " بالحبس الإحتياطي ، دخل عليه الشرطي وهو يخبره بأن محاكمته ستكون يوم 1-1- 2016
وقف سعيد وراء القضبان خائفا يرتجف منتظرا النطق النهائي بالحكم .
قال القاضي : بعد أن اعترف المتهم بارتكاب جريمته الشنعاء في حق دجاجة " السي أحمد " بلا رحمة ولا شفقة وبالعودة للمادة التي تمنع الإعتداء على حقوق اللإنسان والحيوان وبمأن الدجاج حيوان أليف يعيش جنبا إلى جنب مع اخيه الإنسان حكمت المحكمة حضوريا بالسجن سنة نافذة على المتهم" سعيد ".
انتهى
بقلم : مي
بتاريخ 1-1-2016