بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و آل محمد
و بعد: هذا مجرد بحث بسيط - سبق و طرحته في منتديات مختلفة و اطرحه هنا لتعم الفائدة - يقارن بين اطروحات المؤيدين و المعارضين من جهة و بين وقائع التاريخ من جهة أخرى، و بالتأريخ و ليس مجرد ذكر للأحداث مجردة عن إطارها الزمني، و سأترك بعيدا الإنجازات العلمية، التي قضت على اوجه الخلاف و أثبتت انفصال الجنسين و تميز كل منهما عن الآخر، و هو بحث يبقى قابلا للنقاش و بعيدا عن الكمال، فأرجوا المساهمة والنقد الفعالين.
منذ انطلاق الفتوحات الإسلامية، و وصولها الى بلاد المغرب و أعني بها كل البلاد التي وراء مصر، و الجدال حول نسب البربر محتدم، بين المثبت لعروبتهم و النافي لها، وطال الإنقسام مؤرخي العرب و البربر معا، فصاروا فريقين بين مؤيد للطرح وناف،و وراء كل فريق دواع، الخصها في حياد الفريق العربي النافي، و محاولة الإستمالة لدواع سياسية للفريق العربي المثبت، اما بالنسبة للبربر فبين البحث عن مجد عربي صاحب دعوة الإسلام و اهل نبي آخر الزمن، و بين دواع سياسية تروم الإستمالة ايضا.
و بداية لابد لنا من طرح الأفكار القائلة بعروبة البربر، فقد أورد المؤرخون وجهات نظر مختلفة منها
***** ان البربر هم عشائر عربية من اليمن هاجرت الى بلاد المغرب إبان كارثة سيل العرم مع التركير على تاريخ السيل و الذي اثبته المؤرخون حوالي 115 قبل الميلاد و لا بأس هنا أن نذكر تاريخا موجزا، لقبائل اليمن العربية، إذ يعود أقدم مصدر يتناولهم إلى سجلات الملك سيرجون الثاني الآشوري الحربية (722-705 قبل الميلاد)، ففيها إشارات الملك الآشوري الى الأمم التي كانت تدفع له الضرائب و منهم ملك سبأ "إيت عمارا". هذا أقدم مصدر يشير إلى الحضارة العربية بسبأ، إلا أنه من الجور التاريخي استنتاج أن هذه الحضارة قد تم إنشاؤها حوالي 700 سنة قبل الميلاد فقط اعتماداً على هذا المصدر الوحيد ،لأن احتمال تشكل هذه الحضارة قبل ذلك وارد جداً، بل يفرض نفسه خصوصا مع. بروز نقوش أراد نانار، أحد ملوك مدينة أور المتأخرين، التي تضم كلمة "سابوم" والتي تعني "مدينة سبأ" ، وإذا اعتمدنا التأويل الذي طرحه العلماء ، على أن هذه الكلمة تعني مدينة سبأ، فهذا يعني أن تاريخ سبأ يعود إلى 2500 قبل الميلاد. و هنا احب أن يتعامل القارئ بنفس الموضوعية الزمنية حين نتناول نسب البربر و تاريخهم.
***** وقيل خلفهم أبرهة ذو المنار أحد تبابعة اليمن حين غزا المغرب، وقيل من ولد لقمان بن حمير بن سبإ بعث سرية من بنيه إلى المغرب ليعمروه فنزلوا وتناسلوا فيه، وقيل من لخم وجذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجأوا إلى مصر فمنعهم ملوكها من نزولها فذهبوا إلى المغرب فنزلوه، وذهب قوم إلى أنهم من ولد نقشان بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
وذكر الحمداني أنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل عليه السلام، وأنه ارتكب ذنباً فقال له أبوه: البر البر، اذهب يا بر فما أنت ببر. قيل أيضا إنهم من ولد بربر بن كسلاجيم بن حام بن نوح، وقيل من ولد ثميلا بن ماراب بن عمرو بن علماق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، وقيل من ولد قبط بن حام بن نوح، وقيل أخلاط من كنعان والعماليق، وقيل من حمير ومصر والقبط، وقيل من ولد جالوت ملك بني إسرائيل وإنه لما قتله داود تفرقوا في البلاد، فلما غزا أفريقش المغرب نقلهم من سواحل الشام إلى المغرب.
و كما يلاحظ المتتبع فكلها افتراضات تفتقر الى التأريخ و تبحر في بحور قيل و قيل الغير معتد بها اطلاقا، و في المقابل لاباس أن افتح صفحات تاريخ البربر و أدعها تتكلم عنهم
*****و نبدأ بفترة الفرعون الأمازيغي، شيشناق الذي استولى على عرش مصر في 13 يناير من سنة 950 قبل الميلاد فصار هذا التاريخ منذ ذلك الحين تقويما للسنة البربرية التي يبلغ قوامها حاليا 2958 و المغاربة مازالوا يحتفلون بذكراها حتى يومنا هذا بربرا و عربا، و قد كان ذلك الفرعون البربري معاصرا للنبي سليمان عليه السلام، و هو من قبيلة المشواش او المشوش الليبية البربرية، و ماتزال بقية لهذه القبيلة بالمغرب الأقصى تحمل اسم تمشوشت، و هنا احب أن اوضح ان السبب الذي جعل البربر يتخذون من هذا التاريخ ميقاتا لهم، يرجع الى الصراع القديم بينهم و بين الفراعنة الذين كانوا دائمي الإنتصار عليهم. و اعتمادا على ما سبق كان من الضروري ورود اسم قبائل بربرية معينة في سجلات او نقوش الفراعنة و منها:
- التمحو: يعود أول ذكر لظهورهم الى منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد، في عهد الأسرة السادسة (2434 ق.م. -2242). و الحضارة العربية بسباء كما اوردنا اعلاه تعود الى 2500 سنة قبل الميلاد و قبلهم كانت قبائل البربر تزاحم الفراعنة فانظره جزاك الله خيرا اخي المتتبع.
- الليبو: يعود أول ذكر لظهورهم الى زمن الملك رمسيس الثاني (1298¬- 1232 ق.م) من الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة، وفي سجلات الملك مرنبتاح حوالي (1227 ق.م) الذي صد هجمة قوية علي الدلتا تزعمتها قبيلة الليبو بقيادة مرابي بن دد بمشاركة قبائل القهق و المشواش ، وهما قبيلتين بربريتين،فلمع اسم الليبو . وتشير تحريات الباحثين أن موطنهم كان غرب مواقع التحنو في منطقة برقة الحالية بليبيا. وقد أطلق قدماء المصريين وفراعنة مصر على قبائل البربر التي تقطن غرب مصر اسم الليبيين. وعندما آلت المنطقة إلى الإغريقين، أطلقوا هذا الاسم على كل شمال أفريقيا إلى الغرب من مصر. وقد استعمل أيضا هذا الإسم المؤرخ هيرودوت الذي زار ليبيا، وذلك في بداية النصف الثاني من القرن الخامس ق م.
- المشواش: تشير أقدم المعلومات المتوافرة حولهم إلي حد الآن أن أول ذكر لهم ورد علي جزء من آنية فخارية من قصر الملك أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة حيث جاء في الشطر الأول ما يدل علي وصول أواني تحتوي علي دهن طازج من أبقار المشواش. كما ورد اسمهم في نصوص رمسيس الثاني الذي استخدمهم مع القهق و الشردن في جيشه وكذلك ورد في نصوص مرنبتاح ... وظهر اسمهم بشكل بارز في نصوص رمسيس الثالث (1198 ¬1166 ق.م) مؤسس الأسرة العشرين الذي أحبط هجمتين قويتين، الأولي في العام الخامس من حكمه تضم القبائل البربرية: الليبو، والسبد، والثانية في العام الحادي عشر بزعامة قبيلة المشواش هذه المرة، وبمشاركة عدة قبائل منها: الليبو، والأسبت والقايقش والشيت، والهسا، والبقن... وكانت مناطق هذه القبيلة الحيوية حسب تحريات الباحثين توجد إلي الغرب من الليبو . ويقال إن انتشارهم يمتد غربا إلي الجنوب التونسي الحالي.
- و نحن هنا بطبيعة الحال نستثني بربر المغرب الأدنى و الأوسط و الأقصى و هم :
- الجيتول: Gétules : هي قبيلة بربرية كانت ديارها جنوب مملكتي قرطاجة و نوميديا، وهى تمتد جنوبا حتى تحادي أطراف الصحراء من الشمال. و قد ورد ذك هذه القبيلة لدى المؤرخ اللاتينى (سالوست) (القرن الأول قبل الميلاد). ويبدو أن إسم الجيتول دخل عليه بعض التحريف عندما بدأ نقل هذا الاسم من اللغتين اليونانية واللاتينية إلى اللغة العربية، حيث كتب مرة بصورة جيتــول ، وكتــب مرة أخرى بصورة عربية صــرفة وهى جدالة ، وهم أهل جزولة الحالية و موطنهم الآن منطقة السوس بالمغرب الأقصى
- المور: كما سمي بربر الجزء الغربي بالمور، وهم السكان الذين سكنوا القسم الغربي الشمالي لأفريقيا من طنجة إلى نهر ملوية وجزء من الجزائر. ويفسر البعض كلمة المور ككلمة سامية الأصل أصلها هوريم ما يعني الغربي أو الغربيين لدى الساميين، خاصة الفنيقيين، أما البعض الآخر فيرجعها الى أصل محلي ما يعني أصحاب الأرض. ويعتقد أن اسم موريتانيا إسم اشتق من اسم المور (نقصد مملكة موريتانيا الطنجية خلال حكم الرومان لشمال إفريقيا).
نعم، لقد عرف سكان المغرب الأولون في الفترات التاريخية بأسماء مختلفة: الأمازيغ، البربر، الليبيون، المشواش، النوميديون، الجيتوليون، المور... ويمكن تقسيم المغرب الكبير إلى ثلاث مماليك مع حلول القرن الثالث قبل الميلاد: الموريون في المغرب الأقصى، المازاسيلي غرب الجزائر والماسيلي على طول الشريط الممتد جنوب قسنطينة بالجزائر إلى شواطئ قابس بتونس ثم إلى طرابلس.
- ثم لا ننسى ذكر تاريخ تأسيس قرطاجة بتونس على يد القرطاجيين و الذي يعود الى سنة 814 قبل الميلاد يعني بتأخر قدره 136 سنة فقط عن تاسيس الأسرة الفرعونية 22 البربرية بقيادة شيشناق البربري مما يعني أن بلاد غرب ليبيا لم تكن خلاءا هي الأخرى. و قد اثبت المؤرخون ان القرطاجيين قد دخلوا في علاقات مع سكان المنطقة تراوحت بين مد الإتلاف و جزر الإختلاف.
و كخلاصة و ما احب الإشارة اليه، هو أن كارثة سيل العرم حدثت سنة 115 قبل الميلاد فانظر الى الفرق بين 115 قبل الميلاد التاريخ الإفتراضي لنزوح عشائر عربية الى بلاد المغرب و آلاف السنين التي تؤكد على وجود عنصر بشري سكن المنطقة و اطلقت عليه تسميات مختلفة، نعد ظالمين إن قلنا انهم عبارة عن عشائر نازحة أو مجموعات بشرية مختلفة انتظمت في مجموعة واحدة، فانظر الى قولة الملك البربري ماسينيسا تجاه القرطاجيين فقد قال : :" القرطاجيون أجانب في بلادنا، فقد استولوا غصبا على أملاك أجدادنا، ولذلك يجب أن نسترد منهم بجميع الوسائل ما انتزعوه منا بالقوة". فالقرطاجيون رغم طول المدة التي قضوها بأفريقية ظلوا يشعرون بالغربة و ينظر اليهم من قبل البربر على انهم أغراب، و حتى القائد القرطاجي حنبعل حين قاد حملته الشهير على روما سنة 218 قبل الميلاد يعني قبل كارثة سيل العرم قادها بجيش قوامه 40.000 فمن اي الأصول كان ذلك الجيش إن لم نقل كله على الأقل جزئه الأكبر، و ليس أمامي الا أن اذكر مقولة الروماني تيتوس ليفوس " إن سيوف النوميديين هي التي فصلت الفصل النهائي في معركة قناية " و في هذه المعركة أيضا قال القائد البربري الشهير مهر بعل قولته الشهيرة " حنا بعل.. لقد حبتك الآلهة بنعم كثيرة، فأنت تعرف كيف تحرز النصر، ولكنك لا تعرف كيف تستخدمه وتستغله " فمن يكون النوميديون يا ترى؟ مع الإشارة أن كارثة سيل العرم ساعتها لم تحصل بعد كما اشرت و قد تأخرت عن هذه الأحداث بحوالي 103 سنة. و لولا مخافة التطويل لجئتكم بكم هائل من أخبار ملوك البربر سواء قبل الميلاد او بعده، مما نجهله و كان يجهله المؤرخون العرب او ربما كانوا يتعمدون جهله. ولا بأس بأن اذكر اسماؤهم فقط.
فمن أهم ملوكهم: أيليماس وزيلالسان وگايا وأوزالكاس وماسينيسا وكافوسا وميكيوسا وماستانابعل وگولوسا وأمفسال الأول وأدربعل ويوغرطة وگوضا وأمفسال الثاني ويوبا الأول ويوبا أو جوبا الثاني زوج كيليوباترا سيليني ابنة كيليوباترا الشهيرة وبطليموس ابنهما وصيفاقس وفيرمينا و باگا، وبوكوس الأول، وبوگود وبوكوس الثاني وبوگود الثاني. اتمنى ان يكون موضوعي هذا محط نقاش و انتقاد فبهما تستجلى الحقائق اكثر.
مع إظافة أن العلم قد قال قولته الفصل، فأثبت أن العرب - بشقيهما- يتوفرون على البصمة الوراثية J1 بالنسبة لعرب اليمن او عرب قحطان و J2 بالنسبة لعرب عدنان، أما جنس البربر فيتوفرون على البصمة الوراثية e3b1 و كما نلاحظ فهي بعيدة كل البعد عن البصمة الوراثية العربية، و للإشارة فقد تم العثور عليها لدى بعض الفئات من سكان جنوب اوروبا كسكان صقلية و الجنوب الإسباني و خصوصا قبائل الباسك، فظهر تأويل آخر يفيد بأن البربر أصولهم أوروبية، و هذا بطبيعة ظلم و جور تاريخي في حق القوم، و كأن البربر لم يكن لهم تأثير على أوروبا و خصوصا زمن الإمبراطورية الرومانية، فانظر الى حرب حنبعل و الحروب البونيقية دون نسيان فترة فتح الأندلس بطبيعة الحال و ما بعدها، فهل يستطيع احد أن يتخيل بأن جنود حنبعل الذين طوقوا روما أو جنود طارق بن زياد من البربر قد خرجوا من تلك البلاد عن بكرة أبيهم؟ الا يمكننا ابدا تخيل أن بضع عشرات او بضع مئات منهم اختارت البقاء الإرادي بتلك الديار؟؟؟؟؟؟؟
منقول عن منتدى "ملتقى القبائل العربية"
http://www.moltaqa1.com/vb/showthread.php?t=28948