تحية طيبة لصاحب المتصفح ../
هذه مشاركة تصب في نفس طرحك أخي
...
تأملوا هذه الآيات المُنزّلة من لدُن عزيز حكيم، في كتابٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كتابٌ أُحكمت آياته وكلماته وحروفه ، كتاب تحدّى به الله أهل الأرض إنسهم وجنهم أن يأتوا بشيء من مثله فلم ولن يستطيعوا ، كما لن يستطيعوا أن يشككوا أو يطعنوا في سورة أو آية أو حرف من حروفه بل هم أعجز حتى من أن يشكّكوا في حركة من حركات حروفه ؛ ضمة أو فتحة أو كسرة أو سكون
هذه آيات اختلفت فيها صيغة الأمر بطاعة الله وبطاعة رسوله .. !
اختلفت اختلافا جذرياً – على حد قول الأخ طوف – اختلاف لا يمكن لأي من يحسن ويعرف بديهيات اللغة العربية أن يتعامى عنه أو ينكره ، أو يقول بأن المعنى في تلك الآيات كلها واحد ! والتوفيق بينها سهل وممكن.
هي اختلافات أرادها الله عز وجل الذي يعلم الغيب ، والذي أنزلها لتكون حجة على من أنكر السُنّة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد نسفها برمتها بحجة ما كان فيها من ضعيف وموضوع ومكذوب من الأحاديث، وهو سلوك أقل ما يوصف به أنه شطط وتطرّف لا يحسُن بالباحث العلمي أن يقول به.
فهل هذا الاختلاف في صيغ وحالات الطاعة الواجبة لله ولرسوله كان ترفاً أدبيا، واعتباطيا وغير هادف ! حاشا لله ، بل كل حرف هنا وكل تقديم وتأخير وكل حركة ، إنما أنزلها علاّم الغيوب ؛ من يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصّدور ، من تعهّد بحفظ هذا الدّين بحفظ كتابه وسنة نَبيّه.
أضيف هنا كلمة قالها أحد العلماء وقرأتها للشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه، قال: لو أنّنا وجدنا هذا القرآن مُلقى في فلاة من الأرض ! لَما انتفعنا به ! / انتهى كلام الشيخ.
والجواب بالتأكيد هو أنّنا ما انتفعنا بهذا القرآن وهذا الدّين إلا لأنه وصلنا مجسّدا في سيرة وسلوك وسنّة مطهّرة بالتواتر جيلا عن جيل؛ رجال عن رجال؛ نقل حسي ملموس مُشاهد .. ، كيف عاش النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المنهج القرآني ؟ كل حركاته وسكناته؟ وأقواله وأفعاله ؟ حياته الأسرية والاجتماعية والسياسية والرّوحية ؟ كيف كان خُلُقُه هو القرآن ؟ وكيف عاش اصحابه وساروا على هديه واتبعوا سنّته ؟؟
*****************************************
*****************************************
يقول عز من قائل في خمس آيات بَيِّنَاتٍ :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) / الآية (20) / سورة الأنفال.
( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) / الآية/ (32) سورة آل عمران.
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) / الآية (92) / سورة المائدة.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) / الآية 59 / سورة النّساء.
( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) / الآية (56) / سورة النّور.
********************************************
********************************************
وإليكم شرح تلك الآيات أعلاه نقلا – بتصرف - عن الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي – رحمه الله وأجزل له العطاء واسكنه جنات النعيم -
...
وفي مداخلات لاحقة سأدرج روابط لشريطي الفيديو التامين لمحتوى هذه المداخلة // وهي موجودة على اليوتيوب لمن أراد ..
أساليب الأمر القرآني بطاعة الله ورسوله جاءت بعدة صيغ وكل صيغة تعني معنىً يختلف عن المعنى الآخر:
قال تعالى في سورة الأنفال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) / الآية (20) / سورة الأنفال.
...
الطاعة هنا هي طاعة واحدة لله ورسوله. الرسول الكريم هنا معرّف بالإضافة إلى اسم الجلالة: ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ، لاحظ أن الرسول أضيف إلى الضمير يعني أطيعوا الله ورسوله ، أي الذي أرسله الله عز وجل بالكتاب. هذا الأمر بطاعة الرسول هنا هي طاعة الله بالضبط. لماذا؟ لأن الرسول جاءكم مبلغاً ؛ ينقل لكم هذا الكتاب، فأطيعوه، ولهذا اضاف: ( وأنتم تسمعون ).
...
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (20)وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)) / سورة الأنفال. أي أن القضية هنا يعني قضية سماع وفي ذات السّياق يدخل قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (67) / سورة المائدة.
فلما جاءت هذه الصيغة وهي الصيغة الأولى التي ينبغي أن نفهم بأنها أول الصيغ أنت أول عمل تعمله أن تسمع القرآن الكريم، من الذي جاءك به؟ محمد صلى الله عليه وسلم. فلما محمد صلى الله عليه وسلم يقول لك هذه آية في سورة كذا، هذا القرآن من عند الله، هذا كلام الله، إنما أنا رسول مبلِّغ، عليك أن تطيع ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) فيما بلغكم به عن ربه ولهذا أضاف الحقُّ عز وجل الرسولَ إليهِ (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، لأن طاعة الرسول هنا هي بالضبط طاعة الله. فحيثما رأيت في كتاب الله أطيعوا الله ورسوله اعلم أن الكلام يتحدث عن القرآن الكريم.
...
قال تعالى في سورة آل عمران ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) / الآية/ (32) سورة آل عمران.
هذا أسلوب جديد. يقول ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ) في هذه المرّة لم يُضِف الحقُّ عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نفسه، بل عرّفه بالألف واللام. هذا الرسول له صلاحيات أن يفسر لكم القرآن ويبين مُجْمَلَهُ ويفصِّل ما خفي منه ... والخ، حينئذٍ أنتم أطيعوا الله في القرآن الكريم، ثم أطيعوا الرسول في تصرفاته في هذا القرآن الكريم.
النبي صلى الله عليه وسلم هنا يؤدي دوره كرسول له علم وله كلام موحى بمعناه لا بلفظه وله صلاحية الفهم ، مصداقا لقوله تعالى: ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) / الآية (113) / سورة النساء)، ورب العالمين علّم كل الأنبياء كما قال عن سيدنا عيسى عليه السّلام: ( وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ) / الآية (110) / سورة المائدة).
...
قال تعالى في سورة المائدة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) / الآية (92) / سورة المائدة.
لدينا هنا طاعتين مستقلتين؛ طاعة خاصة لله، وطاعة خاصة للرّسول صلى الله عليه وسلم وفيها زيادة كلمة لم ترد إلا في هذا المكان وهي واحذروا . !!
هنا طاعة ثانية مستقلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم له صلاحيات التحليل والتحريم، وحرام محمد وحلال محمد حرام وحلال إلى يوم القيامة. ففي هذه الآية الثالثة النبي صلى الله عليه وسلم له تصريف في الكتاب من حيث معناه وأسباب نزوله ومناحيه وبياناته. إذاً ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أي وأطيعوا الرسول طاعة ثانية طاعة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم في سننه فيما أمر وفيما شرع وفيما نهى، واحذروا عندما ينهاكم لأنه ينهاكم عن مزالق كثيرة
....
قال تعالى في سورة النساء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) / الآية (59) / سورة النساء.
لدينا هنا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وهذه المرة الوحيدة التي جعل فيها رب العالمين طاعتين؛ طاعة لله وطاعة للرسول، لكن طاعة الرسول مشترك فيها هو وأولي الأمر.
لأول مرة وآخر مرة يأتي الأمر بأن تطيع أولي الأمر مع طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، من حيث أن طاعة هؤلاء هي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
من هم أولي الأمر؟ طبعاً من الناس من يقول هم الحُكام وهذا ليس صحيحاً فالكلام هنا عن الشرع؛ حلال وحرام ( العلماء ورثة الأنبياء )، ولذلك قليل من العلم خير من كثير من العبادة، وأنتم تعرفون ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (288) / سورة فاطر).
هذه الطاعة خاصة بحقل خاص للرسول وأولي الأمر الذي له مسألة الفتوى الحلال والحرام. والسؤال من هم أولي الأمر؟ موجزها هُم أصحاب الدليل ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ) الآية (108) / سورة يوسف)
العلم هو الذي يجعلك أهلاً للفتوى ومن أولي الأمر ورثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ تحلل وتحرم: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ / الآية (83) / سورة النساء)
...
قال عز وجل في سورة النور: ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) / الآية (56) / سورة النّور.
لدينا هنا أسلوب مختلف وهو طاعة الرسول وحده، هنا باعتباره حاكماً ورئيس دولة وقائد للجيوش في الحروب ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ / الآية ( 152 ) آل عمران). فهم هنا لم يعصوا حُكْماً شرعياً، بل عصوا قائدهم العسكري، فمحمد صلى الله عليه وسلم قال للرماة: ابقوا على الجبل ولا تتحركوا؛ أي أمر عسكري ( حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ)، والله قال وقد عفا عنهم لأنه ليس حكما شرعيا، وإنما خلل تكتيكي عسكري، عصوا القائد، فهذا آخر أسلوب؛ وهو طاعة الرسول وحده، ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ / الآية (54) سورة النور( ، يعني في هذه الحالة الأخيرة هناك شيء من المرونة.
/ انتهى كلام الشيخ الكبيسي – رحمه الله –
وبهذا يتضح الأمر بالطاعة في خمس أساليب، لكل أسلوب معنى محدد ومضبوط.
وفي هذا ردّ على الذين يقولون إنما هو وحي واحد وهو القرآن وأن النبي لم يأتِ بشيء آخر ويحاولون بذلك نسف وردّ وتكذيب كل ما جاء في كُتب الحديث، وعلى رأسها صحيح البخاري بالجملة وبالمطلق.