رد: دروس تربوية من حياة الدكتور عبد الرحمن السميط الحلقة الأولى
08-11-2014, 03:55 PM
القوافل الدعوية
البرامج الدعوية الناجحة جداً تلكم القوافل الدعوية التي نزور فيها العديد من القرى الإفريقية بصحبة مجموعة من الدعاة والمترجمين الذين نتمكن بواسطتهم من تبليغ الدعوة، وشرح أركان الإسلام وأخلاقه وآدابه. وتكون الفائدة كبيرة عندما تعدد مثل هذه القوافل والزيارات المكثفة.
وقد تبين لنا من أعداد المهتدين الجدد الذين اعتنقوا الإسلام خلال الربع الأخير من القرن الماضي أنه لم تخل قافلة من جميع القوافل الدعوية التي تنظمها، من أفراد وثنيين كانوا أو نصارى يعلنون إسلامهم بالعشرات أحياناً.
وأورد هنا على سبيل التمثيل لا الحصر قصة زعيم الملوك في بلدة، (تنكو دوغو) واسمه (تابا ساغا). كان قد تنصّر عن طريق المدرسة التابعة للكنيسة التي كان يدرس فيها كفالتها إلى أن تخرج من الجامعة.
فعندما زرناه في بلدته لدعوته إلى الإسلام، عجبنا من المكانة التي كان يحظى بها بين قومه خصوصاً من الوثنيين والنصارى، من خلال تحيتهم له وإلقاء السلام عليه في بعض المناسبات الرسمية. فتراهم يخلعون نعالهم ويمشون على أيديهم وأرجلهم أمامه، ويذكرون أمجاده ويفخرون بأسلافه المنعمين، ثم يقدمون له الهدايا والقرابين لتجديد البيعة والولاء والطاعة.
أما المسلمون، فكان يكتفي منهم بالدعاء له حسب شريعة الإسلام. فلما دخلنا عليه، وقدمنا له هدية، وحدثناه عن القافلة الدعوية التي نقوم بها إلى بلدته لتحقيق أهداف نبيلة، رحب بنا ترحيباً حاراً، وأمر بنصب خيمة لنا في أحسن موقع من هذه البلدة. وألقى كلمة قصيرة شجعنا فيها على نشر الإسلام.
وقد أخبرنا بعض الأهالي أن هذا الزعيم لم يكن من عادته أن يستقبل الزوار بمثل هذه الدرجة من البهجة والسرور التي خصنا بها في ذلك اليوم المشهود الذي لم يكن يسعنا فيه إلا أن نتوجه بالدعاء إلى الله أن يشرح صدره للإسلام.
ومن المساهمات الجميلة التي توجت بها نشاطات هذه القافلة انضمام الملك التقليدي المسلم (إبراهيم سورغو) إليها، ودعوته الناس إلى دين الله الحق.
كان إبراهيم قبل إسلامه وثنياً، فلما دخل الإسلام فرّ به أبوه خارج القرية خوفاً عليه من بطش أهلها به .. فقد أبلى معنا في هذه القافلة بلاءً حسناً، وخطب في الوثنيين وقال: "إن الإسلام لا يجبر أحداً على اعتناقه مصداقاً لقوله تعالى"(لا إكراه في الدين) ونحن لن نكذب على أحد أو نغريه أو نضغط عليه حتى يكون مسلماً. ولكن دعونا نعلم أبناءكم ونساءكم مكارم الأخلاق والفضائل، ولا تمنعوهم من اعتناق الإسلام إذا اقتنعوا به وأحبوه، واعلموا أن هذه المنطقة لن تنعم بمستقبل زاهر آمن إلا بكلمة التوحيد.
وانظر أخي القارئ إلى كلمة الإسلام عندما تستقر في موضعها المناسب من نفس غير المسلم، فتوقظ فيه فطرة الله، وتحوله إلى كتلة من الحكم البليغة.. وهاك مثالاً لزعيم وثني أسلم فقال: مثل الإنسان في هذه الدنيا كمثل راع في صحراء، اشتد به العطش وقطيعه حتى كاد الجميع يهلك ثم وجد الماء. فكذلك حال الراعي في الضلال الذي وجد الإسلام" فأي فرحة أعظم من فرحة بنعمة الإسلام؟!.
إنها كلمة الحق التي جعلت بعض الناس يسعون إلينا من أماكن بعيدة مشياً على الأقدام أو ممتطين دوابهم حتى ينهلوا من معين قافلتنا. فهذا أحد المهتدين الفقراء لما أقبل علينا وأعلن إسلامه قدمنا له ملابس جديدة وأخرى مستعملة، فقدمها بدوره هدية لمن هو أشد منه حاجة مكتفياً بهدية الإسلام على حد تعبيره..
المرجع: مجلة حياة العدد (56) ذو الحجة 1425هـ