رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
04-08-2015, 05:55 PM
لو كانت اللغة العربية رجلا لأشهرت سيفها..
الطريف التراجيكوميدي في الكتابة عن الصراع اللغوي من باريس بوجه عام وعن تفنيد مبررات دعاة الدراجة العامية بوجه خاص يجعل مني مصدر شبهة تعمق التشكيك في حقيقة هويتي الفكرية أكثر من أي وقت مضى استنادا لمعيار التطرف الإيديولوجي عند طرفي الصراع اللغوي القديم الجديد.
كتبت قبل سنة تقريبا فور صدور كتاب إيف بورجيه الذي دافع فيه عن اللغة الفرنسية وبكى فيه على سيطرة اللغة الإنجليزية، بينت كيف أن كل أنظمة العالم تجعل من اللغة عنوان هوياتها بالشكل الذي لا يتناقض مع انفتاحها على لغات وثقافات العالم في زمن تفرض فيه لغة الأقوى علميا وتقنيا واقتصاديا وبالتالي سياسيا الأمر الذي يجعل من المتطرفين اللغويين باسم وطنية وجدانية مفصولة عن واقع ميزان القوة على أرض المعيش الملموس مجرد أبواق يعزف أصحابها خارج منطق الغالب المهيمن بتقدم شامل سابق للغة. أسوق هذا الكلام معبرا عن حزني الكبير على بورج الذي بكى على اللغة الفرنسية لكنه لم يوقف زحف اللغة الإنجليزية التي يلجأ إليها كبار الباحثين الفرنسيين والأوروبيين لأنها لغة الأقوى علميا، وأنا بدوري أبكي على مصير اللغة العربية في بلدي الذي قال فيه بن بلة عقب الإستقلال " نحن عرب" وهو نفس البلد الذي قاد فيه بومدين التعريب من دون منهجية بيداغوجية وتأهيل علمي ومهني يتناغم مع واقع اقتصادي وإداري وسياسي وتم كل ذلك على مرأى ومسمع فرونكوفونيون كانوا يسخرون من تعريب ديماغوجي ودوغمائي أصبح اليوم مبررا ذهبيا في أيدي المتربصين لأخطاء وطنيين تعايشوا مع من لا يتحدثون اللغتين العربية والعامية مع زوجاتهم وعشيقاتهم وأبنائهم.
من منطلق الأمثلة والحقائق المذكورة، نستطيع القول وحتى الجزم أن مسلسل العبث بوجه عام وباللغة العربية بوجه خاص لم يبدأ مع الوزيرة بن غبريط التي أشعلت النار، عبث قبلها وزراء كما يحلو لهم ومن بينهم وزيرة سابقة معروفة تاريخيا بتوجهها الفرنكوفيلي وأصبحت تذبح اللغة العربية تجسيدا لتكتيك يصب في صلب الديماغوجية. هي المنظومة التي جعلت بن غبريط تطلق شرارة العامية كما أطلق من قبلها بن يونس شرارة الخمور وهي نفسها المنظومة التي قمعت الأمازيغ قبل الاعتراف بوجودهم اللغوي وهي نفسها المنظومة التي افتقدت لاستراتيجية تعليم علمي يأخذ بعين الاعتبار شروط التكوين الحديث بكل اللغات ولا يتلاعب بها خدمة لصراعات هدفها الهيمنة وفي ذلك يستوي الذين دافعوا عن اللغة العربية ديماغوجيا ودوغمائيا والذين كرسوا الفرنسية فعليا ودون تهريج وبروز أبواق العامية اليوم ليس وليد الصدفة وهو نتيجة طبيعية لمنظومة فاقدة لتصور تنموي استراتيجي شامل. لو كانت اللغة العربية رجلا لأشهرت السيف في وجوه كل الذين تاجروا بها سياسيا واشتركوا في التأمر ضدها رغم عداوتهم الإيديولوجية التي لم تمنعهم من التعايش تحقيقا لتوازن المصالح الجهوية والريعية لكنها منعتهم من استشارة الشعب المعني الأول والأخير في اللغة وغيرها من القضايا التي تجعل منه سيدا كما هو الحال عند الشعوب الحية كما تقول أمي الأمية.