فلسطين بين وعد التمكين وتخاذل المسلمين
18-10-2015, 02:04 PM
فلسطين بين وعد التمكين وتخاذل المسلمين
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
تتواصل عربدة الصهاينة على أرض:" فلسطين السليبة"، وتتواصل معاناة أشقائنا في فلسطين في ظل تخاذل المسلمين، وصمت مريب من المجتمع الدولي المنافق الذي يجيش جيوشه لحرب:" الإسلام" تحت يافطة" محاربة الإرهاب!!؟"، وإذا ما تعلق الأمر ب:" إرهاب دولة اليهود اللقيطة: جاء المجتمع الدولي المنافق مبررا لمجازرها قائلا: لإسرائيل حق الدفاع عن النفس!!؟": لا لشيء سوى لأن:" الضحية: فلسطيني مسلم"، و:" الجلاد: صهيوني مجرم".
وفي ظل اختلال موازين القوى: استمرأ كثير من المسلمين مأساوية قضية فلسطين، فتدحرجت في سلم أولوياتهم بفعل ما يعانوه من تحولات غير متوقعة بعد:" الربيع العربي الذي دبر بليل الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الكبير!!؟".
وكنت قد اطلعت على متصفح للأخت الفاضلة:" وردة": ينهانا عن التهرب من النقاش!!؟، فدفعني الفضول إلى تصفحه، ولما قرأته: أحيا ذلك في نفسي مواجع قديمة قدم المأساة، لأنه:" لامس جرحا نازفا يؤلم كل مسلم لا تزال في قلبه بقية أخوة إيمانية: إذا اشتكى منه عضو: تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وكنت قد عزمت على المشاركة في ذلك المتصفح: إبراء لبعض الذمة التي في أعناقنا نحو فلسطين، فكتبت تعليقات يسيرة لألحقها كمشاركة بالمتصفح، وإذ بالقلم يسترسل في التعبير عما جادت به القريحة، فطال تقريره وتنظيره، ورأيت بأنه من الأنسب أن يفرد ما سطره في متصفح مستقل حتى تعم فائدته، ولا تضيع في خضم سيل المشاركات.
وهذا الآن: أوان بيان ما خطه البنان، فنقول بتوفيق:" الكريم المنان":
نبارك ابتداءا لأختنا الفاضلة:" وردة" على تميز طرحها، وجميل تنويها، وعظيم اهتمامها بفلسطين: أهم قضية من قضايا أمتها.
إن وجود:" مسلمة شابة في مثل سنها: تؤرقها قضية الأمة المركزية: قضية فلسطين: لأصدق دليل، وأعظم برهان بأن:( هذه الأمة لم ولا ولن تموت بإذن الله، وإن ضعفت وخدرت واحتلت فترة من الدهر): مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام من ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي ثَلاًثا : أَلا يُهْلِكَهَا بِسِنَةٍ عَامَّةٍ ، وَلا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسُهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ لِي : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي قَدْ قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَلا أُهْلِكَهُمْ بِسِنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَلا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا "..
خرجه مسلم رقم ( 2889 ) 4 / 2215 ، وأبو داود رقم ( 4252 ) 4/97 ، والترمذي رقم ( 2176 ) 4 / 472 ، وأحمد رقم ( 22448 ) 5/278.
لقد تكفل:" العزيز العلام" بحفظ بيضة الإسلام على وجه عام، وإن نيل منها في بعض أقطارها فترة من الدهر، والأيام دول، وما يحدث في فلسطين من هذا القبيل،وقد حصل ذلك سابقا، فكان الفتح الأول على يد الخليفة الراشد:" أبي حفص عمر بن الخطاب الفاروق" رضي الله عنه، ثم حصلت انتكاسات في الأمة، فسلب الصليبيون:" فلسطين"، ثم جاء الفتح الثاني على يد:" صلاح الدين الأيوبي" رحمه الله، ثم شاء الله أن تسلب:" فلسطين مرة أخرى على يد أحفاد القردة والخنازير إلى يومنا الحاضر"، ولكن ذلك الأمر: لن يدوم لهم ، لأننا نعلم يقينا بصدق قول:" العزيز الجبار " في كتابه المختار:
[فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا].
إن التمكين للمسلمين وانتصارهم على اليهود الغاصبين: أمر يقيني لدى المؤمنين الموحدين، ولكن ههنا سؤالان جوهريان يطرحان على كل عاقل:
1) متى!!؟.
و
2) كيف!!؟.
فيما يخص الجواب عن السؤال الأول، نقول:
إن معرفة التوقيت أمر غير هام، لأننا لسنا مكلفين بمعرفة، ولكن باليقين بحدوثه، لأن الذي أخبرنا هو الخالق جل وعلا:
[وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا]، [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا].
إذا فهم ذلك: تبقى أمامنا الآن: معرفة الإجابة عن السؤال الثاني، وهو:
كيف!!؟. فنقول وبالله التوفيق:
إن الإجابة عن سؤال بمثل هذه الأهمية العظيمة في قضية تعني:" أمة كاملة: قد تحتاج منا إلى كبير تنظير، وعظيم تقرير!!؟": إلا أننا في هذه المرة سنخاطب:" أولي الألباب بألطف عبارة، وأوجز إشارة"، وكيف لا يكون الوصف كذلك!!؟، والعبارة هي:" آية قرآنية ربانية تغنينا عن كبير تنظير، وعظيم تقرير "، فإلى كلام:" العليم الخبير":
[وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ].
و:" لأولي الألباب": أن يجدوا للبحث في كتب المفسرين المحققين عن معاني تلك الهداية الربانية.
إن:" اللبيب الأريب" يعلم علم اليقين: أن مصيبتنا في فلسطين هي نتيجة ما كسبته أيدينا مصداقا لقول:" الخبير العليم في القرآن الكريم":
[وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ].
ومن نظائرها اللفظية المقاربة قول الله عز وجل:
[ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير].
[مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ]. [ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ...].
تلك الآيات الكريمة تقرر حقيقة شرعية ـ وهي أن:" الذنوب سببٌ للعقوبات العامة والخاصة ـ فحري بالعاقل أن يبدأ بنفسه، فيفتش عن مناطق الزلل فيه، وأن يسأل ربه أن يهديه لمعرفة ذلك، ليصحح مسيره".
ثانيا: نقر بتقصيرنا المقالي بخصوص هذه القضية، لكن الاهتمام القلبي، والدعاء اللساني: لا ولن ننساه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، والله المعين لنصرة إخواننا في فلسطين.
ومن باب:" جهد المقل":هذه بعض أقوال العلامة الجزائري:" محمد البشير الإبراهيمي" رحمه الله بخصوص هذه القضية الهامة: قد جمعتها على عجل، تقبل الله منه ومنا ومنكم صالح العمل:
قال الإمام العلامة الجزائري:" محمد البشير الإبراهيمي" رحمه الله في قضية فلسطين:
1)" إن فلسطين وديعة محمد صلى الله عليه وسلم عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منا ونحن عصبة إن إذا لخاسرون " .البصائر 22.
2)" أيها العرب؟ إن فلسطين محنة، وامتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليس فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليس حقوق العرب فيها تنال بأنها حق في نفسها، وليس تنال بالهوينا والضعف، وليس تنال بالشهريات والخطبات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والإتحاد والقوة.
إن الصهيونية وأنصارها مصممون، فاقلبوا تصميمهم بتصميم أقوى منه، وقابلوا الإتحاد امتن به.
وكونوا حائطا لا صدع فيه * وصفا لا يرقع بالكسالى"
مجلة البصائر * العدد 05*
3)" يا بخص فلسطين؟.....أيبيعها من لا يملكها، ويشتريها من لا يستحقها......؟ يا هوان فلسطين؟ يقولون : إن فلسطين منسك للأديان السماوية الثلاثة، وإنها قبلة لأهل تلك الأديان لإن كانوا يقولون حقا- وهو حق في ذاته- فإن أحق الناس بالإئتمان عليها العرب، لأنهم مسلمون، والإسلام يوجب احترام الكتاب و الكتابيين، ويجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، ويضمن إقامة الشعائر لليه والمسيحيين، لا اليهود الذين كذبوا الأنبياء وقتلوهم، وصلبوا بزعمهم المسيح الصادق، وشردوا حوارييه من فلسطين، وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعدما جاءهم بالبينات".
4)" ووالله، يمينا برة، لو أن القوي، روحيا وماديا، انطلقت من عقلها وتظافرت، وتوافت على فلسطين وتوافرت، لدفنت صهيون ومطامعه وأحلامه إلى الأبد، ولأزعجت أنصاره المصوتين إزعاجا يطير صوابهم، لأحدثت في العالم الغربي تفسيرا جديدا لكلمة عربي"
5)" هل من الصحيح أن التفجيع والنوجع والتظلم والتالم والأقوال تتعالى، والإحتجاجات تتوالى، هي كل ما لفلسطين علينا من حق؟ وهل من المعقول أن التفجع وما عطف عليه مجتمعات في زمن مقترفات في قرية تنفع حيفا، أو تفل لظلم سيفا، أو ترد عادية عاد، أو تسفه حلم صهيون في ارض الميعاد؟ لا...والذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى".
وقال رحمه الله عن فلسطين وعيد الأضحى:
6)" النفوس حزينة، و اليوم يوم الزينة، فماذا نصنع ؟
إخواننا مشرّدون، فهل نحن من الرحمة و العطف مجرّدون ؟
تتقاضانا العادة أن نفرح في العيد و نبتهج، و أن نتبادل التهاني، و أن نطرح الهموم، و أن نتهادى البشائر.
و تتقاضانا فلسطين أن نحزن لمحنتها و نغتمّ، و نُعنى بقضيتنا و نهتم.
و يتقاضانا إخواننا المشردون في الفيافي، أبدانهم للسوافي، و أشلاؤهم للعوافي، و أن لا ننعم حتى ينعموا، و أن لا نطعم حتى يطعموا.
ليت شعري ! ... هل أتى عبّاد الفلس و الطين، ما حل ببني أبيهم في فلسطين؟
أيها العرب، لا عيد، حتى تنفذوا في صهيون الوعيد، و تنجزوا لفلسطين المواعيد، و لا نحر، حتى تقذفوا بصهيون في البحر.
و لا أضحى، حتى يظمأ صهيون في أرض فلسطين و يضحى.
أيها العرب: حرام أن تنعموا و إخوانكم بؤساء، و حرام أن تطعموا و إخوانكم جياع، و حرام أن تطمئنّ بكم المضاجع و إخوانكم يفترشون الغبراء.
أيها المسلمون: افهموا ما في هذا العيد من رموز الفداء و التضحية و المعاناة، لا ما فيه من معاني الزينة و الدعة و المطاعم، ذاك حق الله على الروح، و هذا حق الجسد عليكم.
إن بين جنبي ألما يتنزّى، و إن بين جوانحي نارا تتلظّى، و إن بين أناملي قلما سُمته أن يجري فجمح، و أن يسمح فما سمح، و إن في ذهني معاني أنحى عليها الهم فتهافتت، و إن على لساني كلمات حبسها الغم فتخافتت.
و لو أن قومي أنطقتني رماحهم .... نطقت و لكن الرماح أجرتِ
البصائر1948م.
"7)" أيّها العرب! إنّ قضية فلسطين محنةٌ امتحن الله بها ضمائركم و هِمَمِكُمْ و أموالكم و وِحدتكم، و ليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم و إنّما هي للعرب كلّهم، و ليست حقوق العرب فيها تُنال بأنّها حقّ في نفسها، و ليست تُنال بالهُوَّيْنا و الضَّعف، و ليست تُنال بالشِّعريات و الخطابيِّات، و إنّما تُنال بالتَّصميم و الحزم و الإتحاد و القوَّة. إنَّ الصَّهيونية و أنصارها مُصمِّمون، فقابلوا التَّصميم بتصميمٍ أقوى منه و قابلوا الإتِّحاد باتِّحاد أمتن منه، و كونوا حائطاً لا صدع فيه و صفًّا لا يُرقَّع بالكُسالى".
[جريدة البصائر – العدد الخامس سنة 1948]
8)" إن الواجب على العرب لفلسطين يتألف من جزأين : المال و الرجال ، و حظوظهم من هذا المواجب المتفاوتة بتفاوتهم في القرب و البعد ، ودرجات الإمكان و حدوده الإستاطعية ووجود المقتضيات و انتفاء الموانع ، و إن الذي يستطيعه الشرق العربي هو الواجب كاملا بجزأيه ، لقرب الصريخ ، و تيسر الإمداد ، فبين فلسطين و مصر علوة رام ، و بينهما و بين أجزاء الجزيرة خطوط وهمية خطتها يد الاستعمار ، و إذا لم تمحها الجامعة فليس للجامعة معنى ؟ و إذا لم تهتبل لمحوها هنا اليوم فيوشك أن لا يجود الزمان عليها بيوم مثله".
هذا ما تيسر جمعه، وسهل رقمه ورسمه، ولا نملك في الختام إلا أن نرفع أكف الضراعة للرحمن بأن يوفقنا لنصرته حتى ينصرنا: مصداقا لقوله تعالى:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ].
ومرة أخرى:
عذرا فلسطين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.