عمرو بن العاص في التاريخ
20-01-2019, 01:43 PM


عمرو بن العاص في الجاهلية

1- يذكر التاريخ، أنَّ عمرو بن العاص رضي الله عنه كان ابن سيِّدٍ من سادات قريش البارزين، الذين أظهروا عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، وناصبوهم العداء الشديد، ولكنَّه كان يحترم حريَّة الرأي، ويتميَّز بالذكاء والدهاء، وكان من أغنياء قريش المترفين مشهورًا بالكرم، وحسن الوفادة، ومعاونة المحتاج، فمدحه الشعراء في حياته، ورثوه بعد وفاته.

ويذكر له، أنَّه كان من بني سَهْم، أحد بطون قريش العشرة، الذين انتهى إليها الشرف قبل الإسلام، وكان لكلِّ بطنٍ من تلك البطون واجبٌ خاصٌّ بها؛ فكان بنو سَهْم أصحاب الحكومة في قريش، والحكومة عمل يُشبه القضاء، وكان لهم الرئاسة على الأموال الخاصَّة بآلهة قريش.

ويذكر له، أنَّه نشأ في بيئةٍ حضريَّةٍ بمكَّة، لم تنقطع صلتها بالبداوة، برعاية والده الألمعيِّ، وأمِّه الذكيَّة الحصيفة، وترعرع في بيئةٍ صالحةٍ لتنشئة القادة والإداريِّين.

ويذكر له، أنَّ قريشًا أوفدته إلى النجاشي في أرض الحبشة؛ ليُعيد النجاشي المسلمين المهاجريــن إلى أرضه، ويُسلِّمهم إلى عمرو بن العاص ليُعيدهم إلى كفَّار قريش بمكَّة، فأخفق عمرو رضي الله عنه في سفارته، وبقي المسلمون المهاجرون بحماية النجاشي في أرض الحبشة.

ويذكر له، أنَّه قاتل المسلمين مع المشركين في غزوتي أُحُد والأحزاب قائدًا مرءوسًا، وبذل قصارى جهده لإحراز النصر على المسلمين دون جدوى.

ويذكر له، أنَّ قريشًا أوفدته مرَّةً ثانيةً سفيرًا إلى النجاشي ملك الحبشة، ليُسلِّم إليه المسلمين المهاجرين إلى أرضه، ليُعيدهم إلى مشركي قريش في مكَّة، فأخفق عمرو رضي الله عنه في سفارته الثانية إخفاقًا كاملًا، كما أخفق في سفارته الأولى.

ويذكر له، أنَّه كان من فرسان قريش، وأبطالهم في الجاهلية مذكورًا بذلك فيهم، وكان شاعرًا، ومن أشدِّ الناس على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام والمسلمين، معروفًا بالدهاء، وحسن التصرُّف بين رجالات قريش، وكان قائدًا من ألمع قادة قريش، وسياسيًّا من أبرز ساستهم، ولكنَّه أخفق في عداوته للإسلام والمسلمين، على الرغم من كفايته وجهوده، فاقتنع أنَّه على الباطل، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين على الحقِّ، فتحوَّل بكلِّ طاقاته إلى الدين الجديد، تحوُّل اقتناعٍ لا تَحوُّل عاطفة، وقطع صلته نهائيًّا بالشرك والمشركين.

ويذكر له، أنَّه من القلائل الذين لهم تاريخٌ معروفٌ في الجاهلية، فأضاف إليه ما سطَّره في تاريخه الإسلامي بعد إسلامه.



عمرو بن العاص في إسلامه

ويذكر التاريخ لعمرو رضي الله عنه، أنَّه أسلم في السنة الثامنة الهجرية قبل الفتح، وهاجر إلى المدينة، فأصبح موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم، وموضع اعتماده، وكان إقباله على الإسلام نتيجةً لتفكيره العميق، واقتناعه الكامل، فـ (أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو) كما وصف النبيُّ صلى الله عليه وسلم إقبال عمرو رضي الله عنه على الإسلام.

ويذكر له، أنَّه كان أحد قادة النبي صلى الله عليه وسلم، فتولَّى سريَّة ذات السلاسل، ونجح في قيادته نجاحًا باهرًا.

ويذكر له، أنَّه تولَّى قيادة سريَّة هدم سُوَاع صنم هُذيل، فأدَّى واجبه، وهدم الصَّنم.

ويذكر له، أنَّه شهد غزوة فتح مكَّة، وغزوة حنين، وغزوة حصار الطائف، فأبلى مع المسلمين في هذه الغزوات أعظم البلاء.

ويذكر له، أنَّه نال شرف الصُّحْبة، وشرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام.

ويذكر له، أنَّه حظي بمناصب قياديَّة وسياسيَّة وإداريَّة وماليَّة، لم يحظَ بها غيره من الصحابة رضي الله عنهم، على الرغم من تأخُّر إسلامه نسبيًّا؛ فقد كان قائدًا من قادة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سفرائه، وولاته، ومن عمَّاله على الصدقة، وهذا ما لم يتيسَّر لغيره من الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.



عمرو بن العاص القائد

ويذكر له، أنَّه شهد حرب الرِّدَّة قائدًا على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأنَّه انتصر على المرتدِّين من قُضاعة انتصارًا عظيمًا، فعادوا إلى الإسلام من جديد.

ويذكر له، أنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعاده إلى ولاية عُمان، فلم يكد يستقر فيها إلَّا وولَّاه قيادة جيشٍ من جيوش المسلمين المتوجِّهة لفتح بلاد الشام، وجعله على فلسطين بالذَّات.

ويذكر له، أنَّه أشار على قادة جيوش المسلمين بالاجتماع في موضعٍ واحد، بقيادةٍ موحَّدة، فاجتمعوا باليرموك بعد أن كانوا متفرِّقين في مواضع بعيدة يصعب التعاون بينها، ويسهل على الروم ضربها على انفراد.

ويذكر له، أنَّه شهد معركة اليرموك الحاسمة قائدًا لميمنة المسلمين، فكان لعمرو صلى الله عليه وسلم أثرٌ كبيرٌ في انتصار المسلمين على الروم في تلك المعركة الحاسمة، التي فتحت أبواب أرض الشام للفاتحين المسلمين.

ويذكر له، أنَّه شهد فتح دمشق، وشهد فتح الأردن، وكان لقيادته أثرٌ كبيرٌ في انتصار المسلمين على الروم.

ويذكر له، أنَّه فتح فلسطين عدا القدس، الذي شهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتحها مع قادة المسلمين الآخرين، وأنَّه أبلى في فتح فلسطين أعظم البلاء.

ويذكر له، أنَّه فتح مصر كِنَانة الله في أرضه، وغرس في تربتها الطاهرة العربية لغة والإسلام دينًا، ولا تزال منذ فُتحت ترعى العربية والإسلام.

ويذكر له، أنَّه أوَّل من فتح ليبيا، وأدخل إلى ربوعها العربيَّة لغةً، والإسلام دينًا.

ويذكر له، أنَّه أوَّل من فكَّر في فتح النوبة، ومهَّد لفتحها، ولكنَّه لم يستطع فتحها في حينه.

ويذكر له، أنَّه أوَّل مَن فكَّر بفتح إفريقية (تونس) ومهَّد لفتحها، وبعث البعوث لتحقيق فتحها.

لقد كان من ثمرات جهاده فتح فلسطين ومصر وليبيا، وهي بلادٌ لم يفتح غيره من قادة الفتح في عهد الإسلام أوسع منها، وأكثر خيرًا، هذا بالإضافة إلى مشاركته في حروب الرِّدَّة، وفتوح الشام.



من مناقب عمرو بن العاص

ويذكر التاريخ لعمرو رضي الله عنه، أنَّه كان أحد ولاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، وأنَّه كان إداريًّا لامعًا، من ألمع الإداريِّين المسلمين في أيَّامه، وحتى اليوم.

ويذكر له، أنَّه كان عالمـًا في الدين الحنيف، محدِّثًا، فقيهًا، مجتهدًا، وكان من أصحاب الفُتيا من الصحابة، وكان قاضيًا متقنًا للقرآن الكريم.

ويذكر له، أنَّه كان كاتبًا بليغًا في نظمه ونثره، وله رسائل وأقوال مأثورة، وله شعرٌ يدلُّ على شاعريَّته المتميِّزة، ورصيده اللغوي الكبير.

ويذكر له، أنَّه كان خطيبًا مصقعًا، من ألمع خطباء الصحابة والتابعين من بعدهم، ومن أبلغ خطباء العرب في كلِّ العصور.

ويذكر له، أنَّه من دُهاة العرب المعدودين، وشجعانهم، وكان من أفراد الدهر، دهاءً، وجلادة، وحزمًا، ورأيًا.

ويذكر له، أنَّه كان حكيمًا من الحكماء، له أقوالٌ كثيرةٌ في الحكمة تجري مجرى الأمثال السائرة، ولا تزال بالغة الحكمة حتى اليوم، كأنَّها من أحاديث اليوم لا من أحاديث القرون.

ويذكر له، أنَّه كان ذا شخصيَّةٍ قويَّةٍ نافذة، يُحبُّ الإمارة، غير مسرف، حليمًا، متواضعًا، منصفًا، معتزًّا بكرامته، إداريًّا، عادلًا، مؤمنًا لا غبار على إيمانه.

ويذكر له، أنَّه كان قائدًا عبقريًّا، فهو من ذوي الطبع الموهوب، والعلم المكتسب، والتجربة العمليَّة، وكانت صفات القيادة متجسِّدةً فيه، ويُطبِّق مبادئ الحرب في عمليَّاته بكفاءةٍ واقتدار.

ويذكر له، أنَّه كان سفيرًا فذًّا، استطاع أن يستقطب أهل عُمان -شعبًا ومَلِكًا- ويجعلهم يعتنقون الإسلام، وينتهون عن الشرك.

ويذكر التاريخ له، أنَّه كان يتحلَّى بكفاءات عالية، أهَّلته لإحراز النجاح في السلم، والنصر في الحرب، وأبرزته على أقرانه في حياته، وعلى أمثاله بعد رحيله.

ويذكر له، أنَّ هناك إجماعًا على تقدير أعماله مجاهدًا، واختلافًا على تقويم أعماله إنسانًا.



رضي الله عن الصاحبي الجليل، القائد الفاتح، الإداري الحازم، الفقيه المحدِّث، العالم المجتهد، الشاعر النَّاثر، الكاتب الخطيب، الحكيم الداهية، السفير اللَّامع، عمرو بن العاص السَّهْمِيِّ القُرَشي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

______________

المصدر: اللواء الركن محمود شيت خطاب: عمرو بن العاص .. القائد المسلم .. والسفير الأمين (الجزء الثاني)، الناشر: رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية في دولة قطر، سلسلة كتاب الأمة (رقم 52)، المحرم 1417هـ= يونيو 1996م.