أوباما تحليل الخطاب وردود الفعل
26-07-2009, 08:54 AM
أوباما تحليل الخطاب وردود الفعل

سيد القمنى
[email protected]
2009 / 6 / 16

آثرت الانتظار حتى تهدأ توابع الهزة التى أحدثها خطاب أوباما وتزول الدهشة وردود الفعل الأولى وازدحام وجهات النظر أخذا وردا موافقة وتنديداَ . وقبل اى تحليل او تفكيك لعناصر الخطاب الأوبامى ، يجب الا ننسى ان دور الرئيس الأمريكى فى المنظومة الإدارية الأمريكية هو أحد الأدواروليس كلها وربما ليس أهمها ، وأنه لا يستطيع ان يخرج على قواعد التكتيك والاستراتيجية التى تساهم فيها مؤسسات وهيئات هذه المنظومة ، ولا يكفى تأثيره بمفرده لتغيير قاعدة واحدة من قواعد اللعبة السياسية والإدارية ، او حتى مجرد التفكير فى ذلك .
وأيضا لابد من الاعتراف بأن أوباما خطيب من نوع نادر ، لاختياره الدقيق للغة هذا الخطاب التصالحية مع الظهور بتواضع جم ، بما يلمس أوتارنا العاطفية ويدغدغ لنا وجداننا ، باستخدام آيات قرآنية بما يعنى ان الرجل يفهمنا ويعرفنا حتى المعرفة ويعرف طريقتنا فى التفكير ويعلم سلفا أننا أقوال دون أفعال ، وعواطف يختفى معها العقل المنطقى وتضيع المصالح ، رجل عرف لغانا وكيف يلغو لنا بكلام يوافق هوانا .
وكثيرا ما تمنى صاحب هذا القلم سد الفجوة فى الفهم بين المسلمين والعرب من جانب وبين الغرب من جانب أخر ، خاصة بعد لقائى بعد سبتمبر 2001 بأكثر من مسؤول غربى رفيع المستوى ، وهى اللقاءات التى أشعرتنى بمدى خطورة هذه الفجوة فلا هم يفهموننا ولا نحن نفهمهم ، كما لو كنا نوعين مختلفين من البشر سلاليا وعرقيا وعقليا . تمنيت ان يستطيع الغرب وخاصة الأمريكى ان يفهم ان لنا لغة خاصة فى فهم الدنيا ، وردود فعل من نوع خاص ، وان دلالة اللفظ عندنا لا تحتوى نفس دلالة اللفظ عندهم ، وان ما يحمله التعبير اللفظى من تاريخ ومحتوى معانى تعود بتحميل دلالالتها الى مدى يزيد عن أربعة عشر قرنا للوراء ، وأن ذلك حيا لازال فى فهمنا ولغتنا ومنطقنا البدوى البدائى العاطفى ، ويختلف بالمرة عن تاريخيه نفس اللفظ ودلالته عندهم ، وشرحت هذا باستفاضة فى محاضرتى عام 2006 بمعهد هدسون بواشنطن دى سى ، وهو واجهة لوزارة الخارجية الأمريكية لتقصى آراء المفكرين والعلماء والرؤساء والمتخصصين والخبراء وغيرهم فى مختلف القضايا التى تشغل الرأى العام العالمى .
وتمنيت ان يحدث ذلك أيضا من جانبنا ، لذلك كانت سلسلة كتاباتى المتتالية لمحاولة شرح وتوضيح كيف نفكر وكيف ينبغى ان نفكر اذا أردنا لهذا الغرب ان يفهمنا ويتفاعل مع قضايانا بثقة . لنستطيع ان نخاطبه بلغة متنفق على دلالتها سلفا حتى يكون الحوار مفهوما . وتكون دلالة اللفظ عندى تحمل ذات المعانى عنده ، وان مبادىء المنطق التى يحتكم اليها هى ذات مبادىء المنطق التى أحتكم اليها ، لأن مسألة الفهم هذة وتلك تعانى خللا حاداَ بين عالم العرب والمسلمين وبين الحضارة الغربية ، وهو خلل تاريخى تحدث به الركبان حتى قيل مع اليأس من التفاهم " الغرب غرب والشرق شرق كحركة الشمس ليلا ونهارا لا يلتقيان" .
لذلك أقول ان باراك يفهمنا جيدا لذلك لبس لنا ثوب الواعظ الشيخ باراك بن حسين آل أوباما حفظه الله ورعاه هو ومن يلوذ به ، ليعلن كيف يعرف لغانا وكيف يلغو لغونا بما حمله لخطابة من دلالات نعرفها ولا نعرف غيرها ، وجاءت أمنيتى بفهم الغرب لنا ، بعكس الهدف المرتجى منها ، فها قد جاء من يعرفنا ويفهمنا عاش وسطنا وجيناته من جيناتنا ، ويعرف كيف نفكر وما هى ردود أفعالنا ، ولكن ليس من أجل خلاص شعوبنا مما هى فيه من تخلف وجهل ومرض وفساد اجتماعى معمم وحكومى علنى واستبداد وقمع واستعباد ، كلا الرجل ليس مشغولا بهذا بالمرة ، انه لم يآت ليخلصنا ، لكنه جاء مخلصا لأمريكا من عثرتها فى بلادنا ولتحييد شرنا عنها ، بتكاليف أقل من تكاليف طريقة الحزب الجمهورى الأمريكى بما لا يقارن ، وفى وقت تستفحل فية الأزمة الاقتصادية العالمية .
****
لطفاء القوم من مشايخ الفضائيات التى تمطرنا مشايخا ، تفاءل بعضهم بأصول أوباما الاسلامية وأنه ربما يقود شعبة الأمريكى إلى الإسلام لنعود هم ونحن بنعمة الله اخوانا، وتحل المشكلة بسيادة الاسلام للعالمين كشيخ القبيلة تتبعه قبيلته ، أو بما يشبة عزة الإسلام بأحد العمرين .
هذا بينما كنت فى تفاؤلى ارتجى ان يشارك ذلك الغرب المتقدم الحر العلمانيين العرب البحث ووضع الخطط العلمية المدروسه على المستوى العلمى والثقافى والاعلامى والتعليمى وحده ، لإحداث هذا التقارب مع ضغوط تقوم بها مؤسسات الحريات والمجتمع المدنى الدولية على الحكومات المحلية كلما وقعت مخالفات فى بلادنا للحقوق الإنسانية ، وللنهوض التنموى بالمنطقة ، للانتقال الهادىء والسلمى ببلادنا إلى مجتمع كامل المدنية ، فإذا بأوباما يستخدم معرفته بنا لتكريس الأوضاع القائمة ، واعطائها شرعية استمرارها كما هى ، بموافقتنا ورضانا بعدد مرات التصفيق بالقاعة . هذا اذا تذكرنا أنه لم يخاطب المسلمين من دولة مسلمة خالصة الإسلام كالسعودية ولا من دولة مسلمة ديمقراطية مثل موطنه الثانى اندونيسيا او جارتها ماليزيا ، لكنة اختار القاهرة التى يحكمها نظام شبه مدنى جذورة وتوجهاتة دينية دوما وقومية أحيانا .
لوحظ أيضا ولع الشباب العربى والمسلم بأوباما وبخطابه ، وقد فطن أوباما لذلك وأعلن الشباب هماَ أول له ، مع زيارته الشبابية المرحة المتواضعة للأهرامات ، مما أدى للولع بالنموذج الأمريكى ، وهذا فى حد ذاته أمر محمود ان يكون رجل ناجح مثل أوباما مثلا أعلى لشبابنا . وهو ما سيؤدى لمحاولة التعرف على النموذج الغربى ، ومن جانبه تمكن حسين أوباما من تألف قلب الشارع المسلم مع بعض المثقفين دون بعضهم ، فقد اختلفوا حول هذا الخطاب وظروفه اختلافا بائنا ، ومن ثم فإن أهم مكسب حققته هذه الزيارة لنا وللأمريكان هو إعادة النظر فى كون أمريكاهى الطاغوت الأعظم الأمبريالى ، واعادة النظر فى فرض كاد يكون إسلاميا ووطنيا ، وهو كراهية أمريكا كفرض واجب دونه الخيانه والكفران .
ونموذجا لاختلاف المثقفين رأى الدكتور (مصطفى الفقى) ان اختيار أمريكا القاهرة للخطاب ، هو اقرار بمكانة وحجم مصر فى المنطقة للدور الحضارى والتاريخى ومكانة الأزهر بين غالبية المسلمين فى العالم ، وكذلك السياسة المعتدلة التى تنتهجها القاهرة ، وجعلت القاهرة تحظى بشرف هذه الزيارة وهو الرأى الذى رده كل من التيار الإسلامى والتيار القومى ، (فهى هويدى) نموذجا للتيار الإسلامى رأى ان خطاب أوباما ما هو إلا محاولة من النظام الأمريكى الجديد لمساندة حلفائه من دول الاعتدال فى المنطقة ودعم أنظمتها ، وأنه يريد الحصول على ماكياج من القاهرة للسياسة الأمريكية التى لا تتغير ثوابتها ، بينما ترغب مصر فى الحصول على دعم معنوى من أكبر قوة فى العالم لكى تستطيع استعادة دورها وضمن ذلك الوريث القادم . ولك أن تعجب من مدى التوافق عندما نجد التيار القومى الناصرى يردد نفس المعانى ، فيقول(عبد الله السناوى) ان رأيا مثل رأى الدكتور الفقى يخلط الأوراق بين مصر التاريخية ومصر الرسمية ، و أوباما اختار مصر التاريخية ليتحدث من منصتها، دون ان يخطر بباله ان الثانية سوف تحاول دبلوماسيتها وإعلامها تسويق الزيارة باعتبارها فتحا لا مثيل له فى التاريخ المصرى ، يؤكد شرعية النظام وسلامة اختياراته الداخلية ، وأنه ليس هناك دولة تحترم نفسها تعتبر زيارة رئيس دولة أخرى مما يضفى شرعية على نظام الحكم فيها ، او يؤكد أدوارها فى محيطها ، فالشرعية مصدرها القبول العام والأدوار التى تصنعها السياسات وليس الادعاءات .
لاحظت ان المشترك الواضح فى كل ردود الفعل قيامها على خلفية من المثل الشعبى المصرى " أسمع كلامك أصدقك .. أشوف عمايلك استعجب !! " مع حضور هذا المثل وتكرارة فى معظم ردود الفعل ، فالمشترك توافق على سؤال لا جواب عليه على الأقل هذه الأيام وربما تجيب عليه الأيام القادمة ، السؤال: هل يتحول هذا الكلام الى فعل على أرض الواقع ؟ وهو ما عبر عنه قول (مجدى الجلاد) بالمصرى اليوم بعد لقائة أوباما : " الرجل لو صدق ، فسوف يتغير وجه العالم من جامعة القاهرة " .
الرجل يعرفنا جيدا ويعرف كيف نفكر ، لذلك تابع رحلته من القاهرة الى القارة الأوروبية ليعلى من رصيد الاهتمام بالدولة الفلسطينية المستقلة ووقف بناءا المستوطنات ، ليؤكد للمسلمين انه صحب القول فورا ببدء الحشد من أجل الفعل بضغوط دولية على إسرائيل .
****
رد الفعل العربى كله كان قد ركز على ممكنات أوباما الضغط على إسرائيل ، ووسط كل هذه الهموم القومية والدينية لم يصادفنى من تذكر وجوب الضغط على ماكينات فرز الإرهاب فى قنواتناالفضائية الإسلامية ومعاهدنا الدينية ، لم يتكلم أحد عن الضغط لوقف العمل بأحكام إسلامية بحاجة لإعادة اجتهاد ونظر . كما فى ميراث المرأة أو ولايتها على نفسها فى أضعف الإيمان التى لا تملكها ولا على نفسها حسبما يدرس أزهرنا شبابنا فى معاهدة ، ومن يزوجها هو وليها ولو كانت طفلة رضيعة ، فإن زوجت نفسها بعد عقل ورشاد فهى زانية . لم أقرأ لأحد يتكلم عن ضغوط من أجل إيقاف العمل بعقيدة الولاء والبراء التى تترتب عليها أحكام هى الكراهية المطلقة للمختلف عنا وتصل الى حد التخلص منه بقتله ، وهى مشترك أصيل بين كل ما يدرسه أبناؤنا فى معاهد الأزهر سواء فى مواد الحديث او الفقه او التفسير ، او عقيدة الجهاد والتى تعتبر غير المسلم مستباح الدم والعرض والمال ، ولا ألمح أحدهم استجابة لليد الأمريكية الممدودة وعلى سبيل اثبات الجدية وحسن النوايا الى وجوب رفع المواد الدينية بالدستور ، والتى تميز بين رعية هذا الدستور حسب معتقداتهم ، ولا وجوب الضغط من أجل حقوق الانسان التى يهددها أول ما يهددها الدستور نفسه فى مادته الثانية مع قانون طوارىء أبدى .
لهذا كله وفى ظل المناخ الذى كان لا يزال ساخنا بعد خطاب أوباما مباشرة ، لم تفتنى تصريحات (عصام دربالة ) قيادى مجلس شورى الجماعة الإسلامية،
ومطالبته حركة طالبان والقاعدة بالتعامل مع هذا الخطاب بشكل عملى حتى تغادر أمريكا المنطقة ؟؟ (عايزين يستفردوا بينا ؟؟). وأن خطوة البداية السليمة حتى يمكن هذا التعامل هى الإعلان الفورى بالتوقف عن استهداف أمريكا عسكريا ... إن درباله يعرف ما يقول ، وهو ما أرى وراءة رؤية ثاقبة تنطوى على قراءة المستقبل المتوقع من هذا الخطاب التاريخى ، فأمريكا ستتعامل مع الأنظمة القائمة أو مع أى بدائل حتى لو نقيضه تحل محلها ، طالما الصداقة الأمريكية الإسلامية قائمة بما يحمى المصالح الأمريكية ، وهكذا تكون ريمة – أقصد أمريكة – فد رجعت لعادتها القديمة . أما نحن شعوب هذه المنطقة فلسنا فى الموضوع أصلا ، نحن الفريسة ليس أكثر . حتى الصوت العلمانى ممثلا فى صديقى لورد العلمانيين العرب (طارق حجى) جاء يردد طلب الجميع بتفعيل الكلام ، " وان سمة خطاب أوباما كان التوازن فى تناول كل موضوع : الإسلام ، الصراع العربى الإسرائيلى ، علاقة الولايات المتحدة بالعرب المسلمين ، التعليم ، المرأة ، حقوق الانسان ، التنمية ، ايران ، القدس "... نعم وصدقا كانت سمة الخطاب هى التوازن ، لكنه توازن الرعب والفزع من الآتى على مستوى الشعوب ، وليس على مستوى قضايا الأمة العزيزة قوميا ودينيا ، فإنى مطمئن أن السعى لتهدئة المشاعر وتصفية الخواطر على قضايانا العاطفية سيكون حثيثا فعلا ، وهو ما سيرضى الشعوب الإسلامية والحكومات الإسلامية ويبقى الجميع فى سمن على عسل . بدا لى صديقى طارق متفائلا بهذا الخطاب وتمنيت أن يكون تفاؤله محل نظر من القدر وألا يكون المخبوء فى رحم الأيام موجبا للتشاؤم ، لأنى شخصيا مصاب بالأسف على حلمنا بدولة مدنية حديثة ، وأتوجس خيفة وأظن ان التوجه الأمريكى الجديد جاء قبل مجيىء أوباما للرئاسة بعد تجارب الصومال والأفغان والعراق بالذات ..وهو الانعتاق من منطقتنا بأقل قدر من الخسائر مع ضمان المصالح الأمريكية ، وجاء أوباما ليكرس الموقف الجديد وينفذه ، وهو ما يعنى أننا سنعانى أكثر من أجل الوصول الى الحلم الليبرالى الذى يتسرب من بين أيدينا برئاسة أوباما واحتمال استمرار ذات الخط من بعدة ، بعد رد فعلنا واستقبالنا لاسقاط طاغية العراق واحقاق الحريات والحقوق فى العراق وفى افغانستان ، بمذابح نذبح فيها بعضها البعض ، وهو ما تكرر فى الديمقراطية الفلسطينية والديمقراطية السودانية ، والديمقراطية الأفغانية ، إلخ ...
المصيبة ليس فى الانسحاب العسكرى فهو مطلوب لتهدئة التوتر ، المصيبة فى الانسحاب الكامل ونفض العالم الحر يدية منا يأسا من إمكانية قدرة شرقنا على قبول الحداثة ، وهو ما يبدو لى أنه يحدث الآن ، لتركنا فى فوضانا الخلاقة حتى تصفى النار بعضها بعضا دون تدخل ، فتكون بلادنا حلقة مصارعة حرة كبيرة يقتل فيها السنى الشيعى ، ويقتل الشيعى المسيحى ، ويقتل المسيحى الأرثوزكسى المسيحى الإنجيلى ، وتقتل الحكومات الجميع وقتما تشاء . حتى تصفو النار عن رماد خامد غير ضار ، او ان يخرج البعض من هذه المحرقة إنقاذا للبقية الباقية بعقد اجتماعى مدنى حديد يسمح لنا باللحاق يركب الحداثة الإنسانية الذى غادرنا فعلا منذ عقود .
****
ووسط هذه التحولات المتسارعة ، لا ننسى ان الإرهاب وإن كان اسلاميا ، وإن كان فرزا لموادنا الدينية ومشايخ الفضائيات ، فإنه فى بدئه القريب كان هندسة أمريكية وتمويلا وتنفيذا عربيا وإسلاميا بتعاون معلوم ومنشور الوثائق ، تصديا للشيوعية والمد السوفيتى . وهو ما أكده بريجنسكى بقوله لصحيفة لونوفيل اوبزرفاتور 1998 : إن الأمريكان خططوا لاستدراج السوفيت للخيار العسكرى فى أفغانستان , وأنهم من أسس للصحوة الإسلامية ، وأنهم هم من صنع القاعدة ، وانه ليس نادما على دعمه للتطرف الإسلامى الذى استقل عن سادتة وأربابة وبدأ يعتدى على مصالح أمريكية هنا وهناك ، لأن الأكثر أهمية وقتها كان هو إسقاط الإمبراطورية السوفيتية وإنهاء الحرب الباردة وتحرير أوروبا الشرقية ، وليست طالبان والهائجين الإسلاميين إلا مجرد أعراض جانبية يمكن التخلص منها .....إلى أن ضربت الأعراض الجانبية وهؤلاء الهمج الهائجون مانهاتن والبنتاجون فى مشهد جعل كل ما شاهدناه من خيال هوليود لونا من الصناعة الخفيفة المتواضعة بل جعلها سقيمة الخيال ، إزاء خيال بن لادن الإبداعى ومهندس القاعدة الرهيب .
هذا ناهيك عن فشل مشاريع السلام فى الشرق الأوسط وهى القضية
الأعز على المسلمين ، إضافة الى دعم أمريكا العلنى الدائم لإسرائيل ، مما أعطى المتطرفين المسلمين أسباب تطرفهم وشرعيتهم فى الوجود فى نظر الشارع المسلم ، كرد بديل عن الحكومات الإسلامية مكسورة الجناح ، المسكينة بنت السبيل ، وأنهم يؤدون بذلك فرضا إسلاميا معلوما من فروض الكفاية هو الجهاد .
ومن ثم بدت تلك الحركات المسلحة أنها الأمل الوحيد الباقى للدفاع عن الحقوق العربية والانتقام للمسلمين واستعادة الأرض المحتلة وإقامة دولة إسلامية منيعة ، ولا سبيل لهذا الحلم سوى الاسلام كحل خلاصى وحيد بإقامة الدولة الإسلامية فى أى مكان على الأرض ومنها تبدأ الفتوح ، ومن يقوم بذلك إنما يجاهد فى سبيل الله وكرامة المسلمين ودينهم . هذا مع تغافل رؤية المسلمين لدولة الفتوح الإسلامية الطالبانية وما جلبتة من كوارث محلية وعالمية .
يتبع
إن الاستخدام الانتهازى للإسلام لتحقيق مصالح ومنافع مادية دنيوية بحت شأن عرفناه فى مشايخ الصحوة الذين أساءوا للمشيخة الرصينة الراسخة وللإسلام نفسة ، قياساً على احترام هذه المشيخة وتبجيلها قبل ظهور مشايخ الصحوة فى نظر كل الناس . ويبدو أن الرئيس الأمريكى بعد أن ولد فى ثقافتنا وعاش بيننا وعرف طرائقنا وفهم أقصى أمانينا ومنطقنا فهو ابن منطقتنا التى هى جذوره ونسبه ، من هنا لبس مولانا بارك بن حسين آل أوباما ثياب الواعظين رعاه الله وحفظه ، آمين ، ولجأ لطرائقنا ومناهجنا فى التفكير للمصالحة وتجميل الوجه الأمريكى للمسلمين ، ومن ثم بدأ بالسحر الإسلامى الذى ينتشى له المسلمون ليشعرهم أن إسلامهم قد غزا البيت الأبيض فى فتح ميمون ، وعليه فلا داعى لإعادة الفتوح والغزوات المباركة على أمريكا مرة أخرى . لقد طمأن المسلمين رغم إعلانه مسيحيته فى بداية الخطاب أنه يفهمهم بل إنه منهم . الرجل يعلم جيداً مفاهيم شعبنا مسلوب الوعى الذى يتصور أن المسيحيين يعلمون جيداً أن الدين هو الإسلام كأصح الأديان لكنهم لا يعلنون ذلك كيداً وغيظاً ويعضون علينا الأنامل حسداً وكمدا ، مع الهمس اليقينى بين المسلمين أن (معظمهم مسلم بس فى السر ) !!! فلماذا لا يكون أوباما هكذا وأنه إنما يمارس قاعدة إسلامية وعقيدة راسخة هى التقية ؟ وهى المبدأ الذى لخصة وشرحة المثل الشعبى المصرى ( إن نزلت بلد بتعبد العجل حش برسيم وإرميلة / يعنى ضعة أمامة ) وهو ما يعنى أنة ربما يمارس التقية معنا وليس معهم ، بيحش البرسيم لنا وليس لأمريكا.
ولأن الرئيس الأمريكى قد اختار لخطابه هذا المستوى ، فقد فتح بذلك القول لأهل الدين فيه ، وفيه أكثر من طرفة وفيه أيضاً أكثر من كارثة . على سبيل المثال : لم ير الأيرانى الدكتور محمد على مهتدى (قناة الجزيرة ) فى أوباما أكثر من مسلم مرتد ، وهو ما يعنى أنه لو كان إسلامنا كمصريين صحيحاً لانتهزنا الفرصة للقبض على أوباما فى القاهرة مع استتابته ثلاثة أيام فى سجن الواحات أو القناطر مثلاً أو ربما فى لاظوغلى ليتعرف على سلومة الأقرع ، أو يفىء إلى اللة ويعود عن غيه المفتون إلى رشده ويتوب ، أو نطيح برأسه على ملأ من عامة المسلمين وخيار علماء الأزهر ودار الإفتاء ، وليكن فى ميدان التحرير مثلاً ، لأن ذلك حق الله والأمة الشرعى ، وكونه على أرضنا فهو ما يعنى خضوعه لقوانيننا وهى قاعدة دولية متعارف عليها ، إضافة إلى مكسب تفعيل المادة الثانية بالدستور مما يؤكد تمسكنا بالقيم الدستورية وبالإسلام فى آن معا ، أم نحن فقط قادرين وفاجرين وأسود ضوارى مع بنى مصر وأهلها من أقباط وشيعة وبهائيين وقديانيين وحقوقيين وليبراليين ولادينيين ..إلى أخر الأقليات المصرية المتناثرة .
إيرانى أخر يعيش فى المهجر هو أمير طاهرى عرف لغز أوباما بعد بحث دقيق فى التراث الشيعى ، فعثر فى كتاب بحار الأنوار لمحمد باقر المجلسى الصفوى على حديث للإمام على عن علامات ظهور المهدى المنتظر ، ومن تلك العلامات أن رجلاً أسوداً سيملك فى جهة الغرب ، وسيقود أقوى جيش فى الأرض قبل ظهور المهدى مباشرة ، والإسم باراك هو بارك، فهو بارك حسين أوباما ، وتعنى فى العربية والفارسية والعبرية ( مبارك الحسين ) ، أما (أوباما ) بالفارسية فتعنى ( إنه معنا ) ، وإعمالاً لذلك فلاشك أن الرئيس أوباما هو أحد الأوتاد التى تظهر قبل المهدى نبوءة بقرب ظهوره ، وأنه قريباً سيكون معنا ، فرج اللة كربة وعجل ظهورة !! .
لأهل السنة رأى آخر ، فقد روى عن الصحابى تميم الدارى وهو من بيت لحم بالخليل ، أنه طلب من النبى إن فتح الله فلسطين للمسلمين أن يعطيه مسقط رأسه بيت لحم ومقام إبراهيم ، وفى خلافة عمر نفذ له عمر وعد النبى ، وعاش آل تميم فى الخليل حتى اليوم ( التمايمة ) . وقد حدث هذا الصحابى أن جفاف بحيرة طبرية وجفاف نخل بيسان يؤذنان بقرب ظهور المسيخ الدجال ، ومن صفاته فى الحديث النبوى أنه أجعد الشعر ويقيم فى جزيرة بعرض البحر ، وباراك أوباما مولود فى جزيرة وهو أجعد الشعر ويستطيع الزعم أنه مسلم ومسيحى ويهودى ، فأبوه مسلم ، وباراك تنصر ، ثم لبس القبعة اليهودية فى زيارته للقدس . كذلك جاء فى قدرات المسيخ الدجال أن بإمكانة أن يطأ الأرض جميعاً ،وهى قدرة أى رئيس أمريكى بجيوشه ، وعليه فإن بارك حسين أوباما هو المسيخ الدجال عدو المهدى المنتظر الذى سيخرج من بلاد المسلمين ليقتل المسيخ الدجال ويكسر الصليب ويذبح الخنزير. ، و كسر الصليب يحدث الآن كل يوم فى العراق ومصر وباكستان وغيرها بحمد من اللة ونعمة ، وإن ذبح خنازير مصر قبل وصول أوباما مباشرة ، يشير إلى قرب تحقق هذا كله ، وبعدها تقوم القيامة .
ولو بحثنا عن رد مشيخى بعبد عن فانتازيا الخيال الدينى يقرأ الموقف برصانة ، فلدينا من وقف مع الآية التى دلل بها أوباما على سماحة الإسلام " من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً " ، وقال هؤلاء إن أعمدة كتب التفسير تتفق على أن أول الفساد هو الكفر بدين الإسلام ، ومن ثم فإن الآية التى استشهد بها اوباما ليدلك غرائز المسلمين ، توجب أول ما توجب قتل أوباما وكل من لم يدخل الإسلام ، خاصة بعد أن أعلن الإسلام عن نفسه وبلغ الناس كافة بحجة بليغة عليهم بأحداث 11 سبتمبر 2001 ، ولا حجة لأحد بعد أن وصله البلاغ مصحوباً بالدمار والخراب والدم والبينات الحارقات ، فهذه رسلنا قد أبلغتهم بديننا الحنيف ، وبعدها لا حجة ولا عذر لكافر بالإسلام على كفره ، وهو ما أكد عليه علم مشايخ الخليج الشيخ المنيع الذى رأى فى سبتمبر 2001 بلاغاً مبيناً وواضحا للعالم كله بوجوب الخضوع للإسلام ، ولفتة إلهية من علاماته البواهر .
هذا مع ملاحظة ظللت أؤكد عليها سواء فى كتاباتى أو محاضراتى وهى أنه رغم كل ما فعلت القاعدة وابن لادن ، فإنه لا يوجد مجمعاً أو هيئة أو مؤسسة أو رابطة أو فردا من المؤسسة الدينية أعلن تكفير بن لادن أو الزرقاوى وخروجه على الإسلام مهدور الدم كما يفعلون مع غلابا الوطن أمثالنا ، لأنهم جميعاً فى طواياهم لا يرون فيه سوى نموذج البطل الملحمى الإسلامى القديم بن الوليد وبن العاص وبن القاسم والقعقاع وغيرهم ، وأنه يجاهد فى سبيل الله وقام بتفعيل فرض الكفاية الجهادى نيابة عن الأمة كلها وله بذلك السابقة والفضل المبين . ومع عقيدة التقية فإنهم يستهجنون مع كل مجزرة بنلادنية أو زرقاوية أو قاعدية يمنية أو صومالية أو جهادية ... قتل الأبرياء والمدنيين ، ويستتبعونها دوماً بأن أمريكا وإسرائيل والحكومات الإسلامية كلها تفعل نفس الشئ ، كمبرر لما تفعل القاعدة والجهاد وحماس.... يستهجنون من طرف اللسان لكنهم
لا يكفرون الذين يقتلون الأبرياء المدنيين بيد القاعدة سواء كان الضحايا مسلمين فى بلاد مسلمين أو غير مسلمين ، لسبب بسيط وهو أنهم الأساتذة الذين علموهم ذلك فى معاهدنا الدينية فى مواد تدرس ولازالت بعد التجديد والتحديث تحدثنا عن عقيدة الولاء والبراء وفريضة الجهاد وملك اليمين ، وأصول التعامل النبيل مع العبد والفرس والبغل والمرأة والحمار بحنان ورفق إسلامى لا شبيه لة ولا نظير .
****
صحيقة المصرى اليوم حضرت مؤتمراً صحفياً مع أوباما إثر خطابه مباشرة ، وعقبت بتعبير شديد الأهمية وشديد الدلالة : " فالرجل لو صدق ، فسوف يتغير العالم من جامعة القاهرة " !!
أما العبد الفقير إلى الله فيرى أن هناك أشياء ستتغير بالطبع ، وسيتم حل المشكلة العزيزة على نفوس المسلمين فلسطين الغالية مسرى الرسول وأولى القبلتين بالسرعة الممكنة ، بالتزامن مع الخروج العسكرى من العراق ، وهو المتوقع خلال عامبن ، فهذه هى هموم المواطن حتى الجائع الحافى العارى المريض لا يجد قوت يومه ويخرج فى المظاهرات من أجل فلسطين والبوسنة والشيشان وبلاد تركب الأفيال ، ولا يخرج ليطالب بحقه فى الكرامة الإنسانية من حقوق وحريات . لذلك فإن من سيعانى هو تيار الحريات الحقوقى مع مزيد من العسر والتأخر فى قدوم التغيير المرتقب إصلاحاً وتهذيباً وتحديثاً ، فى ظل التحالف الذى يبدو أنه قد قام علناً وجهاراً نهاراً بين أمريكا والمسلمين ، فالخطاب كان للمسلمين بالتحديد ، وأن النتيجة هى شرعية وبقاء الأنظمة والشعوب والأوضاع على ما هى عليه ، فهى حليفة ، وإن جاء نظام مختلف عن الحالى فهى حليفة ، ولو جاء جمال مبارك أو على مبارك أو حتى زكى جمعة فهى حليفة ، ولو جاء الأخوان المسلمون فهى حليفة ، وتبقى الشعوب خارج الموضوع لأنها الفريسة لأى مفترس حليف ، ويبقى الباب بذلك مفتوحاً لمختلف الاحتمالات . وستقوم الحكومات فى بلادنا : إسلامية صريحة ، أو إسلامية بزى مدنى كالحادث عندنا ، بدور الحارس الأمين للمصالح الأمريكية ، مقابل الصمت الأمريكى عن حقوق الشعوب فى هذه البلاد ، وتقوم أمريكا بدعم النظم الحاكمة القائمة بمنحها الشرعية والاعتراف ، وعلى هذه النظم أن تساعد أوباما لأنهاء ملفات أمريكا العالقة فى المنطقة وخروج عسكرها بكرامة وبخسائر بأقل قدر ممكن ، مع الحفاظ على مصالحها أينما كانت .
بالأمس القريب ( وما أسرع متغيرات خطى التاريخ فى زماننا ) كان إعلان أمريكا بغزوها للعراق ، أنها خطوة البداية لإصلاح المنطقة وجرها جراً إلى الحداثة للقضاء على الثقافة المفرزة للإرهاب بالديمقراطية وإسقاط النظم الاستبدادية التى أفرزت الإرهاب الدينى . بلسان بوش الإبن ورايس وباول ورامسفيلد وكل الفرقة الراحلة ، وحينذاك التقيت ببعض الدبلوماسيين الغربيين بناء على طلبهم وبمعرفة الأمن المصرى ، ضمن لقاءاتهم الأخرى لاستيضاح وجهات النظر ، وقد حذرت حينها من أخذ خطوة عسكرية تجاه العراق ، لأن الحرب على الإرهاب يجب أن تبدأ على المستوى الثقافى وليس العسكرى .
لا أنسى وزيراً مفوضاً لدولة كبرى راهننى - أدبياً ومعنوياً فقط - على أن مجرد إسقاط طاغية بغداد وإطلاق الحريات فى العراق ، فأنه كفيل بتحويله إلى واحة للديمقراطية وقاطرة ستقطر وراءها المنطقة كلها ، بالضبط كالمسيحى المؤمن الذى يتصور أنه بمجرد أن يعرض آيات الإنجيل على إنسان ، فإن ذلك كفيل وحده بإقناعه بالمسيحية ليعتنقها ، بالضبط كالمسلم الذى يتصور أنه لو قرأ القرآن على إنسان لرأيته خاشعاً كالجبل الذى يتصدع من خشية الله ، أيامها وخلال الشهور الأول لغزو العراق بدت رؤية السيد الوزير هى الواقعة وكسب الرهان الأدبى بصدق توقعاته وسافر لبلاده ، وبعدها بشهور حدثت تحولات كان يجب معها أن يكون كاسب الرهان هو أنا وليس هو ، لأن الحريات إن ام تتأسس أولاً على ثقافة حريات وعقد اجتماعى ينافح عنه أهله ، فإن الحرية تتحول إلى فوضى طائفية وعنصرية وهو ما حدث فى العراق الجميل ، وهو الدرس الذى خرجت به أمريكا من المنطقة ، فتراها كيف استفادت منه ؟
هنا علينا أن نرهف السمع جيداً لأوباما وهو يقول بقولين لا يلتقيان ، القول الأول هو :
" ينبغى ألا تستخدم الدول العربية الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الأولى " يعنى خدوا بالكم يا حكام العرب أننا فاهمين لعبتكم من زمان بإلهاء الشعوب عن حقوقها بالقضايا القومية والدينية ، هو قول موجه للحكومات ، يفصح عن كون العملاق الأمريكى ليس أهطلاً ، بل انه يعرف أساليب حكوماتنا كذلك يعرف شعوبنا معرفة دقيقة وكيف يمكن صرفها عن مصالحها وحقها فى حياة كريمة ، بسلبها عقلها ووعيها اعتماداً على غرائز دينية وقومية يتم شحنها طوال الوقت . لصرف النظر عن قضايا الداخل إلى الإسلام الذين يهان فى الدانيمارك أو فى البوسنة أو الشيشان أو غزة أو أى بلادستان ، المهم صرف النظر إلى منور أى جيران قريبين أو بعيدين ، لبحث عيوبهم والمآخذ عليهم والهتاف والتظاهر ضدهم والانشغاال بهم عما يحدث فى الداخل .
وقول كقول أوباما هنا يفترض أن يؤدى إلى اطمئنان التيار العلمانى ، لأنه لو تم حل المشاكل الأساسية العاطفية الدينية القومية مثل فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها ، سيعطى الشعوب الفرصة للانتباه للداخل لبحث عن حلول لمشاكلها مع حكوماتها .
****
هنا يأتى القول الثانى الذى لا يلتقى مع قوله الأول ، وقد جاء إجابة على سؤال أوباما فى المؤتمر الصحفى " س: إذن كيف ترون مسألة نشر وترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان فى المنطقة والشرق الأوسط ؟ ج : أنا أؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والخطاب الاجتماعى العالمى ، لكن يجب أن نعلم أن هناك شعوباً مختلفة ، وأشخاصها مختلفين ، وأفكاراً مختلفة ، وعادات مختلفة ، وتقاليد مختلفة بشأن هذه المسألة . وبالتالى على أن أؤكد من أعماق قلبى وروحى ضرورة احترام الآخر والتعايش مع بعضنا البعض ، وأننى لا يمكننى فرض معتقداتي على الآخر ، ولا يمكننى أن استغل أغلبيتى للعمل ضدك ، ولا استطيع أن أفرض معتقداتى الدينية وأقول لأحد عليك أن تتبع معتقداتى نفسها . وقضية حقوق الإنسان والديمقراطية مهمة جداً للإسلام ، لأنه يمكنه أن يعالجها ، فأنا أعلم أنه ليس كل المجتمعات الدينية متشابهة فى تنفيذها السياسى ، فالشريعة مثلاً يمكنها أن تحمل تفسيراً متشدداً أو حديثاً تجاه قانون وضعى . أنا لا اتخذ ولا أفرض قراراً يتعلق بهذا الأمر على أى دولة أو مجموعة من الناس ، ولكننى لا أوافق على أن مبدأ يلزم الأخرين باعتقاد ما ، فنحن فى الولايات المتحدة نرى أن فى ذلك مناهضة للحقوق ، ويتنافر مع روح الديمقراطية ويجلب الصراع فى النهاية ، مما يجعل خلق هذا الحوار مهماً داخل الإسلام " .
فى ظنى أن هذه الفقرة بالمؤتمر الصحفى هى الأهم في كل ما قال أوباما بالقاهرة ، فهى تلقى بالكرة فى ملعبنا تنتظر ردنا ، فيها لغز علاقة المسلمين بالغرب وحداثته ، وفيها حل اللغز . فقد ننساق وراء تدليكه غرائزنا ونحتسب خطابه بالقاهرة تشجيعاً لحكوماتنا ولشعوبنا معها على الاستمرار كما هى دون بحث أى أخطاء من جانبنا لنصلحها ، مع عدم الاعتراف بأى خطأ حاضراً أو ماضياً ، بل ربما تقديس الخطأ والاستمرار فيه على عادتنا التاريخية المتواترة وتظل الأوضاع على ماهى علية ، لكن ذات الفقرة على استعداد للتعامل مع نظام ديمقراطى حقوقى أيضاً لكن دون أى تدخل أمريكى لفرض هذا النظام بعكس ما قال بوش الإبن من قبل ، وهنا المعادلة الصعبة التى تترك الليبراليين العرب عرايا أمام ترسانة مدججة بشارع مسلوب الوعى وبماض تليد وحكومات قامعة ومأثور عنيد هو الأعز على قلوب الشعوب ، التى تدعو من مساجدها أهم دعاء لها : " اللهم لا تجعل مصيدتنا فى ديننا " ، وما عدا ذلك من مصائب فليس من المشاكل الملحة ، وتصبح المشاكل التى تشغل العلمانيين ليست من نوع المشاكل التى تشغل بال رجل الشارع المسلم .
قال أوباما إن الإسلام دين تسامح ومساواة ، وأنه يدافع عن حقوق الإسلام الحقيقية وليس الصورة النمطية المسيئة للإسلام ، وركز على مشتركات بين الأديان هى مبادئ العدل والتقدم والتسامح وكرامة كل بنى البشر ، وأنه فى كل دين مبدأ : عامل الآخرين كما تحب أن يعاملك الآخرون ، وأن الأيمان بالآخرين هو ما دفعه للمجيء للقاهرة لمخاطبة المسلمين .
الفقرة السالفة لها أهميتها لتجميل خطابه هو أمام أهل الغرب بدورهم ، الذين قرعوه على هذه الزيارة وذلك الخطاب فى وسط استبدادى ، أما بقية الخطاب فهو تجميل لأمريكا فى نظر المسلمين بالتسلل عبر ما هو عزيز علينا ومخاطبتنا على قدر عقولنا ، بدأ بالسلام عليكم ( تصفيق حاد بالقاعة ) وشرح أنه رغم مسيحيته فهو من أب مسلم وأنه تعرف على الإسلام فى المواطن الثلاث التى عاش فيها ، وقال انه سيتبع فى كلامه نصح القرآن الكريم : اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ( تصفيق حاد بالقاعة ) ، وأنه أمر بإغلاق سجن جوانتنامو ( تصفيق حاد / عقبال عندنا قادر ياكريم ) ، وأكد أن حربه موجهة ضد القاعدة فقط ، وهى عنده كما هى بالضبط فى خطابنا الدينى والرسمى المخاتل ، هى مجموعة من شواذ المسلمين من قلة منحرفة فهم حسب قوله : " مجرد حفنة شاذة من المسلمين وتصرفاتهم
لا تتماشى مع حقوق البشر وتعاليم الإسلام بدليل آية من قتل نفساً بغير نفس ( تصفيق حاد ) ، وأن أمريكا لن تكون فى حرب مع الإسلام ( تصفيق حاد ) ، وأن المحاكم الأمريكية أعطت المرأة المسلمة حق الحجاب وعاقبت من ينكره عليها ( تصفيق حاد ) وحتى يبدو مثلنا يردد ببغائياتنا التاريخية التى هى محفوظاتنا الأثيرة ، وشعاراتنا الغالية ، قام يردد مقولاتنا الخوالد مثل أن الأزهر قد حمل مشعل التنوير والحضارة للعالم ( ؟؟ !!! ) ، وأن المسلمين هم من اخترع البوصلة وعلم الجبر والملاحة ( ؟؟ !! ) والطباعة ( لا أدرى من أعطاه هذه المعلومة الخاطئة لأن الطباعة جاءتنا مع نابليون وكفرها مشايخ الأزهر كبدعة شيطانية ) ، إضافة إلى شعرنا فى الفخر والهجاء والشحاته والتسول بألاطة ( ولا زلنا ) ، وخطنا العربى اللهلوبة بين كل كتابات وخطوط الدنيا .
لاشك أن رد الفعل بالتصفيق الحاد مع بعض أقوالة ، أو بالوجوم التام مع أقوال أخرى ، هو معيار لقياس رد الفعل ، فحديثه عن الهولوكوست والعنف الفلسطينى الذى سيؤدى لطريق مسدود ، ووجوب اعتراف حماس بحق إسرائيل فى الوجود ، كلها مما قوبل بالصمت والوجوم التام وهو ردنا الأول على بعض خطابه فيما لا نحب ولا نشتهى .
أما قوله أن الوضع الفلسطينى لا يحتمل وأن أمريكا لن تدير ظهرها للفلسطينيين ، فقد قوبل بالتصفيق الحاد بذات الشدة الاستحسانية لتصفيقهم للآيات القرآنية العشر التى تلاها.
****
إذن ردنا الأول بالقاعة هو أننا نحن كما نحن على قواعدنا ثابتون دون تغيير ، وأننا لن نناقش ولن نحاول حتى مجرد إعادة النظر فى قضايا مهمة ومحسومة لدينا لأننا الحق التام وغيرنا الباطل التام .
أما الرد العملى فقد جاء سريعاً من الأزهر رائد الحضارة وحامل مشعل الحريات والتنوير( ؟ !!! ) ، بإعلانه ثانى يوم للخطاب الأوبامى الموقف من المصريين البهائيين ، وبالتالى هو موقف من الخطاب الأوبامى ، بالعودة لبيان شيخ الأزهرالأسبق جاد الحق وإعادة توزيعه للإعلان عن موقف الأزهراليوم من البهائيين ، ومضمونه نصاَ " إن البهائية ليس لها صلة بالأديان السماوية ، بل هى دين مخترع جديبد ظهر أواخر القرن التاسع عشر الميلادى ، وحظى برعاية ومباركة الاحتلال الإنجليزى ، ويهدف إلى تفتيت وحدة المسلمين ، وإنكار فرائض الإسلام " ، وقبله بأيام جاءت مطالبة أعضاء مجلس الشعب (حزب الحكومة الوطنى والإسلاميين ) بإصدار قانون يجرم الفكر البهائى ويحاكم المروجين له ، مع وصف البهائيين بالخطر الداهم على الأمن القومى المصرى ، لافتين إلى ميل البهائيين إلى الصهيونية لاعتقادهم بضرورة إلغاء فريضة الجهاد فى الإسلام ، ومن جهته حذر الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب من شيوع الرذيلة فى ضوء انتشار الفكر البهائى بين الشباب المصرى / صحيفة اليوم السابع !!
وهو كلة ما جاء بعد مطالبة البهائيين بحقهم كمواطنين بتسجيل ديانتهم بالبطاقة الشخصية وانتهى الموضوع إلى شرطة بدل الديانة ، ثم هياج قرية الشارونية وحرقها منازل البهائيين وطردهم منها ، مع ظهور صحفى مثقف ( أو يفترض أنة
هكذا ) فى التلفاز يطالب بقتلهم علناً ، ولا تفهم كيف استمر صحفيا بعدها ، لماذا لم يثنى على قولة بالفعل ، ويروح يقتلة كام بهائى فيضمن الجنة والنكاح الأبدى ، أم أنة غير واثق من النتائج ؟ أم أن دورة يقتصر على إصدار الأحكام لطلب من ينفد ؟ وكلة تحريض على ارتكاب أشنع الجرائم ، ولا يجد من يعاقبة .
إذن هذا هو ردنا بمجلس الشعب بالحزب الوطنى بالأخوان .. يالصحافة بالتلفزيون ( دون تعميم ) والأزهر( مع التعميم ) بعد ذلك ظهيراً ، ردنا هواستمرار الجهاد وقتل الذين يدعون إلى إيقافة وحرقهم إن أمكن كما حدث مع البهائيين، والجهاد يعنى استمرار المسلمين فى حالة حرب مع العالم كله حتى يسلم أو يدفع الجزية عن يد وهو صاغر !!!، فالدعوة للسلام كفر حتى لو كانت للسلام الوطنى داخل الوطن يبن مواطنيه عناصراً وأدياناً ، وأننا لن نتعامل مع الآخرين كما نحب أن يعاملونا كما قال أوباما ، فهذا هو الكفر عينه لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وأن أوباما يهرف بما لا يعرف ، فلا عندنا تسامح ولا كرامة لكل بنى البشر ، إذا كانت كرامة مواطنين مصريين مهدوره بلا كرامة وبلا تسامح لأنهم يخالفون المسلمين العقيدة . فلدينا تصنيف فى توزيع الكرامة حسب الدين والمذهب والطبقة القبلية والجنس ، لذلك فقول أوباما أنه يفهم صورة الإسلام الحقيقية هو افتئات على الإسلام الحقيقى ، فكيف يكون ما قاله هو الإسلام الحقيقى مقابل ما قال مجلس شعبنا الموقر وأزهرنا وتلفازنا الملتحى ، وشارعنا الإسلامى الذى يحرق ويسلخ وهو مطمئن لسلامة دينه وصدق إيمانه .
بهذا الشكل سيقف دعاة العلمنة والمدنية الدستورية والحقوق الليبرالية عرايا من أى غطاء ، أمريكا ستتعامل مع أوضاعنا كما هى ، أو إن تغيرت للأسوأ أو للأفضل ، أوباما يعرفنا لذلك أعلن ترك لنا الحبل على الغارب دون تدخل لترك الفوضى الخلاقة تحرق بذريعة عدم فرض الديمقراطية الحقوقية لأن هذا الفرض ضد قيمها ومبادئها ، وهو ما يعنى أيضاً أننا سنستغيث بلا مغيث ، فى ظرف حرج ومنعطف تاريخى سنخرج معه خارج دائرة البشرية كلها ، والغوث المعنى هنا هو الغوث المعنوى وضغوط المجتمع المدنى الدولى وكل قوى الضغط الداعم والمؤرق الذى لا يهدأ ولا يتواطأ ، وهو ما يبدو أنه ابتعد بعد أن بدا لنا قريباً مع ضرب منهاتن ، ابتعد مرة أخرى بحسابات المصالح الأمريكية الجديدة بغض النظر عن مصير شعوبنا ، وأنه على العلمانيين العرب أن يعيدوا تقييم المواقف ، من أجل توحد وتضافر بعضهم على خريطة المنطقة بحيث لا يتم تجاهلهم بحسبانهم نخباً تمثل جزراً منعزلة عن بعضها ، وكلهم والحمد للة أو معظمهم أسماء كبيرة تتسم بالطهارة ونظافة الذمة فيمن أعرفهم على الأقل ، ويمكنهم أن يكونوا ذوى أثر فاعل فى الساحة بحيث لا تبقى فارغة إلا من خيارين أحلاهما مر : الاستبداد السياسى المستمر أو الاستبداد الدينى المرتقب ، بخيار ثالث هو المواطنة أولاً ، والإصرار على رفع المواد الدينية من الدستور ، وخانة الديانة من البطاقة الشخصية ، والتعايش السلمى بين المواطنين وفق عقد اجتماعى تحدوه المصلحة العامة وليس مصلحة أتباع دين من الأديان أو مذهب من المذاهب ، وألا يخرج الدين من الكنيسة أو المسجد الى المجال العام صونا له من العبث البشرى ، ولتفعيل دوره فى تربية ضمير المواطن وتعليمة كيف يدخل الجنة .. وليس أبعد من هذا ولا مليمتر واحد ، من أجل وطن أفضل للأجيال المقبلة ، مع التواجد الليبرالى الواضح دون أى تراجعات ، التواجد المستمر والفاعل على الساحة عبر كل السبل السلامية الممكنة ، لإثبات هذا الحضور .
وبعد أتمنى أن يخيب هذا التحليل برمتة ، وأن يكون أحد هناتى وسقطاتى النشاؤمية ، وأن تكون القوادم خيرا من السوالف ، على ألا نكتفى بالقعود حتى يأتينا الفرج مع مخلص منتظر أو ديكتاتور مسنير ، وسواء كان هذا المنتظر هو أوباما أو المهدى أو المسيخ أو المسيح أو جودو ، لأن (جودو) هو مسرح العبث ، هو مجرد وهم وأمانى غير متحققة ، لذلك لن يأتى مهما طال الانتظار