مشاركتي في مسايقة أول نوفمبر. شهيدة ٌ من قريتي
29-10-2015, 07:36 AM
شهيدة ٌ [1] من قريتي
.°°°في هذا الشّهر النُّوفَمبري ، شهر الثَّورة والثوار ، قصدت قريتي التي في مدخلها الجنوبي تنتصبُ (مقبرة الشهداء) مزدانة بالأعلام الوطنية الخفاقة بألوانها الثلاثية التي ينشرح لخفقانها الفؤاد ، إيذانا بحلول الذكرى 61 لاندلاع الثورة الخالدة ، وقفت مترحما على من دفعُوا مُهج حياتهم ليحيا هذا الوطن بين الأمم ، فتفحصت الشواهد قارئا لأسماء الشهداء من قريتي فلمحت اسما مميزا لامرأة تعرف عندنا ( بالصّافية أوتبراهم ) ، فانتباني إجهاش بالبكاء على مأساتها وأنا واقفٌ أقرا الفاتحة على روحها الطاهرة ، فأُصبتُ بشبه إغماء وأنا أتذكر شجاعتها وقوة بأسها وشدة جَلدها .
°°° إمرأة في الثامنة و الأربعين من عمرها ، أم لأربعة أولاد ، كلهم جنود في جيش التحرير ، كانت تناضل بطريقتها في إطعام قوافل الجنود العابرين لقريتها أو القاصدين لابنها الضابط ( الصّديق )الذي له صولات وجولات مع جيش الاستعمار قبل أن تطأ أقدامهم النجسة قريتنا ، ففي عام 1958 ، قرر العسكر بناء ثكنة عسكرية عندنا ( في قريتنا ) لضبط تحركات شبابنا حتى لا يكونوا عونا للجبهة والجيش التحريرين ، فاختاروا موقعا حصينا كان في الأصل مقبرة ، فأحالوه ثكنة بأبراج مراقبة تطل على القرية كلها ، فالقبطان (شنيدير "[SCHNEIDER" [2 ]) صاحب خبرة واسعة في حرب الفيتنام ، استغل تجربته في قهر سكان قريتنا عن طريق (أعمال السخرة ، والتعذيب ، والقتل العشوائي ) ، فدارُ (الأم الصافية) أصبح مقابلا للثكنة الفرنسية يمكن رؤية التحركات فيه بيسر ، غير أن تلاصق البنايات في القرية سهل ولوج ابنها الصديق ورفقائه من الجنود عبر ديار الجيران ، مرورا بدهاليز و نوافذ صغيرة تصل بعضها بعضا، فكانت اللقاءات تتم في دارها في سرية تامة ، غير أن (القُومية) تمكنوا من معرفة ذلك السر الذي يجري قرب أعينهم وهم لا يعلمون ، فالوشاية والخيانة سلاح اعتدمت عليه فرنسا للسيطرة وتحقيق الإنتصار ، فقد علم ( شنيدير"SCHNEIDER" ) بالخبر اليقين ، فما كان عليه سوى ترتيب كمين لضبط الثوار في مخبئهم ، فقد علموا بخبر تسرب الصديق إلى دار أمه ، فهو نائم عندها هذه الليلة ، حاصروا البيت ليلا ، داهم العسكر البيت وكسَّرُوا الباب الخارجي ووقع تبادل لإطلاق النار ، سمعنا صوته نحن الجيران فازعين مذعورين ؟؟ !!! ، فقد فر (الصّديق) من مخبئه عبر إحدى النوافذ المطلة على الجيران ، فعبرَ الدُّور المتلاصقة وقفزَ نحو حقل قريب ، فأمطروه بوابل من الرصاص ، أصابت إحداها فخذه الأيسر، فربطه .. وسار مسرعا بترنح ظاهر طلبا للنجاة ، وتفطن أن أعداءه سيلاحقونه وسيبطشون به لا شك ، فاهتدى إلى فكرة هي أنه نزع (معطفه ) وعلقه على جذع (شجرة التين) وهو يسير بطيئا من الألم الحاد ، تتبع ( شنيدير"SCHNEIDER" ) بفرقته آثار الدم رويدًا رويدًا ... وهو في ثورة غضب على عسكره الذين فوتوا فرصة قتل هذا الجندي الذي أذاقهم الويلات في عديد المرات ... ، فما إن دارُوا في المنعطف حتى بان لهم خيال آدمي ....إنه هناك ... هناك ... أقتلوه أقتلوه .... أمطروه بالرصاص جميعهم ... وتخندقوا.... في انتظار النتيجة ، فالظلام لم يسمح لهم رؤية ما هو أمامهم ، انتظروا .... ثم تقدموا وكلهم رعب.. شيئا فشيئًا .... بتوجسٌ وحذرٌ ، فلما وصلوا لم يجدو سوى معطفا ممزقا معلقا على شجرة التين المباركة ! .... وعادوا إلى القرية وهم كلهم غمٌّ وهَمٌّ ، ورغبةٌ في الإنتقام ، فقد وصل (الصّديق ) إلى إحدى الشعاب المجاورة للمكان مضرجا بالدماء ، فوجد (رفاقة الجنود) هناك في الإنتظار...، فهم سمعوا طلقات الرصاص من بعيد فتقدموا للإستطلاع .... فوجدوه ... فأسعفُوه في جنح الظلام ، وكأنهم من جند الرحمن وملائكته .
°°°عاد القُبطان ( شنيدير"SCHNEIDER) وهو في ثورة غضبه إلى القرية المظلوم أهلها ، وكلف زبانيته باستقدام والدة الصّديق ، فحاولُوا استنطاقها فتمنّعت ، عذبُوها فامتنَعت ، ضربَها القبطان بدرته فانكسرت ذراعها ، أعادُوها إلى دارها.. لعلها تخبرهم بمخابئ الأسلحة والذخيرة ، لكنها أبت إصرارا ، طلبوا منها الأسماء فتفلت(بصقت) على أحدهم ، فما كان منه سوى أن نزع خنجرهُ وبَتَرَ ثديها الأيمن الذي أرضعت منه ابنها الصّديق الذي أفقدهم صوابهم ، ... فأغمي عليها ، فَجَرُّوها من شعرها على الأرض وهي تقطر دما ، وصوتها الخافت به حشرجة (يُردد الشهادة ) و(ينادي بحياة الجزائر) ، وعندما أوصلوها قرب باب دارها أفرغوا رشاشهم في صدرها فسقطت جثة هامدة ودماؤها الغزيرة تجري متسارعة وهي ترسم بعفوية ( هلالا ونجمة ) فوق تراب أرضنا الطاهرة .
°°°لم استفق من غفوتي إلا عندما هزَّني صاحبي هزا خفيفا ، ونبَّهني بقرب موعد الخروج من مقبرة الشهداء ، فتراجعت خلفا وأنا أنظر لضريح الشهيدة الذي ازدان بباقات الورود ، و زغاريد الّنسوة يترددُ صدَاه في شعاب الأودية المحيطة و قمم الجبال المجاورة ، فا قشعر بدني، وتيبست أوصالي من عظمة الذكرى و عبَر الذَّاكرة ، رحم الله ( الصّافية ) وأسكنها الفردوس الأعلى ، اللهم احشرها مع الأنبياء و الشهداء والصديقين وحسُن أولئك رفيقا .
===============================================
[1] قصة واقعية لشهيدة إسمها ( الصافية أوتبراهم ) .
[2] le capitaine Schneider من أخطر قادة الجيش الفرنسي في منطفتنا ، فائد فرقة DRAGON (التنين ) ، الفيلق الرابع المدعوم بالخونة .
من مواضيعي
0 دواعش كرة القدم ؟!
0 الصراع اللغوي في الجزائر ... قَاطع تُقاطع .
0 إغتيال (جمال غاشقجي) أهو ترهيب للفكر الحر ؟
0 ثورة التحرير وقيم الحرية والتنوع .
0 الأمازيغية ... مرفوضة بين أهاليها ؟؟ !
0 كرة قدم مستفزة !
0 الصراع اللغوي في الجزائر ... قَاطع تُقاطع .
0 إغتيال (جمال غاشقجي) أهو ترهيب للفكر الحر ؟
0 ثورة التحرير وقيم الحرية والتنوع .
0 الأمازيغية ... مرفوضة بين أهاليها ؟؟ !
0 كرة قدم مستفزة !
التعديل الأخير تم بواسطة الأمازيغي52 ; 01-11-2015 الساعة 07:17 PM