حكمة بالغة و برؤية ثاقبة و عصرية
24-06-2008, 08:17 AM


استراتيجيات الحصان الميت...
و سياسة وضع الحصان أمام العربة...
هناك حكمة قديمة لدى قبائل الهنود الحمر تقول:
(إذا اكتشفت أنك تركب حصاناً ميتاً ـ أو على وشك الموت ـ فإن أفضل استراتيجية هي أن تنزل عنه).
إلا أن الشائع في بيئة العمل؛ هو اتباع استراتيجيات أخرى، فيما يتعلق بالحصان الميت!!!؟.
وهذه قائمة ببعض منها:
1-شراء سوط قوي.
2-تغيير الفارس.
3-قول أشياء مثل: إن هذه هي الطريقة التي نتبعها دائماً في ركوب الحصان.
4-تشكيل لجنة لدراسة الحصان.
5-الترتيب لزيارات ميدانية لشركات أخرى لمعرفة كيف تقوم هذه الشركات بركوب الحصان الميت.
6-رفع معايير ركوب الأحصنة الميتة.
7-تشكيل فريق عمل حيوي لإنعاش الحصان الميت.
8-إيجاد دورة تدريبية لتقوية مقدراتنا في ركوب الحصان الميت.
9-إجراء مقارنة لحالة الخيول الميتة في بيئة الحاضر بغيرها.
10-تغيير متطلبات إعلان (هذا الحصان الميت).
11-التعاقد مع جهات خارجية لركوب الحصان الميت.
12-ربط عدة خيول ميتة بعضها ببعض من أجل زيادة سرعتها.
13-تقديم مخصصات مالية إضافية لزيادة أداء الحصان.
14-القيام بدراسة جدوى اقتصادية لمعرفة ما إذا كان التعاقد مع جهات خارجية سوف يكون أقل كلفة من ركوب الحصان.
15-شراء أدوات تستطيع أن تجعل من الحصان الميت يجري بسرعة أكبر.
16-رفع شعار أن الحصان يكون (أسرع وأرخص وأفضل) إذا كان ميتاً.
17-تشكيل جهة خاصة للبحث في استخدامات مجدية للحصان الميت.
18-إعادة النظر في متطلبات الأداء للخيول الميتة.
19-الإعلان بأن هذا الحصان قد تم اقتناؤه بتكلفة ضمن بنود المتغيرات المستقلة.
20-ترقية الحصان الميت إلى منصب استشاري.
ظاهرة الوهن التربوي والإداري!؟:
قرأت هذه الأدبية الإدارية الرائعة؛ في [مجلة عالم الإبداع ـ العدد الثالث ـ يوليو 2005م ـ صفحة 7]؛ فأصابتني بهموم نفسية، وحركت القلم ليسطر هاتين الوقفتين:
الوقفة الأولى: أننا كأفراد وجماعات بل وأمم أيضاً؛ كثيراً ما نقع في دائرة (استراتيجيات الحصان الميت)، بوعي أو بغير وعي؛ وذلك في كل مجالات حياتنا؛ عندما نواجه أي أمر أو مشكلة أو معضلة!؟.
وهذا إنما يعود إلى إصابتنا بمرض تربوي وإشكالية إدارية؛ تسمى (ظاهرة الوهن التربوي والإداري)!؟.
وتدبر كيف أن الحبيب صلى الله عليه وسلم، قد أوضح لنا في كلمات رائعة وراقية تشخيصاً وعلاجاً لهذه الظاهرة، وكيف نتعامل مع مشاكلنا المؤسسية والتربوية والإدارية؛ فقال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان". [صحيح مسلم ـ جزء 4 ـ صفحة 2052 ـ برقم 2664]
ومن خلال تدبرنا لمفردات هذه الوصية الطيبة؛ يمكننا أن نستشف بعض اللمحات الطيبة:
1-أسباب ظاهرة الوهن:
(1)الهروب من المواجهة:
فنضطر إلى عدم مواجهة مشاكلنا وأخطاءنا وتقييم تجاربنا، فنلجأ للتبرير والدوران والانسحاب!؟.
(2)العجز عند المواجهة:
وذلك بسبب ضعفنا البشري، وعدم استعانتنا بالله جل وعلا!؟.
لذا وجهنا سبحانه لفقه (سنة الجهد البشري)؛ فنفهم أن سلاحي التوفيق والإنجاز والتنفيذ في أي أمر أو مشكلة نواجهها؛ هما:
أ-القوة البشرية.
ب-التوفيق والعون الإلهي.
وتأمل: "إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ". [الفاتحة 5]
(3)الندم والحزن على النتائج بعد المواجهة:
فنصاب بحالة من الذهول الفكري؛ فننسى التقييم، وننسى المراجعات الجدية، وننسى أن كل شيء بقدر، وننسى "مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَ أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ. لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىَ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ". [الحديد 22و23]
2-علاج ظاهرة الوهن:
(1)الجدية قبل المواجهة:
فلا نهرب من أقدارنا، ولا نؤجل مشاكلنا، وتأمل: "احرص على ما ينفعك".
(2)بذل كل أسباب الجهد البشري، والاستعانة بالعون الإلهي عند المواجهة:
فنطبق (سنة الجهد البشري الإلهية)؛ وتأمل: "واستعن بالله، ولا تعجز".
(3)بعد المواجهة التقييم والمراجعة والتسليم لأقدار الله:
فلا نبكي على اللبن المسكوب، ونجعل من التجربة رصيداً نستفيد من دروسها، مع التسليم لأمر الله!؟.
وتدبر: "وإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل".
تساؤلات نازفة!!!؟:
الوقفة الثانية: أن هذه القراءة فجرت في نفسي هذه التساؤلات الدامية والمؤلمة؛ حول أحوالنا الإدارية والمؤسسية والتربوية؛ بل والدولية والأممية!؟.
وهالني هذا الكم من الخيول الإدارية والمؤسسية والتربوية الميتة التي تحيط بنا، ونتعايش معها بنفس عقلية (استراتيجيات الحصان الميت)؛ مثلاً:
1-لماذا نجيد فن الهروب من الحقائق المرة؟!.
فنحاول التبرير لأخطائنا، ونجهد أنفسنا لتجميل كل ما هو بالي وفاشل؛ حتى نقبله ونبتلعه على مضض؛ حتى عششت في عقولنا، بل والتصقت بنا (نظرية المؤامرة)!.
وننسى أن من أساسياتنا التربوية؛ أنه إذا أصاب المرء مكروه؛ فعليه أن يواجه أخطاءه، ولا يبررها، ولا يلتمس لنفسه الأعذار، ولا يهرب من المسؤولية!.
وهو من أبرز الدروس التربوية؛ الذي تعلمها الجيل الفريد؛ عقيب مصيبة أحد: "أوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ“. [آل عمران 165]
2-إلى متى نظل نتعامل مع أزماتنا بمبدأ التأجيل والتسويف؛ بحجة (الزمن جزء من العلاج)؟!.
لقد قرأت في الكتاب الرائع والأكثر مبيعاً في العالم (البحث عن الامتياز: دروس مستفادة من الخبرة الإدارية لأفضل الشركات الأمريكية: توماس ج. بيترز وروبرت هـ. ترومان ـ ترجمة د. السيد المتولي حسن ـ مكتبة جرير ـ الرياض ـ الطبعة الأولى 1997م).
أن من أبرز ركائز التميز الثمانية لأكبر وأنجح (18) شركة أمريكية وعالمية رائدة؛ هو المبدأ الأول: الانحياز إلى العمل: أي مبدأ التوجه إلى الفعل وعدم التسويف وتجنب الشلل القراري!؟.
كما يقول FDR: (ولكن قبل كل شيء، حاول فعل شيء ما).
3-إلى متى نصر على عقد اجتماعاتنا الدورية الروتينية حتى ولو كانت ميتة؟.
وقد وجد إدارياً أن من أبرز مظاهر العشوائية الإدارية؛ هو الاجتماعات سيئة الإدارة؛ وهي الاجتماعات التي تتم روتينياً ولو كانت بلا جدول أعمال واضح!.
ولو تشجعنا ـ كما يقول الإداريون ـ فألغينا واحداً منها؛ لم نخسر شيئاً في سياق العمل المؤسسي!؟.
ولو أنصنفنا لأعطيناها شهادة وفاة وانصرفنا إلى كل ما هو ضروري ومثمر!.
4-إلى متى نصر على الإدلاء بآراء ولو كانت ميتة؟.
والآراء الميتة هي التي فات وقتها، أو التي قدمت فبليت فنتـنت!؟.
والمصيبة أن نتمسك بها ونقاتل من يعارضها، والمصيبة الأعظم أن نكون من داخلنا نعرف هشاشتها ولكن شيطان أفكارنا يدفعنا لحمايتها، وتأخذنا العزة بالأثم!؟.
5-إلى متى سنظل نرقع في أثوابنا الإدارية والمؤسسية والتربوية الميتة، ولا نستبدلها بأثواب عصرية جديدة أقل كلفة وأبسط في التعامل وأجدى في النفع؟.
وذلك بحجة أن المؤسسات العالمية تهتم الآن بمبدأ (Recycling) أو عمليات التدوير!؟.
ولو أنصفنا لعلمنا أنهم يمارسون التجديد والتوفير معاً؛ من خلال مهارة استخدام تلك العمليات!.
6-إلى متى نظل نراوح بعيداً عن الأهداف ولا نتناوش الثمرة ولو لمرة واحدة؟!.
ولعل من أبرز خيولنا الميتة هنا التي نحاول إطالة عمرها الافتراضي؛ هي التشبث بمتغيرات حولناها بتحجرنا المميز إلى ثوابت ووضعنا عليها هالات من التوثين والتصنيم، ولم نزل نطوف حولها ليل نهار، ونخطئ بل وقد نكفر كل من يحاول منع طوافنا، أو إيقاظنا من هذا التصومع والتشرنق المميت!؟.
7-إلى متى سنظل نخاف من التغيير القيادي بحجة حب الاستقرار والاستفادة من أهل الخبرة؟!.
ولعل هذه الخيول الميتة؛ أقصد القيادات الإدارية والرموز القديمة، ـ مع احترامنا لبذلها وتقديرنا لسبقها ـ تحتاج إلى بعض الراحة ومراجعة الذات، أو العكوف على كتابة مذكراتها!؟.
ولماذا نتعامى عن البحث والتنقيب عن الخيول الشابة والمبدعة، ونعطيها الفرصة ونساعدها وندعمها؟.
ألم يقدم حبيبنا صلى الله عليه وسلم مصعباً في منصب أول سفير، وعلي في ليلة الهجرة، وأسامه بن زيد في قيادة الجيش، ومعاذاً بن عمرو بن الجموح ومعوذاً بن عفراء؛ يوم بدر فقتلا فرعون الأمة أبا جهل؟!.
وأخشى أن تكون هذه سياسة مؤسسية متعمدة ميتة؛ أي قد آن زوالها، ومميتة؛ فتميت معظم الدماء الجديدة، وتميت نفسها أيضاً!؟.
وبعد ...
فهذه عينة بسيطة من خيولنا الميتة التي تناشدنا التعجيل بشهادات الوفاة، ثم الدعاء والاسترحام؛ فقد أفضوا لِما قدموا!؟.
وشكر الله سعيكم جميعاً، ...
ولا أراكم الله مكروهاً في مؤسساتكم، ورموزكم، وقادتكم، ودولكم، وأمتكم!!!؟؟؟.
ولا عزاء للهاربين والهاربات، والعاجزين والعاجزات، والمتحجرين والمتحجرات!!!؟؟؟.
منـــــــــــــــقـــــــــــــــــول