لزوم البيت أمان من المعاصي والفتن
30-10-2017, 09:47 AM
لزوم البيت أمان من المعاصي والفتن

سعيد مصطفى دياب
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟، قال:
« أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك » [1].

فائدة لزوم العبد بيته:
لزوم البيت أمان منالفتن:
والفتن نوعان: الذنوب والمعاصي، والفتن التي تموج موج البحر.
فمن الفتن: الذنوب والمعاصي، وقد دل على ذلك: ما رواه حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير، فأي قلب أنكرها :نكتت فيه نكتة بيضاء، وأي قلب أشربها: نكتت فيه نكتة سوداء حتى تصير القلوب على قلبين: أبيض مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربد كالكوز مجخيًا"، وأمال كفه:" لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه» [2].
عن حذيفة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟، فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر»، قال: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال: يفتح الباب أو يكسر؟، قال: لا، بل يكسر، قال: ذاك أحرى أن لا يغلق، قلنا: علم عمر الباب؟، قال: نعم، كما أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقًا فسأله، فقال: من الباب؟، قال: عمر [3].

لزوم البيت أمان من كثير منالذنوب والمعاصي:
من فوائد لزوم المسلم بيته: أن في لزوم البيت أمان من كثير من الذنوب والمعاصي، فمن ذلك: النظر إلى الحرام، لاسيما في كثير من المجمعات التي يكثر فيها الاختلاط، وإلف المعاصي، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن ذلك: الوقوع في الغيبة والنميمة والبهتان لاسيما في كثير من المجالس التي تخلوا من ذكر الله تعالى.
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس في الطرقات». قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حقه قال «غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»[4].

لزوم البيت أمان منالفتنالتي تموج كموج البحر:
ومن فوائد لزوم المسلم بيته: أن في لزوم البيت أمان من الفتن التي تموج كموج البحر، التي يصبح فيها العبد مؤمنًا ويمسي كافرًا عياذًا بالله أو يمسي مؤمناً ويصبح كافرًا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا»[5].
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت يا أبا ذر وموتًا يصيب الناس حتى يقوم البيت بالوصيف؟»- يعني القبر- قلت: ما خار الله لي ورسوله - أو قال: الله ورسوله أعلم-قال: «تصبر» قال: «كيف أنت، وجوعًا يصيب الناس، حتى تأتي مسجدك، فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك، ولا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم- أو ما خار الله لي ورسوله- قال: «عليك بالعفة» ثم قال: «كيف أنت، وقتلًا يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم؟» قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: «الحق بمن أنت منه»، قال: قلت: يا رسول الله، أفلا آخذ بسيفي، فأضرب به من فعل ذلك، قال: «شاركت القوم إذًا، ولكن ادخل بيتك»، قلت: يا رسول الله، فإن دخل بيتي؟، قال: «إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف، فألق طرف ردائك على وجهك، فيبوء بإثمه وإثمك، فيكون من أصحاب النار» [6].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة ، فقال: «إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا». وشبك بين أصابعه، قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك، جعلني الله فداك، قال: «الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة» [7].

استحباب صلاة النوافل في البيوت:
من فوائد لزوم المسلم بيته: ما يحصل في البيت من البركة والخير بسبب الصلاة، وتلاوة القرآن، وتقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا» [8].
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرةً في المسجد من حصير، فصلى رسول الله رضي الله عنه فيها ليالي، حتى اجتمع إليه ناس، ثم فقدوا صوته ليلةً، فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال: «ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم، حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا الصلاة المكتوبة» [9].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل بيتًا يقرأ فيه سورة البقرة» [10].
وعن عاصم بن عمرو البجلي يحدث عن رجل من القوم الذين سألوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا له: إنما أتيناك نسألك عن ثلاث: عن صلاة الرجل في بيته تطوعاً، وعن الغسل من الجنابة، وعن الرجل ما يصلح له من امرأته إذا كانت حائضاً، فقال: أسحار أنتم ؟، لقد سألتموني عن شيء ما سألني عنه أحد منذ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صلاة الرجل في بيته تطوعاً نور، فمن شاء نور بيته» وقال في الغسل من الجنابة: «يغسل فرجه ثم يتوضأ ثم يفيض على رأسه ثلاثاً». وقال في الحائض «له ما فوق الإزار» [11].

حسن تربية الأولاد:
من فوائد ملازمة البيت إلا لما لابد منه كالصلاة المفروضة، وكسب المعاش، وحضور الجمع والجماعات والعيدين، وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وصلة الأرحام، وحضور مجالس العلم، وغيرها مما يحتاجه العبد في حياته، ومنها : تعاهد الأهل والأولاد بالتربية، ومما يؤسف له :أن كثيرًا من الناس يتركون أولادهم بلا تربية ولا تأديب، فمنهم: من يسلم أولاده إلى الخدم ليتولوا تربيتهم، ومنهم: من يسلمهم لوسائل الإعلام، يأخذون منها دينهم ويستقون منها عقيدتهم، ومنهم :من يسلم أولادهم لقرنائهم يتعلمون منهم ويتخلقون بأخلاقهم، فإذا ما وجد انحرافا في سلوك أولاده، واعوجاجا في أخلاقهم، تملكه العجب!!؟، ولم يعلم أنه: إنما أتي من قبيل فعله السيئ وعمله القبيح، لأنه من أحلاس المقاهي مثلا، أو لأنه لا يرى أولاده إلا نادرًا، ولا يعرف عنهم أكثر مما يعرفه الغريب!!؟.
لذلك قيل:
ليس اليتيم من انتهى أبواه ÷ من هم الحياة وخلفاه ذليلًا
إن اليتيم هو الذي تلقى له ÷ أمًا تخلت أو أبًا مشغولًا
هوامش:
[1] رواه أحمد، والترمذي بسند صحيح وقد تقدم.
[2] رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا - حديث: ‏233‏.
[3] رواه البخاري،كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر - حديث: ‏6701‏، ومسلم-كتاب الفتن وأشراط الساعة،باب الفتنة التي تموج كموج البحر، حديث: 7096.
[4] رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا ﴾- حديث: ‏5884، ومسلم-كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه - حديث: ‏4054‏.
[5] رواه مسلم،كتاب الأيمان،باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، حديث: 186.
[6] رواه أحمد، حديث: ‏20919‏، وأبو داود- كتاب الفتن والملاحم، باب في النهي عن السعي في الفتنة، حديث: ‏3735‏، وابن ماجه- كتاب الفتن، باب التثبت في الفتنة- حديث: ‏3956‏ وابن حبان- ذكر البيان بأن على المرء عند وقوع الفتن العزلة والسكون، حديث: ‏6045‏ بسند صحيح.
[7]رواه أحمد، حديث: ‏6827‏، ورواه أبو داود- كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي- حديث: ‏3801‏ بسند صحيح.
[8] رواه البخاري، كتاب الصلاة، أبواب استقبال القبلة - باب كراهية الصلاة في المقابر، حديث: ‏424‏، ومسلم- كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته - حديث: ‏1336‏.
[9] رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، حديث: ‏6881‏، ومسلم - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، حديث: ‏1341‏.
[10] رواه الحاكم، كتاب فضائل القرآن، أخبار في فضل سورة البقرة - حديث: ‏2005‏، والطبراني في الكبير- حديث: ‏8522‏.
[11] رواه أحمد، حديث: ‏87‏.