الزوجـــــــــــــــــــــــــة الثالثة
22-10-2019, 04:49 PM
* الزوجة الثالثة *
- فوق أرصفة خيالي لمحتها من بعيد جداً، تمشي بحذاءها ذي الكعب العالي ..... انثى تتهادى مثل سنبلة خضراء حين يعانقها نسيم الفجر وقت الربيع، ترتدي فستانا أحمر أخاذ، ورائحة العود والبخور تنساب من شعرها المخملي ..... كما ينساب عبق الأقحوان من الحقول الغناء.....
تلك الأنثى هي أنت يا حنان -
توقف عن كتابة الرسالة فجأة .... بحركة عصبية مزق الورقة شر ممزق وقذف بها صوب سلة المهملات.
تلك الورقة كانت الثامنة في ترتيب الرسائل المقبورة في سلة المهملات.
لم ترقه المفردات ولا أسلوب الانشاء.. و فكر أحمد في شرود "حنان تستحق أجمل رسالة وأرقى باقة ورد وأفخم قارورة عطر وأعظم قصيدة شعر."..
وحدث نفسه: حنان تستحق مني ان اضع كوكب الأرض كله على وجنتها الدافئة.
- طق طق طق طق -أحدهم قرع باب الغرفة ليختطفه اختطافاً من نهر التخيلات..
دخلت ابنته سهام ووضعت امامه فنجان قهوة وعلبة سجائر – غولواز- ثم تلاشت في صمت كما يتلاشى السراب اللذيذ في ظهيرة صيف ....
سهام أصغر بناته لازالت تدرس في الثانوية في قسم نهائي علوم وابنته الكبرى متزوجة في الكويت ولها صبي جميل أما ابنته الوسطى فهي مخطوبة، ومنذ أيام أرسل اليها خطيبها رسالة قصيرة في الهاتف المحمول.
"حبيبتي الرائعة أنا في أول الطريق وسأكافح من أجلنا، صحيح أننا مخطوبان منذ سنتين لكن المستقبل لنا .... أحبك".
سحب نفسا عميقا من السيجارة و أحرق معه شيئا من الشوق و الحنين و السخط .
تطلع نحو المرآة الصقيلة ... مسح شاربه الدقيق ثم تأمل بأسى تلك الشعرات البيضاء التي تسللت إلى رأسه في غفلة من الزمن...
قرر أن يكتب مرة ومرة إلى حنان .... لكن الحروف والعبارات تمردت عليه كما يتمرد الأسد على مدربه...
ومزق الورقة كما صنع منذ لحظات. و لعن الكتابة و الحروف و الرسائل ووو..
لقد وجد في حنان ما افتقده في زوجته الأولى و أم بناته ورفيقة دربه الطويل . فقد التهمتها مشاغل البنات ومصاريف البيت ومشاكل الحياة و متاعب ضغط الدم الذي أنهكها كثيرا...
والزوجة الثانية منقطعة لمهنة المحاماة ومستغرقة طوال الوقت في البحوث العلمية والمؤتمرات التي تكاد لا تنتهي .
و هي حريصة على المال أكثر من " بخلاء الجاحظ"ولا يستطيع المرء ان يظفر من راتبها بدينار إلا بشق الانفس.
لقد وجد في حنان الأحاسيس الجياشة والأنوثة الطاغية والشباب الزاهر الذي لا يشيخ...
والدتها من أصول بلقانيه . وأبوها ضابط متقاعد من لبنان...لقد فقد ساقه اليمنى ذات يوم في حصار بيروت من طرف الجنود الصهاينة...
بالأمس فقط اقتنى من الدكاكين ثلاثة أشياء جميلة وثمينة في نظره :
"ربطة عنق باريسية وردية اللون.
قارورة عطر من الصنف النادر
ديوان شعر للأخطل الصغير."
منذ رمقت عيناه طيف حنان للوهلة الأولى شعر انه في حالة عشق سرمدي محفوف بكل ورود الأرض وازهارها ...
حلق ذقنه واستعاد شيئا من وسامته التي شوشت عليها تلك الشعرات البيضاء المقرفة ... ارتدى بذلة المناسبات السعيدة وعلق على عنقه تلك الربطة الباريسية الانيقة.
لبس حذائه البني ثم مس شيئا من الطيب ودلف بسرعة الى الشارع العريض...
أوقد سيجارة جديدة وراح يتسكع بين الأزقة و الساحات في اريحية كأنه فتى يافع...
تجول بين جميع الجادات والأسواق .... مكث في مقهى - عم قدور- ردحا من الوقت.
و ابتلع عددا لا بأس به من كؤوس الشاي.
وسرعان ما وقف جاثما أمام بوابة شامخة تحمل لافتة ضخمة كتبوا عليها (ثانوية البنات).
(سرررررنننننن) انتفض جرس خروج الطالبات ....
زخم من البنات تدفق من البوابة في هدوء وأدب، و رمق من بعيد ملامح حنان ....
تسارعت نبضات قلبه وشعر بالدفء يملأ عروقه وشرايينه رغم برودة الطقس الذي يجتاح المكان.
تقدمت حنان نحوه، و كانت تضم كتبا ودفاتر كثيرة ...
وبسطت يدها مصافحة وقالت:
-تأخرت قليلا يا أحمد ... سامحني. -
تلقف يدها الغضة بيدين خشنتين وهمس:
- كل دقائق عمري فداء لك يا حنان. –
ابتسمت حنان أمام هذا الإطراء الجميل. تورمت وجنتاها في خجل و أشرق سناء باهر من ثنايا أسنانها اللؤلئية و لاذت بصمت لذيذ..
بدد أحمد ذلك الصمت الطويل. ضغط على يد الفتاة برقة و همس في سمعها بعد تردد غير طويل :
- انتظريني غدا بعد العصر. لأنني سوف أزوركم في البيت . و أقابل والدك الكريم -.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو المجد مصطفى ; 24-10-2019 الساعة 05:02 PM