القبول بتصنيف حزب الله تنظيما إرهابيا هو قبولٌ بتصنيف بن مهيدي وبومدين إرهابيين
13-04-2016, 09:48 AM


حاوره: عبد السلام سكية

صحافي ورئيس قسم الشؤون الدولية بجريدة الشروق اليومي
ADVERTISEMENT
وإن كان حاملا لجنسية لبنانية، منذ ميلاده عام 1944، لكنه يقدم نفسه على انه عربي، مثقل بهموم العالم العربي، وليس بوطنه لبنان فقط، هو معن بشور، الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، والذي يدافع عن حزب الله، وينتقد موقف الأنظمة العربية التي صنفته تنظيما إرهابيا، وبقدر دفاعه عن حزب الله، يدافع في هذا الحوار مع "الشروق"، عن سوريا، ويتهجّم على الجامعة العربية وأمينها العام الجديد، ليعمم انتقاداته إلى أنظمة الخليج وتركيا.
كيف يمكن توصيف الواقع العربي بعد 5 سنوات من الحراك الشعبي والتغييرات التي حصلت في عدد من العواصم العربية، فيما تبقى القضية الفلسطينية تراوح مكانها؟
أولاً، يجب أن لا نلغي الرباط الحاصل بين الواقع العربي والقضية المركزية، لأنه من الصعب أن نفهم مستقبل الأمة العربية بدون حديثٍ عن مستقبل القضية الفلسطينية، ولا يمكن إغفال العلامات المضيئة في واقعنا العربي، وهي هذه الانتفاضات، التي نراها اليوم في فلسطين وتهزّ أركان العدو، وتُقلق مواطنه، حتى أن شابا فلسطينيا جعل الصهاينة يمنعون السير لأكثر من أسبوع، وهم يبحثون عنهم.
هذا التطوّر الحاصل في القضية الفلسطينية، يعبر عن نفسه، بالداخل، وبهذا التفاعل الدولي المتنامي، وهو تفاعل نود أن نجسده في منتدى نحضّر له بعد أيام بتونس تحت عنوان "المنتدى الدولي الثاني للعدالة لفلسطين"، من أجل أن نفعِّل شبكة عربية دولية تجاه القضية الفلسطينية، لكن نقطة الضعف في هذا المشهد، أن نجد قضية فلسطين تتحوّل إلى قضية عالمية، لكن عالمنا العربي مسكونٌ بحالات من التمزق والاحتراب الداخلي والحروب الخارجية.
من هنا نعتقد أن ما يجري في آخر المطاف هو مخاض، من اجل الانتقال من مرحلة إلى أخرى، في بداية الربيع العربي قدّمتُ ورقة للمؤتمر الإسلامي العربي الذي عُقد في بيروت، في شهر أفريل 2011 أي بعد 3 أشهر من بداية الحراك، وقلت يومها إننا سنواجه استعصاءات وليس تحدّيات أو مصائب، نتيجة عدة عوامل، وقلت حتى ولو لم يحقق هذا الحراك أهدافه، فإنه سيلقي بظِلاله، على المستقبل العربي.
الملاحظ كذلك، أن حركات التغيير لم تكن محصّنة بالشكل الكافي، أنا أؤمن بتلازم التغيير والإصلاح مع التحصين والبناء، بمعنى أن تغييرا بلا تحصين وطني، وبدون تجاوز الانقسامات الاجتماعية والمذهبية والطائفية، سيتحوّل التغيير إلى فوضى أمنية، وهذا الذي جرى في اليمن وسوريا وليبيا.

بحديثنا عن الواقع العربي، هنالك كيانٌ يفترض أن يجمعنا ويكون بيت العرب الكبير، ونقصد به الجامعة العربية، هل لازالت هنالك إمكانية للمراهنة عليه؟ وهل الحال قابل للتحقيق في ظل شخص اسمه أبو الغيط؟
حتى أوضّح موقفنا دون لبس، نحن مع الحفاظ على كل شكل من أشكال الرابطة العربية، لأننا نعتبر أن هنالك مشروعاً لتدمير وتفتيت الهوية العربية. وبهذا المعنى، إذا كانت الجامعة هي رابطة، وهي بالفعل، فنحن حريصون عليها، لكنها وخصوصا منذ الأزمة العراقية، تخلت عن مسؤولياتها، وتخلت عن ميثاقها.
هي لم تفعل شيئا إزاء العراق، واحتلت أول عاصمة عربية قبل 13 سنة تحت أنظار الجامعة العربية، على العكس سكتت عن الحصار، ثم كرست مفاعيل الاحتلال، حتى اتخذت المنظمات الإقليمية من اعتراف الجامعة بمفاعيل الاحتلال لتعترف به، ونحن في لبنان كنا نواجه العدوان الصهيوني ولم نشعر أن هنالك فعلا لنصرة لبنان، الذي احتلت ثلثُ أراضيه ووصلت إلى عاصمته ولم تُعقد قمة واحدة، وانتصر لبنان بمقاومته، ثم جاءت قضية ليبيا، وعوض أن تكون الجامعة العربية بيتاً لحل الأزمة أصبحت جزءاً من المشكلة، واستدعت قوات الناتو لتدمير البلد بحُجّة الدفاع عن المدنيين، وفي سوريا بدل أن تكون الجامعة جزءا من الحل، تحولت إلى جزء من المشكلة، خصوصا بعد ما اتخذت من بدع من دول عربية بإخراج سوريا من الجامعة، وسوريا بلد مؤسِّس وحملت راية العروبة وساهمت وانتصرت لكل القضايا العربية، فكان الأمر إخراجها من الجامعة، وتم الاستعانة والاستقواء بالأجنبي لتدمير سوريا، لكن الأمر لم ينجح، وهو الحال في البحرين والسودان واليمن، بالمحصلة الجامعة مستقيلة من منصبها، ولا تكون عندما يكون وجودها مفيدا، وتكون موجودة لمّا يكون وجودها مضرا للقضية العربية، ولكن مع ذلك لا بد ان ننتبه إلى ان هنالك مشروعا قديما يريد إلغاء النظام الرسمي العربي لإقامة نظام شرق أوسطي، يكون فيه قلبه الكيان الصهيوني وفي قلبه تركيا، وهذا مشروع قديم يجب أن ننتبه له، نحن نهاجم الجامعة العربية، لكن يجب ان لا نندفع، حتى لا ينهار الكيان.
وفي الوقت الذي تُستخدم الجامعة العربية، تنمو محاولات التطبيع مع الصهاينة، ونرى العلم الإسرائيلي في عواصم عربية، وكأنه تمهيدٌ لتصبح هنالك جامعة فيها الكيان الصهيوني، هذا المشروع طرحه شمعون بيريز، لهذا علينا المحافظة على هذا الكيان العربي مع تنظيفه من الأوساخ والأوبئة التي تسكنه، من هنا لم ننظر بارتياح إلى تعيين وزير خارجية مبارك، وكونه وزير خارجية مبارك لا تكفي لنتحامل عليه، لكن يؤلمنا أن هذا الوزير وقف إلى جانب تسيبي ليفني، ليعلن العدوان على غزة في أواخر ديسمبر 2008، فهو يحتاج إلى عمل كبير ليغير هذا الانطباع.

شبّهت الواقع العربي، بما عاشته أوروبا في القرن ما قبل الماضي، لكن هل الراهن العربي حُكم بالمطلق على وأد النهوض للعرب في المدى المتوسط على الأقل؟ وكيف يمكن استغلال هذه الثورة أو الفورة الشعبية؟

بغضّ النظر عن المسار الذي اتخذته الثورات الشعبية، وهو مسار تدميري دموي، علينا ان نعترف أن هذه المسارات قد قالت للجميع، إن هنالك شعبا عربيا مازال موجودا، وإذا لم تنجح حركته اليوم، نتيجة لقوى أخذت الثورة إلى مكان آخر، فهذا لا يعني انها لا تستمرّ، قبل الثورة العربية لم يكن للحاكم العربي إلا البحث كيف يسترضي واشنطن لكي يبقى في كرسيه، والبعض يسترضي تل ابيب لترضى عليه واشنطن ليبقى في سدة الحكم، الآن كل حاكم عربي بات يحسب لشارعه وشعبه.
علينا أن نقرأ الواقع بعينين، فهنالك مطالب مشروعة، وهنالك جهاتٌ لها أجنداتٌ مشبوهة لتنفيذ مخططاتها، هنالك قسمان: قسم مملوء نبني عليه، وآخر فارغ نملؤه، وهذا يبدأ بإعادة الاعتبار للقوى العربية، لما شاهدت كيف أن شباب الجزائر ينتصر لفلسطين على المدرّجات، آمنتُ بأبناء أمتنا، لما أرى الشباب في فلسطين والمقاومة في لبنان تنتصر على العدو الذي قيل بشأنه انه لا ينهزم، وكذا المقاومة في العراق... هذه كلها بوادر إيجابية يمكن الاتِّكال عليها، وانتصاراتنا كذلك يمكن أن تكون عبر 4 ميمات، المقاومة والمراجعة والمصالحة والمشاركة، مقاومة الاحتلال وكل واحد منا يراجع نفسه، ثم المصالحة بين قوى تصارعت لسنوات، هذه المصالحة أساس الوحدة الوطنية، وبعدها لا بد من المشاركة، لازلت اعتقد أن المقاومة لازالت مطلوبة سواء مقاومة العدوّ الخارجي أو السلبيات داخلنا.
وفكرتنا في المؤتمر القومي العربي والإسلامي، أن نكون هنالك أطرا تجمع الملتزمين بالمشروع النهضوي بغض النظر عن خلفياتهم العقائدية، قد يكون يساريا أو قوميا أو ليبيريا وطنيا، يلتقون وراء هذا المشروع، وهذا يشمل بداية إخراج أمتنا من واقعنا الراهن.

توقفت لأكثر من مرة عند المقاومة اللبنانية، والمقاومة اللبنانية هي حزب الله، هذا الحزب في منظور الأنظمة العربية كيان إرهابي، هل كنت تتوقع أن يُدرج يوماً ضمن التنظيمات الإرهابية؟ وما تعليقك على خطوة العرب تجاه الحزب؟
إذا قلتُ إنني كنت لا أتوقع فمعناه أني كنت أحسن الظن بهذه الأنظمة العربية، وأنا لا أحسن الظن بها، وهل يقبل الجزائري يوما أن يُصنف أبطال الثورة، أبطال التحرير بالإرهاب؟ هل يقبل جزائري أن يطلق على بن مهيدي أو ديدوش مراد أو حسين آيت أحمد أو بن بلة أو بومدين، أو على لخضر بورقعة هذا الوصف، لأنهم كافحوا وجاهدوا؟ هل يقبل الأمريكي أن يُطلق على جورج واشنطن وصف الإرهابي؟ هل يقبل الفرنسي ان توصف جان دارك بالإرهاب؟ والأمثلة كثيرة. هذه مع الأسف الشديد أوراق اعتماد تقدّمها بعض الأنظمة العربية لمن تعتقد أنه صاحب الكلمة الأولى في المنطقة وهو الكيان الصهيوني، ولكن أعتقد أن هذه القرارات لن تنجح، وهي مناسبة لأعلن أن موقف الجزائر المتحفظ على القرار كان موضع تقدير واسع من كل أبناء الأمة العربية، وهو موقف تنسجم الجزائر مع نفسها وتاريخها وتراثها المقاوم المجاهِد ضد الاحتلال.
هذا قرارٌ جائر ظالم، ويضاف إلى ذلك أن القرار يحاول أن يُدخل لبنان في فتنة، لأنك تتهم حزباً له نواب وله وزراء وله شريحة اجتماعية كبيرة في لبنان، وليس صحيحا أنه مؤيَّد من الشيعة فقط، هنالك لبنانيون وطنيون من كل الطوائف، يؤيدون الحزب، ويعتبرونه درعا للبنان في وجه الصهاينة من جهة، وفي وجه التفاعلات التي نراها في المنطقة.

كذلك يُنظر إلى الحزب على انه أخطأ، بل أجرم في حق السوريين، وهذا الحكم أطلقته شخصياتٌ لبنانية شيعية، أمثال علي الأمين وعلي الحسيني وصبحي الطفيلي الذي أسس الحزب وكان أول أمين عام له؟
هذه مسائل تحتاج إلى جلسات بحث، بعيدا عن التوترات، بالنسبة لإخواننا في حزب الله، هم يعتقدون أنهم يدافعون عن أنفسهم عندما ذهبوا إلى سوريا، وهم يعتقدون كذلك أن بعض المعارضين السوريين قد أذاعوا كلاما مفاده "أننا إذا انتصرنا فسنقضي على حزب الله"، وهنالك عمق استراتيجي اسمه سوريا، هنالك من يقول أكثر من ذلك، يقول إن سوريا تدفع ثمن دعمها للحزب، فيما جرى فيها، والواجب الأخلاقي ناهيك عن الواجب القومي يقتضي على الحزب أن ينتصر لسوريا، ونحن نعلم أن الانتصار الذي تحقق عام 2006 فرح له العرب جميعا بما في ذلك الجزائريون، في هذه الحرب كان هنالك شريكٌ أساسي هي سوريا.

قياسا على موقف الجزائر من الحزب، كيف تقرأ زيارة وليد المعلم لها؟
الجزائر ومنذ اللحظة الأولى، للأزمة السورية، كانت منسجمة مع نفسها، كانت تدعو إلى حل سياسي، كانت تدرك أن ما يحاك لسوريا شبيه بما عاشته في العشرية الأليمة، وبالتالي كانت الأكثر تحسّسا لما يجري في سوريا، وأنا أذكر أني جئت إلى الجزائر في الأيام الأولى لتلك الأحداث، والتقيت بكل أصدقائي وكانت الصورة يُتحكم فيها إعلاميا من جانب واحد، ولكن في النقاشات التي تمت تيقنتُ أن للصورة جوانب أخرى، ليست فقط مطالب مشروعة كنا معها اليوم وغدا، لكن في الأمر أجندات أخرى مشبوهة، ولهذا كانت للجزائر تحفّظات على المسار التي تسير فيه الأمور، وهذا ظهر في أكثر من اجتماع بالجامعة العربية، حتى أن رئيس وزراء سابق لدولة خليجية صغيرة هدّد الجزائر بالقول "إن الدور سيأتي عليكم"، وكأنه قائد الثورات العربية، أقول مرة أخرى إن الموقف الجزائري منسجمٌ مع مواقفها الثابتة ومع تاريخها، عكس مواقف عربية أخرى مبنية على أساس الخوف أو التواطؤ.

ألا ترى أن موقف القوميين العرب يطبعها شيءٌ العنصرية العربية، وهذا مكرّس بشدة تجاه تركيا، لماذا؟

التيار القومي العربي تيارٌ يقوم على رفض العنصرية، يعتبر أن العروبة هوية ثقافية يشترك فيها كل أبناء الحضارة العربية الإسلامية، عروبتنا تقتضي بنا أن نقيم أفضل العلاقات مع غيرنا، سواء مع تركيا أو إيران، وإثيوبيا، ودول الساحل والصحراء، إذا أتينا إلى السياسة، البعض يهاجمنا لأننا لا ننتقد إيران، والبعض يهاجمنا أننا لا ننتقد تركيا، نحن لا نهاجم تركيا، لكننا معترضون على سياسة اردوغان، لأننا نعتقد أن هذه السياسات مضرّة بتركيا قبل أن تضرّ بالعرب، نحن نعترض على السياسة الإيرانية في العراق، لما نهاجم أو ننتقد تركيا أو إيران نحن نصارحهم بأخطائهم، لكن اردوغان اختار السياسة، وهذا الكلام أبلغته لسفير تركيا في لبنان، وأبلغته ان يوصل الحديث إلى اردوغان من صديق لتركيا وحريص على إقامة علاقة قوية بين الأقطار العربية وتركيا، ومفاد رسالتي انه إذا تصرف كرئيس حزب فستخسر بلاده وسيخسر الحزب، وإذا تصرف كرئيس لتركيا فستربح تركيا ويربح الحزب، لكن مع الأسف وقع في سوء تقدير، ووقع في أمرين أُحذر منهما، الشعور بفائض القوة وهو في كثير من الأحيان يجعلك تسيء التقدير، فتقع في أخطاء تنعكس عليك، وحالة الإنكار، أمريكا أكبر قوة في العالم لما دخلت في حالة الإنكار ولا ترى ما يجري في العالم بدأت تخسر، الإنكار يزيد التورط في المشاكل، اردوغان لم يكن يتصور أن تصمد الدولة السورية لهذا الوقت، وأعتقدَ أن المسألة مسالة أسابيع أو أشهر، ومرت الأسابيع والأشهر والسنوات ولم يتحقق ما كان يتوقع.

إضافة إلى تشكيات العرب من تركيا وإيران، هنالك تشكيات من السعودية؟
اعتقد أن النظام الحاكم في الجزيرة العربية، وقع في الخطأين السابقين، الاعتقاد أن فائض القوة يسمح له بفعل ما يريد، وهنا فائض القوة مالي، والشيء الآخر هو الإنكار، وبالتالي لما تنكر تسعى إلى الاندفاع أكثر نحو الخطأ، اعتقد أن السعودية تشعر بخطأ السياسات التي اعتمدت في السنوات الأخيرة وتحديدا في حرب اليمن، وبدأت تتراجع.