ضبط مراصد المراقبة لحال الأمة
14-03-2009, 04:31 AM
ضبط مراصد المراقبة لحال الأمة

يقولون: النظر للشيء عن بُعدٍ، يكون أجمل. وقد تكون حجتهم في ذلك نابعة من حادثة معينة أو وجه قبيح تم تلطيف ملامحه بمساحيق التجميل، فما أن يقترب الناظر منه حتى يستطيع قراءة ما تحت خطوط التصحيح من قبح مستتر.

وكلما كانت المسافة التي تفصل بين الرائي والمرئي، أو السامع والمسموع، أو المسموع عنه بعيدة، كلما سقطت تفاصيل كثيرة عنه، وقد يكون سقوط التفاصيل في صالحه، كما يحصل من يشاهد أهرام مصر، فإن جبروت فرعون سيختفي أو يتحول لخصلة جيدة، وآهات العبيد الذين رفعوا حجارة الأهرام لن تُسمع، ولن يتذكرهم أحد بأن لهم دور في البناء، ويبقى الناس يتذكرون الفرعون الذي اقترن اسمه باسم الهرم.

وأحيانا تسقط الخصال الحميدة وتختفي الرتوش الجميلة في لوحة قديمة لتتحول الصورة الى صورة قبيحة منفرة لم يتبق منها إلا ما هو رديء، فتختفي جهود هرون الرشيد في الترجمة وبناء الدولة وتشجيع الصناعات ورعايتها ووقوفه كالطود الشامخ أمام هرقل الروم (نقفور) ويتذكر من يريد صور أبي نواس و الجاريات وحالات اللهو.

وفي العصور الراهنة، من ينظر الى حال الأمة، سيتناسى أكثر من عشرة ملايين شهيد قدموا أرواحهم خلال نصف قرن، وسينسى مئات بل آلاف من المفكرين والأدباء و الشعراء الذين أشروا على حالات الترهل ووضعوا وصفات لا عيب بها بل العيب بمن قفز عن خطوة أو أكثر من تلك الوصفات، فكان مثله كمثل من يطبق وصفة لتحضير طبق من الطعام الساخن ويقفز عن خطوة إشعال النار.

تتحالف الصور القديمة المنزوع منها (الدسم: الجودة) مع الصور الراهنة، المسلط على الرديء منها الضوء، وتطرح على أبناء الأمة، لتقول لهم هذه أمتكم! وبالمقابل فإن الخبيث الذي يعد لمثل ذلك لا ينسى تحضير الكثير من الصور الجميلة المنزوع منها كل ما هو رديء (وما أكثره) من صور الغرب ليقتدي بها أبناء الأمة.


في حالات التعذيب والأسر والمهانة التي يعقبها انتصار تصبح مواضع السياط على الظهر نياشين فخر وكبرياء، وهكذا تم الاحتفاء ب (نيلسون مانديلا) ليكون بطلا، لا على صعيد جنوب إفريقيا فحسب، بل على صعيد كل العالم.

وبلادنا العربية بها من المناضلين المئات ممن كسروا الرقم القياسي لنيلسون مانديلا، ولا ينقصنا شيء إلا الانتصار، لنجعل من موقع المشاهدة مرصدا دقيقا ومنصفا.