حديث جليبيب
27-07-2018, 12:03 AM
كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له جُليبيب1 ، كان في وجهه دمامة، و كان فقيراً ويكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، و لا يتخلف عن أول صفوف المصلين، أما إذا نودي للقتال فتجده أول المجاهدين.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم :
يا جُليبيب ألا تتزوج يا جُليبيب؟
فقال : يا رسول الله ومن يزوجني يا رسول الله؟!
فقال الرسول : أنا أزوجك يا جُليبيب.
فالتفت جُليبيب إلى الرسول فقال: إذاً تجدُني كاسداً يا رسول الله ...
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: غير أنك عند الله لست بكاسد ،
ثم لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يتحيّن الفرص حتى يزوج جُليبيا، فجاء في يوم من الأيام رجلٌ من الأنصار قد توفي زوج ابنته، و استأمر النبي في تزويجها، وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيِّم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي فيها حاجة أم لا، فقال له النبي : نعم ولكن لا أتزوجها أنا، فرد عليه الأب : لمن يا رسول الله؟
فقال صلى الله عليه وسلم: أزوجها جُليبيبا ..
فقال ذلك الرجل: يا رسول الله تزوجها لجُليبيب ، يا رسول الله انتظر حتى استأمر أمها !!
ثم مضى إلى أمها وقال لها
إن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إليك ابنتك
قالت : نعم و نعمين برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يردّ النبي صلى الله عليه وسلم . ..
فقال لها : إنه ليس يريدها لنفسه ...!!
قالت : لمن ؟
قال : يريدها لجُليبيب !!
قالت : لجُليبيب لا لعمر الله لا أزوِّج جُليبيب وقد منعناها فلاناً وفلانا
فاغتمّ أبوها لذلك ثم قام ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم
فصاحت الفتاة من خدرها وقالت لأبويها :
من خطبني إليكما؟؟ قال الأب : خطبك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ..
قالت : أفتردَّان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... أمره ،
ادفعاني إلى رسول الله فإنه لن يُضَيِّعني !
قال أبوها : نعم ..
ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله شأنك بها
... فدعا النبي صلى الله عليه وسلم جُليبيبا ثم زوّجه إياها
ورفع النبي صلى الله عليه وسلم كفيه الشريفتين وقال:
اللهم صُبَّ عليهما الخير صبّاً ولا تجعل عيشهما كَدَّاً كَدّاً !!
ثم لم يمضِ على زواجهما أيام، حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة، وخرج معه جُليبيب فلما انتهى القتال، اجتمع الناس و بدؤوا يتفقدون بعضهم بعضاً، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم:
هل تفقدون من أحد؟
قالوا : نعم يا رسول الله نفقد فلان وفلان كل واحد منهم؛ إنما فقد تاجراً أو فقد ابن عمه أو أخاه ...
فقال صلى الله عليه وسلم : نعم ومن تفقدون ؟
قالوا : هؤلاء الذين فقدناهم يا رسول الله ..
فقال صلى الله عليه وسلم: ولكنني أفقد جُليبيباً .. فقوموا نلتمس خبره
ثم قاموا وبحثوا عنه في ساحة القتال وطلبوه مع القتلى، ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم غلبته الجراح فمات .
فوقف النبي صلى الله عليه وسلم على جسده المقطع ثم قال :
قتلتهم ثم قتلوك أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك.
ثم تربَّع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً بجانب هذا الجسد ...
ثم حمل هذا الجسد ووضعه على ساعديه صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يحفروا له قبراً ..
قال أنس : فمكثنا والله نحفر القبر وجُليبيب ماله فراش غير ساعد النبي صلى الله عليه وسلم.
لم يفتقد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد المعركة شريفا ذا حسب، و لا غنيا و لا وجيها عظيما في قومه ذا نسب، بل افتقد جليبيبا و قال يخاطب جثمانه المسجى على ذراعه الشريف: "أنت مني و أنا منك"
و قد مر رجل من فقراء المسلمين على النبي يوما 2 فقال النبي لأصحابه: (ما تقولون في هذا ؟) ، فقالوا : رجل من فقراء المسلمين ، هذا والله حرى إن خطب ألا يُزوّج ، وإن شفع ألا يشفّع ، ثم مر رجل آخر من الأشراف ، فقال : (ما تقولون في هذا ؟) ، قالوا: رجل من أشراف القوم هذا والله حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفّع ، فأشار النبي إلى الرجل الفقير الأول و قال :
(والله هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا) .
و لرب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره
يقول تعالى:
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص-83

___________________
1.صحيح مسلم 2472.
2. صحيح البخاري 6447